لا يختلف اثنان من المسلمين ان الحربي مهدر الدم، ومباح القتل، لأن المقتضي ثابت بخروجه -أي الحربي- عن عصمة الأمان أو بنقضه للعهود والمواثيق. وفي هذا يتفق حكم الشريعة مع القوانين الوضعية على عقاب المحارب والاقتصاص منه.
وقد يكون أظهر مثال على الحربي في وقتنا الراهن هو ذاك القاصد بوسائله الحربية إحتلال الأرض، وهتك العرض، وسلب الخيرات والثروات، وإلحاق الضرر بالمسلمين، وتدنيس حرماتهم، وتدمير حضارتهم، كما تفعل القوات الامريكية في العراق وافغانستان، والاسرائيلية في فلسطين، مع الاختلاف والفوارق في عناصر وأسباب الاحتلال. لكن هل يحق لنا أن نعتبر ان كل منكر للإسلام محارب، بحيث يجوز عليه الحد، وإهدار دمه وماله وعرضه، كما يذهب الى هذا الرأي بعض من ينتسب الى الإسلام. بل هل يجوز ان نعتبر أن من لا يعترف من المسلمين بفكر معين أو يدين بمذهب معين في خانة المحاربين والكفار وبالتالي يُحكم عليه بما يحكم على المحارب.
إنّ ما يجب عليَّ تأكيده أمام ما يشاع من فتاوى تبيح القتل كيفما كان، وأمام ما نشاهده من عمليات إجرامية بحق الابرياء والمدنيين من الناس، سواء داخل بلاد المسلمين او خارجها، أن القاعدة الشرعية الإسلامية توصي بلزوم عصمة الدماء والأموال، وانها ليست مباحة ومهدورة. وأن الاصل في العصمة إما الإيمان أي الإسلام، وإمّا الامان عبر العهود والعقود أو عن طريق اتفاقات الهدنة التي تضع حداً للحرب وتفتح الطريق أمام تحقيق الأمن والاستقرار.
وهناك أدلة كثيرة لا مجال لذكرها توجب عصمة دماء المسلمين بالإيمان، وعصمة دماء غير المسلمين بالأمان والعهود والشروط، والمسلمون عند شروطهم بعدما التزمت دولهم بميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم أي نوع من انواع الاعتداء.
ويجب أن أوضح مرة أخرى أن المنكرين للإسلام إما محاربين وهم الذين أعلنوا العداء للمسلمين وأباحوا دماءَهم وأموالهم وهؤلاء لا شك في وجوب ردعهم كما أسلفنا، وقسم آخر منهم هم أولئك المسالمون الذين التزموا مع المسلمين باتفاقيات سلام، أو عقد كعقود الهدنة أو الموادعة أو عقد الذمة، وهؤلاء معصومة دماؤهم بمسالمتهم وبأمانهم. وحتى لا يقع أحد في المغالطة فإن الكيان الإسرائيلي ووجوده له حيثية خاصة لا محل لبحثها الآن.
إذاً إن ما يحصل اليوم في العراق وغيرها من قتل المسلمين، او ما يحصل في بلاد الغرب وآخرها في لندن، هو نوع من أنواع الحرابة التي تعرف من خلال عناوين عديدة أهمها إخافة الناس وإرعابهم واستعمال العنف والقوة معهم وقتلهم، وإلحاق الأذية بهم وبمصالحهم، بل إن الحرابة لا تقف عند حدود من باشر الفعل، بل تسري الى كل من حرض أو أعان على العنف وإرهاب الآمنين والأبرياء والمدنيين.
وقد قال الله تعالى بحق هذه الفئة ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 1.
وقد أوضح القرآن جزاء هؤلاء الذين يسعون في الأرض فساداً، ويباشرون فعل المنكرات ويبيحون القتل بفتاوى من عندياتهم، لا تعترف بها الشريعة السمحاء التي وضعت ضوابط شديدة في إجراء الحدود، وأن العدوان ضد البشر الممارس بأبشع صورة اليوم في الشرق والغرب على حد سواء هو بمثابة إعلان حرب على الله ورسوله، وهذا يدل على مدى اهتمام الإسلام بسلام الناس وأٍمنهم واستقرارهم وبحقوق المجتمعات والدول، حتى تلك التي لا تعترف بالإسلام. فالمسألة اليوم باتت مهولة من خلال اجتهادات بعض العناصر التي تدعي انتسابها الى الإسلام، بحيث تبرر القتل والاعتداء على الناس، وتسقط عنهم أي عصمة أو حماية، الأمر الذي يترك في أذهان العالم أجمع صورة بشعة عن ثقافة الإسلام وسلوك المسلمين. حيث يوصم الدين الإسلامي بالتخلف والرجعية والإرهاب، والمسلمين بالاجرام والهمجية.
ما هو مطلوب من علماء المسلمين وقفة مسؤولة بمسوى الأحداث الجسام التي تحصل، للتأكيد على براءة الإسلام من كل فعل وحشي يعرض الناس الأبرياء والمدنيين للقتل والأذية، وتوجيه الشباب المسلم نحو القضايا الأساسية، ومعرفة الأعداء الحقيقيين الذين يحتلون الأرض في فلسطين والعراق وكل بلاد المسلمين2.
- 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 33، الصفحة: 113.
- 2. المصدر: جريدة اللواء،الجمعة 22 تموز 2005 ،العدد 11440، سماحة الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله.