الوظيفة الرابعة: صلة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
والمراد بصلته عليه السلام، أن يأخذ المرء من ماله ويدفعه هدية عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ففي الرواية عن مفضل بن عمر قال: “دخلت على أبي عبد الله عليه السلام يوماً ومعي شيء فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك قال: فقال لي: يا مفضل إني لأقبل ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلا ليزكوا به. ثم قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: من مضت له سنةٌ لم يصلنا من ماله قل أو كثر، لم ينظر الله إليه يوم القيامة إلا أن يعفو الله عنه ثم قال: يا مفضل إنها فريضةٌ فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾1، فنحن البرُّ والتقوى، وسبيل الهدى، وباب التقوى، لا يحجب دعاؤنا عن الله، اقتصروا على حلالكم و حرامكم، فسلوا عنه، وإياكم أن تسألوا أحداً من الفقهاء عمَّا لا يعنيكم وعمَّا ستر الله عنكم “2.
وفي تفسير العيَّاشي: “روى أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَلَ﴾3، قال: هو صلة الإمام في كل سنة مما قل أو كثر، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وما أريد بذلك إلا تزكيتكم“4.
وقد تحدثت الكثير من الروايات الشريفة عن الأجر الذي يناله المؤمن من صلته للإمام عليه السلام، ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار”5.
هذا في الآخرة أما في الدنيا فلصلة الإمام عليه السلام أثر في غاية الأهمية وهو قضاء الحوائج، فمن كانت له حاجة إلى الله تعالى فليتقرب إليه بصلة أوليائه المعصومين، ولا سيما إمامنا القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام: “لا تدعوا صِلة آل محمَّد من أموالكم من كان غنياً فعلى قدرِ غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدرِ فقره، ومن أراد أن يقضي الله أهمَّ الحوائج إليه فليصِلْ آل محمَّد وشيعتَهُم بأحوجِ ما يكون إليه من ماله“6.
وقد يطرأ السؤال التالي كيف نوصل هديتنا للإمام الغائب المحجوب عنا عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
والجواب عليه أنه ينبغي أن يصرف المال المُهدَى إليه عجل الله تعالى فرجه الشريف في ما يحرز فيه رضاه، كأن ينفق في المجالس التي تحيي ذكره أو يطبع به الكتب التي تعرف الناس إليه، وتقربهم منه، أو يعطى لمواليه بعنوان الهدية عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف.
الوظيفة الخامسة: الارتباط القلبي به عجل الله تعالى فرجه الشريف
إن الحب والمودة أمر قلبي مأمور به الإنسان المؤمن تجاه أهل البيت عليهم السلام، وهذا ما أشار إليه تعالى في الآية الكريمة ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾7، وفي الرواية أن الله تعالى قال لرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم، قال: تقدَّم أمامك، فتقدمت أمامي وإذا عليُّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة القائم كأنه كوكب دري في وسطهم، فقلت: يا رب من هؤلاء؟
فقال: “هؤلاء الأئمة وهذا القائم، يحلُّ حلالِي ويحرِّم حرامي وينتقم من أعدائي، يا محمد أحببه فإني أحبه وأحب من يحبه“8.
وإذا تملكت المحبة في القلب، فلا بد أن تظهر على جوارح الإنسان وسلوكه وأعماله فتكون كما يأمر الإمام ويرضى الله تعالى، “ لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع“9.
الوظيفة السادسة: تجديد البيعة له عجل الله تعالى فرجه الشريف
وهي أن يعقد الإنسان المؤمن العزم في نفسه على مناصرة الإمام عليه السلام والقتال بين يديه في حال ظهوره، وأن يسمع له في الأمر والنهي، ويلقي بأزمة نفسه بين يديه. هذه البيعة الواردة في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السلام، وفيه: “اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبدا… اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه…“10.
الوظيفة السابعة: الحج نيابةً عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف
فقد روي أن أبا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من أخيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن كان يغسل الأموات وولدٌ آخر يسلك مسالك الأحداث في الإجرام، ودفع إلى أبي محمد حجة يحج بها عن صاحب الزمان عليه السلام، فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد وخرج إلى الحج فلما عاد حكى أنه كان واقفا بالموقف فرأى إلى جانبه شابا حسن الوجه أسمر اللون، بذؤابتين مقبلا على شأنه في الإبتهال والدعاء والتضرع، وحسن العمل فلما قرب نفر الناس التفت إلي فقال: يا شيخ أما تستحيي؟
فقلت: من أي شيءٍ يا سيدي؟قال: يدفع إليك حجة عمن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه – وأومأ إلى عيني – وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة.
وسمع أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت11.
الوظيفة الثامنة: تقديمه عجل الله تعالى فرجه الشريف في الدعاء
وهذا ما يتضح لنا من خلال الشواهد الكثيرة فمن دعاء عرفة للإمام زين العابدين عليه السلام بعد أن مجد الله تعالى يقول:” أللَّهُمَّ إنَّكَ أيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أوَان بِإمَام أقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ وَّمَنارَاً فِي بِلادِكَ، بَعْدَ أنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأمَرْتَ بِامْتِثَالِ أمْرِهِ، وَالانْتِهَآءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَألا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلا يَتَأخَّرَ عَنْهُ مُتَأخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللائِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَآءُ الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ فَأوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأعَزِّ، وَاشْدُدْ أزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأغْلَبِ وَأقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ، وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأحْيِ بِهِ مَا أمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأبِنْ بِهِ الضَّرَّآءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ، وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَألِنْ جَانِبَهُ لأوْلِيَآئِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى أوْلِيآئِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمْ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ، الْمُقْتَفِيْنَ آثَارَهُمْ، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمْ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوَلأيَتِهِمْ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإمَامَتِهِمْ، الْمُسَلِّمِينَ لأمْرِهِمْ الْمُجْتَهِدِيْنَ فِي طاعَتِهِمْ، الْمُنْتَظِرِيْنَ أيَّامَهُمْ، الْمَادِّينَ إلَيْهِمْ أعْيُنَهُمْ، الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الغَادِيَاتِ، الرَّائِماتِ. وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أرْوَاحِهِمْ، وَاجْمَعْ لَى التَّقْوَى أمْرَهُمْ، وَأصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِي دَارِ السَّلأمِ بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الراحمين“12.
* 18 وظيفة في زمن الغيبة, سلسلة بين يدي القائم (عج), نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- آل عمران/92
2- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 93 ص 216
3- الرعد/21
4- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 93 ص 216
5- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 93 ص 215
6- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 93 ص 216
7- الشورى : 23
8- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 36 ص 223
9- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 75 ص174
10- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 53 ص95
11- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 59
12- الصحيفة السجادية – دعاؤه في يوم عرفة .