تتفق مصادر الشيعة على العمل بالتقية للأئمة وغيرهم ـ كما سبق ـ وهي أن يُظهر الإمام غير ما يُبطن ، وقد يقول غير الحق . ومن يستعمل التقية سيكذب ، والكذب معصية !
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
أولاً : إن العمل بالتقية لا يلازم الكذب ، لإمكان الاستفادة من التورية ، لأن التورية ليست كذباً . وقد كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها 1 . فهل كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » يكذب ـ والعياذ بالله ـ وبالتالي ليس معصوماً ؟!
والتورية هي : أن يستعمل كلاماً ذا وجهين ، يقصد هو أحدهما ، فإذا فهم السامع منه المعنى الآخر ، فهل يكون القائل مسؤولاً عن ذلك ؟!
وهذا من قبيل قولهم : إن أحدهم سأل رجلاً عن الوصي بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ليمتحنه بذلك ، فأجاب : من كانت ابنته تحته 2 .
ففهم السني : أنه أبو بكر .
وفهم الشيعي : أنه علي « عليه السلام » .
ومن قبيل ما جرى بين عقيل ومعاوية ، حيث أمره معاوية بلعن علي على المنبر فصعد المنبر ، وقال : إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علياً ، فالعنوه ، عليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين 3 .
فمن الذي قال : إن الأئمة ما كانوا يستعملون أمثال هذه التعابير للتخلص من الخطر المحدق ؟!
ثانياً : لو أن طاغوتاً كان يبحث عن نبي أو وصي ، أو عن مؤمن ليقتله . . وخبأته عندك . . وسألك ذلك الطاغوت عنه ، فهل يجوز لك أن تخبره بمكانه ، وتتسبب بذلك بقتله ؟! أم أن الصدق في مثل هذا المورد حرام ، لأنه يؤدي إلى قتل مؤمن ، أو نبي ، أو وصي ؟!
ألا يدلُّك ذلك : على أنه ليس كل كذب حرام ، وليس كل صدق حلال ؟! بل الصدق معصية في هذا المورد ، والكذب واجب ؟!
ثالثاً : قد شرع الله تعالى التقية بقوله : ﴿ … إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً … ﴾ 4 . فإن كانت التقية كذباً ومعصية ، فكيف يشرعها الله تعالى لعباده ؟!
وقد أمر النبي « صلى الله عليه وآله » عماراً باستعمال التقية مع المشركين ، وقال له : إن عادوا فعد 5 .
وأنتم تقولون : إن الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع .
رابعاً : قد ذكرنا في إجابة على سؤال آخر : موارد كثيرة استعمل فيها المسلمون والعلماء ، بل والأنبياء التقية .
وقد ذكر القرآن مؤمن آل فرعون ، الذي كان يكتم إيمانه ، وذكر تقية إبراهيم الخليل « عليه السلام » من قومه حين قال لهم : ﴿ … إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ 6 ، لئلا يخرجوه معهم ، لأنه أراد أن يحطم أصنامهم 7 .
وذكر أيضاً : النبي يعقوب ، حيث يقول لولده النبي يوسف « عليهما السلام » : ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا … ﴾ 8 . وهذا من موارد التقية .
وقد أفتى الشافعي بالتقية . . فقد قال الرازي في تفسيره : « إن مذهب الشافعي : أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين ، حلت التقية ، محاماة عن النفس » 9 .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 10 .
***********************
1. راجع : المصنف للصنعاني ج5 ص398 والمنتقى لابن تيمية ج2 ص765 . وراجع : سنن الدارمي ج2 ص219 ومعاني الأخبار للصدوق ص365 و 366 وبحار الأنوار (ط بيروت) ج72 ص369 وج21 ص240 و 241 والتفسير المنسوب للإمام العسكري « عليه السلام » ص232 وصحيح البخاري ج2 ص105 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص150 ونيل الأوطار ج8 ص56 والمغازي للواقدي ج3 ص990 وصحيح مسلم ج8 ص106 وسنن أبي داود ج3 ص43 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص167 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص542 ومسند أحمد ج3 ص456 و 457 وج6 ص387 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص159 وتاريخ الخميس ج2 ص123 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص110 .
2. راجع : نواسخ القرآن لابن الجوزي ص5 وشجرة طوبى ج1 ص67 وزهر الربيع ص82 والبرهان للزركشي ج2 ص315 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص176 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص21 وتذكرة الحفاظ ج4 ص1345 ووفيات الأعيان ج3 ص141 وتاريخ الإسلام للذهبي ج42 ص293 وج45 ص90 والكنى والألقاب ج1 ص247 .
3. ثمرات الأوراق ص158 و 159 والعقد الفريد ج4 ص29 والدرجات الرفيعة ص161 والمستطرف ج1 ص54 والغدير ج3 ص260 و 261 .
4. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 53 .
5. الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص249 وجامع البيان ج14 ص237 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص249 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص373 والمستدرك للحاكم ج2 ص357 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص208 و 209 وفتح الباري ج12 ص278 ومعرفة السنن والآثار ج6 ص316 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص249 وتفسير السمعاني ج3 ص204 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص609 والعثمانية الجاحظ ص104 والدر المنثور ج4 ص132 والكامل في التاريخ ج2 ص67 .
6. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 89 ، الصفحة : 449 .
7. صحيح البخاري (ط دار المعرفة) كتاب بدء الخلق ج4 ص112 وصحيح مسلم (ط دار المعرفة) ج7 ص98 وسنن أبي داود ج1 ص493 وسنن الترمذي ج5 ص4 ومسند أحمد ج2 ص403 وج3 ص244 وفضائل الصحابة للنسائي ص79 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص366 وج10 ص198 .
8. القران الكريم : سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 5 ، الصفحة : 236 .
9. مفاتيح الغيب للرازي ج8 ص13 .
10. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، السؤال رقم (187) .