ـ هو الإمام السابع من أئمّة أهل البيت ، ولد بالأبواء ، وهو مكان بين مكّة والمدينة في شهر صفر سنة ۱۲۸ من الهجرة ، واستشهد في بغداد بالسم في سجن هارون الرشيد سنة ۱۸۳ ، ودفن في الجانب الغربي من بغداد ، وتعرف اليوم المدينة التي فيها قبره الشريف بالكاظميّة نسبة إليه ، وأمه حميدة البربرية ، وكنيته أبو إبراهيم ، وأشهر ألقابه الكاظم ، لكظمه الغيظ ، وصبره على ظلم الظالمين.
ـ أولاده : له سبعة وثلاثون ولداً ، ۱۸ ذكراً ، و۱۹ أنثى ، وهم الإمام علي الرضا ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، وأحمد ، ومحمد ، وحمزة ، وعبد الله ، وإسحق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، وسليمان ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية الكبرى ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليه ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم من أمهات شتى.
وعاش مع أبيه ۲۰ سنة ، وبعده ۳٥.
من مناقبه : كان أجل أولاد الإمام الصادق قدراً ، وأعظمهم محلاً ، وأبعدهم في الناس صيتاً ، ولم ير في زمانه أسخى منه ، ولا أكرم نفساً ، وكان يبلغه عن الرجل أنه ينال منه ، فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار ، وكان يضرب المثل بصرر الأموال التي يتصدق بها ، حتى قيل. عجباً لمن جاءته صرة موسى ، فشكا الفقر !. ومر برجل فرآه كئيباً ، فسأله عن السبب ؟. قال. لحقتني الديون من أجل حقل زرعته بطيخاً ، وقثاء ، وقرعاً ، فلما استوى الزرع وقرب الخير جاء الجراد فأتى عليه ، ولم يبق منه شيئاً ، فذهب الزرع ، وبقيت الديون. فأعطاه الإمام ما كان يأمله من زرعه ، فوفى ديونه ، وبقيت معه فضلة ، جعل الله فيها البركة ، كما حدث صاحب الزرع.
وكان كآبائه وأجداده يتفقد الفقراء ، ويحمل إليهم في الليل الطعام والمال ، وهم لا يعرفونه ، وكان يقول في سجوده : اللهم قبح الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك ، ومن دعائه : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب.
مع علي بن يقطين :
كان علي بن يقطين مقربا عند هارون الرشيد ، يثق به ، وينتدبه إلى ما أهمه من الأمور ، وكان ابن يقطين يكتم التشيع والولاء لأهل البيت (ع) ، ويظهر الطاعة للرشيد ، وفي ذات يوم أهدى الرشيد إلى ابن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب.
فأرسل علي بن يقطين الثياب ومعها الدراعة إلى إلامام الكاظم ، ومعها مبلغ من المال ، ولما وصلت إلى الإمام ، قبل المال والثياب ، ورد الدراعة إليه على يد رسول آخر غير الذي جاء بالمال والثياب ، وكتب الإمام إلى علي بن يقطين احتفظ بالدراعة ، ولا تخرجها من يدك ، فإن لها شأناً ، فأحتفظ علي بالدراعة ، وهو لا يعرف السبب.
وبعد أيام سعى بعض الواشين إلى الرشيد ، وقال له: إن ابن يقطين يعتقد بإمامه موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة ، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمته بها ، فاستشاط الرشيد غضباً ، وأحضرعلي بن يقطين ، وقال له ، ما فعلت بتلك الدراعة التي كسوتك بها ؟.
قال : هي عندي في سفط مختوم ، وقد احتفظت بها تبركاً ، لأنها منك.
قال الرشيد : ائت بها الساعة.
وفي الحال نادى علي بعض غلمانه ، وقال له : اذهب إلى البيت ، وافتح الصندوق الفلاني تجد فيه سفطاً ، صفته كذا ، جئني به الآن.
فلم يلبث الغلام ، حيت جاء بالسفط ، ووضعه بين يدي الرشيد. ففتح الرشيد السفط ، ونظر إلى الدراعة كما هي فسكن غضبه ، وقال لعلي : ارددها إلى مكانها ، وانصرف راشداً ، فلن اصدق عليك بعدها ساعياً ، وأمر له بجائزة سنية ثم أمر أن يضرب الساعي ألف سوط ، فضرب ٥۰۰ ، ومات قبل إكمال الألف.
مع الرشيد :
وللإمام الكاظم مع هارون الرشيد أخبار كثيرة وطويلة ذكرها الشيخ الصدوق في « عيون أخبار الرضا » منها أن الرشيد قال له : كيف جوزتم للناس أن ينسبوكم إلى رسول الله ، ويقولوا لكم : يا أبناء رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب المرء إلى أبيه ، لا إلى أمه ؟!.
فقال له الإمام : لو أن النبي نشر ، وخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟.
قال الرشيد : سبحان الله وكيف لا أجيبه ؟.
قال الإمام : ولكنه لا يخطب إليّ ولا أجيبه.
قال الرشيد: ولمَ ؟.
قال الإمام : لأنه ولدني ، ولم يلدك.
ولو تدبر هارون الرشيد القرآن الكريم لم يسأل الإمام هذا السؤال ، وينكر هذا الإنكار ، فإن الله سبحانه قد سمّاهم أبناء الرسول قبل أن يسمّيهم بذلك أحد من الناس ، حيث قال عزّ من قائل : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) وقد اتّفق المسلمون بكلمة واحدة أن النبي دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين ، فكان علي نفس النبي ، وكانت فاطمة نساءه ، وكان الحسن والحسين أبناءه. فإن كان للرشيد وغيره من اعتراض على نسبة آل البيت إلى الرسول الأعظم ، فهو اعتراض ورد على الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومنها : أن الرشيد كان ينقله من سجن إلى سجن ، حتّى دس إليه السم ، فسجنه أولاً بالبصرة عند عيسى بن جعفر ، ثم سجنه عند الفضل بن الربيع ، ثمّ عند الفضل بن يحيى ، ثمّ عند السندي بن شاهك الذي حصل السم على يده ، وأرسل الإمام إلى الرشيد من سجنه هذه الرسالة : « يا هارون ما من يوم ضراء انقضى عني إلّا أنقضى عنك من السراء مثله ، حتى نجتمع أنا وأنت في دار يخسر فيها المبطلون ».
أجل ، لقد خسر هارون وآباؤه وأبناؤه ، كما خسر من قبل يزيد بن معاوية وآباءه وذووه ، وكان الفوز دنيا وآخرة لموسى بن جعفر وآبائه وأبنائه ، سلام الله وصلواته عليهم أجمعين.
مقتبس من كتاب : [ الشيعة في الميزان ] / الصفحة : ۲۳٦ ـ ۲۳۹