المجالات الثقافية
المواقع الثقافية التي خطى إليها الإمام، كانت مختلفةً باختلاف الأحداث والأماكن والأوقات، وكان لكل مجال ثقافي نوع خطاب يتناسب والمقام الذي عليه الناس.
سوف نتناول المجالات الثقافية التي عمل الإمام (عليه السلام) على نشر الثقافة فيها، وهي ما يلي:
أوّلاً: في الحرب
إنّ ما نعنيه بهذا المجال هو الطريقة والخطوات التي اتبعها أمير المؤمنين قبل الدخول في الحرب ؛ لأنّ الحرب هي حصول حالة صِدام من تطاعن ودماء، أمّا ما قبل الحرب فهي ثقافة قبل الدخول فيها، والحرب ذُكرت من باب السبب إلى وجود هذا المجال.
قد يُسأل ما علاقة الحرب بأهل الكوفة، إذا كانت أحداثها تقع خارج حدود مدينة الكوفة ؟
إنّ من السواد الأعظم الذين شاركوا في الحرب مع أمير المؤمنين من أهل الكوفة وما يقع فيها يعنيهم ويؤثر فيهم.
في الحرب اتبع الإمام أصولاً وتعاليم وخطوات وهي:
أ. التعبئة العامة الاختيار:
قام أمير المؤمنين بإرسال موفدين من قبله ؛ لتعبئة الناس في الكوفة، (وبعث علي من الربذة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري إلى أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري وكان عامله على الكوفة، بكتاب منه يأمره فيه بدعاء الناس واستنفارهم إليه)[١] إلاّ أنّ أبا موسى اخذ يخذّل الناس ولم يوافق على هذه التعبئة العسكرية.
أرسل الإمام مرةً أخرى عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر لتعبئة أهل الكوفة ؛ إلاّ أنّ جهودهما لن تفلح في ثني أبا موسى عن موقفه وتعبئة الناس، ومرّة ثالثة أرسل الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر حيث عزل أبا موسى الأشعري عن الكوفة، وتولّى العمل فيها قرظة بن كعب الأنصاري، وتمّ تعبئة تسعة آلاف وستمِئة وخمسون نفراً.
أمير المؤمنين كان يرى هذه التعبئة ضرورية ؛ لأنّ القدرة العسكرية الكبيرة والأعداد الكثيرة، قد تمنع الناكثين وتصدهم عن خوض الحرب على اعتبار أنّ النتيجة محسومة للأقوى.
كما أنّ الاحتياط والضرورة يقضيان بأنّ على الإمام (عليه السلام) أن يحتاط في تعبئة الناس للاحتمالات المجهولة، بالاستفادة من الإمكانيات والقدرات الموجودة عنده.
ب. الخيار السلمي والتأني:
كان أمير المؤمنين قد أعطى فرصةً كبيرة للمراجعة والحل السلمي سواء في معركة الجمل أو صفّين أو النهروان، فالإمام لا يرى فرصةً إلاّ وقد استغلها في سبيل الإصلاح، ففي معركة الجمل لم يكن ليدخل الحرب بعد وصوله البصرة إلا بعد ثلاثة أيام، بعد ما نفدت الطرق السلمية في إعادة الناكثين إلى الصواب، كذا في معركة صفّين أخذ الإمام يرسل الرسل والكتب والنصائح إلى معاوية وقرينه عمرو بن العاص، أيضاً فعل مع الخوارج المارقين كما فعل بأقرانهم السابقين حيث نصحهم ووعظهم فلم يمتثلوا.
الحل السلمي والتأني كان خياراً حقيقياً لازماً لعلي (عليه السلام)، (وقام إلى علي بن أبي طالب أقوامٌ من أهل الكوفة يسألونه إقدامهم، فقام إليه فيمَن قام الأعور بن بنان المِنقريّ، فقال له عليّ: (على الإصلاح وإطفاء النائرة، لعلّ الله يجمع شمل هذه الأمّة بنا ويضع حربهم، وقد أجابوني. قال: فإن لم يجيبونا ؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا ؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا. قال: فهل لهم مثل ما عليهم من هذا ؟ قال: نعم)[٢].
سعى الإمام إلى معالجة وامتصاص الناكثين بالرفق والإصلاح.
فعندما قدم أهل الكوفة على الإمام (عليه السلام) لملاقاة أصحاب الجمل ركب إليهم مرحّباً وقال: (يا أهل الكوفة، دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فهو الذي نريد، وان يلحوا داويناهم حتى يبدءونا بالظلم، ولا ندع أمراً فيه الصلاح إلاّ آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله)[٣].
ج. التنظيم والتثقيف العسكري:
قام أمير المؤمنين بتنظيم الصفوف وحسب العرف المتبع عسكرياً آنذاك، فجعل (على ميمنته مالك بن الحارث الأشتر النخعي، وعلى ميسرته عمّار بن ياسر العنسي وعلى الرجال أبو قتادة النعمان بن ربعي الأنصاري، وأعطى رايته ابنه محمداً ـ وهو ابن الحنفية ـ [٤] ثمّ بعد إجراء التنظيم والترتيب للرايات وتسميتها، قام (عليه السلام) بإجراءات فنّية لتنظيم الصفوف وتكميلها وتمتين قوتها وصلابتها وحرّض عليّ أصحابه فقال في كلام له (فسوّوا صفوفَكم كالبنيانِ المرصوصِ، َقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ، وَعَضُّوا عَلَى الأَضْرَاسِ ؛ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ، وَالْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ ؛ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلأَسِنَّةِ، وَغُضُّوا الأَبْصَارَ ؛ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ، وَأَمِيتُوا الأَصْوَاتَ ؛ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ، وَرَايَتَكُمْ فَلا تُمِيلُوهَا وَلا تُخِلُّوهَا وَلا تَجْعَلُوهَا إِلاّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، واستعينوا بالصِّدقِ والصَّبرِ)[٥].
بعد ذلك ولكون أمير المؤمنين قائداً للقوات الإسلامية المتجحفلة، أجرى استعراض لهذه القوات وملاحظتها، (ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفوف، فقالت: انظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر، أَما والله ! ما ينتظر بكم إلا زوال الشمس)[٦].
إنّ هذه الخطوات العسكرية غير مختصة بحرب دون حرب، وإنّما هي خطوات اتبعها الإمام في جميع حروبه التي واجه بها الفتن الداخلية.
الإمام يراعي الموقع الخاص والزمان والظروف المحيطة بالحرب والطريقة التي يهاجم أو يدافع فيها الأعداء.
ثمّ يقوم (عليه السلام) بالتثقيف وبيان أخلاق الحرب، قال أبو مخنف: (حدّثني عبد الرّحمن بن جندب الأزدي عن أبيه، أنّ علياً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه معه عدوّاً فيقول: (لا تقاتلوا القوم حتى يبتدئوكم، فأنتم بحمد الله عزّ وجلّ على حجة، وترككم إيّاهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولا تُجهزواً على جريح، ولا تكشفوا عورةً، ولا تمثّلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلاّ بإذنٍ، وتأخذوا شيئاً من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيّجوا امرأةً بأذىً، وإن شتمنَ أعراضكم، وسببنَ أمراءكم وصلحاءكم، فإنّهنّ ضعاف القُوى والأنفس)[٧].
د. الدعاء والتسكين المعنوي:
عند قدوم أمارات الحرب وإدبار بوادر السلم، تكون النفوس مشدودةً إلى القتال وما ستؤول إليه الأمور من نتائج.
الإمام (عليه السلام) في هذه المواضع أراد أن تكون العودة إلى الله، باللجوء إليه تعالى، وهو الذخيرة الكبرى والمغنم الجسيم الذي على المقاتلين أن يتوجّهوا إليه بنيّاتهم ومقاصدهم.
نعم سلاح المرء الدعاء، ذكر سليم بن قيس: (أنّ عليّاً (عليه السلام) كان إذا لقي عدّواً يوم الجمل ويوم صفين ويوم النهروان، استقبل القبلة على بغلته الشهباء، بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال: (اللّهمّ بُسطت إليك الأيدي ورُفعت الأبصار وأفضت القلوب ونُقلت الأقدام، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين)، وهو رافع يديه وأصحابه يؤمّنون[٨].
ثانياً: في المسجد
يُعتبر مسجد الكوفة المقر المعنوي الذي تهوي إليه الأفئدة وتقام فيه الصلاة.
وهو أيضاً المنبر الثقافي والإعلامي والوعظي الأَوّل الذي تنطلق منه كلمات أمير المؤمنين لتنتقل إلى المواقع والبيوت والأزقة المختلفة: (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) [ بالكوفة ] إذا صلّى بالناس العشاء الآخرة، ينادي بالناس ثلاث مّرات حتى يسمع أهل المسجد: (أيّها الناس تجهّزوا ـ يرحمكم الله ـ فقد نودي فيكم بالرّحيل، فما التّعّرج على الدنيا بعد النداء فيها بالرّحيل !)[٩]
خطب كثيرة أشرق بها مسجد الكوفة وغيره مثل: (التوحيد والهداية والملاحم واللؤلؤة والغرّاء، والقاصعة والافتخار والأشباح والدرة اليتيمة، والأقاليم والوسيلة والطالوتية والقصبية والنخيلة والسليمانية والناطقة والدافعة والفاضعة)[١٠].
هذا العدد من الخطب وغيره يكشف عن حجم الثقافة التي نائت بحملها الكوفة.
الإمام يعتبر المسجد المكان الذي يسدي فيه الخدمة إلى الناس، فقد كان يقوم بإطعام الناس في رحبة المسجد[١١] ويقوم أيضاً بحلّ مشاكل الناس وخلافاتهم بعد الانتهاء من أداء الصلاة.
قال عروة بن الزبير: (سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت في عليّ بن أبي طالب: (أَمّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً) [ الزمر: ٩ ] قال الرجل: فأتيت علياً وقت المغرب فوجدته يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثمّ جدّد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثمّ قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ثمّ قصده الناس، فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى صلاة الظهر فجدّد الوضوء، ثمّ صلى بأصحابه الظهر، ثمّ قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثمّ كان يحكم بين الناس ويفتيهم إلى أن غابت الشمس)[١٢].
ثالثاً: في المحافل العامة
تعدّ الأسواق وما فيها من باعة ومَحال تجارية وحِرف مختلفة أماكن عامة يرتادها النّاس من كلّ فجٍ عميقٍ، وهي تشهد بالحركة اليومية لأمير المؤمنين (عليه السلام).
النّاس في الكوفة آنذاك ينشطون نحو أعمالهم اليومية لتحصيل قوتهم ولإدامة حياتهم المعاشية، وكلٌّ يعمل على شاكلته وقصده، إلاّ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمشي في الأسواق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وموعظة الناس.
فالمُلاحظ أنّه (عليه السلام) لا يتجاوز شيئاً إلا وأسدى النصح والإرشاد حوله، وأبان فيه الاستقامة والسُنّة، وسنطّلع على يوم واحد دخل فيه أمير المؤمنين إلى الأسواق، ومقدار الدوافع التلقائية عنده لنيل رضا الله تعالى.
عن رجل من أهل البصرة من بني بطر يُكنّى أبا مطر قال: (خرجت من باب المسجد بالكوفة في زمن عليّ بن أبي طالب، وعليّ إزار طويل ربّما عثرت به ! فإذا أنا بشيخ ينادي من خلفي: (أي بنيّ، ارفع ثوبك ؛ فإنّه أبقى لثوبك وأتقى لربّك، وخذ شاربك إن كنت مسلماً [ قال ]: فنظرت فإذا هو [ عليّ بن أبي طالب ] (عليه السلام) فمشيت خلفه وهو بين يدي وعلى عليّ إزار ورداء فكأنّه بدوي فانطلق وأنا خلفه حتى أتى سوق الإبل فقال: يا معشر أصحاب الإبل، إيّاكم والأَيمان فإنّ اليمين يُنفق [ السلعة ] ثمّ يمحق.
ثمّ انطلق حتى بلغ [ سوق ] أصحاب التمر فإذا هو بخادمة تبكي عند تمّار فقال [ لها ]: ما يبكيك ؟
فقالت: باعني هذا تمراً بدرهم فردّه عليّ مولاي فأبى [ البائع ] أن يأخذه منّي، فقال [ (عليه السلام) للبائع ]: أَعطِها درهمَها وخذ تمرك فإنّها خادمة ليس لها أمر ! فدفعها التمّار ؛ فقيل له: أتدري مَن هذا ؟: فقال: لا، قالوا: هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ! فصبّ [ البائع ] تمره وأعطاها درهمها ثمّ قال: يا أمير المؤمنين ارضَ عني قال [ عليه السلام ]: أنا راضٍ إن أوفيت المسلمين حقوقهم ثمّ قال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يربو كسبكم.
ثمّ مضى حتى رأى السمّاكين فقال: يا أصحاب السمك، لا تبيعوا الجرّي ولا الطافي، ثمّ مرّ حتى أتى القصّابين فقال: يا معشر القصّابين، لا تنفخوا [ في ] اللحم ولا تذبحوا شاةً على شاة .
ثمّ دخل إلى البزّازين فدنا إلى بزّاز منهم فقال: يا شيخ، أَحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فلمّا رأى أن قد عرفه انطلق إلى غيره فقال: أَحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فتركه وانطلق إلى غلام قال: يا غلام، أَحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم.
فأعطاه [ الغلام ] قميصاً فلبسه ما بين الرسخين إلى الكعبين فلمّا لبسه قال: الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي وأتجمّل به في الناس، ثمّ قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقوله عند الكسوة)[١٣].
الشيء الذي يعرفه الناس من أهل الكوفة، أنّه (عليه السلام) كان شديد التواضع ولا يرى فرقاً بينه وبين الناس إلاّ بالتقوى: (اشترى (عليه السلام) تمراً بالكوفة فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال (عليه السلام): (ربّ العيال أحق بحمله).
ذكر صاحب قوت القلوب عن أبي طالب المكي: كان علي (عليه السلام) يحمل التمر والملح بيده ويقول:
لا ينقص الكامل من كمالهِ ***** ما جرَّ من نفعٍ إلى عيالهِ[١٤]
ممّا سبق نعرف أنّ الإمام عكس الوجه الإسلامي في هذا المجال الثقافي الذي تحرّك فيه.
رابعاً: في الكتب والوصايا
كان مجموع الكتب التي أرسلها أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ولاته في الأمصار وعماله على الصدقات والخراج (٣٠) كتاباً، ومجموع الوصايا لأهل بيته، وللأمراء والعمال (١١) وصيةً، أمّا مجموع ما أُرسل إلى أمراء الجيوش من كتب فهو (٥) كتب بالإضافة إلى عهدين.
أمّا مجموع الكتب التي أرسلها إلى أهل الأمصار فكانت ثمانية كتب، ثلاثة منها لأهل الكوفة.
والكتب التي بعث بها لأعدائه كانت (٢٠) كتاباً، (١٦) منها إلى معاوية، وما بقي إلى طلحة والزبير وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري.
إن هذا الكّم الذي وصل إلينا من الكتب والوصايا، والذي يصل إلى ٧٨ كتاباً، يعكس شدة الأحداث التي واجهها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مدة أربع سنوات وتسعة أشهر.
الإمام (عليه السلام) يشرح في كل كتاب وحسب ما تقتضيه الحكمة مختلف القضايا، ويضع مختلف النصائح والإرشادات والتوصيات والتعليمات التي يحتاجها العمال، وأيضاً يجيب على رسائل وكتب الأعداء راجياً بذلك إعادتهم إلى جادة الصواب، ولقد بالغ لهم في النصيحة وأوقفهم على المحجّة البيضاء.
إنّ هذه الكتب والوصايا لها تأثيرات ثقافية، وتعتبر أحد الأُطر الثقافية التي توضّح ما عند الأطراف من مواقف وتترك أثرها على الناس.
خامساً: المناسبات المتنوّعة
كان الإمام يراقب المناسبات التي تبعث على التقرب من الله تعالى، (رمضان وشوال سواء يحيي الليل كله)[١٥] عندما يسمع شيء، يأخذ بأحسنه.
بل إنّه (عليه السلام) كان شديد الأخذ، قوي الالتزام، (ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (صلّى الله عليه وآله): صلاة الليل نور، فقال ابن الكوا: ولا ليلة الهرير ؟ قال: ولا ليلة الهرير)[١٦].
إنّ عمل الإمام في هذه المناسبات وغيرها يترك أثراً ايجابياً في دفع الناس نحو الالتزام بهذه المناسبات وإحيائها، وهو ما يؤدّي بالنتيجة إلى إحياء الشعائر والمناسبات الإسلامية الأخرى، (إنّه كان يمشي في حجّه حافياً، ويعلّق نعليه بيده اليسرى: يوم الفطر والنحر ويوم الجمعة وعند العيادة وتشييع الجنازة ويقول: (إنّها مواضع الله، وأُحب أن أكون فيها حافياً)[١٧].
هذه المناسبات فيها ما قد يتكرّر في اليوم مثل تشييع الجنازة والعيادة، وفيها ما يعود كل أسبوع كيوم الجمعة، وما يكون كلّ سَنة مرّة مثل يوم الفطر، هذا يعني أنّ الإمام (عليه السلام) يمارس هذه الأعمال العبادية في المناسبات خلال السَنة برقم كبير ؛ كي يعلم الناس أدب العبودية وكيفية التخفّف والدخول إلى الساحات الإلهية بإلقاء كلّ شيء من أحمال الدّنيا، والتوجه بتذلل وتواضع إلى الله تعالى.
ممّا تقدم نعرف أنّ للإمام (عليه السلام) في كلّ مجال قدمَ سبق، وفي كلّ مناسبة مقعدَ صدق، في نشر الثقافة الإسلامية وإحيائها.
——————————————————-
[١] . أنساب الأشراف: ٣/٣١.
[٢] . الفتوح: ٢/٣١٠.
[٣] . تاريخ ابن خلدون: ٢/٦١٤.
[٤] . أنساب الأشراف: ٣/٣٥.
[٥] . البداية والنهاية: ٧/٢٨١.
[٦] . الفتوح: ٢/٣١٤.
[٧] . تاريخ أبي مخنف: ١/١٦٩، تاريخ الطبري: ٣/٨٢، أنساب الأشراف: ٣/٣٦، نهج البلاغة: ٤٩٤.
[٨] . كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٢/٩١٣، نهج البلاغة: ٤٩٤.
[٩] . الأمالي / شيخ المفيد: ١٩٨.
[١٠] . مناقب آل أبي طالب: ٢/٥٨.
[١١] . تاريخ سياسي إسلام: ٢/٣٣٧.
[١٢] . مناقب آل أبي طالب: ٢/١٤٢.
[١٣] . مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ٣/٦٠، نحو ذلك في أمالي الصدوق: ٤٩٧، ومناقب ابن شهر آشوب: ٢/١٢٩، بحار الأنوار: ٤١/١٠٤، وسفينة البحار: ١/٤٥٠.
[١٤] . مناقب آل أبي طالب: ٢/١٢٠.
[١٥] . مناقب آل أبي طالب: ٢/١٤٢.
[١٦] . مناقب آل أبي طالب: ٢/١٤٢.
[١٧] . نفس المصدر: ٢/١٢٠.
المصدر: http://arabic.balaghah.net