السيد عبدالله الموسوي *
بتكليف كريم من الاخوة في مؤسسة الابرار، في ان اتناول جانبا من سيرة امام البلاغة علي (ع)، وهم بهذا ادامهم الله اوقعني في حيرة يصدق فيها وعليها قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ***** إياك إياك ان تبتل في الماء
والحديث عن هذا الطود… في واحدة من جزئيات حياته الثرة يعني سياحة نفس ما جُبلت على ما جبل عليه اهل الارض.
اذ كيف يتأتى للباحث او حتى المعنى بفكر أمير المؤمنين (ع) ان يُلم بابعاد الزاوية المكلف بتغطيتها.
وأنا في هذه العجالة سأتجاوز ما كتبه العرب والمسلمون من الامام الانموذج، كما أني سوف لان أشير الى ما سطره عنه (ع) كل من جورج جرداق وفاروق عبود وشبلي شميل وراجي أنور هيفا وقبل ذلك المفكر والاديب ميخائيل نعيمة من الاخوة المسيحيون.
وسوف لن تكون مادة محاضرتي مستجدة مما سطره بروح ايمانية عالية من الكتاب الموضوعين من امثال توفيق الحكيم في كتابه (محمد رسول البشر) وطه حسين في (علي وبنوه) وعبدالفتاح عبدالمقصود كتابه (علي بن ابي طالب) واجزاءه الستة وكذلك الاديب العملاق عباس محمود العقاد في موضوعه (مفتاح شخصية الامام علي).
وأوجدني ملزما بالتوقف بهيبة امام عبدالرحمن الشرقاوي وكتابه (علي امام المتقين) الذي هيج الكامن من نفوس الازهريين، اذ اطلق عليه (الكتاب) عنوان (علي امام المستضعفين).
الا ان أخاً للشرقاوي محام بارع اشار على اخيه عبدالرحمن في ان يستبدل عبارة “المستضعفين” بـ”المتقين”، وذلك ان الاولى جاءت على لسان الامام الخميني رحمة الله عليه أبان ثورته في العام ١٩٧٩ وهي تحمل معنى غير المعنى الذي ذهب اليه عبدالرحمن الشرقاوي مما يستوجب وضع فصل في الكتاب يطلق عليه الاكاديميون تعريف المصطلحات… لكي لا يختلط الامر على القاريء.
ولا يفوتني كتاب عزيز السيد جاسم (علي بن ابي طالب) الذي دفع ثمنه بأن أٌذيب في مذيبات الامن العام في بغداد.
ولاني ملتزم بالوقت المحدد، كما ان الحديث عن أمير المؤمنين عطاء متواصل، فسوف أشير مركزا الى بعض ما قاله بعض المفكرين الغربيين بحق الامام المتفرد.
ففي كتابه (محمد المثل الاعلى) يقول الفيلسوف الانكليزي كاريل… أما علي فلا يسعنا الا ان نحبه ونعشقه، فانه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبرا، ويتلقى فؤاده غيرة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة مخروجة برقة ولطف ورأفة وحنان… تبدأ من عمر بن ود العامري وتنتهي بعبدالرحمن بن ملجم.
أما المؤرخ والمحقق الفرنسي “كاراديفو” في كتابه (مفكروا الاسلام).. فيقول… وعلي هذا البطل الموجع المتألم، والفارس الصوفي، والامام الشهيد ذو الروح العميقة القرار، التي يكمن في مطاويها سر العذاب الالهي..
ويستطرد المستشرق الفرنسي “هنري كوريان” بالقول… ان كتاب نهج البلاغة يأتي في الاهمية بعد القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، ليس على المستوى الاسلامي الشيعي فحسب بل على المستويين الاسلامي والعربي عموما.
ويشير الفيلسوف الالماني “غوته” فيصف عليا في كتابه (الشعر والحقيقة).. بالمؤمن الاول بالرسالة السماوية الى جانب السيدة خديجة.. ويصف غوته ذلك بالايمان المبدئي للامام علي عليه السلام… بأنه الانحياز الكلي والمطلق الى رسالة الرسول الاعظم..
لا اعتقد انني اجانب الصواب عندما اقول ان الفكر بالنسبة للتيارات الفكرية الانسانية في امريكا، وعندما نقول ذلك فاننا لا نمنن الاوربيين ولا الامريكيين بذلك، لان الامام علي في نهاية المطاف امام كوني وليس اماما مقتصرا في امامته على المسلمين فحسب…
اعتقد ان “كوفي عنان” بقراءته المتفحصة كفكر الامام وثقله الانساني دفعه لان يجعل من مقولته بالامام الشهيرة لمالك الاشتر تظهر العهد الانساني في فكر الامام عند قوله… الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. تحتل البند الثاني من لائحة حقوق الانسان.. في مقر الامم المتحدة وفي العالم.
امام الاديب والمفكر الفيلسوف الامريكي “إمرسون” الذي كان بمثابة الاب الروحي لاستقلال امريكا عن بريطانيا، فقد كان شديد التأثر بمباديء الامام علي الانسانية وبمنظومته الفكرية الشاملة، وقد حاول ان ينقل شيئا من افكار الامام علي ومبادئه الى عقول وقلوب الشعب الامريكي من خلال قصائده ومقالاته ومؤلفاته الفكرية. ان هذا الفيلسوف الامريكي الذي كان يؤمن ان كل انسان هو باب ومدخل الى العقل الكوني. كان على صلة وثيقة بالامام الكوني (العالمي) وبكل كلمة من كلماته الخالدة، وقد صرح بذلك في مقالة له بعنوان.. الذات ولكي لا اغبطه حق المفكر المسيحي المعاصر جورج جرداق في كتابه (علي وعصره) الذي يتفق بذات النتيجة التي توصل اليها نظيره الاستاذ نصري سهلب في المقارنة بين علي وخصومه: اذ قالا
علي من أولئك البشر الذين كتب عليهم ان يموتوا لتحيا بموتهم شعوب واعداء، واعداء علي من اولئك النفر الذين اثروا الحياة على الموت، فأماتوا بحياتهم كل أباء وشمم.. ويضيف جرداق.. لن يصلح العالم الا بان يتولى ادارته واموره جميعا اثنا لا ثالث لهما: عالم وأديب، عالم هو الفكر النير والنهج والمقياس، وأديب هو الفكر النير والقلب الخير والضمير والرحمة والاحساس بالوجود وقدسية الحياة.. والامام علي في سيرته ونهجه هو هذا العالم وهذا الاديب مجتمعين في شخصية واحدة.
أختتم قولي بالمفكر جبران خليل جبران ان علي بن ابي طالب عليه السلام كلام الله الناطق وقلب الله الواعي، نسبته الى من عداه من الاصحاب شهب المعقول الى المحسوس، وذاته من شدة الاقتراب ممسوس بذات الله.
ألم يكن القادة الهنود من آل غاندي على صواب عندما اشاروا على القادة الفلسطينيون ان يتتبعوا نهج الامام الحسين وسيرة الامام علي في تحرير بلدهم.
وأي تأثر للزعيم “ماو تسي تونغ” الصيني بالامام علي بقوله في مذكراته الى انه استفاد كثيرا من رسالة الامام علي الى ابنه الحسن في تسيير ثورته الصينية.
فهل نرعوي يا سيدي يا ابا الحسن
—————————–
* الملحق الثقافي العراقي السابق في لندن
المصدر: http://arabic.balaghah.net