إنّ المشاكل السياسيّة والكبت الّذي مارسه خلفاء بني العبّاس ضدّ أئمّة الشيعة، أحدثت نوعاً من الاضطراب وعدم الاستقرار في العلاقة بين الأئمّة وشيعتهم. وكانت هذه المشكلة تتفاقم بعد رحيل كلّ إمام وحلول آخر محلّه. وفي مثل هذه الأوضاع كان بعض الشيعة ينساق وراء الشكوك ويبقى حائراً في أمره، ويظلّ مثل هذا الوضع سائداً مدّة من الزمن حتّى تتقوّض تلك الفرق المنشقّة وتزول أفكارها المنحرفة، وتستتبّ الأوضاع للإمام الجديد.
وربما كانت بعض تلك المشاكل على درجة من الشدّة بحيث كانت تؤدّي إلى سلخ جماعة كبيرة من جسد الشيعة كما حصل بالنسبة للواقفيّة والفطحيّة والإسماعيليّة.
وتضاعفت هذه الأزمة بعد شهادة الإمام العسكريّ عليه السلام بسبب حصول الغيبة، وما سبقها من أحداث خفيّة مثل ولادة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والوصاية له بالإمامة. والسند الوحيد الّذي ارتكزت عليه إمامته في أحد جوانبها هو التراث الضخم من الأحاديث الموجودة في أساس قضيّة المهدويّة وما يتعلّقبها، وارتكزت إمامته في جانب آخر على جهاز منظّم وقويّ يتمثّل في عناصر الاتّصال الّتي تربط الإمام بشيعته.
وقد أحصى الأشعريّ في كتابه (المقالات والفرق) خمس عشرة فرقة، لكلّ واحدة منها معتقدها الخاصّ حول الوصيّ من بعد الإمام العسكريّ عليه السلام، حتّى أنّ بعضهم شكّ في الإمام الحادي عشر. وذكر النوبختيّ في بداية الأمر أسماء أربع عشرة فرقة، وكذلك الشيخ المفيد1، ودوّن الشيخ الطوسيّ أيضاً الآراء المهمّة لتلك الفرق، وأبدى رأيه فيها من خلال الروايات والاستدلالات الكلاميّة2.
ولو دمجنا الفرق الأربع عشرة تلك لاستخلصنا منها الفرق الأربع التالية:
1ـ الواقفيّة: وهم الّذين اعتقدوا بعدم وفاة الإمام العسكريّ عليه السلام وأعلنوا أنّه حيّ، وأنّه المهديّّ.
2ـ الجعفريّة: وهم الّذين قالوا بإمامة جعفر بن عليّ الهادي الّذي يسمّيه الإماميّة (الكذّاب).
3ـ المحمّديّة: وهم الّذين اعتقدوا بإمامة الإبن الأكبر للإمام الهادي عليه السلام، أي محمّد، الّذي توفي في حياة أبيه وأنكروا إمامة الحسن العسكريّ عليه السلام.
4ـ الإماميّة: وهم الّذين يؤلّفون أكثريّة الشيعة. ويؤكّد الشيخ المفيد عدم بقاء أيّ من هذه الفرق سوى الفرقة الإماميّة.
أدلّة وجود وإمامة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
اتّفق المسلمون على خروج المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في آخر الزمان، وأنّه من ولد الإمام عليّّ وفاطمة عليهما السلام، وأنّ اسمه كاسم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. والأخبار في ذلك متواترة عند الشيعة والسنّة، فالاعتقاد بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو من ملّة الإسلام ومتواتراته بل وضروريّاته، ولا خلاف فيه بين المسلمين، وإنّما اختلفوا في أنّه وُلِد أم سيولد.
فالشيعة وجماعة من علماء أهل السنّة قالوا إنّه وَلِد وإنّه (الحجّة) ابن الحسن العسكريّ عليهما السلام. وذهب فريق كبير من أهل السنّة إلى أنّه لم يولد بعد وسيولد في آخر الزمان.
والشيعة تقول إنّ الحقّ هو القول الأوّل، ويدلّ على ذلك العقل فضلاً عن النقل، حيث يعتقد الشيعة إنّ النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى بالإمامة والولاية إلى الأئمّة الإثني عشر، أوّلهم الإمام عليّّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وهذا الأصل الاعتقاديّ عند الشيعة ـ كما سائر الأصول الاعتقاديّة ـ ليس مستنده النقل والروايات المتضافرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقط، بل الأساس فيه هو العقل الحاكم بضرورة وجود الإمام المعصوم – في كلّ عصر- المنصوص عليه من قبل الله تعالى على لسان النبي ّصلى الله عليه وآله وسلم.
وإلى هذا يشير الشيخ الصدوق نقلاً عن شيخ المتكلّمين وأحد صحابة الإمام العسكريّ عليه السلام إسماعيل بن عليّ النوبختيّ حيث يقول: “… إنّ أمر الدِّين كلّه بالاستدلال يُعلم، فنحن عرفنا الله بالأدلّة ولم نشاهده، ولا أَخبرَنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكونه في العالم بالأخبار وعرفنا ثبوته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنّه استخلف عليّاً بن أبي طالب عليه السلام بالاستدلال، وكذلك عرفنا أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام إمام مفترض الطاعة…”3.
فالمسلك والمنهج العقليّ في الاستدلال على ضرورة وجود الإمام المعصوم هو المسلك الشيعيّ، ونحن في الاستدلال العقليّ على وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف نقسّم الدليل إلى قسمين:
الأوّل: الدليل على ضرورة وجود الإمام وتعيينه أو نصبه من قبل الله عزَّ وجلَّ، ويمكن التعبير عنه: “بالدليل على الإمامة العامّة”.
الثاني: الدليل العقليّ على استمراريّة هذه الإمامة للوصول إلى إمامة الإمام المهديّ عليه السلام، ويمكن التعبير عنه: “بالدليل على الإمامة الخاصّة”.
الدليل على الإمامة العامّة4
لقد ذهب الشيعة إلى القول بأنّ الإمامة مقام دينيّ خاضع للجعل والتعيين الإلهيّ، وهي ليست سلطة دنيويّة خاضعة للعوامل الاجتماعيّّة.
فحتّى النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له أيُّ دورٍ مستقلّ في تعيين خليفته، بل قام بهذا التعيين بأمرٍ إلهيّ، وفي الواقع إنّ الحكمة في ختم النبوّة مرتبطة ـ تماماً ـ بتعيين الإمام المعصوم.
ومن هنا يتبيّن لماذا طُرحت الإمامة في الفكر الشيعيّ كأصل عقائديّ، لا كحكم فقهيّ فرعيّ.
ولبيان ذلك نذكر الاستدلال التالي على ضرورة وجود المعصوم:
“إنّ تحقيق الهدف من خلق الإنسان منوطٌ بهدايته بوساطة الوحي. وقد اقتضت الحكمة الإلهيّة بعثة أنبياء يعلّمون البشر طريق السعادة في الدنيا والآخرة، وتنفيذ الأحكام والتشريعات… وبما أنّ الدِّين الإسلاميّ عالميّ وخالد، وقد خُتمت النبوّة وضمن الله تعالى بقاء الرسالة حتّى نهاية العالم، وبما أنّ أحكام الدِّين لا يمكن التعرّف عليها من خلال القرآن الكريم فقط مثل عدد ركعات الصلاة… فقد كانت هذه المهمّة ملقاة على عاتق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليبيّنها للناس.
“ومن الثابت أنّ الظروف الصعبة الّتي عاشها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم تسمح له ببيان جميع الأحكام والتشريعات الإسلاميّة للناس كافّة، فضلاً عن اختلاف أصحابه من بعده في الكثير من القضايا… من هنا وجب البحث عن وسيلةٍ لطرح الدِّين الكامل والشامل والمستجيب لكلّ احتياجات البشر، وليس ذلك إلّا في تعيين الخليفة الصالح للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الّذي يجب أن تتوفّر فيه الشروط التالية:
“1ـ العلم الموهوب من الله، 2ـ العصمة، 3ـ التعيين الإلهيّ. وذلك من أجل أن يقوم بالدور الّذي قام به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
“إذن، ختم النبوّة إنّما يكون موافقاً للحكمة الإلهيّة فيما لو اقترن بتعيين الإمام المعصوم، والّذي يمتلك خصائص نبيّ الإسلام كلّها عدا النبوّة والرسالة”5 وهذا هو مبنى الشيعة في اعتقادهم بضرورة الإمامة بعد النبوّة الخاتمة.
وإذا ثبت ضرورة وجود الإمام بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يبقى السؤال التالي. إذا كانت النبوّة كظاهرة إلهيّة غيبيّة، منقطعة وليست مستمرّة، وأنّها ختمت بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فهل الإمامة أيضاً ظاهرة منقطعة كالنبوّة، أم هي مستمرّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟
الدليل على الإمامة الخاصّة
أو الدليل على استمرار الإمامة في شخص محدد؛ ونستفيده من ظواهر الآيات والروايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي تؤكد على استمرار ظاهرة الإمامة والخلافة وعدم انقطاعها.
يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾6.
فالآية تشير إلى وجود خليفة في الأرض، وأنّ هذا الخليفة ليس هو مطلق الإنسان، وإنّما المقصود به إنسان بخصوصه، وأنّ هذه الخلافة الإلهيّة غير منقطعة بحسب منطوق الآية.
وقال تعالى مخاطباً النبيّ إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾7.
فقد أجمع المفسّرون على أنّ الإمامة في الآية هي غير النبوّة والرسالة الّتي كانت لإبراهيم عليه السلام. وهذه الإمامة الّتي ثبتت لإبراهيم عليه السلام طلبها لذرّيته من بعده، حيث قال: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾، وقد استجاب الله تعالى دعاءه، ولكن لم يجعلها في الظالمين من ذريّته، وإنّما في غيرهم: ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ومن الواضح أنّ استجابة دعائه في ذرّيّته، لا يختصّ بالأبناء المباشرين لهعليه السلام، بل هو شامل لجميع ذريّته شريطة أن لا يكون ظالماً. وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم في بيان حصول ذريّة إبراهيم عليه السلام على هذا المقام واستمرارها في إسحاق ويعقوب وصولاً إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام.
أمّا الروايات فقد تواترت في الدلالة والإشارة إلى أنّ ظاهرة الإمامة مستمرّة غير منقطعة، ومنها حديث الثقلين، ورواية: “لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة”8 ، ورواية: “من مات ولم يعرف إمام زمانه…”9. وكلّ هذه الروايات ممّا أجمع على صحة صدورها كلا الفريقين من الشيعة والسنّة.
وبالتالي فإنّ ما تقدّم في الحديث عن ضرورة استمرار الإمامة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقودنا إلى نتيجةٍ مؤدّاها: أنّ الله تعالى لم يترك الأرض ولن يتركها على الإطلاق من دون إمامٍ معصوم يحمل مواصفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويستمرّ في أداء الوظيفة الإلهيّة الّتي من أجلها بُعث إلى البشرية هادياً ونذيراً.
وأمّا إثبات خصوص إمامة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّما يستند فيه العقل إلى النقل بعد ثبوت أصل الدليل العقليّ على ضرورة الإمامة.
وهذا ما يبيّنه الدليل النقلي المعتمد على ما ورد في القرآن الكريم من آيات تدلّ على وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والّتي أحصاها العلماء بما يناهز المائة آية 10، وهكذا الحال بالنسبة للروايات الّتي بلغت حدّ التواتر11.
المنكرون لحقيقة وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ المراجعة الدقيقة والخالية من التعصّب والحقد والكراهية تثبت لكلّ باحث في الروايات أنّه لا يوجد قضية تسالم عليها الرواة والعلماء واعتبروها من الحقائق الثابتة الّتي لا يمكن إنكارها في الفكر الإسلاميّ مثل قضية الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وعلى الرغم من هذا كلّه لم تسلم هذه القضية من أقلام الحاقدين والمتعصّبين. وقد تطاولت أقلام الكذب والنفاق لتصف قضيّة وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بأنّها من القصص والخرافات الّتي ابتدعها الشيعة، واعتبروها من موضوعاتهم، وأوّل من اتّجه إلى نقد أحاديث المهديّّ فيما عرفنا عبد الرحمن بن خلدون فقال: “إنّ الشيعة يزعمون أنّ الثاني عشر من أئمّتهم هو محمّد بن الحسن العسكريّ، ويلقّبونه بالمهديّ، دخل السرداب بدارهم…” وحاول ابن خلدون مناقشة سند بعض ما ورد من تلك الأحاديث، واحتجّ بعدم رواية البخاريّ ومسلم لها12.
وقد تعرّض ابن خلدون بسبب ذلك إلى هجوم ماحق من قبل السنّة قبل الشيعة، وردُّوا على ما أثاره من وجوه التشكيك، فقال الشيخ عبد المحسن العبّاد عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة في الرّد على من كذّب بالأحاديث الصحيحة في المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف:
1- إنّ ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد؛ إذ قال بعد إيراد الأحاديث في المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: ” فهذه جملة الأحاديث الّتي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وخروجه آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلّا القليل والأقلّ منه”، على أنّ ابن خلدون فاته الشيء الكثير من الأحاديث.
2- إنّ ابن خلدون مؤرّخ وليس من رجال الأحاديث فلا يعتدّ به في التصحيح والتضعيف. ثمّ ردّ على مزاعم ابن خلدون بعدم وجود هذه الأحاديث في صحيحي مسلم والبخاريّ بإيراد بعض الروايات الواردة فيهما حول المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذكر الشيخ العبّاد أيضاً أنّ هذه الأحاديث مرويّة في السنن الأربعة (الترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه وأبي داود) وذكرها أحمد بن حنبل في المسند والطبرانيّ في المعجم والبيهقيّ في السنن والحاكم في المستدرك وقالوا بصحّتها13.
وقد ألّف العلاّمة المحدّث أحمد بن محمّد بن الصديق الغماري المغربي المتوفّى سنة 1960م كتاباً بعنوان: “إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون”…
وأمّا ابن حجر العسقلانيّ الهيثميّ فقال في كتابه الصواعق المحرقة: “إنّ العسكريّ لم يكن له ولد، بطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لمّا مات، فدلّ طلبه أنّ أخاه لا ولد له، وإلّا لم يسعه الطلب…”14.
وقد وقع ابن حجر في التناقض عندما اعترف في موضعٍ آخر من هذا الكتاب بولادته عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث يقول: “ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها، ويسمّى القائم المنتظر”15.
وقد بلغت الغفلة ببعضهم فألحقه بالأقاصيص والخرافات كما فعل إسعاف النشاشيبيّ الّذي قال في كتابه الإسلام الصحيح: “إذا كانت سنّة وشيعة أو اعتزالية تقبل الخرافة المهدوية، فالمسلمون المستمسكون بالقرآن ينبذونها نبذاً، ويرفضونها رفضاً. إنّ مهديّ المسلمين وهاديهم وإمامهم قد ظهر من قبل، والحمد لله، وهو محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم… ولم يعقب الحسن المذكور ذكراً ولا أنثى…”16.
وقال القرمانيّ في كتابه (الصراع بين الإسلام والوثنية): “وإنّ أغبى الأغبياء، وأجمد الجامدين هم الّذين غيّبوا إمامهم في السرداب، وغيّبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومن يذهبون كلّ ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الّذي غيبّوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام”17. هذا فضلاً عمّا ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وابن تيميّة وغيرهما.
وأوّل ملاحظة ترِد على هؤلاء: هي لماذا يوجّهون كلّ هذه التهم، وينسبون هذه الأباطيل إلى الشيعة ويعتبرون أمر المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من مزاعم (الشيعة) وأضاليلهم، ولم يتعرّضوا في كلامهم إلى من نطق بالحقّ واعترف وأقرّ بوجود وولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من علماء السنّة الّذين يصعب إحصاؤهم لكثرتهم، وتصريحهم الواضح واعترافهم وعدم إنكارهم لهذه القضيّة؟
فالتحامل على الشيعة لا مبرّر له إذا كان السبب في ذلك هو هذا الاعتقاد، وإلّا فإنّهم كما تحاملوا على الشيعة فليضيفوا على ذلك اتّهام كلّ من اعتقد بهذا الاعتقاد وآمن بهذه القضيّة.
الخلاصة
– حدثت اختلافات كثيرة بين الشيعة بعد رحيل الإمام العسكريّ عليه السلام وانقسم الناس إلى حوالي خمس عشرة فرقة، لكلّ واحدةٍ منها معتقدها الخاصّ في قضيّة الإمامة.
– كانت الفرقة الإماميّة القائلة بإمامة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي الأكثر عدداً، والأكثر تأييداً من قبل كبار الشخصيّات، وهي الفرقة الّتي ثبتت على صفحة تاريخ التشيّع.
يؤكّد الشيخ المفيد عدم بقاء أيّ واحدة من هذه الفرق عدا الإماميّة.
– استدلّ الشيعة على إمامة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بالنصّ (القرآن والروايات) وكذلك بالعقل الحاكم بضرورة استمرار النبوّة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وضرورة عدم خلّو الأرض من حجّة الله.
– أنكر بعضهم وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من أمثال ابن خلدون وابن كثير، ولكنّ هؤلاء نالوا نصيبهم من الردود، ولا سيّما من علماء السنّة.
* بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- راجع: المقالات والفرق للنوبختي، م.س: 102 ـ 116، والفصول المهمّة، الشيخ المفيد: 258 ـ 266.
2- الغيبة، الطوسي، م.س: 130 ـ 135.
3- كمال الدين، م.س: 92.
4- هذا الدليل تمّ استعراضه في الكتب العقائديّة ونحن نذكره هنا إتماماً للفائدة.
5- دروس في العقيدة الإسلامية، محمّد تقي مصباح اليزدي: 2/346 ـ 348 (بتصرّف).
6- سورة البقرة، الآية: 30.
7- سورة البقرة، الآية: 124.
8- نهج البلاغة، م. س: 4/38.
9- المناقب، م.س: 1/212.
10- راجع كتاب: المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة، للسيد هاشم البحراني الّذي أورد مائة وعشرين آية من القرآن الكريم كلّها مأوّلة ومفسّرة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وغيره من الكتب.
11- راجع الإحصاء الّذي ذكره العلامة لطف الله الصافي في منتخب الأثر، والّذي يتضمّن عدد ومجموع الروايات الّتي رواها السنّة والشيعة حول الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
12- مقدّمة ابن خلدون، م.س: 246.
13- انظر: المهديّ في أحاديث المسلمين حقيقة ثابتة، محمّد رضا الحسيني الجلالي: 23 ـ 26.
14- الصواعق المحرقة، م. س: 124.
15- م.ن.
16- راجع كتاب الإمام المهديّ وشبهات المرجفين.
17- راجع كتاب المهديّ عند أهل السنّة وما ذكره من أقوال في هذا المجال.