جعفر بن محمّد ـ عليهما السلام ـ الصادق
هو الإمام السادس من أئمة أهل البيت الطاهر ـ رضي الله عنه ـ أجمعين ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام 80 وتوفّي عام 148 ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علىّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي ـ رضى اللّه عنهم أجمعين ـ فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه 1.وقال محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم وذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القران الكريم،ويستخرج من بحره، جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذرّية الرسالة. نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم. مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج، ومالك بن أنس،والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني2وغيرهم وعدّوا أخذهم عنه منقبه شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها.وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتّى انّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام الّتي لا تدرك عللها، والعلوم الّتي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف إليها وتروى عنه 3.وقال ابن الصباغ المالكي: كان جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ من بين اخوته، خليفة أبيه، ووصيّه والقائم بالامامة من بعده، برزعلى جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً، وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث.وروى عنه جماعة. من أعيان الأمّة مثل يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم 4.إنّك إذا تتّبعت كتب التاريخ والتراجم والسير تقف على نظير هذه الكلمات وأشباهها، كلّها تعرب عن اتّفاق الأمّة على إمامته في العلم والقيادة الروحية وإن اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قبل اللّه عزّوجلّ، فذهبت الشيعة إلى الثاني نظراً إلى النصوص المتواترة المذكورة في مظانّها 5.إنّ الامام قام بهداية الاُمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الامام الفرصة فنشر من أحاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت إليه الركبان وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء. ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم فكانوا أربعة آلاف رجل 6 وهذه فضيلة رابية لم تكتب لأحد من الأئمّة قبله ولا بعده.إنّ الامام ـ عليه السلام ـ قام بالتحديث عن جدّه وآبائه عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد الغفلة الّتي استمرّت إلى عام 143 7 وقد اختلط الصحيح بالضعيف وتسرّب إلى السنّة الاسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات بالاضافة إلى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الاموي. وبالامام عرفوا الصحيح من الزائف، والحقيقة من الباطل فأخذوا عنه الحكم والأحاديث النبويّة ولو نهلت الاُمّة من مناهل علمه وتركوا الروايات الّتي رواها الوضّاعون والكذّابون. لما ابتلت الاُمة بمصائب الحديث الّتي تركها الرواة على جبين الدهر وترى كثيراً من هذه المصائب في الصحاح والمسانيد خصوصاً في صحيح البخاري.والعجب انّ الامام البخاري، احتجّ بمثل مروان بن الحكم، وعمران بن حطّان وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهم ولم يرو عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ.أمّا الأوّل فهو الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين على لسان رسول اللّه، وأمّا الثاني فهو الخارجي المعروف الّذي أثنى على ابن ملجم بشعره لا بشعوره، وأمّا الثالث فكان ينتقص عليّاً وينال منه ومع ذلك لم نجد رواية للبخاري عن الامام الصادق ونعم ما قال القائل:قضية أشبه بالمرزئة *** هذا البخاري إمام الفئةبالصادق الصدّيق ما احتجّ في *** صحيحه واحتجّ بالمرجئةومثل عمران بن حطان أو *** مروان وابن المرأة المخطئةمشكلة ذات عوار إلى *** حيرة أرباب النهى ملجئةانّ الامام الصادق المجتبى *** بفضله الآي أتت منبئةأجلّ من في عصره رتبة *** لم يقترف في عمره سيّئةقلامة من ظفر ابهامه *** تعدل من مثل… مئة 8إنّ للامام الصادق وراء ما نشر عنه من الأحاديث في الأحكام الّتي تتجاوز عشرات الالآف، مناظرات مع الزنادقة والملحدين في عصره والمتقشفين من الصوفية ضبط المحققون كثيراً منها وهي في حد ذاتها ثروة علمية تركها الامام ـ عليه السلام ـ أمّا الرواية عنه في الأحكام فقد روي عنه أبان بن تغلب 30 ألف حديث.حتّى انّ الحسن بن علي الوشاء قال: أدركت في هذا المسجد (مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر بن محمّد. (كان ـ عليه السلام ـ يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحديث رسول اللّه قول اللّه عزّوجلّ) 9.وأمّا ما اثر عنه في المعارف والعقائد فحدّث عنه ولا حرج ولا يسعنا نقل حتّى القليل منه ومن اراد فليرجع إلى مظانّه 10.وأمّا حكمه وقصار كلمه. فلاحظ تحف العقول. وأمّا رسائله فكثيرة منها رسالته الي النجاشي، والي الأهواز، ومنها رسالته في شرائع الدين نقلها الصدوق في الخصال، ومنها ما أملاه في التوحيد للمفضل بن عمر إلى غير ذلك من الرسائل الّتي رسمها بخطّه 11.ولمّا توفّي الامام شيّعه عامّة الناس في المدينة وحمل إلى البقيع وقد أنشد فيه أبو هريرة العجلي قوله:أقول وقد راحوا به يحملونه *** على كاهل من حامليه وعاتقأتدرون ماذا تحملون إلى الثرى *** ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهقغداة حثا الحاثون فوق ضريحه *** ترابا وأولى كان فوق المفارقفسلام اللّه عليه يوم يولد ويوم مات ويوم يبعث حيا 12.
- 1. وفيات الأعيان 1 / 327 رقم الترجمة 31.
- 2. وفي الأصل أيّوب السختياني والصحيح ما ذكرناه.
- 3. كشف الغمة 2 / 368.
- 4. الفصول المهمة 222.
- 5. لاحظ الكافي 1 / 306 ـ 307 وإثبات الهداة للحر العاملي 5 / 322 ـ 330.
- 6. الارشاد 270 والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 247.
- 7. تاريخ الخلفاء للسيوطي، خلافة المنصور الدوانيقي فقد حدّد تاريخ التدوين بسنة 143.
- 8. النصايح الكافية لمن يتولى معاوية، كما في أعيان الشيعة 1 / 667.
- 9. الرجال للنجاشي 139 برقم 79.
- 10. الاحتجاج 2 / 69 ـ 155 والتوحيد للصدوق وقد بسطها على أبواب مختلفة.
- 11. ولقد جمع أسماء هذه الرسائل السيد الأمين في أعيانه 1 / 668.
- 12. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.