نص الشبهة:
- هل صحيح أنه ورد في حديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وآله ، رأى حقيقة ـ لا على وجه التشبيه أو التمثيل ـ من يعذب في النار أو ينعم في الجنة ؟!
- كيف أمكن له ذلك مع أن القيامة لم تقم للحساب وبالتالي فيفترض أن يكون أهل الجنة والنار ما زالوا في البرزخ ولم يدخلوا الجنة أو النار ، ليخلدوا فيهما ؟!
والسلام عليكم . .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإنه قد عرج برسول الله صلى الله عليه وآله جسداً وروحاً، حتى بلغ سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى .. وقد دلت ظواهر الآيات والأخبار، وعليه إجماع أهل الشرع، والآثار، أن الجنة والنار مخلوقتان في هذا الوقت ..
وقد خالف في هذا القول المعتزلة، والخوارج، وطائفة من الزيدية: فزعم أكثر هؤلاء أن خلقهما جائز عقلاً، وليس بواجب، وتوقفوا فيما ورد من الآثار ..
وقال الباقون منهم: بإحالة خلقهما .. 1.
وقد دلت الأحاديث على أنه صلى الله عليه وآله، قد رأى أناساً يعذبون في النار، أو ينعمون في الجنة .. وظاهر الأخبار أنه رأى ذلك على نحو الحقيقة، لا التشبيه أو التمثيل ..
وربما يمكن أن يوضح لنا ذلك: ما ذكرناه في كتابنا «تفسير سورة هل أتى» من أن هناك ما يدل على أن الله سبحانه يتصرف في المكان وفي الزمان على حد سواء، فهو يطوي الأرض لأوليائه، ويعرج بنبيه إلى سدرة المنتهى، وغيرها .. ويرجعه في جزء يسير من ليلة مباركة، ويطوي السماء كطي السجل للكتب، ويقارب بين مكاني عرش بلقيس، وعرش سليمان، حتى يجر آصف بن برخيا عرشها إليه، ويصبح في بيت المقدس، بعد أن كان في اليمن، كما أن الله تعالى يمد الأرض، ويسطحها، ويجعل الجبال كالعهن المنفوش و .. و .. الخ ..
كما أنه تعالى يجعل خمسين ألف سنة في الآخرة، أخف على المؤمن من صلاة مكتوبة، يصليها مخففة، ويمكن أن يجعل من لحظة من الزمان بمقدار مليارات من السنين وكذلك العكس، ويمكن أن يلغي الزمان بالكلية أيضاً ..
فإذا أخذنا ذلك كله بعين الاعتبار، وعرفنا أن حضور الأشياء في حضرته تعالى ليس زمانياً .. فالماضي والحال والمستقبل حاضر لديه بالفعل ..
فأهل الجنة ينعمون بالجنة لديه تعالى، ويولدون ، ويعيشون الحياة الدنيا ، وحضورهم لديه في جميع حالاتهم مجرد عن الزمان ، وإن لم نستطع نحن أن نتعقل ذلك بالفعل ، لأن تعقلنا له مقترن بالزمان ، ولا نستطيع أن نخرج أنفسنا من دائرته . .
فلماذا لا يطلع الله نبيه على ما هو حاضر لديه تعالى، في حال إفراغه من المحتوى الزماني، فيرى المخلوقات مجردة عن ذلك .. على نفس حالة حضورها بين يدي الله تعالى ..
وقد مثل بعض العلماء هذا الأمر بإنسان جالس أمام نافذة، وهو يرقب مرور القوافل، وقد مرت قبل ساعة قافلة رآها من تلك النافذة، فهذا هو المثال للماضي .. وها هو يرى قافلة أخرى تمر الآن بالفعل فهذا مثال الحاضر .. ثم هو ينتظر أن يرى بعد ساعة قافلة لم تصل بعد .. فهذا مثال للمستقبل ..
فلو أنه ترك موقعه، وصعد على سطح ذلك البيت، فسوف يرى القوافل الثلاث في آن واحد ..
وعلى كل حال: فإن نفس عروجه صلى الله عليه وآله، ووصوله إلى الجنة والنار ـ والذي إنما أمكن بعد فرض التصرف في المكان وفي الزمان معاً ـ لهو خير شاهد على إمكان مشاهدة النبي عذاب أهل النار في النار، ونعيم أهل الجنة في الجنة، بل على حصول ذلك له فعلاً ..
وبذلك يعلم: أن السؤال المذكور غير وارد أصلاً .. ولا مجال لطرحه من أساسه ..
والله هو العالم بحقائق الأمور ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 2 . .
- 1. راجع: أوائل المقالات، الجزء الرابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ص 124 .
- 2. مختصر مفيد . . (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (364 و 365).