نور العترة

الإسلام…

الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء مقولة مشهورة في أوساط المؤمنين لا يُعرف قائلها، و أياً كان قائلها فقد أجاد و أحسن فجزاه الله خير الجزاء، و هذه المقولة ليست إلا تعبيراً عن حقيقة ثابته من جانب، و تفسيراً لقول الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه و آله ): “حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط”1 من جانب آخر، حيث أن الحسين (عليه السَّلام) نهض في وجه الانحراف و الظلم و الفساد، و ثار في وجه المحاولات الخطيرة التي قام بها بنو أمية للقضاء على الاسلام فضحى بنفسه و أهل بيته و أصحابه من أجل بقاء الاسلام و الحفاظ على تعاليمه.

نعم لقد أرسل الله عزَّ و جلَّ رسوله المصطفى محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه و آله ) ليكون للعالمين نذيرا، و لكي يُخرجهم من الظلمات الى النور، و ينقذ الناس من الجهل و الظلم، و يبلِّغ رسالة السماء و يقيم حكم الله في الارض، و من أجل هذه الأهداف السامية ضحى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بكل غال و رخيص و تحمَّل الكثير من الأذى حتى استقرت دعائم الدين الاسلامي و الشريعة المحمدية الغراء حتى توفاه الله اليه.

و لم يمض وقتا طويلاًعلى وفاة الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) حتى نشطت البذور النائمة للكفر و النفاق فخططت حتى وصلت الى سدة الحكم لتتحكم بمصير الامة الاسلامية و تقضي على كل ما جاء به الرسول الكريم ( صلى الله عليه و آله ) و جدَّت في أن لا يبقى من الاسلام الإ اسمه و من القرآن إلا رسمه.

فهذا أبو سفيان لمّا تمّت البيعة لعثمان بن عفّان يقول لبني أمية نجده يُظهر ما أخفاه و يقول: «تلقّفوها يا بني أُميّـة تلقّف الكرة، فما الأمر على ما يقولون» 2.

و هذا معاوية بن أبي سفيان كلما سمع صوت المؤذن يقول “أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله” يقول: لا والله إلا دفناً دفناً.

روى ابن أبي الحديد 3 قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ـ و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي ، فيذكر معاوية و عقله ، و يُعجب بما يرى منه ـ إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، و رأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، و ظننت أنه لأمر حدث فينا .
فقلت : ما لي أراك مغتماً منذ الليلة ؟
فقال : يا بني جئتُ من عند أكفر الناس و أخبثهم 4 !
قلت : و ما ذاك ؟!
قال : قلت له و قد خلوت به : إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا و بسطت خيراً ، فإنك قد كبرت ، و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه ، و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه .
فقال : هيهات هيهات ، أي ذكر أرجو بقاءه ! مَلكَ أخو تيم فعدل ، و فعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد و شمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : عمر ، و إن ابن أبي كبشة 5 ليُصاح به كل يوم خمس مرات ” أشهد أن محمداً رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، فأيُّ عمل يبقى و أيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك ، لا والله إلاّ دفناً دفناً !! ” 6  .

و عن سعيد بن سويد قال : ” صلى بنا معاوية بالنخيلة – يعني خارج الكوفة – الجمعة في الضحى ثم خطبنا فقال : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ” 7

و هذا يزيد بن معاوية عندما ادخل عليه سبايا أهل البيت بعد مقتل الحسين تغنّى بأشعار وهو في غاية الفرح والنشوة قائلا :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلوا واستهلوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل 8

و أخرج الواقدي من طرقٍ أن عبد الله بن حَنظلة الغسيل قال : و الله ما خرجنا على يزيد 9 حتى خِفْنا أن نُرمي بالحجارة من السماء !
إنه رجل ينكح أمهات الأولاد ، و البنات ، و الأخوات ، و يشرب الخمر ، و يَدَعُ الصلاة !
و قال الذهبي : و لما فعل يزيدٌ بأهل المدينة ما فعل ـ مع شرب الخمر و إتيانه المنكَرَ ـ اُشْتَدَّ عليه الناس ، و خرج عليه غير واحد ، ولم يبارك الله في عمره ، و سار جيش الحَرَّة إلى مكة لقتال ابن الزبير ، فمات أمير الجيش بالطريق ، فاستخلف عليهم أميراً ، و أتوا مكة ، فحاصَروُا ابن الزبير و قاتلوه و رَمَوْهُ بالمنجنيق ، و ذلك في صفر سنة أربع و ستين ، و احترقت من شرارة نيرانهم أستارُ الكعبة و سقفُها و قرنا الكبش الذي فَدَى الله به إسماعيل و كانا في السقف ، و أهلك الله يزيد في نصف شهر ربيع الأول من هذا العام ، فجاء الخبر بوفاته و القتالُ مستمر .
فنادى ابن الزبير : يا أهل الشام إن طاغيتكم قد هلك ، فانفَلُّوا و ذَلوا و تخطَّفَهم الناس 10 .

فلولا ثورة الامام الحسين (عليه السَّلام) و نهضته المباركة لما بقي اليوم من الاسلام شيئ يذكر.

ملحق:

وجدنا لاحقاً أن سماحة العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء 11 هو صاحب هذه المأثورة الحكيمة حيث أن المؤلف القدير الحاج حسين الشاكري نسب هذه المقولة لسماحته قائلاً: قال العلامة كاشف الغطاء: الإسلام محمدي النشأة، حسيني البقاء 12 .

  • 1. صحيح الترمذي : 2 / 307.
  • 2. أنظر: أنساب الأشراف: 5 / 19، و مروج الذهب: 2 / 343.
  • 3. هو الشيخ الكامل الاديب المؤرخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين محمد بن محمد ابن الحسين بن ابي الحديد المدايني الحكيم الاصولي المعتزلي المعروف بابن ابي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة المشهور.
  • 4. يقصد معاوية بن أبي سفيان .
  • 5. يقصد به رسول الله ( صلى الله عليه و آله )
  • 6. جواهر التاريخ: الفصل التاسع، للعلامة الشيخ علي الكوراني، نقلاً عن شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد: 5/129. و أنظرأيضاً: الصحوة ، لصباح علي البياتي : 403 ، نقلاً عن الموفقيات : 577.
  • 7. أنظر: البداية و النهاية ج 8 /140
  • 8. أنظر: حياة الإمام الحسين، للعلامة القرشي: 187:2و377:3.
  • 9. هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثاني خلفاء بني أمية و قاتل إبن بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و أولاده و إخوته و أصحابه الكِرام في واقعة الطف بكربلاء سنة : 61 هجرية .
  • 10. تاريخ الخُلفاء : 209 ، للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفى سنة : 911 هجرية .
  • 11. هو الامام المصلح آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ( قدس سره ) المولود بالنجف / العراق سنة: 1294 هـ / 1876 م و المتوفى سنة : 1373 هـ / 1954م، و يُعد سماحته من أوائل دعاة الاصلاح الديني و الاجتماعي و الوحدة الإسلامية في العراق و العالم الإسلامي و له دور كبير في هذا المجال، ترك نتاجاً علمياً كبيراً في مختلف العلوم الإسلامية كالكلام و الفقه و الاصول و غيرها، منها: أصل الشيعة و أصولها، الآيات البيانات في قمع البدع و الضلالات، إلى غيرها التي تقارب الستين.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى