نص الشبهة:
لقد وجدنا أنّ جُلّ بلاد المسلمين بلغهم العلم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من غير طريق عليّ (عليه السلام)وأهل بيته (عليهم السلام)، فقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله)أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلّم الأنصار القرآن، ويفقّههم في الدِّين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أُسيد إلى مكّة، فكيف تقولون إنّه لا يبلّغ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلاّ رجلٌ من أهل بيته؟
الجواب:
أمّا القول بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أرسل هؤلاء إلى الأماكن المختلفة فهذا ليس محلّ خلاف، ويلزم أن نضيف إليه أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان قد أرسل عليّاً (عليه السلام) إلى اليمن لأجل القضاء، وهذه الأُمور ليست محلّ كلام وبحث، وإنّما المهمّ هو الكذب الذي جاء في آخر كلام جامع الأسئلة، حيث يقول: إنّ الشيعة يقولون إنّه لا يبلّغ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) سوى رجلٌ من أهل بيته، ففي أيّ كتاب جاء ذكر هذا الأمر؟!
إنّ جامع الأسئلة ليس له أدنى اطّلاع لا بالتاريخ ولا بسيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحقيقة الأمر هي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر هذا في مورد خاصّ وهو ما يتعلّق برفض الأمان عن المشركين بقراءة آيات من أوائل سورة البراءة في موسم الحج.
أجمع المفسرون ونقلة الأخبار أنّه لمانزلت سورة براءة، دفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر وبعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أوّل هذه السورة في موسم الحج، وأن ينبذ كل ذي عهد عهده، ثم بعث عليّاً خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس.
فخرج علي (عليه السلام) على ناقة رسول الله العضباء حتّى أدرك أبا بكر بذي الحليفة، فأخذها منه ورجع أبو بكر إلى المدينة فقال: هل نزل فيّ شيء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، إلاّ خيراً، ولكن نزل جبرئيل وقال: لايؤدي عني إلاّ أنا أو رجل مني.
هذا هو إجمال القصة ومن المعلوم أنّ كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاص بهذه الحادثة الّتي يرفع فيها الأمان عن المشركين وينقض كل ذي عهد عهده، وهذا عندما ظهر من المشركين خيانة ونقض فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم.
وبما أنّ هذه الحادثة تشتمل على أعمال ذات طابع سياسي حكومي فهي إشارة من النبي للمسلمين بأنّ الأعمال الحكومية يجب أن يتصدى لها النبي أو رجل منه وهو ليس إلاّ الإمام علي (عليه السلام)، ولم يكن ما بلّغه الإمام عن النبي رواية أو حكماً شرعياً حتّى يصح أن يتحمّله أيّ واحد من الناس.
وقد ذكر هذا الأمر أغلب المفسِّرين في تفسيرهم لأوائل سورة التوبة، وعدّها البعض منهم واحدة من موارد فضائل عليّ (عليه السلام)، بينما ذهبت شرذمة بتوجيه هذه الواقعة لئلاّ ينتقصوا من مقام أبي بكر 1، وما على القرّاء الأعزّاء إلاّ مراجعة تفسير الفخر الرازي، والمنار، وتفسير الطبري، ومن كتب الحديث: الدرّ المنثور 2.
- 1. خصائص النسائي: 84، الحديث 73؛ وسنن الترمذي: 5 / 275، الحديث 3090؛ مستدرك الحاكم: 4 / 178، وغيرها.
- 2. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته، السؤال 159.