لا شك و أن الموت قانون إلهي شامل لما سوى الله جَلَّ جَلالُه ، فليس من شك أن الأنبياء ( عليهم السلام ) يموتون كما يموت سائر الناس من دون استثناء ، و هذا ما تؤكده الآيات القرآنية الكريمة :
1. قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ … ﴾ 1 .
2. قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ 2 .
3. قال الله تعالى : ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴾ 3 .
4. قال الله عَزَّ ذكره : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 4 .
ليس الموت نهاية الحياة :
لكن ينبغي التنبيه على أن الموت ليس نهاية الحياة ، و أن الإنسان لا ينعدم بالموت بل ينتقل بالموت إلى حياة أخرى تسبق الحياة الآخرة تُسمى بالحياة البرزخية ، إلا أننا نجهل حقيقة هذه الحياة ، و هذه الحياة هي التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله : ﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ 5 .
و رُوِيَ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ أَنه قَالَ :
خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) إِلَى الظَّهْرِ ـ أي ظهر الكوفة ـ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلَامِ 6 كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ ، فَقُمْتُ بِقِيَامِهِ حَتَّى أَعْيَيْتُ ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ، ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلًا ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ، ثُمَّ قُمْتُ وَ جَمَعْتُ رِدَائِي .
فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ، ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ لِي : ” يَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلَّا مُحَادَثَةُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤَانَسَتُهُ ” .
قَالَ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ ؟
قَالَ : ” نَعَمْ ، وَ لَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ ” .
فَقُلْتُ : أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ ؟
فَقَالَ : ” أَرْوَاحٌ ، وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلَامِ ، وَ إِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ ” 7 .
موت الناس و موت أولياء الله :
لكن يبدو أن هناك فرقاً بين موت عامة الناس و بين موت أولياء الله ، حيث نجد القرآن الكريم لا يَعُدُّ الشهداء أمواتاً ـ رغم موتهم حسب مقاييسنا ـ و ينهانا عن عدِّهم كذلك فيقول : ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 8 .
و قال عَزَّ ذكره : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ 9 .
و من الواضح أن الأنبياء ليسوا بأقل من الشهداء ، بل إنهم أعظم شأناً و أرفع منزلة من الشهداء ، و الشهداء هم الذين يلتحقون بالأنبياء و ليس بالعكس .
قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ 10 .
- 1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 185 ، الصفحة : 74 .
- 2. القران الكريم : سورة الرحمن ( 55 ) ، الآية : 26 و 27 ، الصفحة : 532 .
- 3. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 461 .
- 4. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
- 5. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 99 و 100 ، الصفحة : 348 .
- 6. وادي السَّلام إسمٌ للوادي الكبير الواقع بالجانب الشمالي الشرقي من مدينة النجف الأشرف في العراق ، و وادي السَّلام هذا هو مقبرة عظيمة جداً ، و ربما عُدَّت أكبر مقبرة في العالم ، أو من أكبر مقابر العالم نظراً لمساحتها الواسعة .
و هذه المقبرة بقعة مباركة تضمُّ مرقد النبيين هود و صالح ( عليهما السلام ) ، كما تضمُّ قبور عدد كبير من أولياء الله الصالحين و العلماء الأبرار و المؤمنين الشيعة الذين دفنوا هناك منذ أن عُرف قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) في النجف الأشرف في سنة 170 هجرية .
و منذ أكثر من ألف سنة و الشيعة تجهد في نقل جثث و رفاة موتاهم من شتى بلدان العالم إلى وادي السلام لِما وردت في فضيلته روايات كثيرة تدل على قدسيته و كرامته . - 7. الكافي : 3 / 243 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
- 8. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآيات : 169 – 171 ، الصفحة : 72 .
- 9. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 154 ، الصفحة : 24 .
- 10. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 69 ، الصفحة : 89 .