الخلية التناسلية الكاملة
صحيح أن رحم المرأة يكون بالنسبة إلى نطفة الرجل كالأصيص بالنسبة إلى البذرة . إلا أن الأمر يختلف تماماً في موضوع تكوين الخلية التناسلية ، إذ ليست نطفة الرجل هي الخلية التناسلية الكاملة ـ كما كانت البذرة ـ و كذلك الرحم الأم يتحمل في المرحلة الأولى نصف مسؤولية عملية التلقيح ، ثم ينفرد في أنه يتحمل مسؤولية الاحتفاظ بالنطفة لمدة تسعة أشهر كاملة في داخله حتى يصنع إنساناً كاملاً .
و لهذا ورد في القرآن الكريم : ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ 1 . أي أننا خلقناه من نطفة مركبة و ممزوجة من الرجل و المرأة كليهما.
« إن خلايا الخصية تفرز من غير توقف ، و خلايا الحياة كلها ، حيوانات ميكروسكوبية وهبت لها حركات نشيطة للغاية ، هي الحيوانات المنوية . و هذه الحيوانات تسبح في المخاط الذي يغطي المهبل من الرحم ، و تقابل البويضة على سطح الغشاء المخاطي الرحمي … و تنتج البويضة من النضج البطيء لخلايا المبيض الجرثومية . و يوجد نحو 300000 بويضة في مبيض الفتاة و تبلغ نحو اربعمائة منها فقط درجة النضج ، و في وقت الحيض ينفجر الكيس المشتمل على البويضة . ثم تبرز البويضة فوق غشاء ( بوق فالوب ) ، فتنقلها السيليا ( الأهداب ) المتحركة للغشاء إلى داخل الرحمن و تكون نواتها قد تعرضت في تلك الأثناء لتغير هام . ذلك أنها تكون قد قذفت بنصف مادتها … وبعبارة أخرى بنصف كل ( كروموسوم ) . و حينئذ يخترق الحيوان المنوي سطح البويضة . و تتحد كروموسوماته التي تكون فقدت أيضا نصف مادتها ، بكروموسومات البويضة . و هكذا يولد مخلوق جديد » 2 .
منشأ ظهور الطفل
يستفاد من هذه الفقر أمران : الأول : أن نطفة الرجل تتحد بنطفة المرأة ، و يحصل من اتحاد نصف خلية الرجل و نصف خلية المرأة ( الخلية التناسلية الكاملة ) التي هي العامل الأول في ظهور الطفل . و الثاني : أن بويضة المرأة عندما تقابل سيل الحيامن الذكرية ، إنما تتلقح بواحدة منها فقط ، أما البواقي فتندثر .
« حينما يقذف الرجل بالسائل المنوي إلى الخارج فإنه يكون حليبي اللون ـ و بحجم 3 سم 3 ، يوجد في كل سانتيمتر مكعب منه من 100 إلى 200 مليون حيمن » .
« إن الحيامن المنوية قادرة على الاحتفاظ بقابليتها على التلقيح لمدة 48 ساعة بعد الخروج من الرجل . وذلك في وسط قلوي ( قاعدي ) وتحت درجة حرارة 37 مئوية … » 3
لم يكن بإمكان البشر قبل أربعة عشر قرنا أن يتصوروا أن منشأ ظهور الانسان هو موجود صغير و ضئيل يوجد منه في نطفة الرجل مئات الملايين في كل مرة . و هذه الذرة الصغير كافية في أن تلقح إمرأة . و مع ذلك فقد صرح القرآن الكريم بهذه القيقة منذ ذلك الحين حيث قال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ﴾ 4 . أي أن الله جعل نسل الانسان من خلاصة ماء حقير و ضعيف ، فليس العامل في إبقاء نسل الانسان هو هذا الماء الحقير الذي يخرج منه كله بل جزء منه ، و هو خلاصته ( سلالته ) .
و يتضح تنبه الامام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى هذه الحقيقة من خلال الفقرة التالية :
« جاء رجل إلى علي عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين كنت أعزل عن امرأتي ، و إنها جاءت بولد . فقال علي عليه السلام : و أناشدك الله هل وطأتها ثم عاودتها قبل أن تبول ؟ قلا : نعم . قال : فالولد لك … » 5 .
من هذه الجملة ، يعلم أن الرجل كان يعزل ( يقذف السائل المنوي خارج مهبل زوجته ) لمنع الحمل ، و مع ذلك فقد حدث أن حملت المرأة فأدى الأمر إلى أن يشك الرجل في زوجته فجاء يسأل علياً ( عليه السلام ) و إلا فانه لم يكن يرضى بأن يفشي سره . فنجد الامام ( عليه السلام ) حين يسمع بالقصة يسأله هل اتفق له أن جامع زوجته مرتين من دون أن يبول في الأثناء ، فأجابه بوقوع ذلك ، فصرح الامام بأن الولد له .
و السر في ذلك واضح ، لأنه عليه السلام كان يعلم أن ذرة صغيرة من النطفة كافية لأن تلقح بويضة المرأة فتحمل ، فبما أن الرجل جامع زوجته في المرة الأولى ثم قذف السائل خارجاً و بقي مدة لم يبل فيها فبقيت الحيامن في المجرى ، و حين جامعها للمرة الثانية خرجت إحدى تلك الحيامن و لقحت المرأة من دون أن يشعر ، و بالرغم من أنه قذف السائل خارجاً في المرة الثانية إلا أن الحيامن المتبقية في المجرى كانت قادرة على الاحتفاظ بنشاطها لمدة 48 ساعة و كذلك فعلت .
* * *
و بالرغم من أن الأب و الأم كليهما يشتركان في صنع الخلية الأولى للطفل و يتساوى دورهما فيه ـ و لهذا نجد أن الأطفال يكتسبون بعض صفاتهم من آبائهم و بعضها من أمهاتهم ـ لكن الرحم هو الذي يصنع الطفل و يخرج تلك الذرة الصغيرة بصورة إنسان كامل . و إن جميع الاستعدادات التي كانت كامنة في تلك الخلية الأولية تظهر إلى عالم الفعلية في رحم الأم . إذن فالمقدرات التفصيلية للطفل من الصلاح و الفساد ، و الجمال و القبح ، و النواقص و الكمالات ، الظاهرية و الباطنية كلها تخطط في الرحم .
المرحلة الأخيرة للتكوين
هناك مئات التفاعلات و التأثيرات الاختيارية و الاتفاقية تمر في طريق أصلاب الآباء و أرحام الأمهات ، و تؤثر في الأطفال بصورة خفية حيث تظهر نتائجها جميعاً في الرحم . و الرحم هو آخر مراحل التأثيرات المختلفة الطارئة على تكوين الطفل ، و عند عبوره هذه المرحلة يبدأ الحياة على الأرض . إذن فالسعادة و الشقاء التكوينيين للانسان يجب البحث عنهما في آخر المراحل و هو رحم الأم . و لهذا نجد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) و الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) بالرغم من عنايتهم الشديدة بالتأثير المشترك لأصلاب الآباء و أرحام الأمهات حول سعادة الطفل و شقائه يوجهون جل إهتمامهم إلى رحم الأم فيقولون : « السعيد سعيد في بطن أمه ، و الشقي شقي في بطن أمه » 6 .
أثر غذاء الأم في الجنين
هذا هو جواب السؤال الذي بدأنا به الحديث ، وهو أنه لماذا اعتبرت الروايات رحم الأم هو الملاك في السعادة والشقاء ، وأغفلت ذكر صلب الأب ؟
إنه لا مندوحة لنا من القول بأن دور الأم في بناء الطفل يفوق دور الأب بكثير . نعم لو اكتفينا بملاحظة دور الأب و الأم في تلقيح البويضة بواسطة الحيمن لايجاد الخلية الأولى للطفل لكانا متساويين في ذلك الدور ، إلا أن الواقع أن الأم تتحمل في دور الحمل مسؤولية كبيرة و بالخصوص فيما يتعلق بأسلوب تغذي الأم و نوعه .
إن دور الأباء في البناء الطبيعي للطفل ينتهي بعد انعقاد النطفة و حصول التلقيح ، لكن دور الأم يستمر طيلة أيام الحمل ، فالطفل يتغذي من الأم ، و يأخذ منها جميع ما يحتاجه في بنائه . و لهذا فإن لسلامة الأم و مرضها ، طهارتها و رذالتها ، سكرها و جنونها … أثراً مباشراً في الجنين :
« إن الأب و الأم يساهمان بقدر متساو في تكوين نواة البويضة التي تولد كل خلية من خلايا الجسم الجديد و لكن الأم تهب علاوة على نصف المادة النووية كل البروتويلازم المحيط بالنواة ، و هكذا تلعب دوراً أهم من دور الأب في تكوين الجنين » 7 .
« إن دور الرجل في التناسل قصير الأمد . أما دور المرأة فيطول إلى تسعة أشهر . و في خلال هذه الفترة يغذى الجنين بمواد كيمياوية ترشح من دم الأم من خلال أغشية الخلاص » 7 .
إن الطفل أشبه ما يكون بعضو من أعضاء الأم تماماً ، عندما يكون في بطنها . و جميع العوامل التي تؤثر في جسد الأم و روحها تؤثر في الطفل أيضاً . إذا ابتلي أب ـ بعد انعقاد النطفة ـ بشرب الخمرة أو العوارض الأخرى فانها لا تؤثر في الطفل ، لأن صلة الطفل بأبيه إنما تكون ثابتة إلى حين انعقاد النطفة فقط ، لكن صلة الأم تستمر لمدة تسعة أشهر ، و عليه فإذا أقدمت الأم ـ في أيام الحمل ـ على شرب الخمر فإن الجنين يسكر و يتسمم أيضاً .
إن أحد أسباب سلامة هيكل الطفل و رشاقة قوامه ، أو عدمها في أيام الحمل يتعلق بالغذاء الذي تتناوله الأم و هي حامل . و كذلك الغذاء الذي كان يتناوله الأب قبل انعقاد النطفة .
« إذا كانت نطفة الأب مسمومة حين الاتصال الجنسي فإن الجنين يوجد ناقصاً و عليلاً ، و هذا التسمم ينشأ من تناول الأطعمة الفاسدة ، أو معاقرة الخمرة . إذن يجب الاجتناب عن الاتصال الجنسي حين التسمم و السكر بالخصوص » 8 .
« لقد قام أحد الأطباء الحاذقين في أوربا بجمع إحصائيات دقيقة للنطف التي تنعقد في ليلة رأس السنة المسيحية فوجد أن 80% من الأطفال المتولدين من تلك النطف ناقصوا الخلقة و ذلك لأن المسيحيين في هذه الليلة يقيمون أفراحاً عظيمة و ينصرفون إلى العرش الرغيد و الافراط في الأكل و الشرب و يكثرون غالباً من تناول الخمرة إلى حد يجرهم إلى المرض . و بما أن المطاعم و حانات الخمور تستقبل أكبر كمية من الزبائن في هذه الليلة فإنه يتعذر على أصحابها أن يطعموهم الأطعمة السالمة تماماً و يتموا بشأنها كغيرها من ليالي السنة » 9 .
« يصاب بعض الأطفال في الأيام الأولى من أعمارهم بقروح و جروح تسمى ( أكزما الأطفال ) و هذه القروح لا تزول إلا بعد أن تعذب الوالدين لمدة طويلة ، و هي ناتجة من سوء تغذي الأمهات في أيام الحمل . فإن الأم لو اكثرت في أيام الحمل من أكل التوابل و الأطعمة الحارة كالخردل و الدارسين و ما شاكل ذلك فالطفل يصاب بالأكزما » 10 .
« إن الفواكه و الخضروات التي تحتوي فيتامين ( B ) تعتبر العلاج القطعي للكنة اللسان . و الأم التي تتناول من هذا الفيتامين أيام حملها ، فإن جنينها يأخذ بالتكلم مبكراً و لا يصاب باللكنة » 11 .
« إن المشروبات الروحية تعتبر خطة جداً للحوامل لأنها بغض النظر عن التسمم الذي توجده ، تهدم الفيتامينات التي تحتاجها الأم و الجنين أيام الحمل ، فينشأ الطفل ناقصاً و مشوهاً » 12 .
« إن تناول الأطعمة الفاسدة و اللحوم بالخصوص ـ حيث تؤدي إلى التسمم ـ يجعل لون الجنين داكناً مائلاً إلى الاصفرار » 13 .
الغذاء و الجمال
يرى العلم الحديث أن للأطعمة تأثيراً خاصاً في صباحة وجه الأطفال و رشاقة قوامهم و لون شعرهم و عيونهم ، و في كل مظاهرهم . و كذلك الروايات و الأحاديث فأنها لم تغفل شأن الاشارة إلى أثر الأطعمة و الفواكه و الخضروات و البقول ، فورد في بعضها الارشاد إلى استعمال أنواع خاصة منها للحامل : « عن الصادق عليه السلام ، نظر إلى غلام جميل ، فقال : ينبغي أن يكون أبو هذا أكل سفرجلاً ليلة الجماع » 14 .
و هناك حديث آخر بشأن السفرجل : « … و أطعموه حبالاكم فإنه يحسن أولادكم » 15 .
و عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال : « أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فإن ولدها يكون حليماً تقياً » 16 .
الحوادث غير المتوقعة
يخضع الطفل في أيام الحمل لتأثيرات أمه ، و إن جميع الحوادث التي تقع للأبوين تؤثر فيه ، و يصنع الطفل بموجبها . فقد يصادف أن تقع بعض العوامل في أيام الحمل فتؤدي إلى سعادة الطفل . و قد يكون العكس حيث تؤدي إلى شقائه أو سقوطه و انعدام حياته تماماً.
لنتصور مسافراً يركب سيارة و يقصد منطقة نائية جداً بحيث يطول سفره تسعة أشهر فهناك العديد من المخاطر في طريقه ، فمن المحتمل في كل لحظة أن يقع في هوة سحيقة ، أو واد عميق أو تصطدم سيارته بجبل ، أو لحظة أن يقع في هوة سحيثة ، أو واد عميق أو تصطدم سيارته بجبل ، أو يقذف إلى نهر ، أو تكسر يده ، أو يجرح بدنه ، و قد يصادف أن يطوي 99% من مجموع المسافة ، و يبقى له 1% فقط فتصادفه عقبة كأداء أو حادثة سيئة في ذلك الجزء الأخير ، فلا يمكن التأكد من وصول المسافر إلى مقصده بسلام إلا بعد أن يترك السيارة و يتجه إلى منزله الأخير .
و هكذا النطفة التي تنعقد في رحم الأم لأول لحظة ، فهي كالمسافر الذي استقل واسطة النقل ، و عليه أن يقطع المراحل الطبيعية طيلة تسعة أشهر . فهناك المئات من العراقيل و المخاطر تقع في طريقها . و في كل لحظة يمكن أن تقع حادثة تؤدي إلى سقوط الجنين و موته ، أو تحدث فيه نقصاً و انحرافاً . و قد يصادف أن يقطع الجنين ثمانية أشهر من حياته بسلام ، و في الشهر الأخير يصاب ببعض العوارض ، و لا يمكن القطع بسلامة الطفل و إجتيازه المراحل كلها ، و تولده سعيداً إلا بعد أن يتولد سالماً ، و يخرج إلى الدنيا الخارجية .
و لهذا فإن قسطاً كبيراً من النجاح الباهر الذي أحرزه بعض العظماء في العالم يرجع إلى ( طهارة المولد ) ، و كذلك الانتكاسات التي تحدث لبعض الأفراد فانها ترجع إلى انحرافات الدور الجنيني .
طهارة المولد
إن القرآن الكريم يعبر عن رجلين من هؤلاء العظماء بطهارة المولد ( و السلام يوم الولادة ) و هما يحيى بن زكريا ، و عيسى بن مريم . يقول القرآن في حق يحيى : ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ 17 . و يقول على لسان المسيح ابن مريم : ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ 18 . و السلام بمعنى : عموم العافية . أي : الطهارة الكاملة للبدن و الروح . و هذه الحقيقة أي طهارة المولد متساوية في حق جميع الرسل و الأنبياء . و النكتة الأخرى التي يجب التنبه إليها هي : أن القرآن عبر عن السلامة في دور الرحم بسلامة يوم الولادة ، و ذلك لأن السلامة في تمام ذلك الدور لا تعرف إلا بعد ولادة الطفل سالماً ، و اجتيازه تلك المراحل كلها بنجاح حيث تنقطع صلته تماماً برحم أمه .
« كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بشر بولد ، لم يسأل : أذكر هو أم أنثى ؟ بل يقول : أسوي ؟ . فإذا كان سوياً قال : الحمد الله الذي لم يخلقه مشوهاً » 19 .
و لا ريب فلسلامـة المولد قيمتها ، إذ أنها هي السبب الأول في نشوه جيل مستو و خلق مجتمع فاضل تنتشر فيه روح السعادة و الانسانية و الصفاء .
مصدر السعادة و الشقاء
ينضح مما سبق مدى أهمية رحم الأم في سعادة الطفل و شقائه ، و كذلك اتضح السبب في عدم ذكر الروايات لأهمية أصلاب الآباء ، إذ أن الرحم هو مصدر السعادة و الشقاء ، و فيه يتقرر مصير الإنسان و سلوكه بنسبة كبيرة . فبعض الأطفال يبتلى بقسم من العيوب و النواقص العضوية في ناحية أو أكثر من البدن ، و يولد مع تلك العيوب . و هناك بعض الأطفال نجدهم سالمين من حيث القوام البدني ، و لكنهم مصابون ببعض الانحرافات و العوارض النفسية و الروحية ، و لذلك فإن الشقاء قد لحق بهم و هم في بطون أمهاتهم .
إن الانحرافات البدنية و النفسية كثيرة . و هناك الكثير منها لا يزال مجهولاً لدى العلماء حتى اليوم . إلا أن قسمأً كبيراً من تلك العاهات يمكن الإتقاء منها إذا أحرزنا السلامة البدنية و النفسية للاباء و الأمهات .
و إذ جر البحث إلى هذه العاهات التي تسبب ولادة الطفل شقياً ، لا بأس بذكر بعضها و تعداد أنواعها ، لمناسبتها للبحث من جهة ، و لفوائدها للمستمعين ( القارئين ) الكرام من جهة أخرى .
العاهات العضوية
1 ـ « بقاء الجدار الداخلي للبطن مفتوحاً ، و حينئذ يؤدي إلى خروج الأحشاء إلى الخارج ( خلف الجدار الخارجي ) و إيجاد إنتفاخ ظاهر » .
2 ـ « الفتق السري الناشئ من عدم انسداد الحبل السري قبل الولادة » .
3 ـ « عدم التحام جدار السرة و حصول شق في مقدم البطن إلى جهة الطحال ».
4 ـ « عدم التحام القفص الصدري بعظم القص و في هذه الصورة يكون القلب سطحياً و واقعاً خلف الجلد مباشرة . و في بعض الأحيان نجد بقاء قسم من الرئتين خارج القفص الصدري » 20 .
الوجه
1 ـ « شق الشفة ، و ينشأ هذا العيب من عدم التصاق الأنسجة الرابطة بين أجزاء الفك أو الأنف . هذه العاهات قد تؤدي إلى ظهور أثر جرح ، أو كشق صغير على جانب واحد جانبين من الشفة » .
2 ـ « شق القحف : هذا الشق ينشأ من عدم اتصال الأنسجة بين عظام الجمجمة » .
3 ـ « عدم إنسداد الفتحة الواصلة بين العين و الأنف هذه الفتحة التي تبدأ من الجفن الأسفل للعين و تمتد إلى جهة الفم ، قد تبقى مفتوحة أحياناً ».
4 ـ « إتساع فتحة الفم أكثر من المعتاد . و هو ناشئ من عدم إلتيام الأخدود الواصل بين أنسجة الفك الأعلى و الأسفل » .
5 ـ « و قد يؤدي توقف أنسجة الوجه عن النمو إلى ظهور العاهات و بعض الحفر في الوجه » 21 .
الهندام
1 ـ « توقف بعض أجزاء الأطراف عن النمو ، و في هذه الصورة قد نجد الأطراف ملتصقة بالجسد مباشرة من دون وجود الساعد أو الساق » .
2 ـ « ظهور أطراف زائدة ـ كاملة أو ناقصة ـ و هذا التشويه ينشأ في الغالب من انقسام الأنسجة الأولية » .
3 ـ « عدم التناسق في اتصال مفاصل الرجلين وفي هذه الصورة تكون الأصابع في خلف القدم والكعب في الجانب الأمامي » 22 .
الجهاز الهضمي
1 ـ « إنسداد المريء ، و علامته تقيؤ الطفل للحليب في اليوم الأول فور ارتضاعه » .
2 ـ « ضيق فتحة المريء حيث يؤدي فيما بعد إلى مشاكل كثيرة في بلع الأطعمة الصلبة ـ غير السائلة ـ » .
3 ـ « الضيق الناشئ قبل الولادة لفتحة فم المعدة ، و النمو غير الاعتيادي للعضلة التي تغلق هذه الفتحة » .
4 ـ « إنسداد ثقب المخرج ، أو أدائه إلى غيره من الحفر كالمثانة و نحوها » 23 .
هذه نماذج مختصرة للعاهات والنواقص التي تصيب جسم الطفل ، و هي كثيرة ، فجميع أجزاء البدن سواء الجهاز العظمي و الجهاز التناسي و القلب و العروق الدموية و المخ و الأعصاب خاضعة للتأثر بتلك العاهات ، و قد تكون خطرة جداً إلى درجة أنها تؤدي إلى نشوء رأسين على رقبة واحدة ، أو بدنين على ظهر واحد .
من قضاء الامام علي عليه السلام
و لقد حدث مثل هذا الحادث في زمن الامام أمير المؤمنين عليه السلام إذ جاءته إمرأة ولدت من زوجها الشرعي طفلاً له بدنان و رأسان على حقو 24 واحد ، فتحيروا في حصته من الأرث ، هل يعطونه حصة واحدة أم حصتين ، فصاروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يسألونه عن ذلك ليعرفوا الحكم فيه ، فكان جواب الامام عليه السلام :
« إعتبروا إذا نام ثم أنبهوا أحد البدنين و الرأسين . فإن انتبها معاً في حالة واحدة فهما إنسان واحد . و إن استيقظ أحدهما و الآخر نائم ، فهما إثنان و حقهما من الميراث حق إثنين » 25 .
و السر في هذا القضاء العادل و الحكم الدقيق واضح ، لأنه اعتبر ملاك الحكم هو المركز العصبي ، إذ عليه المعول في توجيه الانسان ، فإن كانت قيادة واحدة توجه البدنين و الرأسين فهو شخص واحد . و لكن إذا كان يدير كل قسم جهاز عصبي مستقل عن الآخر ، فهما بدنان ، و أحسن طريقة لمعرفة أن الجهاز العصبي الذي يدير الجسم في هذا الانسان واحد أو اثنين هو إيقاظه من النوم .
فكما أن الشخص الواحد تدار عيناه بواسطة جهاز واحد ، و هما يشبهان مصباحين مربوطين بزر واحد يشتعلان ويطفأ معاً ، فلا يمكن أن تكون إحدى العينين يقظة والأخرى نائمة … كذلك الرأسان و العيون الأربعة ، فإن كانت تدار كلها بجهاز عصبي واحد ، فلا يمكن أن يكون أحد الرأسين بهدوء ، و بقي الثاني نائماً ، فيدل هذا على أن لهما دماغين مختلفين يصدران إرادتين متباينتين ، و يستجيبان لأثرين متضادين ، فكأنهما طفلان نائمان في فراش واحد متشابكان تماماً . و مع ذلك فيستيقظ أحدهما قبل الآخر .
و بالرغم من خفاء كثير من أسباب هذه الانحرافات على البشر ، فإن لنا أن نقطع بأن حدوث أي عيب في الخلية التناسلية الأولى يؤدي إلى أن يصير الطفل في وضع غير اعتيادي ، كما ثبت ذلك في بعض الحيوانات حين أجريت تجارب عديدة عليها.
« لقد استطاع شابري أن يوجد أجنة غير اعتيادية بإيجاد خدوش في الخلايا الأولية وقد نال هذا الابداع بالخصوص استحساناً بالغاً ، لأن إجراء الاختبارات على خلايا بيضة لا يتجاوز طولها 1% ـ 2% المليمتر ليس أمراً سهلاً » 26 .
الانحرافات الكامنة
لا تنحصر العيوب والعاهات التي تصيب الطفل في رحم الأم بالنوع البدني منها فقط . فكثيراً ما يتفق إصابة الطفل بعوارض وانحرافات روحية فهي ليست ظاهرة بل كامنة ، ولكن الأم هي التي أوجدت العوامل المساعدة لذلك الانحراف الكامن الذي لا يلبث ـ بعد الولادة ـ أن يظهر تدريجياً ، فيكشف الزمن عن أسرار عميقة كانت مكتومة في سلوك الفرد فجميع تلك الاستعدادات تأخذ بالظهور إلى عالم الفعلية واحدة تلو الأخرى.
يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام : « الأيام توضح السرائر الكامنة » 27
و ورد عن الامام جواد عليه السلام : « الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة » 28 .
و هكذا ، فكما أن الأم المصابة بالسل و السرطان تكون عاملاً مساعداً في إصابة طفلها بنفس المرض ، فالأم المأسورة للانحرافات الروحية و السيئات الخلقية و الصفات الرذيلة تكون تربة مساعدة أيضاً لانحراف سلوك الطفل و تفكيره أيضاً . و تأخذ تلك الانحرافات الروحية بالظهور بالتدريج في الطفل .
« إن ولد السارق مصاص الدماء ، تكون قابليته على الارادة الصحيحة ؟ من ولد المجنون . فإن الأفراد الذين يملكون إنحرافات وراثية موجودون في جميع طبقات المجتمع . و يمكن العثور عليهم بين الأغنياء والفقراء و المثقفين و العمال و الفلاحين … كثيرون هم الذين ينهزمون أمام المشاكل لأبسط حادثة ، و المتلونون الذين لا يستقرون على حال ، و لا يقفون على تصميم و ضعفاء الارادة التائهون في خضم الحياة ، و الكسالى الذين يشبهون الجماد في خمولهم و جمودهم ، و الحساد الذين يكتفون من الحياة بتوجيه الانتقاد إلى الآخرين ، و ضعفاء العقول المصابون بالشذوذ العاطفي ، و الخلاصة أولئك الذين لا يتجاوز عمرهم العقلي أكثر من 10 سنين أو 12 سنة . و مما لا ريب فيه أن هذا النقص منشؤه وراثي إلى حد بغيد ، و لكن ليس بمقدورنا أن نعين نسبة العوامل الوراثية إلى العوامل التربوية ( البيئية ) في توليد هذه العاهات . و مع ذلك فإن النماذج الافراطية من ضعف العقل الاختلال الروحي و البكم و البلادة تدل بوضوح على وجود عيوب وراثية ـ بدنية و روحية ـ » 29 .
و من هنا يتضح لنا السر في أن الدين الاسلامي الحنيف يعتبر الصفات الرذيلة و الملكات الذميمة و التمادي في الاجرام في عداد الأمراض الخطرة . فالخلق السيء ليس سبباً للأمراض الروحية و العصبية فحسب ، بل يؤدي أحياناً إلى اختلالات بدنية عظيمة ، مما يؤدي إلى إصابة صاحب الأخلاق السيئة بأمراض جسدية ، و هكذا نجد الأمهات المصابات بالانحرافات الخلقية و الأمراض المعنوية يلدن أطفالاً مصابين أيضاً .
و هنا نكتة مهمة : و هي أن الأمراض الجسدية يمكن أن تكشف بسرعة لظهور بوادرها كالحمى و ما شاكلها ، و لكن المصابين الأمراض الروحية و مضاعفاتها و مخلفاتها ليس فيهم بوادر و مقدمات ، و لذلك فإن المصاب لا يلتفت إلى الخطر ، إلا عندما يتأصل فيه المرض و يستبد به الانحراف … حيث يكون أحياناً غير قابل للتدارك أصلاً .
و من المؤسف له أن أكثر الناس في العالم ( و من ذلك بلادنا أيضاً ) يصرفون جل اهتمامهم إلى الجهات المادية فقط ، غافلين عن الجهات المعنوية و لهذا السبب بالذات فانهم يتلقون الفضائل الخلقية و المثل الانسانية و التقوى على أنها أمور حقيرة حتى أن البعض يفرضون أنفسهم في غنى منها .
الغفلة عن الانحرافات الروحية
يرى الناس أن المرض منحصر بالنوع الجسماني منه ، فالسيئات الخلقية و الملكات الرذيلة لا يعتبرونها أمراضاً . المصاب بالسل و السرطان يعتبر مريضاً ، أما الحسود و الحقود فليس مريضاً عندهم ، إنهم يرون قرحة المعدة أو الاثني عشر مرضاً ، و لكن الافساد في الأرض و الأنانية لا يرونهما كذلك .
و هكذا نجد الرجال حين الإقدام على الزواج يعطفون جل اهتمامهم على جمال الوجه و الهندام و سلامة الجسد للمرأة ، من أن يسألوا عن صفاتها الخلقية و ملكاتها المعنوية ، و كذلك نظرة النساء إلى الرجال . فقصر القامة أو الحول في العين يعتبر عيباً في الزواج . و لكن الأنانية و بذاءة الأخلاق لا تعد من العيوب عندهم . و عليه فمن البديهي أن السيئات الخلقية تنتشر بسرعة في ظرف كهذا ، و يزداد عدد المصابين بها يوماً بعد يوم .
و بما أن السجايا الخلقية من الأركان المهمة في موضوع تربية الطفل و هي في نفس الوقت مفيدة لجميع الطبقات ، نرى من الضروري أن نفصل القول فيها .
إتصال الجسد بالروح
إن الانسان مركب من روح وجسد ، و كل منهما يؤثر في الآخر ، فكما أن الجهود الجسمانية تترك آثاراً عميقة في الروح الانسانية ، كذلك الأفكار و المعنويات فأنها تؤثر على بدنه ، و هذه القاعدة كانت من جملة المسلمات عند الفلاسفة و العلماء في القرون الماضية .
لنفرض إنساناً لا يملك أبسط المعلومات عو الخط أو الرسم ، و مع ذلك يأخذ القلم أو الفرشاة بيده و يتمرن أشهراً و سنين طوالاً و بالتدريج نجد أن روحه تقع تحت تأثير هذا التمرين الجسماني حتى يصير فن الخط أو الرسم في النهاية ملكة نفسانية له . و ما هي إلا أيام حتى يكون في عداد خطاطي أو رسامي العالم . هذا تأثير الجسم في الروح .
و لنفترض إنساناً يخجل أو يخاف من شيء ما . و بالرغم من أن الخوف أو الخجل شعور نفساني و من الأمور المتعلقة بالروح ، نجد أن هذه الحالة النفسية تؤثر في بدنه ، فالمصاب بالخوف يصفر لونه ، أما المصاب بالخجل فيحمر وجهه ، و هذا تأثير الروح في الجسم .
ولم يفت العلم الحديث التنبه إلى هذه النكتة ، و هي تأثير كل من الروح و الجسد في بعضهما البعض ، بل أثبت العلماء ذلك ، و ذكروا هذه القاعدة بأسلوب أوضح في كتبهم :
و لنستمع إلى ( الكسيس كارل ) يقول :
« من والواضح أن النشاط العقلي يتوقف على وجوه النشاط الفسيولوجي فقد لوحظ أن التعديلات العضوية تتصل بتعاقب حالات الشعور وعلى العكس من ذلك فإن تتصل بتعاقب حالات الشعور و على العكس من ذلك فإن حالات وظيفية معينة للأعضاء هي التي تقرر الظواهر السيكولوجية . و ليدل الكل المكون من الجسم و الشعور بالعوامل العضوية و العقلية أيضاً … فالعقل و الجسم يشتركان معاً في الانسان » 30 .
تأثير الجسم في الروح
« و حقيقة الأمر ، أن المراكز المخية لا تتكون من المادة العصبية فحسب ، إذ أنها تشتمل أيضاً على سوائل غطست فيها الخلايا و ينظم تأليفها بواسطة مصل الدم . و يحتوى مصل الدم على افرازات الغدة ، و النسيج التي تنتشر في الجسم كله ، و لما كان كل عضو موجوداً في النخاع الشوكي بوساطة الدم و الليمفا ، فمن ثم فان حالاتنا الشعورية مرتبطة بالتركيب الكيميائي لأخلاط العقل مثل ارتباطها بالحالة التركيبية لخلاياه . و حينما يحرم الوسيط العضوي من إفرازات غدد ( السوبر ارينال ) فان المريض يسقط فريسة للانقباض الشديد ، و يشبه حيواناً شرساً ، و تؤدي الاضطرابات الوظيفية لغدة الثايارويد إما إلى الهياج العصبي و العقلي أو إلى البلادة و فقد الاحساس . و قد وجد معتوهون و ضعاف عقول و مجرومون في أسر ، أصبح تغير تركيب هذه الغدة فيها بسبب إصابتها بجروح أو بأمراض ، مسألة وراثية » 31 .
« و لضياع أرقى التجليات الروحية . يكفي حرمان بلازما الدم من بعض المواد . فحين تتوقف غدة الثايارويد عن إفراز الثايروكسين في الدم مثلاً يضيع الشعور بالأخلاق و تذوق الجمال و الاحساس الديني . و كذا إزدياد أو نقصان نسبة الكالسيوم يؤدي إلى اختلالات روحية كثيرة . و لهذا فالشخصية الانسانية تاخذ طريقها إلى الاضمحلال في الانسان المدمن على الخمرة » .
« إن مما لا شك فيه أن الحالة النفسية ترتبط بالحالة الجسمانية تماماً ، وبصورة موجزة : فإن الجهود الفكرية والنشاط العاطفي ينشأ من العوامل الفيزياوية والكيمياوية و الفسيولوجية المرتبطة بالبدن » 32 .
من خلال هذه النصوص اتضح لنا تاثير الجسم و القوى البدنية في الأجهزة المعنوية و النفسية . و الآن لنبحث عن كيفية تأثير الأفكار و العوامل النفسية في شؤون الانسان الجسدية .
تأثير الروح في الجسم
« فالعواطف ـ كما هو معروف جيداً ـ هي التي تقرر تمدد أو تقلص الأوردة الصغيرة عن طريق الأعصاب المحركة ، فهي إذن تقترن بتغييرات في دورة الدم في الخلايا و الأعضاء . فالفرح يجعل جلد الوجه يتوهج في حين يكسبه الغضب و الخوف لوناً أبيض … و قد تحدث الأنباء السيئة تقلصاً في الأوردة الجوفاء أو أنيميا القلب ، و الموت المفاجئ في أشخاص معينين ، كما أن الحالات العاطفية تؤثر في الغدد كلها ، و ذلك بزيادة دورتها أو نقصها … أنها تنبه أو تقف الافرازات أو تحدث تعديلاً في تركيبها الكيميائي … فالرغبة في الطعام تثير اللعاب حتى ولو لم يكن هناك أي طعام … فكلاب بافلوف كان لعابها يسيل على أثر سماعها صوت جرس ، لأن جرساً دق قبل ذلك ، حينما كان الحيوانات تطعم . و قد تؤدي العاطفة إلى إثارة نشاط عمليات ميكانيكية معقدة . فبينما يثير الانسان عاطفة الخوف في القط ، كما فعل ( كانون ) في تجربته المشهورة ، فإن أوعية غدد ( السوبرارينال ) تتمدد ، و تفرز الغدد الادرينالين . و يزيد الادرينالين ضغط الدم و سرعة دورته و يهيء الجسم كله إما للهجوم أو للدفاع … إن العواطف تحدث تعديلات كبيرة في الأنسجة و الأخلاط . و بالأخص في الأشخاص الشديدي الحساية … فقد ابيض شعر رأس امرأة بلجيكية كان الألمان قد حكموا عليها بالاعدام في الليلة السابقة لتنفيذ الحكم فيها … و ثمة امرأة أخرى أصيبت بطفح جلدي في أثناؤ إحدى الغارات الجوية ، و كان هذا الطفح يزداد احمراراً وإتساعاً بعد انفجار كل قنبلة و مثل هذه الظواهر بعيدة عن أن تكون استثنائية أو شاذة . فقد برهن ( جولترين ) على أن الصدمة الأدبية قد تحدث تغييرات ملحوظة في الدم . إذ حدث أن تعرض أحد المرضى لخوف عظيم فهبط ضغط دمه فنقص عدد كريات دمه البيضاء و كذلك الفترة التي استغرقها تخثر بلازما الدم » 33 .
« الاضطرابات الروحية التي توجب توقف المبيض عن العمل : أثبتت تجارب الحرب العالمية الأخيرة أن البقاء في المعسكرات الكبيرة لمدة طويلة يسبب انقطاع النزيف الشهري الذي يتسبب من تغيرات دورية تحصل في المبيض في حين أن هذا الاضطراب يرجع إلى حالته الأولى بمجرد الرجوع إلى الحياة الاعتيادية من دون حاجة إلى علاج أصلاً » 34 .
« يقول في البحث عن العوارض البدنية الناتجة من مرض روحي خاص : إنه يسبب اختلال جميع العضلات و الأعصاب ، يسبب زيادة التبول في بعض المراحل ، و نقصانه بشدة في مراحل أخرى ، يؤدي إلى الأرق أحياناً و إلى شدة النعاس أحياناً . و هكذا يضطرب النشاط الجنسي أيضاً فقد يشتد تارة و قد يقل و يخمد . و حتى البشرة لا تسلم من تغيرات هذا الاختلال . حيث تظهر على الجلد بعض الدمامل التي لا تعالج بأي دواء أصلاً ، في حين تزول من تلقاء نفسها في بعض مراحل المرض . هذه هي العوارض العديدة لهذا الداء الفتاك » 35 .
الأمراض النفسية
إن الاسلام يعتبر الانحرافات الخلقية و الصفات الرذيلة أمراضاً . و لهذا وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تعبر عنها بالأمراض . إنه يعتبر المكر و الخداع مرضاً فيقول في وصف المنافقين :
﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ 36 .
و كذلك عندما منع القرآن نساء النبي و حريمه من التكلم بالرقة و اللين فإنه علل ذلك من ناحية الخوف من طمع المستهترين الذين لا يعرفون للعفة وزناً و لا يدركون للشرف معنى فنراه يقول : ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ 37 .
و هكذا يصرح الامام علي ( عليه السلام ) بالنسبة إلى الحقد ، « الحقد داء دوي و مرض موبي » 38 .
و يقول بالنسبة إلى متابعة هوى النفس : « الهوى داء دفين » 39 .
و إليك نصاً عن أحد علماء الغرب بهذا الصدد :
« لا يقل خطر الحسد عن ميكروب الطاعون الرئوي لأنه يجعل صاحبه يعمل لاضرار الآخرين أكثرين أكثر من العمل لجلب المنفعة لنفسه . و هكذا الحقد و البغضاء و غيرهما من الصفات الرذيلة تعتبر معاول هدامة لا أكثر » 40 .
مظاهر الأمراض النفسية
إن الأمراض الروحية و الانحرافات النفسية يظهر أثرها على روح المريض نفسه قبل كل شيء و لكل منها مظاهر و عوارض خاصة . فالاضطراب ، و الحيرة ، و الاستيحاش ، و الجمود ، و اليأس ، و الجبن ، و نحوها تعد من الحالات المرضية ، و قد يشتد أثر هذه الاضطرابات و الانحرافات فيؤدي إلى الجنون .
« و هناك نوع من الجنون يظهر في الأشخاص السالمين و المعتدلين في سلوكهم . إن تحليل أدمغة هؤلاء بأقوى الميكروسكوبات يثبت سلامة أدمغتهم ، و عدم وجود أي نقص في أنسجة المخ عندهم . فلماذا يا ترى يفقد هؤلاء عقولهم ؟ لقد ألقيت هذا السؤال على كبير الأطباء في إحدى المستشفيات العقلية عندنا . فأجاب ذلك العالم الذي كان له الكثير من التحقيقات الواسعة و التجارب الدقيقة في أحوال المجانين ، أجاب بصراحة بأنه لم يفهم بعد السبب في فقدان الناس عقولهم ولم يتوصل أحد إلى سر الموضوع بالضبط . و مع ذلك فهو كان يقول بأن كثيراً من هؤلاء المجانين الذين عالجتهم وجدت أن الجنون يرضي فيهم الشعور بالأنانية ، فكأنهم يجدون في عالم الخيال ما هم محرومون منه في حياتهم الاعتيادية . ثم نقل لي هذه القصة فقال : توجد هنا تحت العلاج سيدة أصيبت بحادث مزعج في حياتها الزوجية ، حيث كانت تأمل أن تحرز منزلة عالية في المجتمع بعد الزواج و الحصول على الأولاد و العيش المرفه لكن حوادث الدهر هدمت قصر آمالها ، فهجرها زوجها إلى درجة أنه لم يرغب في أن يتناول الطعام معها ، فأجبرها على أن تسكن الغرفة الواقعة في الطابق السفلي من العمارة . هذا الحادث دفع بها إلى الجنون ، و الآن ترى نفسها في عالم الخيال و كأنها تطلقت من زوجها السابق ، و تزوجت من مليونير إنكليزي ، و تصر على أن نسميها : الليدي سميث ، أضف إلى أنها تتصور في كل ليلة أنها ولدت طفلاً . فمتى ما تراني تقول لي : ( سيدي الدكتور لقد ولدت البارحة طفلاً ) » 41 .
و هكذا ، فإن الذين يعمرون نفوسهم بآمال طوال ، و يبقون في أسر الميول المفرطة يجب أن يعلموا أنهم مصابون بمرض خلقي و انحراف روحي . و كما قال الامام علي ( عليه السلام ) : « الهوى داء دفين » هذا الداء يؤدي إلى الجنون أحيانا ، و قد يجر في بعض الأحيان إلى الموت الحتمي ، يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « من جرى في عنان أمله عثر بأجله » 42 .
و ما أكثر الذين قتلوا حتف آمالهم الطويلة البعيدة ، و ما أكثر الرجال و النساء المنتحرين لعدم تحقيق أمنياتهم و عدم وصولهم إلى آمالهم غير الناضجة !!
تأثير السلوك في الجسم
و الأثر الثاني للأمراض الخلقية هو رد الفعل الحاصل منها في أجساد المصابين بها ، فالرجل السيء الخلق ليس مأسوراً للانحراف الروحي فقط ، بل إن ذلك الانحراف يؤثر في جسمه فيصاب بعوارض مختلفة .
إن العلم الحديث يعتبر هذه القضية من المسائل القطعية المسلمة . و هنا نكتفي بنقل نص بسيط إلى القارئ الكريم :
« هناك بعض العادات التي تقلل من القدرة على الحياة ، كالأنانية و الحسد و التعود على الانتقاد في كل شيء و احتقار الآخرين و عدم الاطمئنان بهم . لأن هذه العادات النفسية السلبية تؤثر على الجهاز السمبثاوي الكبير و الغدد الداخلية . و بإمكانها أن تؤدي إلى اختلالات عملية و عضوية أيضاً » 43 .
إن الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام قد أكدت على هذه الناحية و صرحت بأن الأخلاق السيئة تجعل جسد صاحبها مريضاً و ضعيفاً ، و على سبيل المثال نذكر بعض الروايات الواردة عن الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حول الحسد و تاثيره السيء في أبدان الحساد :
1 ـ « العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد » 44 .
2 ـ « الحسد يذيب الجسد » 45 .
3 ـ « الحسد يفني الجسد » 46 .
4 ـ « الحسود دائم السقم » 47 .
5 ـ « الحسود أبداً عليل » 48 .
نستنتج مما سبق عدة أمور
1 ـ إن الروح و الجسد مرتبطان . و يؤثر كل منهما على الآخر .
2 ـ تعتبر الأخلاق الرذيلة و الصفات المذمومة أمراضاً في عرف الدين و العلم .
3 ـ لهذه الأمراض ـ مضافاً إلى عوارضها الروحية ـ آثار على الجسد فتؤدي إلى انحراف صحة المصابين بها أيضاً .
و الآن و بعد أن أخذنا جولة واسعة في موضوع الأمراض الروحية و كيفية إنتقالها بالوراثة ، نرجع إلى صلب الموضوع و هو دور الأم في تحقيق سعادة الطفل و شقائه .
تأثير حالات الأم على الجنين
إن جميع الحالات الجسدية و النفسية للأم تؤثر على الطفل . لأن الطفل في رحم الأم يعتبر عضواً منها . فكما أن الحالات الجسمانية للأم و المواد التي تتعذى منها تؤثر على الطفل ، كذلك أخلاق الام فأنها تؤثر في روح الطفل و جسده كليهما . و قد يتأثر الطفل أكثر من أمه بتلك الأخلاق . فإذا أ
صيبت الأم في أيام الحمل بخوف شديد ، فالأثر الذي تتركه تلك الحالة النفسية على بدن الأم لا يزيد على اصفرار الوجه ، أما بالنسبة إلى الجنين فإنه يتعدى ذلك إلى صدمات عنيفة .
« إذا حدث للمرأة في أيام الحمل حادث مخيف فإنه يتغير لونها و يقشعر بدنها لكن تظهر على جسم الجنين آثار امتقاع اللون تسمى بالخسوف » 49 .
و هكذا فإن هموم الأم و غمومها ، غصب الأم و اضطرابها ، تشاؤم الأم و حقدها ، حسد الأم و أنانيتها ، خيانة الأم و جنايتها ، و بصورة موجزة جميع الصفات الرذيلة للأم … و كذلك إيمان الأم و تقواها ، طهارة قلب الأم و تفؤلها ، صفاء الأم و حنانها ، مروءة الأم و إنسانيتها إطمئنان الأم و راحة بالها ، شجاعة الأم و شهامتها ، و بصورة موجزة جميع الصفات الحميدة للأم … جميع هذه الصفات خيرها و شرها تترك آثارها في الطفل ، و تبني أساس سعادة الجنين و شقائه . و هنا يتحقق قول النبي ( صلى الله عليه و آله ) الذي استشهدنا به في المحاضرة الثالثة : « الشقي من شقي في بطن أمه و السعيد من سعد في بطن أمه » .
و إليك النص الآتي كشاهد من العلم الحديث :
« إن الاضطرابات العصبية للأم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده ، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر . و من هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الأم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الأفكار المقلقة ، و الهم و الغم ، و الاحتفاظ بجو الهدوء و الاستقرار » 50 .
إن الاسلام قام بجميع الاحتياطات اللازمة في موضوع الزواج للاهتمام بطهارة الأجيال الاسلامية ، و أمر بتعاليم دقيقة في الزيجات حول الجهات الروحية و الجسدية للرجال و النساء . و لقد رأينا فيما مضى كيف أن الاسلام منع من التزوج من المصابين و بالحمق و الجنون و المدمنين على الخمرة و لكنه لم يكتف في سبيل ضمان النشئ الاسلامي بذلك الحد بل منع ـ في مقام الاستشارة ـ من تزويج الرجل سيء الخلق :
« عن الحسين بن بشار الواسطي قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام ان لي قرابة قد خطب إلي و في خلقه سوء ، قال : لا تزوجه إن كان سيء الخلق » 51 .
الامراض الوراثية
لسلوك الأم تأثير عميق في سعادة الأطفال و شقائهم. و عليه فرّجه الذي يأمل أن يحصل على ولد شريف و طاهر القلب لا بد له من أن يمتنع من التزوّج من النساء البذيّئات 52 .
« لقد أثبت أطباء الأمراض النفسية أن من بين الأطفال المصابين بتلك الأمراض يوجد 26% منهم وروثوها من أمهاتهم . إذ لو كانت الأم ذات جهاز عصبي سالم ، فإن الطفل يكون سالماً أيضاً . فلو كانت تفكر الأم في صحة طفلها و سلامة جهازة العقلي فلا بد و أن تفكر في سلامة نفسها قبل تولده » 53 .
إن هناك سلسلة من القوانين المتقنة و القوية تحكم الكون ، و تلك القوانين هي التي أوجدت هذا النظام العظيم المحير للعقول في مختلف الكائنات و التي أخصعت جميع أجزاء العالم لحكمها . فكل موجود مضطر إلى الانقياد لها و إطاعتها .
السنن الآلهية
و هكذا يعمل قانون ( الحياة ) بدقة عجيبة ، ونظام متقن تحت سلسة من الشروط الدقيقة على إكساء المادة الجامدة لباس الوجود . و في قباله قانون ( الموت ) يعمل على سلب الوجود من تلك الموجودات تحت شروط معينة أيضاً . و كذلك قانون ( الوراثة ) فإنه يعمل بدقة و حكمة على نقل صفات الجسم الحي ـ من نبات أو حيوان أو إنسان ـ و خصائصه إلى الأجيال اللاحقة .
إن القرآن الكريم يعبر عن قوانين الكون ( التي تعتبر قانون الحياة و قانون الوراثة من ضمنها ) بالسنن الآلهية و يرى فيها أنها ثابتة غير خاضعة للتغير و التبديل 54 : ﴿ … فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ 55
و يعتبر الانسان جزءاً ضئيلاً جداً من هذا المنهاج العالمي العام ، و عليه أن يخضع ـ كسائر أجزاء الكون ـ للقوانين العامة و السنن الالهية .
الانقياد للقوانين و السنن
و الانسان يتأثر بتلك القوانين من اللحظة الأولى التي تنعقد نطفته في رحم أمه إلى يوم الولادة ، وهكذا من دور الرضاعة إلى المراهقة إلى الكهولة إلى الشيخوخة إلى الموت . فالسنن الالهية ترافقه خطوة خطوة ، و تصدر أوامرها غير القابلة للعصيان إليه . فإذا قرر أن يتخلف عن قانون الخلقة فانه يجد عقابه على قدر عصيانه .
فعلى العاقل أن يطيع قوانين الخلقة ولا يتخلف عنها ، بل يعمل على التوفيق بين ميوله و رغباته و بين السنن الالهية . فيجتنب عما يخالف الموازين و التعاليم الصحيحة كيما يضمن لنفسه حياة سعيدة هانئة .
أما الجاهل فعلى العكس من ذلك يغض النظر عن تلك السنن و يطلق العنان لميوله و رغباته و يأمل في أن يخضع العالم كله له في شهواته و أهوائه و بما أن هذه الرغبة ليست قابلة للتطبيق فلا يمر زمن طويل حتى يلاقي حتفه عندما يصطدم بقوانين الخلقة .
يقول الامام علي ( عليه السلام ) : « إن الله يجري الأمور على ما يقتضيه ، لا على ما نرتضيه » 56 .
إن الخمر ـ السم المهلك ـ يترك آثاراً خطرة على أنسجة الجسم ، على المخ و الأعصاب ، و الكلية و الكبد … وغيرها من الأعضاء ، و هذا هو أحد قوانين الخلقة . فالرجل العاقل يجب أن يصون نفسه من التخلف عن هذا القانون فيجتنب عن الخمرة كي يبقى إلى آخر العمر في حصن منيع من عواقبها الوخيمة . و لكن الجاهل ظناً بالقدرة على المقاومة أو اعتماداً على تحقيق اللذة العاجلة يلوث نفسه بها فيتسمم تدريجياً ، و لا تمضي مدة طويلة حتى يقضي أعز أيام شبابه في زاوية المستشفى مع جسم نحيف و كبد ملتهب و متورم ، و أعصاب مختلة ومرتعشة ، وبتلك الصورة يتجرع آخر لحظات حياته غصصاً و هموماً لقاء تخلفه عن القانون الكوني .
يقول النبي العظيم ( صلى الله عليه و آله ) : « لا تعادوا الأيام فتعاديكم » 57 .
و كذا ورد عن الامام علي ( عليه السلام ) أنه قال : « من كابر الزمان غلب » 58 فالذي يعاند الزمان يهلك .
و عن الامام الجواد ( عليه السلام ) راوياً عن جده ( صلى الله عليه و آله ) : « من عتب على الزمان طالت معتبته » 59 . فالذي ينظر إلى الدنيا نظرة المتشائم المتنكر و يعاتب الدنيا سخطاً عليها ، فإن عتابه سيطول من دون جدوى .
و من هنا يتحتم على الآباء و الأمهات الذين يأملون أن ينشأ منهم أطفال عقلاء سالمون أن يراعوا جميع القوانين التكوينية من الجانبين الجسدي و الروحي . فكل عيب أو انحراف يظهر في سلوك الأطفال ـ مهما كان حقيراً ـ فان العلة في ذلك هو التخلف عن بعض السنن الالهية في هذا الكون العظيم .
و من خلال الحديث الذي أملاه الامام الصادق عليه السلام على تلميذه المفضل بن عمر الجعفي في موضوع التوحيد ، نقتطف الفقرة التالية فقد كان الامام يتحدث عن بلوغ الأولاد و إنبات الشعر في وجوههم فسأله المفضل قائلاً : « يا مولاي ، فقد رأيت من يبقى على حالته و لا ينبت الشعر في وجهه و إن بلغ حال الكبر . فقال : ذلك بما قدمت إيديهم و إن الله ليس بظلام للعبيد » 60 . و منه يتضح أن إنبات الشعر في وجه الرجال بعد البلوغ لما كان قانوناً من قوانين الخلقة ، فإن تخلفه في مورد ما ، لا بد أن يكون معلولاً لعوامل بشرية .
الأطفال المنحرفون
إنه بالرغم من وجود الوسائل العلمية و العملية التي يملكها الغربيون في أوربا و أمريكا نجد الأطفال المصابين بالعيوب و الانحرافات يتولدون بنسبة هائلة . و اليك الخبر الآتي :
« يولد في الولايات المتحدة الأمريكية 4200000 طفل سنوياً . و لكن مئات الألوف منهم مصابون بنواقص و عيوب ناشئة قبل الولادة . و أكثرهم يشكون من الأمراض القلبية ، و الشلل العصبي ، و الصرع ، و العمى ، و الصمم ، و غير ذلك . و مضافاً إلى ذلك فمن بين خمس نساء حوامل لا تفلح واحدة منهم في ولادة طفل حي والسبب في ذلك أمران : أحدهما الاجهاض . و الآخر موت الطفل حين الولادة . هذه الحقائق ولدت مشاكل شخصية و طيبة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية و هي تحتل جانباً مهماً من اهتمام الأطباء » 61 .
إن الدول الأوروبية و الولايات السوفياتية لا تقل إصابة بهذه المشاكل و المصائب من أخواتها الولايات المتحدة الأمريكية . فلو كان أولئك يضعون إحصائياتهم تحت متناول من يشاء كما يفعل الأمريكان ، لعلمنا أنه ينشأ فيها سنوياً ما لا يقل عن مئات الألوف من المنحرفين و المصابين بالعيوب و النواقص .
و الحق أن تولد مئات الألوف من الأطفال المنحرفين في السنة مصيبة عظيمة و مشكلة عويصة لدولة . و مما لا شك فيه أن جرائم الأبوين و عدم رعايتهما للقوانين الأخلاقية و الكونية و الالهية وتماديهم في تناول المسكرات و تلبية نداء الشهوة من دونما رادع ، و مقامراتهم و اضطراباتهم العصبية هي العوامل الأساسية لهذا الشقاء العظيم 62 .
- 1. القران الكريم : سورة الإنسان ( 76 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 578 .
- 2. الانسان ذلك المجهول تأليف الدكتور الكسيس كارل تعريف عادل شفيق : 78 .
- 3. هرمونها … : 29 .
- 4. القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 415 .
- 5. بحار الأنوار للمجلسي : 23 / 107 .
- 6. مر تخريج الحديث بألفاظ متعددة و طرق مختلفة في الفصل السابق ( راجع مقالة : الوراثة و دوره في السعادة و الشقاء من الشيخ الفلسفي الموجودة في الموقع ) .
- 7. a. b. الانسان ذلك المجهول : 79 .
- 8. إعجاز خوراكيها ، تأليف سيد غياث الدين الجزائري : 153 .
- 9. المصدر السابق : 154 .
- 10. المصدر السابق : 175 .
- 11. إعجاز خوراكيها : 176 .
- 12. إعجاز خوراكيها : 177 .
- 13. إعجاز خوراكيها : 168 .
- 14. مكارم الأخلاق : 88 .
- 15. مكارم الأخلاق : 88 .
- 16. المصدر السابق : 86 .
- 17. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 306 .
- 18. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 307 .
- 19. مكارم الأخلاق : 119 طبعة إيران .
- 20. جنين شناسى : 57 .
- 21. جنين شناسى : 71 .
- 22. المصدر السابق : 73 .
- 23. جنين شناسى : 109 ، و كما ورد في كتب التواريخ فان الحجاج بن يوسف الثقفي كان مصاباً بهذه العاهة ، فقد كان فاقداً للدبر حين الولادة ، ثم ثقبوا له موضعه ( أنظر تتمة المنتهى : 98 ) .
- 24. ورد ( الحفو ) بمعنى سطح الجبل في بعض كتب اللغة ، و الظاهر أنه يستعمل بمعنى ( الظهر ) أيضاً . كما تدل على ذلك القرينة في المقام .
- 25. بحار الأنوار للمجلسي : 9 / 485 الطبعة القديمة .
- 26. تاريخ علوم : 706 .
- 27. غرر الحكم و درر الكلم للآمدي : 28 .
- 28. بحار الأنوار للمجلسي : 17 / 214 .
- 29. راه و رسم زندكى : 156 .
- 30. الانسان ذلك المجهول : 114 .
- 31. المصدر سابق : 115 .
- 32. راه و رسم زندكى : 26 .
- 33. الانسان ذلك المجهول . ترجمة عادل شفيق : 116 .
- 34. هورمونها : 33 .
- 35. جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصبى : 13 .
- 36. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 3 .
- 37. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 422 .
- 38. غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي : 35 طبعة دار الثقافة النجف الأشرف .
- 39. المصدر السابق : 17 .
- 40. راه و رسم زندكى : 114 .
- 41. آئين دوست يابي : 36 .
- 42. سفينة البحار للقمي مادة « أمل » : 30 .
- 43. راه و رسم زندكى : 87 .
- 44. سفينة البحار مادة ( حسد ) : 251 ؛ و غرر الحكم : 42 .
- 45. غرر الحكم و درر الكلم للآمدي : 23 .
- 46. المصدر السابق : 22 .
- 47. المصدر نفسه : 85 .
- 48. المصدر نفسه : 20 ، طبعة دار الثقافة ـ النجف الأشرف .
- 49. إعجاز خوراكيها : 172 .
- 50. ما و فرزندان ما : 27 .
- 51. وسائل الشيعة للحر العاملي : 5 / 10 .
- 52. و السر في ذلك واضح لأن الفلاح الذي يريد الحصول على ثمرة صالحة لا بد له من أن يبذر بذرته في تربة صالحة . و إلا ففساد التربة يؤثر في الثمرة ، لانها تحيط بها و هي مصدر غذائها .
- 53. صحيفة ( إطلاعات ) الايرانية العدد 10355 .
- 54. لايضاح الربط الدقيق بين الارادة الالهية و العلل المادية في تسيير هذه القوانين و إيجاد هذه السنن الكونية يرجع شبهة ( إما الله و السنن الطبيعية ) من كتاب ( دفاع عن العقيدة ) للمترجم .
- 55. القران الكريم : سورة فاطر ( 35 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 439 .
- 56. غرر الحكم و درر الكلم للآمدي : 219 .
- 57. سفينة البحار مادة ( يوم ) : 741 . و واضح أن العداء مع الأيام لا يعني إلا التخلف عن قوانينها و عدم الانقياد للسنن الكونية الصارمة .
- 58. تحف العقول : 85 .
- 59. بحار الأنوار للمجلسي : 17 / 101 الطبعة القديمة .
- 60. بحار الأنوار : 2 / 20 .
- 61. مجلة ( أخبار هفته ) الايرانية الصادرة بتاريخ 28 / 2 / 1338 هجرية شمسية . و بعد مثل هذه الاحصائيات نرجو أن يحكم القارئ الكريم من هم المتقدمون ؟!!
- 62. المصدر : الطفل بين الوراثة و التربية للشيخ الفلسفي : 82 ـ 111 .