عندما انتصرت اليابان في الحرب على روسيا مطلع القرن العشرين، أطلق جنرال ياباني مقولة (انتصر المعلم الياباني)، وأراد من هذه المقولة، أن تعبر عن جوهر وحقيقة هذا الانتصار، حيث ربطه بالتعليم.
وعندما وقعت فرنسا تحت الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، اعتبر شارل ديغول أن هذا الوضع يصور هزيمة المدرسة الفرنسية أمام المدرسة الألمانية، وعندما سبق الصاروخ الروسي نظيره الأمريكي عام 1957م، صور هذا التفوق العالم الأمريكي كارل الندورفر بأن المدرسة الروسية انتصرت على المدرسة الأمريكية، وعندما وجد الأمريكيون ضعفاً في نظامهم التربوي والتعليمي دقوا ناقوس الخطر، وأصدروا تقريراً بهذا الشأن عام 1983م، حمل عنواناً لافتاً للغاية هو (أمة في خطر)، العبارة التي اكتسبت شهرة لقوة دلالتها، وشدة الدهشة فيها.
تكشف هذه المواقف كيف أن التعليم يمثل روح الأمة، ويعكس وجدانها، وتتجلى فيه كل خصائص وسمات الأمة، قوة وضعفاً، تقدماً وتراجعاً.
ويمكن القول أن من يريد التقدم والمدنية والحضارة عليه أن يبحث عنه في التعليم، ومن يريد المحافظة على النظافة، وحماية البيئة، والتقيد بالنظام، والالتزام بالوقت، وإتقان العمل، عليه أن يبحث عنه في التعليم، ومن يريد البحث عن الأخلاقيات والفضائل والآداب الحميدة عليه أن يبحث عنها في التعليم، وهكذا من يريد البحث عن ترسيخ الوحدة الوطنية، وتماسك النسيج المجتمعي، وتقوية الروابط والعلاقات بين الناس، عليه أن يبحث عنها كذلك في التعليم.
وهذا يعني أن هناك ثروة عظيمة علينا أن نكتشفها في مقاعد الدراسة، وبإمكان كل طالب أن يتحول إلى منجم، يختزن من الثروات التي لا تنصب، عن طريق التعليم المثقف والفعال.
هذه هي عظمة التعليم، وهي ليست بحاجة إلى اكتشاف، لكنها بحاجة إلى تخلق، تتجلى في حب العلم، وعشق المعرفة، واكتساب فضائل العلم وآدابه.
ونحن كأمة من السهولة علينا كما يفترض، التعرف على قيمة العلم، وعظمة التعليم، بحكم معرفتنا أن أول كلمة نزلت من الذكر الحكيم، هي كلمة ﴿ … اقْرَأْ … ﴾ 1، التي تفيد نفي الجهل كقاعدة عامة، وتأكد أن الأصل في الإنسان المسلم أن يكون متعلماً، وكيف أن الدين جعل من العلم نقطة البدء، وبحكم أن الدين جعل من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما جاء في الحديث النبوي المعروف، ودعا إلى طلب العلم ولو بالصين.
والمشكلة أن هذه الأمور نعرفها جيداً، ونحفظها عن ظهر قلب، وتمر على أذهاننا باستمرار، لكنها لا تغير فينا شيئاً، ولا تحرك ساكناً في حياتنا، ولم تعد تدهشنا مع شدة وقوة الدهشة فيها، والسبب يكمن في ذلك التخلف الجاثم علينا بقوة، والذي يشكل مانعاً وحاجزاً لا نستطيع أن نقدر حجمه وتأثيره كماً ونوعاً، فهو الذي يحجب عنا الرؤية، ويسلب منا البصيرة، ويشل إرادتنا، ويهبط بطموحنا، وبالتالي لا يجعلنا نقدر قيمة العلم وعظمة التعليم.
وقد سرني ما سمعته من الدكتور سهيل زكار أستاذ التاريخ بجامعة دمشق، متحدثاً في ندوة عن حوار الحضارات بدمشق عام 2002م، داعياً إلى أن تكون وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي هي الوزارات السيادية والأولى في حكومات العالم العربي، وأن تحل من حيث الأهمية والسيادة والإنفاق مكان وزارات الداخلية والأمن والدفاع.
وإذا كنا نريد إصلاحاً وتمدناً فعلياً وحقيقياً في العالم العربي، فعلينا أن نعطي وزارة التربية والتعليم صفة الوزارة الأولى بشرطها وشروطها في حكومات هذه الدول، ونجعل من حقل التربية والتعليم الحقل الذي نرى فيه معركتنا الحضارية، ومصيرنا ومستقبلنا، ونضع له أكبر ميزانية مالية، ونبذل فيه أكبر إنفاق في ميزانية الدولة. وبهذه الخطوة سنكون على الطريق الصحيح في عملية الإصلاح وبناء التمدن2.
- 1. القران الكريم: سورة العلق (96)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 597.
- 2. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 27 سبتمبر 2006م، العدد 14641.