أعداد هائلة من المجتمع تنتقل في فترات الاجازات للسياحة الدينية، وزيارة العتبات المقدسة، تحمل معها روحها التواقة للدين، وتتطلع بفخر وتسليم للرموز الدينية التي حملت على عاتقها تبليغ الرسالة الإلهية وتطبيقها، فكانت هي القدوة الأروع والألمع دون منازع أو منافس.
هذه الأعداد الهائلة من شرائح المجتمع المتعددة وطبقاته المتغايرة يصطحب بعضها برفقته العديد من السلبيات والسلوكيات التي ألفها، وهي تنعكس بطبيعة الحال على وجوده في أي مكان، وتؤدي إفرازاتها إلى سلبيات قد تتنافى وغرض السياحة الدينية، فتعكر صفوها وتشوه أجواءها.
إن ما يصل من أحاديث لا يسر بعضها عن تلك الاجواء يحرك في قلب كل واحد منا غيرته على تلك البقاع الطاهرة، فيسعى جادا لجعل تلك الأماكن بصفائها ونقائها وطهارتها ما وجد لذلك سبيلا.
لاشك أن البيئة والأجواء هناك هي من صنعي وصنعك، ومن تصرف أبنائي وأبنائك، فكل زائر هو عنصر مؤثر في تلك البيئات والأجواء، ولو أن كل واحد منا ومن الزائرين والقاصدين للعتبات المقدسة صرف بعض جهده لتوجيه أسرته ومن معه لكان ثواب زيارته مضاعفا.
هذه بعض التوصيات التي أستحسنها في هذا الموضوع، مع رجائي أن لا يحرمني القارئ الكريم من رأيه وإضافاته.
التوصية الأولى: الحديث المستفيض مع الأولاد عن الجهة التي نقصدها بالزيارة أو السياحة الدينية، فمن ينوي الذهاب إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو كربلاء أو غير هذه الجهات من الأماكن المقصودة لابد وأن يخصص بعض أحاديثه مع أولاده وأسرته عن خلفيات هذا الانبعاث وثوابه، والصورة التي يجب على الذاهب أو الزائر تقمصها حال زيارته، واستدامتها بعد الزيارة.
يمكن في هذا السياق اقتناء بعض الكتيبات المؤدية لهذا الغرض وتوفيرها للعائلة والحوار معهم فيها، فالكثير من أبنائنا يتشوقون للحظة السفر، فلماذا لا نسبقهم بتهيئة قلوبهم وتشويق نفوسهم إلى خير ما في ذلك السفر الديني، وذلك بإعدادها بالمعرفة والمعلومة والقصة والحكمة التي وصلتنا عن أولئك العظماء؟
لاشك أن من يقصد الرسول وهو مطلع على سيرته ومحيط بتاريخه وعارف بحقه فإن زيارته ستكون في شكل وإخراج مختلف ومفارق لزيارة البعيد عن معرفة هذه التفاصيل.
هذه المعرفة تشكل في موضوعنا الذي نتحدث عنه صمام أمان من المخاطر السلوكية، والتصرفات المشبوهة، التي يمكن أن تعترض أولادنا في هذه الديار أو تلك، كما أنها تستحث هممهم ليتحركوا نحو هدفهم الحقيقي والخير من هذه السياحة أو الزيارة.
التوصية الثانية: تعزيز الدور التربوي للوالدين وممارسته بجدية تأخذ في حسبانها مسئوليتها أمام الله، وبلطف يراعي واقع السياحة والراحة للأولاد، ولعل الكثير من التخبط يبدأ من تسليم الوالدين أن أولادهم في سياحة وإجازة وأن الضبط معهم لا يرفه عنهم بل يعيدهم للروتين اليومي.
تغيير الروتين لا يعني تغييرا للمبادئ والقيم والأخلاقيات الحسنة، كما أن الترفيه لا يساوي الانفلات دون ضوابط، والسياحة فيها بعد عن الديار لكن ليس فيها مفارقة لقيم الاسلام.
المهم في الأمر ألا يستسلم الوالدان للتفكير الخاطئ الذي يوحي بأن السفر والسياحة يعني فتح المجال بلا حدود، واطلاق الحرية بلا قيود، لأن ذلك يؤدي للفساد والانحراف.
من ممارسة الدور التربوي في صورته الإيجابية أن يعمد الوالدان لوضع برنامج ديني وسياحي متنوع يغطي أوقات الفراغ، فذلك خير من مجاميع الشباب والفتيات الذين يجوبون الأسواق يوميا، وأحيانا يكررون ذلك أكثر من مرة في اليوم الواحد.
السبب الواضح لهذه الظاهرة هو انعدام البرنامج المتنوع الذي يملأ عين المسافر في الجهات الايجابية والمفيدة من عبادة وترفيه واسترخاء.
سأحمّل هذه التوصية شيئا آخر وهو الحرص على الخروج والتحرك لمختلف البرامج كعائلة وليس كأفراد، بما في ذلك الذهاب لأماكن العبادة، لأن ذلك يعزز الدور التربوي والتوجيهي في صورته الإيجابية.
التوصية الثالثة: التوجه لمعرفة رفاق السفر، فالكثير من العوائل تسافر ضمن حملات تستوعب أعدادا كثيرة من الناس، وبسبب الاحتكاك وبعض البرامج المشتركة تنشأ صداقات طارئة في أغلب الأحيان.
هذه الصداقات لا ضابط لها – خصوصا بين بعض الشباب – سوى الترفيه والصحبة في المشاوير والتنزه.
إن الحاجة لتوجيه أولادنا وفتياتنا في مناطقنا لحسن اختيار الصديق يجب أن تتعزز في السفر أكثر، وذلك لأن أغلب من نلتقيه لا نجد السبل السالكة والوقت المتاح للتعرف عليه1.
- 1. الشيخ محمد الصفار * صحيفة الوسط البحرينية 21 / 7 / 2012م – 2:47 م