كل شيء يابس ذكي
(كل شيء يابس ذكي) قاعدة عامة تجري في أبواب الطهارات، ويستشهد بها في مواطن كثيرة، كالأحكام المتعلقة بميت الإنسان، وأحكام الميتة من غير الإنسان، وفي الفصل المتعلق بنجاسة الكافر، ونجاسة الكلب والخنزير، وفي الفصل المتعلق بكيفية تنجس المتنجسات وما إلى ذلك، وسنتعرض هنا لبحثها بشكل عام من دون التركيز على البحوث الجزئية إلا بمقدار ما يخدم الكشف عن خصوصيات القاعدة العامة.
مفاد القاعدة
ترتكز هذه القاعدة على مقدمات:
- أصل الطهارة، فالأصل في كل شيء أنه طاهر كما ثبت في محله، وأما النجاسة فثبوتها يحتاج على دليل، سواء في الذوات أو فيما يعرض عليها.
- النجاسة لا تحصل بمجرد الملاقاة، وإنما لابد من حصول عامل مؤثر ينقل النجاسة من الملاقي إلى الملاقى كرطوبة أحدهما، وإلا فإن مجرد المماسة مع الجفاف في الطرفين لا يؤدي إلى الانتقال، كما يشهد لذلك الارتكاز العرفي بل الوجدان.
بل حتى الرطوبة ربما تكون مؤثرة في سريان النجاسة وربما لا تؤثر، فالرطوبة والبلل البسيط لا يؤثر في السريان في نظر العرف، وإن كان بالنظر الدقي ربما يكون مؤثراً، وقد أشار إلى هذا التفريق صاحب الجواهر بقوله:”والمراد باليابس في المتن وغيره ما يشمل الندي الذي لا ينتقل منه رطوبة بملاقاته، لعدم حصول وصف التنجس به، كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته للأصل وصدق الجاف عليه”1.
وعلق على هذه العبارة السيد الحكيم بالقول:”والعمدة أن الارتكاز العرفي قرينة على ذلك، فلا يمكن الأخذ بإطلاق اليابس والرطب.
ومن ذلك يظهر أن الرطوبة قسمان مسرية وسارية: فالأولى: هي التي يحصل بها التنجيس بالملاقاة، ويقابلها الجفاف، والثانية: ما لا تكون كذلك وإن انتقلت من أحد المتلاقيين إلى الأخر، كالرطوبة التي تكون في الأرض الندية التي تنتقل إلى الفراش الموضوع عليه، ولا يكون لها وجود ممتاز يظهر للعيان بل تكون منبثة في الجسم، فمثل هذه لا تكون منجسة”2.
وبناء على ذلك فإن التلاقي المؤثر في التنجيس يشترط فيه الواسطة المؤثرة وهي الرطوبة المسرية.
بهذا تكون النتيجة أن التلاقي بين طرفين يابسين بالمعنى الأعم من الجاف والرطب بالنحو غير المسري لا يؤثر في نقل النجاسة، فيحكم على الملاقي اليابس الطاهر للملاقى اليابس النجس بالطهارة.
مدرك القاعدة
مع دلالة العرف والوجدان على ثبوت هذه القاعدة وعموميتها، إلا إن النصوص تعرضت لإثباتها بنحوين:عام وخاص.
فأما الدليل العام فموثقة عبد الله بكير3قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط ؟ قال:” كل شيء يابس ذكي”4.
ومع أن القارئ لهذه الرواية قد يفهم منها شيئاً آخر، باعتبار أن السائل سأل عمن يفقد الماء بعد التبول ثم يكتفي بمسح ذكره بالحائط، وكأنه يريد السؤال عن إمكانية تطهير موضع البول بالحائط في حال تعذر حصول الماء.
لكن السؤال والجواب ليس في هذا الاتجاه ، بدليل الجواب الصادر عن الإمام عليه السلام، إذ أن موضع البول لا يطهر إلا بالماء، وبالتالي فالإمام عليه السلام لا يريد من قوله:”كل شيء يابس ذكي” كفاية التطهر باليابس، وإنما يريد التأكيد على أن موضع البول الذي لا يزال نجساً بسبب بقاء عين النجاسة لا ينجس الثياب عند التلاقي، وذلك بسبب جفافه الحاصل بعد المسح بالحائط.
وهذا ما دعى السيد الحكيم للتعقيب على هذه الموثقة بالقول:”لكن ظاهر الجواب عدم سراية نجاسة الذكر بعد المسح إلى ما يلاقيه، لا طهارته بالمسح”5.
ومن ذلك نفهم أيضاً أن السائل كان يسأل ليس عن تطهير موضع البول بالحائط، وإنما عن تنجيس موضع البول الجاف قبل تطهيره للأشياء الجافة عند التلاقي، وهذا ما يتناسب مع إنسان بمقام عبد الله بن بكير فهو فقيه كبير ومن أصحاب الإجماع، ولا يتوقع من مثله السؤال عن مسألة بديهية ككيفية تطهير موضع البول مع معروفيتها عند الجميع .
وعل كل حال فالتعليل لوحده كافٍ حتى لو كان السؤال في غير مورد التنجيس، أضف إلى ذلك عمل الفقهاء بها والإفتاء بناء عليها قديماً وحديثاً في مورد التنجيس.
ويمكن الاستدلال على صحة هذا التوجيه بما ورد في صحيح العيص بن القاسم6قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذه، قال: يغسل ذكره وفخذه7.
حيث يكتشف من هذه الرواية أن الغسل إنما وجب بسبب العرق الذي أصاب الملاقي والملاقى، فالتفريق هنا له خصوصية، ولو كان جافاً لما سرت النجاسة. كما أن السائل لم يسأل عن تطهير موضع البول بغير الماء لوضوح حكمه، وإنما السؤال عن سريان النجاسة في حال التفريق، ويقابله إمكانية السريان من عدمها في حال الجفاف. فمن هذه الرواية يمكن أن نستكشف مورد موثق بن بكير، من غير أن نقول بأنها دليل على ذلك.
كما يمكن أن يستكشف ذلك من رواية الحكم بن حكيم8قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أغدو إلى السوق فأحتاج إلى التبول وليس عندي ماء ، ثم أتمسح وأتنشف بيدي ثم أمسحهما بالحائط وبالأرض، ثم أحك جسدي بعد ذلك؟ قال: لا بأس9.
ولو قيل بعدم إمكانية رفع اليد عن ظهوره في كفاية التطهير بغير الماء، لتعين حمله على التقية، كما احتمله المحقق الخوانساري10.
لكن ادعاء هذا الظهور غير تام، ولو كان للموثق ظهور فعلي في ذلك للزم تأويله بما أفاده المحقق الخوانساري بقوله: “لا يقال الذكي طاهر في الظاهر، لأن بعد تسليم ظهوره فيه، التأويل فيه وحمله على غير ظاهره أولى من حمل الروايات السابقة على غير ظاهرها لكثرتها وصحة سندها، خصوصاً مع نقل الإجماع على خلافه، وأيضاً حمله على الظاهر إنما يستلزم التخصيص فيه لأن النجاسة اليابسة ليس بطاهرة بإجماع المسلمين والتخصيص ليس بأولى من المجاز”11.
وهذا تخريج متين، لأن الروايات الناصة على عدم طهارة مخرج البول بغير الماء كثيرة وسندها صحيح ، والقول بأن الموثقة ظاهرة في كفاية التطهير بغير الماء يستلزم حمل جميع تلك الروايات الصحيحة على غير ظاهرها، وهو غير مستساغ، ولهذا فالأولى حمل الموثقة على غير ظاهرها إن كان لها ظهور فعلي في ذلك، وتدعم هذه الأولوية بالإجماع الثابت على عدم مطهرية غير الماء لمخرج البول.
كما أن القول بأن إجابة الإمام عليه السلام ظاهرة في أن كل نجس يصبح جافاً ويابسا يحكم بطهارته، ما يعني كون مخرج البول طاهراً بالتجفيف بالحائط، يلزم منه القول بتخصيص الإجماع الناص على عدم طهارة النجاسة اليابسة، وهو غير صحيح ولا يلتزم به أحد، لذلك الأولى حمل إجابة الإمام عليه السلام على المجاز، فقوله عليه السلام (ذكي) لا يراد منها المعنى الحقيقي أي طاهر ،وإنما معنى مجازي وهو عدم سراية نجاسته إلى غيره على فرض اليبوسة في الطرفين.
هذا بالنسبة للدليل العام، وأما الدليل الخاص فهو يتمثل في روايات كثيرة وردت في موارد خاصة من دون ذكر تعليل عام، وإن أشير إليه بنسبة، لكن من مجموعها يمكن الاستدلال على العموم حتى لو فرض عدم تمامية الاستدلال بموثقة بن بكير.
من بينها صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت، هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس12.
وصحيح محمد بن مسلم(في حديث) أن أبا جعفر عليه السلام وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلما أخبره قال: أليس هي يابسة، فقال: بلى، فقال: لا بأس13.
يضاف إليها بعض الصحاح12الواردة في كتاب علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم عليه السلام إحداها قال: سألته عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟ قال: اغسله، وإن لم تفعله فلا تنام عليه حتى ييبس، فان نمت عليه وأنت رطب الجسد فاغسل ما أصاب من جسدك، فإن جعلت بينك وبينه ثوباً فلا بأس14.
وفي أخرى قال:سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة، أو يبال فيه، أيصلح أن يفرش؟ فقال: نعم إذا كان جافًا15.
وفي ثالثة قال: سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه يصلي يه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه ويصلي فلا بأس به16.
كما يستفاد هذا المعنى من صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دماً كيف يصنع؟ أينصرف؟ قال: إن كان يابساً فليرم به ولا بأس به17.
ففي صحيحة محمد بن مسلم الأولى والثانية والصحيحتين الواردتين في كتاب علي بن جعفر الأولى والثانية نص على اليبوسة والجفاف في عين النجاسة، مع التأكيد على عدم السريان، وذلك كاف في إثبات القاعدة العامة، خصوصاً مع ملاحظة تعدد الموارد فيها.
وبذلك فإن عدم النص على اليبوسة في صحيحة علي بن جعفر المتعلقة بالحمار الميت، والصحيحة الثالثة في كتاب علي جعفر، لا يضر بالمطلب ،مع أن الصحيحة الثالثة تشتمل على قرينة تدل على اليبوسة ، وهي تحرك العذرة وإصابتها للثوب والرأس بسبب الريح ، إذ أن العذرة الرطبة لا تتحرك بفعل الريح. وكذلك صحيحة علي بن جعفر لا يمكن أن يراد منها إلا اليبوسة، إذ لو كان الحمار الميت رطباً أو كان الثوب الملاقي له كذلك لوجب غسله بدليل روايات أخرى ، لهذا حملها على اليبوسة ليس بعسير.
بهذا يتضح لنا جلياً كفاية الدليل العام المتمثل في موثقة بن بكير، والدليل الخاص المتمثل في الصحاح المذكورة، في التأسيس للقاعدة العامة وهي أن العين النجسة إذا كانت يابسة لا تنجِّس إذا لاقت أو لاقها شيء يابس آخر.
ومع ذلك يمكن أن يورَد على هذا الاستنتاج بأمور:
1- النص على صب الماء أو النضح بالماء في بعض الروايات حتى على فرض اليبوسة في عين النجاسة.
فقد صرحت بعض الأخبار وفيها الصحيح بصب الماء أو النضح عند الملاقاة للكلب أو الخنزير النجسين ،في صحيحة الفضل أبي العباس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسه جافاً فاصبب عليه الماء18.
ومضمرة علي بن محمد قال: سألته عن الخنزير أصاب ثوباً وهو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه19.
لكن لا تعارض بين هذه الطائفة من الروايات والقاعدة العامة في المقام، أولاً لأنها تتعلق بمورد خاص وهو الكلب والخنزير، ثانياً لأن المراد هنا خصوص النضح أو الصب المقابل للغسل ، وهو تعبير آخر للنضح؛ لأن النضح يعني الرش20، ومن المعلوم أن مجرد رش الماء على النجاسة لا يطهر بل يزيد النجاسة تمدداً واتساعاً، والذي يعارض القاعدة إنما هو الغسل بغرض التطهير، والحال ليس كذلك.
مع أن النضح هنا محمول على الاستحباب، لعدم موجب للوجوب، إذ مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة من محل لآخر، وقد يقال بوجوب النضح في خصوص الكلب والخنزير تعبداً بالنص حتى على فرض عدم تعدي النجاسة، لظهور صيغة الأمر في الوجوب في أغلب الروايات، كما ذهب إلى ذلك ابن حمزة في خصوص مس الثوب ، كما أن التعدي عن الكلب والخنزير إلى الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة وجسد الذمي والكافر والناصب راجع لظهور روايات أخرى سيأتي التعرض لبعضها21، ومع ذلك لا تعارض مع القاعدة لأن القول بالوجوب غير مبتن على تعدي النجاسة من الكلب والخنزير حتى مع اليبوسة، وإلا لوجوب الغسل وليس النضح.
2- الإطلاق الظاهر في بعض النصوص كموثقة أبي بصير عن أحدهما عليه السلام في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني، قال: “من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك”22.
حيث يظهر منها وجوب الغسل مطلقاً مع اليبوسة والرطوبة، وهو ما ذهب إليه ابن حمزة كما أشرت في النقطة السابقة، مع أنه لم يقل بوجوب الغسل وإنما بوجوب الرش ،ولهذا لن يكون كلامه معارضاً للقاعدة بحسب البيان السابق.
لكن هذا الظهور غير تام لإمكان تقييده بالروايات الكثيرة السابقة الناصة على عدم سريان النجاسة مع اليبوسة وعدم وجوب الغسل، إضافة لعدم وجود خصوصية للكتابي، وإمكان حمل الرواية على وجود رطوبة في أحد الطرفين ليس ببعيد، ويمكن القول بالاستحباب في هذا المورد أيضًا كما أفتى بذلك جماعة23.
3- الأمر بالاغتسال لمس الميت وإن كان جافاً، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: “إذا مسه بحرارته فلا، ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل…”24.
لكن هذا الحكم لا يتعارض مع القاعدة، لأن الكلام حول الغَسْل، أي أن القاعدة تتعلق بالخبث لا بالحدث، ولذلك فهذه الرواية وشبهها تؤكد القاعدة، لأنها تفيد بأن الملاقاة في حال الجفاف لا تتسبب في سريان النجاسة ولذلك لا يجب الغَسْل ، وإنما يجب قبل تطهيره بالغُسْل إذا كان رطباً أو كان الملاقي رطباً25.
نعم ورد في بعض الصحاح ما ظاهره وجوب الغَسْل مطلقاً ولو مع الجفاف ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال:”يغسل ما أصاب الثوب”26.
ومعتبرة إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت، قال: إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه، يعني إذا برد الميت18.
لكن المشهور حملها على الاستحباب، وذلك لاشتراط الرطوبة في سريان النجاسة في جميع النجاسات بلا فرق بيت الميت الإنسان وغيره كما دلت على ذلك العمومات السابقة الذكر27، وإن كان هناك من قال بالاحتياط الوجوبي كالبروجردي والسيد عبد الهادي الشيرازي25، بل نسب الشهيد الأول في الذكرى إلى بعضٍ القول بالوجوب؛ لأن ترك الاستفصال في مثل رواية بن ميمون دليل العموم28.
ولو قلنا بدلالة هذه الروايات على الوجوب على فرض اليبوسة، فسيكون هذا مورداً خرج عن القاعدة استثناءً بدليل تعبدي، وتبقى القاعدة على حالها.
هذا بخصوص ميت الإنسان، وأما بالنسبة لسائر أنواع الميتة فقد قال بعض بسراية النجاسة حتى مع اليبوسة كالعلامة29، لمرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حياً أو ميتاً، قال: لا يضره ولكن يغسل يده26.
وموثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال:”اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات”30.
فترك التفصيل بين الرطوبة واليبوسة في مثل هذه الروايات يفيد الإطلاق، إلا إن ذلك محل نظر لما سبق التأكيد عليه سلفاً من كفاية العموم الوارد في موثق بن بكير السابق (كل شيء يابس ذكي) في الدلالة على عدم وجود مستثنى، لأن الإمام عليه السلام في مقام البيان من هذه الجهة، وتأخير البيان والإبهام والإجمال قبيح كما عن الجواهر31، إضافة لما استدل به الشهيد الأول من أن التسوية في مرسل يونس بين الحي والميت تشعر بالاستحباب لطهارة الحيوانات المذكورة -أي الثعلب والأرنب– حال الحياة، فيحمل على اليبوسة للفرق مع الموت والرطوبة قطعاً32، وهو توجيه وجيه، إذ أن الأرنب مثلاً طاهر حال الحياة بينما هو نجس حال الممات، وقوله عليه السلام (يغسل يده) بالنسبة للأرنب حال الحياة محمول على الاستحباب قطعاً، فوجب أن يكون حال الممات كذلك أيضاً أي مستحباً ، ولأننا نعلم بالضرورة بأن ملاقاة الأرنب الميت مع الرطوبة موجبة للغسل ، لزم حمل الحكم باستحباب الغسل على حال اليبوسة.
وأما ما استدل به المستمسك من أن “اعتبار الرطوبة في سراية النجاسة عند العرف مما يصلح أن يكون قرينة على صرف الإطلاق”33، فهو وإن كان مؤيداً جيداً، لكنه لا ينهض دليلاً كافياً في المقام، لاحتمال خروج هذا المورد عن القاعدة بدليل تعبدي وهو ليس بعزيز.
وبهذا يتضح معنا من جميع ما مضى سلامة القاعدة من المعارض، فكل طاهر يابس لاقى نجساً يابساً يبقى على طهارته ولا يجب غسله، وما ورد في الروايات مما ظاهره وجوب الغسل يختلف باختلاف الموارد، فبعضه محمول على حال التلاقي مع الرطوبة، وبعضه محمول على الاستحباب34.
- 1. جواهر الكلام: الشيخ محمد حسن النجفي: ج6، ص205.
- 2. مستمسك العروة الوثقى: السيد محسن الحكيم: ج1، ص284.
- 3. رواها الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام بسنده عن محمد بن أحمد بن يحي، وهو سند صحيح لوثاقة رجاله، – قال في الفهرست: واخبرنا بها جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، ومحمد بن الحسن عن احمد بن إدريس ومحمد بن يحي عنه – ومحمد بن أحمد بن يحي ثقة، عن محمد بن الحسين وهو ابن أبي الخطاب ثقة، عن محمد بن خالد وهو البرقي وثقه الشيخ، عن عبدالله بن بكير ثقة فطحي.
- 4. تهذيب الأحكام: ص31.
- 5. مستمسك العروة الوثقى: السيد محسن الحكيم: ج2، ص123 . دار أحياء التراث العربي –بيروت2009م
- 6. رواه الشيخ الطوسي في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد –وهذا الطريق صحيح، والحسين بن سعيد هو الاهوازي الثقة-، عن صفوان-بن يحيى-وهو ثقة، عن العيص بن القاسم وهو كذلك ثقة.
- 7. وسائل . ج2ص1034.
- 8. مشارق الشموس،المحقق الخوانساري،ج1 ص72.
- 9. رواها الكيليني محمد بن يعقوب في الكافي عن العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الفضيل بن غزوان عن الحكم بن حكيم. ويمكن القول بصحتها بناء على كفاية توثيق بن حجر للفضيل ،ورواية ابن عمير عنه،بل استظهر الوحيد البهبهاني معروفيته وجلالته حيث أخذه معرّفاً لأخيه سعيد الثقة.
- 10. مشارق الشموس للمحقق الخوانساري: ج1، ص72.
- 11. وسائل الشيعة، ج2ص1036.
- 12. a. b. المصدر نفسه
- 13. المصدر نلفسه، ج2ص1035
- 14. روى بعضها عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر. وعدم ذكر عبد الله بن الحسن بمدح أو ذم في كتب الرجال لايقدح بصحة الروايات ،وذلك لأن الشيخ الصدوق روى جميع روايات علي بن جعفر بطريقين صحيحين كما في المشيخة.
- 15. قرب الاسناد،الحميري القمي،ص281،مؤسسة آلالبيت(عليهم السلام) لإحياء التراث رقم.
- 16. المصدر نفسه،ص291
- 17. وسائل الشيعة، مصدر سابق ،ج2ص1036.
- 18. a. b. المصدر نفسه.
- 19. وسائل الشيعة ،مصدر سابق،ج2، ص134.
- 20. المصدر نفسه ص1035.
- 21. الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص77، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.
- 22. وسائل الشيعة: ج2، ص1019 (دار إحياء التراث العربي).
- 23. القواعد الأصولية والفقيه على مذهب الإمامية، إعداد لجنة علمية في الحوزة الدينية بقم،ج3 ص313.
- 24. وسائل الشيعة: ج2 ص927 (دار إحياء التراث العربي).
- 25. a. b. العروة الوثقى: ج2، ص12.
- 26. a. b. وسائل الشيعة: ج2، ص1050 (دار إحياء التراث العربي).
- 27. التنقيح في شرح العروة الوثقى: ج8، ص251، الفقه للسيد محمد الشيرازي: ج12، ص128.
- 28. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة،الشهيد الأول،ج1 ص132،مؤسسه آل البيت (عليهم السلام)لأحياء التراث قم.
- 29. انظر: مستمسك العروة الوثقى: ج1 ، ص205.
- 30. وسائل الشيعة: ج2، ص1076 (دار إحياء التراث العربي).
- 31. جواهر الكلام: ج5، ص226.
- 32. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج1، ص132.
- 33. مستمسك العروة الوثقى: ج1 ، ص205
- 34. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الدكتور فيصل العوامي(حفظه الله).