يتطلع الفرد المسلم إلى دولة كريمة؛ لأجل أن يحيا فيها بكرامة وطمأنينة، ويحق لنا ولكلّ مسلم وحتّى لغير المسلمين أن يتساءلوا: تُرى هل قدّم لنا الإسلام معالم دولة عصرية؟ وهل أشار إلى ضوابط بنائها؟ أم ترك الناس يتخبّطون، لا يهتدون إلى طريق، ولا لمخرجٍ من أمرهم؟!
وهنا سنسلط الضوء على أحد أهم مفاصل الدولة التي اعتنى بها الإسلام وأعارها اهتمامًا كبيرًا، وهو الجانب المالي في الدولة، وكان المثل الأرقى لهذا التنسيق والتقويم هو أمير المؤمنين (عليه السلام) حين بويع للخلافة. على أمل أن نتحدث عن باقي مفاصل الدولة الأخرى في مقالات أخرى إن شاء الله تعالى.
فمنذ اليوم الأول الذي انتُخب فيه الإمام علي(عليه السلام) خليفة للمسلمين سعى سلام الله عليه إلى إرساء دعائم النظام المالي على أُسس وقواعد تختلف عمّا كان معمولًا به قبل توليه الخلافة.
وقد شدد الإمام (عليه السلام) في عهد ولايته على محاسبة المفسدين الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حق. فأصدر أوامره بجمع الأموال المسروقة والمختلسة من بيت المال وإعادتها إلى خزينة الدولة. فقد تميزت سياسة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعدالة والصرامة وعدم المداهنة مع أي طرف مهما علا شأنه أو قرب نسبه. فقد كان جُلَّ اهتمامه بشريحة الفقراء والمساكين وأهل الحاجة، مما جعل منهجه في السياسة الاقتصادية يعتمد مبدأ توزيع الأموال بصورة عادلة وسريعة على مستحقيها.
فكان (عليه السلام) يضع العيون على عماله يراقبون تصرفاتهم، ويتتبع هو أخبارهم. فإذا بلغه أن أحدا منهم اعتدى على بيت المال، واستغل وظيفته، أو أجحف بضعيف، ومنعه من طلبته – كتب اليه يهدده ويتوعده، وهذا ما دعا بعض العمال أن يتركوا الإمام، ويلحقوا بمعاوية، ومنهم من كان يطعن عليه لا لشيء إلا استثقالا للحق(1).
فهذا مصقلة بن هبيرة هرب إلى معاوية لأن الإمام طالبه بحق المسلمين ، وكان عاملًا له على بلدة من بلاد العجم تسمى أردشير خرة، وكان قد بلغ الإمام أن مصقلة – قبل هروبه إلى معاوية – كان يحرم المسلمين من أموالهم، ويؤثر بها أرحامه، وأبناء قبيلته، فكتب إليه بذلك، وقال له من جملة ما قال: (إن هذه الأموال حق للمسلمين اكتسبوها بالجِدّ والجهاد، وأنت أجير لهم، وقائم على ما فيه حياتهم، وعليك أن لا تستهين بشيء منه، تمامًا كما تحرص وتهتم بأمنهم والدفاع عنهم، وأن تقسم الأموال بينهم بالحق والعدل لا بالشهوات والأهواء، فتؤثر أهلك وذويك على حساب الكادحين والمجاهدين)(2).
أما في جانب التنمية الاقتصادية واستثمار الأيدي العاملة وتوفير فرص العمل فقد اهتمّ (عليه السلام) بالجانب الزراعي من خلال إعمار الاراضي لاستيعاب العاطلين عن العمل وزيادة الإنتاجية الغذائية لسد حاجة المجتمع. وهذا ما أكّده أمير المؤمنين(عليه السلام) لمالك الأشتر على ضرورة إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها، حيث قال له: (وَلْيكُن نَظَرُكَ في عمارةِ الأرْضِ أبْلَغَ من نظرِكَ في اسْتِجْلابِ الخراجِ، لأنَّ ذلكَ لا يُدْركُ إلّا بالعمارةِ؛ ومن طَلَبَ الخراجَ بغيرِ عمارةٍ أخْرَبَ البلاد، وأهْلَكَ العباد)(3).
وينقل لنا التاريخ أنّ الإمام (عليه السلام)كان يغرس النخل ويحفر الآبار وهي إلى اليوم ماثلة أمامنا حيث المنطقة المعروفة باسمه (عليه السلام)
(ابيار علي)، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على اهتمام الإمام(عليه السلام) بالجانب الزراعي الذي يوفّر على الأمّة الإسلامية مدخولاتها، وفي الحديث الشريف: (من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فأبعده الله)(4).
لقد عيّن الإمام (عليه السلام) عامر بن النباح أمينًا لبيت المال في الكوفة، وكان مؤذنًا لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد جاء ابن النباح يومًا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: (أمتلأ بيت المال من الصفراء والبيضاء ـ ويقصد الذهب والفضة ـ فقال الامام (عليه السلام): الله أكبر، ثم أمر بتوزيع الأموال على أتباع عاصمة الدولة الإسلامية في الكوفة وهو يقول: (يا صَفراءُ! وَيا بيضاءُ! غُرِّي غَيْري) ولم يبقِ دينارًا في بيت المال وصلى كعادته ركعتين لله بعد أن أفرغ بيت المال.
وهذه السياسة العادلة للإمام (عليه السلام) في توزيع الثروات سبّبت له أزمات سياسية واجتماعية مع البعيدين والقريبين منه، فقد خلَّفت مصاعب مع جيشه، وتنكَّر له الأعيان من البلاد وقاطعته قبائل قريش الإقطاعية التي أستأثرت بالمال والهبات في العهد الذي سبق ولايته.
والسياسة العادلة في توزيع المال كلفت الامام (عليه السلام) أثمانًا باهظة في تخاذل جيشه وتوجهه صوب معاوية، مما دعا (طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)
مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبًا لما في يديه من الدنيا، فقالوا له: (يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاوية. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، و [ما] لاح في السماء نجم. [والله] لو كانت أموالهم لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم؟)(5).
سياسة الإمام العادلة والمشرقة التي انتهجها أدّت إلى الإطاحة بحكومته الرشيدة واجتماع القوى الباغية والمنحرفة ضده. فقد نفر الناس من سياسة المساواة والعدل على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى أكد بكتابه الكريم بقوله: (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَرٍ وَانثى وَجَعَلْناكم شُعوباً وَقَبائلَ لِتعارَفوا إنَّ أكْرمَكُم عندَ اللهِ أتقاكُم) (الحجرات: 13).
إن النظام الاقتصادي الذي أعتمده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يهدف إلى إقامة مجتمع عادل ومتوازن لا تقف فيه الإقطاعية أو الرأسمالية موقف التسلط والتسيد على رقاب الناس ولا يوجد فيه فقير ومحروم وبائس. فقد كان الإمام شديدًا وعادلًا مع أقرب المقربين، وكان حازمًا مع أولاده ومع أخوته، وحادثة أخيه عقيل هي دليل قاطع على عدالته، عندما طلب عقيل مساعدة أكبر مما يستحق من بيت المال، مما دعا الإمام أن يحمي له جمرة ويكوي بها يده(6). جاعلًا من ذلك الموقف عبرةً ودرسًا للعدالة والمساواة بين الرعية.
المساواة في العطاء
من أبرز ما تميزت به سياسة الإمام المالية هي المساواة في العطاء، إذ أن سياسة التمييز في العطاء التي اتبعها الخليفة الثاني وسار عليها الثالث قد جرّت الكثير من الويلات على المسلمين، وقد أسّست هذه السياسة لنشوء طبقة من الأثرياء، وأدّت إلى حرمان المسلمين حقّهم في فيئهم.
وقد لاحظنا موقف أبي ذر (رضوان الله عليه) واعتراضه على السياسة العثمانية في العطاء، الأمر الذي أدّى بهذا الصحابي الجليل إلى أن يتعرض للنفي، بعد أن خافوه على دنياهم، حيث صرّح أمير المؤمنين(عليه السلام)
عند وداعه لأبي ذر (رضوان الله عليه) بقوله:
(يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ إِنَّمَا غَضِبْتَ لِلهِ عَزَّ وجَلَّ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَه إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ وخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ فَأَرْحَلُوكَ عَنِ الْفِنَاءِ وامْتَحَنُوكَ بِالْبَلَاءِ ووَاللهِ لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَى الله عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ لَه مِنْهَا مَخْرَجاً فَلَا يُؤْنِسْكَ إِلَّا الْحَقُّ ولَا يُوحِشْكَ إِلَّا الْبَاطِلُ)(7).
حيث نلحظ قول الإمام(عليه السلام): (خافوك على دنياهم) أي أن القوم استأثروا بأموال الناس وأخذوا يتداولونها بالباطل مما اضطر أبا ذر (رضوان الله عليه) أن يصرّح ويعلن بطلان هذه الأحكام وهذا التمييز وهذا التصرف غير المشروع في أموال المسلمين، كلمة الحق هذه التي تحمّل من أجلها النفي والطرد من المدينة المنورة، بعد أن كان من الصحابة المقرّبين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله).
إذًا، فالإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ورث كمًّا هائلًا من الانحرافات في هذا الجانب، انحرافات في تفضيل الأبيض على الأسود، والشريف على المشروف، والعربي على الأعجمي، وكلّها أُمور رفضها الإسلام وحاربها. لذا جُوبه الإمام (عليه السلام) بمعارضة شديدة، وأخذوا يؤلبون الناس عليه وهذا ما نراه واضحًا وجليًا في موقف عائشة وطلحة والزبير.
ونلاحظ من جملة المعترضين على سياسة التسوية في العطاء عقيل أخو الإمام (عليه السلام)، (عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عَلِيٌّ (عليه السلام) صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عَلَيْه، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي واللهِ لَا أَرْزَؤُكُمْ مِنْ فَيْئِكُمْ دِرْهَماً مَا قَامَ لِي عِذْقٌ بِيَثْرِبَ فَلْيَصْدُقْكُمْ أَنْفُسُكُمْ أفَتَرَوْنِي مَانِعًا نَفْسِي ومُعْطِيَكُمْ؟ قَالَ: فَقَامَ إِلَيْه عَقِيلٌ فَقَالَ لَه: واللهِ لَتَجْعَلَنِّي وأَسْوَدَ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً! فَقَالَ: اجْلِسْ أمَا كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ غَيْرُكَ ومَا فَضْلُكَ عَلَيْه إِلَّا بِسَابِقَةٍ أَوْ بِتَقْوَى)(8).
وبعد بيعته خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عَلَيْه، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْدًا ولَا أَمَةً وإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ ولَكِنَّ اللهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضًا فَمَنْ كَانَ لَه بَلَاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلَا يَمُنَّ بِه عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، أَلَا وقَدْ حَضَرَ شَيْءٌ ونَحْنُ مُسَوُّونَ فِيه بَيْنَ الأَسْوَدِ والأَحْمَرِ. فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ والزُّبَيْرِ: مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمَا، قَالَ: فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وأَعْطَى رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وجَاءَ بَعْدُ غُلَامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاه ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلَامٌ أَعْتَقْتُه بِالأَمْسِ تَجْعَلُنِي وإِيَّاه سَوَاءً! فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلًا(9).
وأكثرهم للحق كارهون
وهنا لابد أن نتوقف قليلًا عند المصاعب والمشاكل والآلام التي تحمّلها الإمام (عليه السلام) بسبب نظامه المالي العادل.
فكان أول المعترضين على سياسة التسوية (طلحة والزبير)، فقد استاءا كثيرًا من هذه السياسة، وأخذا يعدّان العدة لنقض البيعة والتحضير للحرب!
حيث تكلّما مع الإمام (عليه السلام) وحاولا إقناعه بأن يفضّلهما في العطاء، وتذرّعا بأنهما من أصحاب السابقة في الإسلام، فكان ردّ الإمام قاطعًا وحازمًا، وقد يئسا من الحصول على منصب أو مال أكثر من استحقاقهما.
وقد صرّحا بأنّ عمر كان يفضّلهما في العطاء، ولكن هذا التفضيل لم يكن ليجد مكانه في حكومة العدل، حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
(روينا عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه أمر عمار بن ياسر وعبيد الله بن أبي رافع، وأبا الهيثم بن التيهان أن يقسموا فيئًا بين المسلمين، وقال لهم: اعدلوا فيه ولا تفضلوا أحدًا على أحد، فحسبوا فوجدوا الذي يصيب كلّ رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس فأقبل إليهم طلحة والزبير، ومع كل واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير فقال طلحة والزبير: ليس هكذا يعطينا عمر، فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم؟ قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فمضيا إليه فوجداه في بعض أمواله قائمًا في الشمس على أجير له يعمل بين يديه، فقالا له: ترى أن ترتفع معنا إلى الظل؟ قال: نعم. فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفيء فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس. قال: وما تريدان؟ قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر. قال: فما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطيكما؟ فسكتا، فقال: أليس كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة؟
قالا: نعم. قال: أفسنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولى بالاتباع أم سنة عمر؟ قالا: بل سنة رسول الله. ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل. قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي؟ قالا: سابقتك. قال: فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟ قالا: قرابتك. قال: فعناؤكما أعظم أم عنائي؟ قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم عناءً. قال: فوالله ما أنا وأجيري هذا ـ وأومأ بيده إلى الأجير الذي بين يديه – في هذا المال إلا بمنزلة واحدة!!! قالا: جئنا لهذا وغيره. قال: وما غير؟ قالا: أردنا العمرة فأذن لنا. قال: انطلقا فما العمرة تريدان، ولقد أنبئت بأمركما ورأيت مضاجعكما!!! فمضيا. وهو يتلو وهما يسمعان: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيمًا))(10) (الفتح: 48).
وبالفعل، توجّها بحجّة أنّهما يريدان العمرة، ولكن الإمام (عليه السلام) كان عارفاً بسوء النية لديهما، بل خرجا من المدينة متذمرين من الوضع الجديد الذي لم يألفاه، خرجا وهما يريدان إعداد العدّة للحرب!
وكان خروج هذين الرجلين (طلحة والزبير) بداية لمآسٍ كثيرةٍ، حيث أخذا يجتمعان بعائشة ومروان، وبدأوا يخططون للانقلاب على النظام الجديد الذي ساوى بينهم وبين العبيد. وكان تخطيطهم بأن يرفعوا قميص عثمان للمطالبة بدمه!
شعارٌ رفعوه في الظاهر، لكن الواقع كان هو فقدانهم للمصالح والمناصب والأموال التي كانوا يأخذونها بغير حق، وقد نقضوا البيعة التي في أعناقهم حيث أعلنوا (ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين!!!)(11).
والخلاصة، فإن بناء الدولة اقتصاديًا كان مما اهتم به الإسلام وجسده أمير المؤمنين (عليه السلام) أيام خلافته، بإقامة مشاريع التنمية في البلاد لإعمارها واستثمار الأيدي العاملة فيها، وتوزيع الثروات بشكل عادل بين الناس ليقضي بذلك على الفقر ومظاهره، فلطالما كان (عليه السلام) يقول: (ما جاع فقير إلاّ بما متّع به غنيّ) أو قوله:(لو كان الفقر رجلا لقتلته). ولم يكن يهمه المعترضون ما دام يقيم الحق ويدفع الباطل.
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسِ(رضي الله عنه): دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا. فَقَالَ (عليه السلام) والله لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا(12)>
الباحث: نصير علي موسى
كلية الشيخ الطوسي الجامعة
نشر في العد 70