استحباب الأذان و الإقامة:
الأذان و الإقامة مستحبان مؤكدان في الصلوات الواجبة اليومية الخمسة و ليسا بواجبين، فقد رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ: “لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ بِلَا أَذَانٍ وَ لَا إِقَامَةٍ” 1.
و يتأكد الأذان و الإقامة للرجال ، و أشدّهما تأكيداً لهم الإقامة، كما و يتأكد استحباب الأذان و الإقامة في خصوص صلاة المغرب و صلاة الصبح ، و لا أذان و لا إقامة في النوافل و الصلوات المستحبة، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ: “لَا أَذَانَ فِي نَافِلَةٍ” 2.
و كذلك لا أذان و لا إقامة في صلاة العيدين، فقد رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 3 ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ، قُلْتُ لَهُ: أَ رَأَيْتَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ هَلْ فِيهِمَا أَذَانٌ وَ إِقَامَةٌ؟
قَالَ: “لَيْسَ فِيهِمَا أَذَانٌ وَ لَا إِقَامَةٌ، وَ لَكِنْ يُنَادَى الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثَلَاثَ مَرَّات” 4.
هذا و لا ينبغي للمؤمن أن يترك الأذان و الإقامة قبل صلواته الخمس بصورة دائمة و إن جاز تركهما لعدم وجوبهما، و هناك ترخيص في ترك الأذان، فقد رَوَى زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ 5 ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ أَدْنَى مَا يُجْزِي مِنَ الْأَذَانِ أَنْ يَفْتَتِحَ اللَّيْلَ بِأَذَانٍ وَ إِقَامَةٍ، وَ يَفْتَتِحَ النَّهَارَ بِأَذَانٍ وَ إِقَامَةٍ، وَ يُجْزِيكَ فِي سَائِرِ الصَّلَاةِ إِقَامَةٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ” 6.
وَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بَيْنَ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَ إِقَامَتَيْنِ وَ جَمَعَ 6 .
ثواب الأذان و الإقامة:
ورد التأكيد و الحث على الأذان و الإقامة في الروايات و الأحاديث و ذكرت لهما ثواباً عظيماً، فلا ينبغي تركهما إلا لضرورة، فقد رُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعَتِ الْأَذَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَتْ: هَذِهِ أَصْوَاتُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ” 6.
وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ 3 ( عليه السَّلام ): “إِنَّكَ إِذَا أَذَّنْتَ وَ أَقَمْتَ صَلَّى خَلْفَكَ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ إِنْ أَقَمْتَ إِقَامَةً بِغَيْرِ أَذَانٍ صَلَّى خَلْفَكَ صَفٌّ وَاحِدٌ” 7.
وَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ: “مَنْ أَذَّنَ وَ أَقَامَ، صَلَّى خَلْفَهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ إِنْ أَقَامَ بِغَيْرِ أَذَانٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ وَاحِدٌ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَاحِدٌ.
ـ ثُمَّ قَالَ ـ: اغْتَنِمِ الصَّفَّيْنِ” 8.
وَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ): “مَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَ إِقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَنْ صَلَّى بِإِقَامَةٍ بِغَيْرِ أَذَانٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ”.
قُلْتُ لَهُ: وَ كَمْ مِقْدَارُ كُلِّ صَفٍّ؟
فَقَالَ: “أَقَلُّهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَ أَكْثَرُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ” 9.
ثواب المؤذن:
يظهر من الأحاديث أن للمؤذن الذي يرفع صوته بالأذان ـ سواء المحترف أو غيره ـ مكانة خاصة و ثواب مميَّز مضافاً إلى ثواب الأذان نفسه، فقد رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : “مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِباً، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا ذَنْبَ لَهُ” 6.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): “مَنْ أَذَّنَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ” 10.
وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) يَقُولُ: “الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَ يَشْهَدُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ سَمِعَهُ” 11.
وَ رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : “الْمُؤَذِّنُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَ مَدَّ صَوْتِهِ فِي السَّمَاءِ، وَ يُصَدِّقُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَ يَابِسٍ يَسْمَعُهُ، وَ لَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ سَهْمٌ، وَ لَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُصَلِّي بِصَوْتِهِ حَسَنَةٌ” 10.
وَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): “الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْقَاتِلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ” 12.
حق المؤذن على الناس:
و من الواضح أن المؤذن يقدِّم إلى الناس خدمة كبيرة إذ يذكرهم بأوقات الصلاة و العبادة، فعلى الناس أيضاً أن يُقدروا هذا الجميل و يشكروا المؤذن على إسداء هذه الخدمة المعنوية الكبيرة، و إلى هذا تُشير الأحاديث و تذكرنا بحق المؤذن، فقد ورد في الحديث: وَ أَمَّا حَقُّ الْمُؤَذِّنِ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مُذَكِّرٌ لَكَ رَبَّكَ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ دَاعٍ لَكَ إِلَى حَظِّكَ، وَ عَوْنُكَ عَلَى قَضَاءِ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْكَ، فَاشْكُرْهُ عَلَى ذَلِكَ شُكْرَ الْمُحْسِنِ إِلَيْك” 13.
الدعاء عند سماع الأذان:
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ أَذَانَ الصُّبْحِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِإِقْبَالِ نَهَارِكَ وَ إِدْبَارِ لَيْلِكَ وَ حُضُورِ صَلَوَاتِكَ وَ أَصْوَاتِ دُعَاتِكَ أَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ( حِينَ يَسْمَعُ ) أَذَانَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ، مَاتَ تَائِباً” 14.
حكاية الأذان:
ِ حكاية الأذان و معناه تكرار ما يسمعه الإنسان من فقرات الأذان، و هو مستحب شرعاً، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) . ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ، قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ” 15.
وَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ): “إِنْ سَمِعْتَ الْأَذَانَ وَ أَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ فَقُلْ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَ لَا تَدَعْ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ” 16.
وَ رُوِيَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَقَالَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، زِيدَ فِي رِزْقِهِ، 17 .
الأذان و الإقامة في أُذني المولود:
و يُستحب أيضاً أن يؤذَّنَ في الأذن اليمنى للمولود ، و أن يُقام في أذنه الأيسر.
فقد رُوِيَ عَن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قال: “الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ يُؤَذَّنُ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَ يُقَامُ فِي الْيُسْرَى” 18.
العلاج بالأذان:
قَالَ الإمام الصادق ( عليه السَّلام ): “مَنْ لَمْ يَأْكُلِ اللَّحْمَ أَرْبَعِينَ يَوْماً سَاءَ خُلُقُهُ، وَ مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ فَأَذِّنُوا فِي أُذُنِهِ” 18.
الأذان لدفع الجن و الشياطين:
قَالَ الصَّادِقُ ( عليه السَّلام ): “إِذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الْغُولُ فَأَذِّنُوا” 19.
قال العلامة الطريحي ( رحمه الله ): يقال: غالته غول، إذا وقع في مهلكة.
و الغُول بالضم: واحد الغيلان، و هو جنس من الجن و الشياطين، و هم سحرتهم.
و كانت العرب تزعم في الفلوات تتغول غولا، أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم.
و يقولون للنار التي توقد و تطفأ: و هكذا كانت نار الغيلان 20.
- 1. مستدرك وسائل الشيعة : 4 / 25 ، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم / إيران .
- 2. مستدرك وسائل الشيعة : 4 / 18.
- 3. a. b. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
- 4. من لا يحضره الفقيه : 1 / 508 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
- 5. أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
- 6. a. b. c. d. من لا يحضره الفقيه: 1 / 286.
- 7. التهذيب : 2 / 52 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
- 8. وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 5 / 381 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
- 9. وسائل الشيعة: 5 / 382.
- 10. a. b. من لا يحضره الفقيه: 1 / 285.
- 11. الكافي : 3 / 307 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
- 12. وسائل الشيعة: 5 / 374.
- 13. وسائل الشيعة: 15 / 175.
- 14. وسائل الشيعة: 5 / 451.
- 15. الكافي: 3 / 307.
- 16. وسائل الشيعة: 1 / 314.
- 17. من لا يحضره الفقيه: 1 / 292.
- 18. a. b. من لا يحضره الفقيه: 1 / 299.
- 19. من لا يحضره الفقيه: 1 / 298.
- 20. مجمع البحرين : 5 / 438 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .