الباحث محمد حاكم الكريطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد :
يتحدث الإمام (عليه السلام) عن بيعته بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحادثة السقيفة المشهورة وما رافقها من انقسامات في صفوف المسلمين, لذا نجد أن الامام (عليه السلام) هنا يتحدث عن تلك المبهمات بلغة اتخذت من البلاغة وسيلة, ومن النحو العربي مفتاحا للوقف عند تلك الحقائق العقدية. قال (عليه السلام): ))فنظرت في أمري: فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا الميثاق في عنقي لغيري))[1]، للوقوف على مقاصد الامام (عليه السلام) في هذا النص فلابد من معرفة ما دلالة ( إذا ) في قوله (عليه السلام) (فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي …) نرى أن (إذا) فجائية ولابد من اثباتها كذلك, فيتوجب معرفة الصفات التي تصاحبها, حتى نستدل على أنها من النوع المذكور أي بمعنى أنها فجائية, ومن ثم ننتقل الى معنى قوله (عليه السلام), فمن صفات (إذا) الفجائية إن الفاء تتصل بها في أغلب مواضعها فنلاحظ أن الفاء قد اتصلت بها, ففي قوله (عليه السلام) ((فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي)), الشرط الأول في إثباتها أنها فجائية أنها لا تدخل الا على الجملة الاسمية[2]، وهذا ما كان كافيا لإثباتها كذلك؛ إذن هنا لا بد من الرجوع والالتفات إلى الواقع الذي جعل الإمام (عليه السلام) يضمّن خطبته هذا الحرف على رأي الأخفش أو ما تسمى بظرف المكان على رأي المبرد[3]، فيبدو أن الذي كان في ذهن الإمام (عليه السلام) أن ليس لأحد بيعة في عنقه, وإنما بالعكس البيعة في أعناق الناس للإمام (عليه السلام) نفسه؛ لذلك كان أمر طاعته مفاجئا فبدأ بالطاعة ومن ثم أخذت منه البيعة. وعندما استعمل الإمام (عليه السلام) (إذا) الفجائية الثانية في كلامه: ((إذا الميثاق في عنقي لغيري))[4]، فيبدو أن الامام (عليه السلام) كان ينتظر شيئا غير الشيء الذي وقع له, فكان مخالفا لما في ذهنه ومخالفا له تماما, فبدل أن يكون الميثاق في عنق الآخر للإمام (عليه السلام), فإذا الميثاق في عنق الإمام للآخر, وهذا ما كسر أفق الانتظار له (عليه السلام) فانتظاره لطاعة الآخرين كسرت بطاعته لهم. وقد أشارت كتب التاريخ على أن البيعة أخذت من علي (عليه السلام) قهراً, فقد ذكر أبو الفداء في تاريخه تأخر علي (عليه السلام) عن المبايعة, ومعه نفر من الأصحاب, من بينهم أبو ذر وعتبة بن أبي لهب وغيرهم, ثم إن أبا بكر بعث عمرا إلى علي (عليه السلام) ليخرجه من بيت فاطمة وأراد أن يضرم النار فيه[5]، وإن ابن الأثير قد ذكر تخلف الإمام (عليه السلام) عن البيعة وكان في بيت فاطمة وقد بايع بعد مضي ستة أشهر[6]، فكل هذه الإشارات التاريخية هي لإثبات موقف الإمام (عليه السلام), وما هو الدافع وراء استعماله (إذا) الفجائية في خطبته, فهذه الأخبار التاريخية هي إجابات لذلك, وإن كانت خطبته (عليه السلام) واستعماله لـ(إذا) الفجائية جاءت بعد بيعته لأبي بكر بسنوات عدة , لكن بالنسبة لنا نحن من يقرأ التاريخ , يتبين لنا تفسير كلام الإمام (عليه السلام) في خطبته من خلال تأخره عن البيعة.
الهوامش:
[1] – نهج البلاغة : 1/89.
[2] – ينظر : شرح قطر الندى : 196.
[3] – ينظر المدارس النحوية : 183.
[4] – نهج البلاغة : 1/ 89.
[5] – ينظر تاريخ ابي الفداء : 1/ 219.
[6] – ينظر الكامل في التاريخ : 2/ 188.
المصدر: http://inahj.org