نور العترة

اعتراف الصحابة بالنصّ …

النصّ على إمامة الامام علي (عليه السلام) لم يكن دعوة اقتصرت على أهل البيت (عليهم السلام) أو أتباعهم، وإنّما حقيقة قائمة اعترف بها كبار الصحابة اعترافاً جلياً أو خفيّاً، وقد ظهر ذلك الاعتراف في بعض المحاورات والاحتجاجات التي حدثت بعد السقيفة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وفي بداية خلافة  الامام علي (عليه السلام).
ففي حوار بين عمر وعبد الله بن عباس، قال عمر: «أتدري ما منع قومكم منهم ]أي بني هاشم[ بعد محمد (صلى الله عليه وآله)؟… كَرِهوا أن يجمعوا لكم النبوّةَ والخلافة فَتَبجحَوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووُفّقت».
قال ابن عباس: «أمّا قولك ياأمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووُفّقتْ، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأمّا قولك: إنّهم أبوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة، فإنَّ الله عزّوجلّ، وصف قوماً بالكراهة فقال: (ذلِك بأنَّهُمْ كَرِهُوا ما أنزَلَ اللهُ فأَحْبَطَ أعْمالَهُمْ)([1]).
فقال عمر: «بلغني أنّك تقول: إنّما صرفوها … حسداً وبغياً وظلماً».
فقال ابن عباس: «وأمّا قولك: ظلماً، فلقد تبيّن للجاهل والحليم، وأمّا قولك: حسداً، فإن آدم حُسِدَ ونحن ولده المحسودون»([2]).
وفي رواية، قال ابن عباس: «وأمّا قولك: فإن قريشاً اختارت، فإنّ الله تعالى يقول: (وربُّكَ يخلُقُ ما يشاءُ ويختارُ ما كان لهم الخيرة)([3])، وقد علمتَ ياأمير المؤمنين أنّ الله اختار مِن خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوُفِّقت وأصابت»([4]).
وفي هذا الحوار يصرّح عبد الله بن عباس بأن الله تعالى اختار رجلا من بني هاشم للقيادة والإمامة، وأنه لا حقَّ لقريش أن تختار غير ما اختاره الله تعالى لهم.
وفي حوار آخر بينهما سأل عمر عن علي (عليه السلام) فقال: ياعبد الله، عليك دماءُ البُدن إن كتمتنيها! هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قال ابن عباس: نعم، قال عمر: «أيزعم أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصَّ عليه؟» قال: «نعم، وأزيدك، سألت أبي … فقال: صدق، فقال عمر: «لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره ذروٌ من قول … ولقد كان يربَع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا وربِّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً! ولو وليها لانتقضتْ عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله)أني علمت ما في نفسه، فأمسك، وأبى الله إلاّ إمضاء ما حتم»([5]).
ففي هذا الحوار يتضح أنّ ثلاثة من الصحابة أكّدوا وجود نصٍّ، وهم علي والعباس وابنه عبد الله، واعترف عمر اعترافاً ضمنيّاً بالنصّ وادعى أنّه منع الرسولَ (صلى الله عليه وآله) من التصريح باسم علي، وسيأتي تفصيل ذلك في موضوع (الشواهد على الاجتهاد مقابل النصّ.
وفي حوار آخر قال عثمان بن عفّان لعبدالله بن عبّاس: «ولقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم، فوالله ما أدري أدفعوه عنكم أم دفعوكم عنه؟»، فقال ابن عباس: «… فإما صرف قومنا عنّا الأمر فعن حسد قد والله عرفته، وبغي قد والله علمته، فالله بيننا وبين قومنا»([6]).
واعترفت أم سلمة وعائشة بالنصِّ في حوار دار بينهنَّ، قالت أم سلمة لعائشة: «وأذكّركِ أيضاً … قلتِ له، وكنتِ أجرأ عليه مِنّا: مَن كنتَ يارسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ علياً، فقلتِ: يارسول الله، ما أرى إلاّ علياً، فقال: هو ذاك»، فقالت عائشة: «نعم أذكر ذلك»([7]).
وهنالك مؤيدات لتلك الأدلة يظهر من إيرادها الاعتراف بالنصّ كما في احتجاجات بعض الصحابة بعد السقيفة، نورد بعض تلك الاحتجاجات هنا; قال خالد بن سعيد بن العاص: «إتقِّ الله ياأبا بكر، فقد علمتَ أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال … يامعشر المهاجرين والأنصار، إنّي موصيكم بوصية فاحفظوها، وإنّي مودعكم أمراً فاحفظوه، ألا أنّ علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربِّي»([8]).
وقال بريدة الأسلمي: «ياأبا بكر … أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تسمية علي بإمرة المؤمنين»([9]).
وفي احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: «… كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء»([10]).
وجميع ما تقدم من اعترافات واحتجاجات، إضافة إلى ما ذكرناه في البحوث المتقدمة، يدلنا على أنّ النصَّ على علي (عليه السلام) حقيقة قائمة، بقي علي وأهل البيت (عليهم السلام)يحتجّون بها حتى نُسب إليهم القول بالنصِّ في كتب الكلام للفريقين.

*********************************
(1) سورة محمد آية: 9.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 63، 64.
(3) سورة القصص آية: 68.
(4) شرح نهج البلاغة 12 / 53.
(5) شرح نهج البلاغة 12 / 20، 21.
(6) الأخبار الموفقيات 606.
(7) المعيار والموازنة 29; شرح نهج البلاغة 6 / 218; الإختصاص 119.
(8) الاحتجاج 1 / 190.
(9) الاحتجاج 1 / 195.
(10) الاحتجاج 1 / 203.

الاستاذ سعيد العذاري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى