قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك»1.
تعدّ الأسرة أصل المجتمع، وبصلاحها يصلح، ومن أهم عوامل صلاح الأسرة حسن اختيار الرّجل لزوجته، والمرأة لزوجها، فعلى هذا الاختيار الحسن يتوقف نجاح الأسرة وصلاحها وسعادتها، ولذلك اهتمّت الشّريعة الإسلامية بتوضيح الأسس السليمة التي على وفقها يتم اختيار الرّجل للمرأة والمرأة للرجل، وفي هذه المحاضرة سيكون الحديث عن صفة واحدة فقط من الصفات التي وجهت الشريعة الإسلامية الرّجل إلى أنْ يختار المرأة على أساسها وهي صفة التّدين، فعلى الرّجل أنْ يختار المرأة المسلمة المؤمنة الملتزمة بدينها الطائعة لرّبها، ففي الرّواية عن الإمام الباقر «عليه السلام» أنّه قال: «أتى رجلٌ رسول الله «صلى الله عليه وآله» يستأمره في النّكاح، فقال: نعم انكح، وعليك بذوات الدّين تربت يداك»2.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»1.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «لا تزوّجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أنْ يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أنْ تطغيهن، ولكن تزوجهن على الدين»2.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «من تزوج امرأة لا يتزوجها إلاّ لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلاّ له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين»3.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «لا يختار حسن وجه المرأة على حسن دينها»4.
فيتضح من هذه النصوص أنّ أهم صفة على الرّجل المسلم أنْ يبحث عنها في المرأة التي يريد أنْ يقترن بها كزوجة هي صفة التديّن، عليه أنْ يبحث عن المرأة المتصفة بالدين والتقوى والعفّة، ولا يعني هذا أنْ لا يبحث عن الصفات والأمور الأخرى التي عادة ما تتوق إليها نفس الرّجل في المرأة كالجمال وشرافة النسب، أو يحبذ وجودها عند المرأة كالمال، فإذا رافق التدين الجمال5 وشرافة النسب والغنى كان ذلك نعمة أكبر على الرّجل، ولكن عليه أنْ لا يقدّم على تديّن المرأة شيئًا آخر من تلك الصفات والأمور.
فالمرأة التي تعيش حالة الرّقابة الإلهية لتصرّفاتها ستراعي إلى أبعد الحدود حقوق زوجها وأبنائها وأفراد مجتمعها، وهي خير ما يُعْطى الرّجل، ففي الرّواية عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «إنّ من القسم المصلح للمرء المسلم أنْ يكون له المرأة إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته»6.
وقال «صلى الله عليه وآله»: «ما أفاد عبد بعد الاسلام خير له من زوج مؤمنة إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله» 7.
وفي رواية أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» سئل أيُّ النساء خير؟ فقال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره»8.
فبيّن «صلى الله عليه وآله» أنّ خير عطاء يحصل عليه الرّجل في الدّنيا هي الزوجة الصالحة، كما وبيّن مظاهر صلاحها، فهي التي تطيع زوجها فيما يجب عليها طاعته فيه، وتحافظ على عفّتها وشرفها وسمعتها وسمعة زوجها فتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وفي ماله، فلا تتصرّف في شيء من مال زوجها إلاّ بإذنه، ولا يكون تصرّفها فيما يخوّلها التصرّف فيه من المال تصرّف إسراف وتبذير، والتي إذا نظر إليها أسرته لما تمتلكه من جمال الظاهر والباطل، جمال المظهر والشّكل وجمال الأخلاق.
إنّ الزّواج من المرأة الملتزمة بالدّين وتعاليمه وتوجيهاته يعدُّ من أهم عناصر استقرار واستمرار الحياة الزّوجية، وذلك لمكان التزامها حيث ستكون أسباب الشقاق من جهتها نادرة وقليلة جدًّا بل تكاد أنْ تكون معدومة.
فمثلًا من جملة أسباب الطلاق وإنهاء العلقة الزّوجية بين الأزواج عدم قيام المرأة بطاعة زوجها فيما تلزمها الشريعة الغراء بطاعته فيه، كعدم استجابتها لاستمتاعه بها أو خروجها من بيته بدون أذنه وأخذ موافقته، إلاّ أنّ المرأة المتدينة الملتزمة بدينها تعلم أنّ ذلك من حقوق زوجها عليها، فلا تمتنع عنه في الفراش ولا عن سائر الاستمتاعات الأخرى، لعلمها بأنّ في ذلك معصية لله سبحانه وتعالى، وأنّها بعدم استجابتها لزوجها في ذلك تعرّض نفسها لغضب الله ولغضب زوجها وسخطهما عليها، ولا بد أنّها سمعت أو قرأت الحديث الشريف القائل: «ثلاثة لا يرفع لهم عمل: عبد آبق، وامرأة زوجها عليها ساخط، والمسبل إزاره خيلاء»9، والحديث الشريف الآخر: «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها» 9.
وكذلك الأمر بالنسبة لخروجها من بيتها، فلا تخرج منه إلاّ بعد أنْ تستأذن من زوجها فإنْ أذن لها خرجت وإلاّ سلّمت له وأطاعته وقبعت في بيتها.
أو مثلًا فإنّ من أسباب حصول الشقاق بين بعض الأزواج الطلبات المتكررة التي تطلبها المرأة من زوجها وتلح عليه في توفيرها لها، والتي غالبًا ما يكون بعضها خارجًا عن نطاق ما يجب عليه من نفقتها، وبما أنّ الزّوج يعيش وضعًا ماديًّا صعبًا، أو أنّ دخله الشهري لا يكفي لأنْ يستجيب إلى كل طلباتها فتخلق لهذا السبب معه مشكلة فتتأزم العلاقة بينهما، وقد يصل الأمر عند بعض النساء إلى أنْ تطالب بالطلاق وفض العلقة الزوجية بينها وبين زوجها، أمّا المرأة المؤمنة فإنّ تدينها والتزامها بدينها يمنعها من أنْ تكلّف زوجها بشيء لا يقدر عليه، فتراعي الجانب المادي لديه، وقدرته على توفير ما تطلبه منه من عدمها، فإنْ علمت بأنّه قادر على ذلك طلبت منه ذلك باحترام دون إلحاح أو إصرار يؤدّي إلى أذيّة الزوج، لا سيما إذا كان ما تطلبه منه خارجًا عن نطاق الواجب عليه، وإنْ علمت بأنّه غير قادر على الاستجابة لطلبها لم تطلب منه شيئًا من ذلك مراعاة منها لزوجها، من باب حسن التبعل والمعاشرة بالمعروف، وكل ذلك مما يكسب الحياة الزوجيّة هدوءًا واستقرارًا وبقاءً واطمئنانًا.
الخلاصة: إنّ ما أريد أنْ أقوله هو أنّ الزّواج من المرأة الصالحة المؤمنة والملتزمة بدينها يقلّص من إمكانية حصول الخلاف والشقاق بين الزّوجين إلى حد كبير، حيث تكون بعض أسباب ذلك -والتي تكون المرأة سببها- معدومة بالتّمام؛ لتحقق الموجب لعدم حصولها وهو التزام المرأة بدينها ومراعاتها لحقوق زوجها وواجباتها الأسريّة.
وأمّا المرأة غير المتدينة، التي لا رادع ديني لديها، فمن السهل عليها أنْ تجنح إلى ممارسة الذنوب وارتكاب المخالفات الشرعية، ولا تلتزم بمبادئ وأخلاق وقيم دينية واجتماعية، واقتران الرّجل بهكذا امرأة «معناه أنّه سيواجه مشاكل تهدم عليه حياته فضلًا عن أنّها تفقده راحته واستقراره نتيجة اقترانه بمن لا تتقيّد بمبدأ ولا تتحلّى بشرف، وليس لها إلى الفضيلة سبيل، فزوجة لا دين لها لا يأمن الزّوج معها على نفسه وذريّته، ومثل هذه لا يتم معها عيش»10.
ثم إنّ من أهم وسائل التربية «التربية بالقدوة»، لأنّ الإنسان بطبعه يحب أنْ يتخذ في حياته مثالًا يحتذي به ويقلّد سلوكه ويحاكي تصرّفاته، والأبوان هما أول من يتخذه الطفل قدوة، ولذلك فالتزامهما بالدّين يؤثر إيجابًا على الأبناء وعدمه يؤثر سلبًا عليهم، فالأم الملتزمة بدينها الفاعلة للواجبات التاركة للمحرّمات المتخلّقة بالأخلاق الحميدة تكون الأمثولة والنموذج والقدوة الحسنة لأبنائها، فغالبًا ما يقتدون بها في التزامها ويتخلّقون بأخلاقها، وليس هذا فقط بل إنّها تحثّهم على التقيّد بأحكام الدين وتعاليمه، وتعلّمهم ما يجب عليهم فعله من الفرائض والواجبات، وتدلّهم على المنهيّات وتأمرهم باجتنابها والابتعاد عنها، كما وتحثهم على التخلّق بالسجايا والأخلاق الحسنة، فتغرس في نفوسهم مكارم الأخلاق من حب الآخرين والإحسان إليهم واحترام الكبير والعطف على الصغير والصدق في الفعل والقول والوفاء بالوعد وغيرها من القيم الأخلاقية، وتنهاهم عن الاتصاف بالأخلاق السيئة والخلال القبيحة من الظلم والكذب والغيبة والنميمة والبهتان وغيرها من مساوئ الأخلاق، بل إنّها تكون الرقيب على تصرّفات أبنائها، فإنْ رأت أحدًا منهم تاركًا لمعروف أمرته بفعله، وإنْ فعل أحدهم منكرًا نهته عنه، وبذلك ينشأ الأبناء نشأة سويّة راشدة، فيكونون صالحين أوفياء بررة قادرين على العطاء في حقول الحياة المختلفة، فالأم الصالحة لها الدور الكبير والأثر الفعّال في تربية الأبناء تربية صالحة وإخراجهم أفرادًا صالحين يعيشون الإسلام فكرًا وسلوكًا.
إنّ المرأة نصف المجتمع وأحد عمودي الحياة الإنسانية، فحسن اختيارها يضمن تربية جيل صالح يبني الحياة الفاضلة بما تزرعه هذه الأم المؤمنة في نفوس أبنائها من عقيدة راسخة وإيمان صلب وتقوى سامية وأخلاق حميدة وخلال كريمة، وإلاّ فإنّ انحراف الأم وعدم تقيّدها لن يخرج في أغلب الحالات إلاّ جيلًا سيئًا لا يعتمد عليه في شيء، فالمرأة التي تمارس الكذب أمام أبنائها، لا يمكن لأبنائها في أغلب الحالات أنْ يتربّوا على التخلق بخلق الصدق، بل ربما سيمارسون الكذب مثل أمهم، فهي قدوة سيئة لهم، وهكذا تكون في كل سلوكياتها المخالفة لتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء11.
- 1. البخاري، صحيح البخاري 6/321.
- 2. الريشهري، ميزان الحكمة 4/95.
- 3. الطوسي، تهذيب الأحكام 7/993.
- 4. المتقي الهندي، كنز العمّال 61/103.
- 5. ومما يدل على أنّ جمال المرأة وحسنها مما ينبغي أنْ يراعى أيضًا في اختيار المرأة قول النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله: «من تزوّج امرأة لدينها وجمالها كان له في ذلك سداد من عوز». «الريشهري، ميزان الحكمة 4/95»، وتجويز الشرع الشريف للرجل النظر إلى بعض محاسن المرأة التي يريد أن يتزوّجها.
- 6. الكليني، الكافي 5/723.
- 7. الطبراني، المعجم الأوسط 2/623.
- 8. النسائي، سنن النسائي 6/86.
- 9. a. b. الكليني، الكافي 5/705.
- 10. عز الدّين، الزّواج في القرآن والسّنة، صفحة 511.
- 11. المصدر كتاب “علاقاتنا الاجتماعية.. رؤى دينيّة وأخلاقية” للشيخ حسن عبد الله العجمي.