لا شك في أهمية وقيمة البحث عن العلاقة بين أصول الفقه ومسألة المنهج، لكن هذا البحث ما زال ضئيلا ومحدودا من الناحيتين المنهجية والمعرفية، وبحاجة إلى مزيد من التراكم والتجدد الكمي والكيفي، وبالشكل الذي يخرج هذه العلاقة من دائرة الرغبة إلى دائرة الحاجة، ومن دائرة الغموض إلى دائرة الوضوح، ومن دائرة الشك إلى دائرة اليقين.
وضرورة إعطاء هذه العلاقة صفة الجدية، والارتقاء بها إلى درجة الضبط المنهجي، لمعرفة ماذا يراد منها على صعيد أصول الفقه أخذا وعطاء، وماذا يراد منها على صعيد مسألة المنهج أخذا وعطاء.
ولن تعطي هذه العلاقة أكلها، إلا بهذا التراكم والتجدد في البحث والنظر، ومن دونهما ستظل هذه العلاقة على حالها، تدور في نطاق التعبير عن رغبة لا غير.
وإذا اعتبرنا أن البحث عن هذه العلاقة بين أصول الفقه ومسألة المنهج، يرجع إلى أربعينيات القرن العشرين مع محاولات الشيخ مصطفى عبدالرازق في كتابه (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية)، والدكتور علي سامي النشار في كتابه (مناهج البحث عند مفكري الإسلام)، إلى جانب آخرين، مع ذلك لم نجد أثرا واضحا وكبيرا لهذه العلاقة على حركة أصول الفقه من جهة، وعلى حركة المنهج من جهة أخرى.
فعلى صعيد أصول الفقه، لم نلمس تطورا كبيرا فيه من ناحية المنهج، في ظل ما حصل ووصف بثورة المنهجيات في العلوم الاجتماعية والإنسانية، كما لم نلمس أيضا على صعيد المنهج أثرا واضحا لأصول الفقه في تطوره وتقدمه من هذه الناحية.
ومن جهة أصول الفقه، ما كان من الممكن أن يحصل مثل هذا التطور الواضح والكبير، إلا في ظل حركة تدفع بأصول الفقه نحو التجديد والتطوير والتحديث، وهذا ما لم يحصل بالمستوى المنتظر.
ومن جهة المنهج، ما كان من الممكن أيضاً أن يحصل الاقتراب من أصول الفقه، والاستفادة من خبرته المنهجية، ما لم يشهد أصول الفقه نفسه تقدما وتجديدا يبرز فاعليته، ويكشف عن تفوقه المنهجي، ويلفت النظر إلى ما تتسم به منهجيته من فاعلية وقيمة وتأثير.
وما لم تبرز بعض النماذج الفعلية واللامعة في نطاق العلاقة بين أصول الفقه ومسألة المنهج، فإن هذه القضية ستضل تراوح مكانها، ولن تبلغ مداها في التطور، لا على صعيد أصول الفقه، ولا على صعيد المنهج.
والسبب في ذلك يكاد يكون واضحا، لأن من السهولة وضع الأدلة، وجمع البراهين الكاشفة والدالة على أهمية هذه القضية من الناحية النظرية، لكن هذا القدر لن يكون كافيا لتحريك هذه القضية، ما لم تكن هناك تطبيقات وتجريبات فعلية.
ومعظم الذين تحدثوا عن هذه القضية، أشاروا إليها من الجهة النظرية، ولم يتطرقوا إلى نماذج تطبيقية، لا على صعيد أصول الفقه والاستفادة من المنهجيات الحديثة، ولا على صعيد المنهج والاستفادة من أصول الفقه1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الجمعة / 4 مايو 2012م، العدد 16687.