نص الشبهة:
لقد اعتنى المخالفون للشيعة الإمامية بطرح تشكيكات متعددة حول الخمس، وكثرت نداءاتهم لعوام الشيعة لتحريضهم لترك أداء الخمس إلى مراجع الشيعة وعلمائهم، وكان آخر ما اطلعت عليه من هذه التشكيكات هو أن النبي صلى الله عليه وآله من خلال ما هو معلوم من سيرته المباركة كان لا يأخذ من الناس خمس أرباح المكاسب كما يفعله اليوم مراجع الشيعة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله يأمر الناس بدفعه، أو يشير إليه من قريب أو بعيد، وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام كانت نفس سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، كما أن آية الخمس في القرآن الكريم نزلت بعد واقعة بدر الكبرى، وهي تبين كيفية توزيع غنائم الحرب، وهي الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي تناولت موضوع الخمس، فكيف يأخذ علماء الشيعة خمس أرباح المكاسب من عند الشيعة؟ وعلى أي أساس تم تشريع خمس الكسب، واعتباره فرعاً من فروع المذهب؟ حيث لا تقرّه بقية المذاهب الإسلامية بما فيها الشيعة من غير الإمامية؟
الجواب:
وهذه شبهة ضعيفة، ويمكن لنا أن نجيب عليها بعدة إجابات:
1- أنه لا دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يأخذ خمس أرباح المكاسب من الناس في زمانه؛ وذلك لأن الأحاديث المروية لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يأخذ خمس الكسب من الناس، بل هي ساكتة عن ذلك، فلعله صلى الله عليه وآله كان يأخذ الخمس من الناس، ولكن لم تصل إلينا الأحاديث بذلك، فعدم وجود أحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ خمس الكسب لا يدل على أنه صلى الله عليه وآله لم يأخذه من الناس، وكم من أمر كان النبي صلى الله عليه وآله يفعله ولم يصل إلينا، لأن الأحاديث لم تنقل لنا كل ما كان النبي صلى الله عليه وآله يفعله في زمانه.
2- أن كثيراً من الأحاديث قد سقطت أو أسقطت فلم تصل إلينا، ولعل من تلكم الأحاديث أحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ خمس الكسب من الناس، فأسقطها أعداء أهل البيت عليهم السلام حتى لا تكون لهم حجة على من يمنعهم حقهم، ولا سيما أن الخمس يعطي أئمة أهل البيت عليهم السلام القوة والاستقلالية، ولذلك حاول أعداء أهل البيت عليهم السلام أن يمنعوهم منه عبر العصور، فطمسوا كل ما يدل على أن لهم حقاً في الخمس.
3- أن الأحاديث لا تسجل الحوادث العادية، مثل من يدفع الزكاة، ومن يدفع الخمس، ومن يصلي، ومن يصوم، إلا إذا وقعت حادثة تقتضي تسجيل تلك الواقعة، كمن دفع درهماً من الزكاة ، فقال بعض الناس: إن الله لغني عن هذه الزكاة. أو ما شابه ذلك، فلعل الناس كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وآله يدفعون خمس مكاسبهم، ولكن لم يسجل التاريخ ذلك لعدم أهمية نقل ذلك وتدوينه، كما أنه لم يسجل التاريخ كثيراً من الحوادث العادية التي وقعت في زمان النبي صلى الله عليه وآله وزمان من جاء بعده.
4- أن الناس كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وآله فقراء معدمين، فلعله لم يكن عندهم فاضل مؤونة يجب عليهم تخميسه، ليأمرهم النبي صلى الله عليه وآله بدفع الخمس إليه، ولا سيما أنه كان في غنائم الحرب كفاية لبني هاشم.
5- أن الناس كانوا في زمانه صلى الله عليه وآله ـ مع فقرهم ـ حديثي عهد بالإسلام، ودفع الخمس ربما شق عليهم، فلو سلمنا أنه صلى الله عليه وآله لم يأمر الناس بدفع خمس مكاسبهم رعاية لذلك، فإن هذا لا يعني سقوطه عنهم، لاحتمال أنه صلى الله عليه وآله قد أوكل إليهم دفعه من غير إلزام منه.
6- لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر الناس بدفع خمس مكاسبهم فلعل ذلك بسبب أنه صلى الله عليه وآله راعى مصلحة أهم، ولذلك لم يأمر الناس بدفع الخمس في ذلك الوقت، ولا سيما أن الخمس يعود إليه صلى الله عليه وآله وإلى قراباته، ولو ألزم الناس بدفعه أو حثهم عليه لكثر الكلام حوله، فكانت المصلحة تقتضي ألا يلزم الناس بدفع خمس مكاسبهم وإن كان واجباً عليهم، كما أن النبي صلى الله عليه وآله ترك قتل المنافقين في زمانه، وترك إقامة بعض الحدود رعاية لمصلحة أهم.
7- أن أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام مستفيضة بل متواترة في لزوم دفع الخمس من أرباح المكاسب.
منها: صحيحة محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة1.
ومنها: موثقة سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير2.
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة، فراجع إن شئت كتاب وسائل الشيعة 6/348-350.
كما أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يقبضون خمس أباح المكاسب من شيعتهم، وكانوا يحثون شيعتهم على دفعه، ويحذرونهم من التهاون في أدائه.
ومع توافر هذه الأحاديث وهذه السيرة القطعية المنقولة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنه يجب علينا العمل بذلك، وأما ما حدث في زمان النبي صلى الله عليه وآله فلم نحط به، ولسنا مكلفين به، ولا يمكن أن نعارض الأحاديث المتواترة بظنون أو بفعل مجمل.
8- أن النبي صلى الله عليه وآله وإمام كل عصر له الحق في إسقاط الخمس، لأنه حقه، وكل صاحب حق له أن يسقط حقه، سواء أكان خمساً أم غيره، فلعل النبي صلى الله عليه وآله رعاية للمصالح العامة قد أسقط حقه من الخمس، وعوض بني هاشم بالأنفال التي هي حق خالص له، ولذلك لم يأمر الناس بدفع الخمس لو سلمنا بأنه لم يأمر الناس بذلك، وهذا لا يعني عدم وجوب الخمس إلى يوم القيامة.
9- أنا لو سلمنا بأن آية الخمس، وهي الآية 41 من سورة الأنفال نزلت بعد واقعة بدر لتبين كيفية توزيع الخمس أو الغنائم، فإن الآية مطلقة، و(غنمتم) فيها بمعنى كسبتم، وهو شامل لكل كسب، وخصوص المورد لا يخصص الوارد، فإن نزول آية في مورد خاص لا يقيد الإطلاق الموجود فيها، وآية الخمس مطلقة لا مخصص لها، فيكون الخمس واجباً في أباح المكاسب.
10- أن اعتبار الخمس من فروع المذهب إنما هو بسبب نزول الآية المباركة فيه، وهي تنص على وجوبه، وهذا كاف في اعتباره من فروع المذهب، وأما تفاصيل أحكام الخمس فهي مأخوذة من أئمة العترة النبوية الطاهرة الذين أوجب النبي صلى الله عليه وآله على الأمة اتباعهم والتمسك بحبلهم، كما نص عليه حديث الثقلين الذي اتفق الناس على صحته واعتباره، وبذلك لا يهمنا ما يقوله أتباع المذاهب الأخرى، ما دمنا متمسكين بالكتاب وبالعترة الطاهرة، والحمد لله رب العالمين3..