تأليف : السيّد علي الحسيني الميلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز
لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
بعد أنْ انتهينا من الادلة المنتخبة على إمامة أمير المؤمنين من نصوص الكتاب والسنّة ، وانتهينا أيضاً من الدليل العقلي على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، على ضوء ما أسّسه وقرّره علماء الكلام من أهل السنّة ، في الشروط المعتبرة في الامام ، وأنّه لولا تلك الشروط لما جاز انتخاب ذلك الشخص واختياره إماماً بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث أنّهم يقولون بأنّ الامامة تكون بالاختيار والانتخاب ، وعلى هذا الاساس يعيّنون له الاوصاف والشروط التي لابدّ من توفّرها فيه حتى يُنتخب ، ونحن تكلّمنا معهم على أساس تلك الشروط المعتبرة فيما بينهم بالاجماع وعلى ضوء كلمات كبار علمائهم.
البحث الان في الادلّة التي يقيمونها على إمامة أبي بكر ، ولولا التعرّض لهذه الادلّة لبقي البحث ناقصاً ، لانّا قد أقمنا الادلّة على إمامة أمير المؤمنين ، لكنّهم أيضاً يقيمون الادلّة على إمامة أبي بكر ، فلا بدّ من النظر في تلك الادلّة أيضاً ، لنرى مدى تمامية تلك الادلّة بحسب الموازين العلميّة.
وفي هذا الفصل من بحثنا أيضاً ، سنكون ملتزمين بآداب البحث وبقواعد المناظرة ، وسنرى أنّهم يستدلّون بأحاديث أو بأدلّة تختص بهم أو يختصّون هم وينفردون هم بالاستدلال بتلك الادلّة ، وبرواية تلك الاحاديث ، وقد قلنا وقرّرنا وأسّسنا منذ الليلة الاُولى أنّ الادلّة يجب أن تكون مورد قبول عند الطرفين ، أو تكون الادلّة التي يستدل بها كلّ طرف مقبولة عند الطرف المقابل ، ليتمّ لهذا الطرف الالزام والاحتجاج بالادلّة التي يرتضيها الطرف المقابل ويقول باعتبارها.
لكن الادلّة التي يستدلون بها على إمامة أبي بكر أدلّة ينفردون هم بها ، وإذا كانت روايات ، فإنّها ليست إلاّ في كتبهم وعن طرقهم ، ومع ذلك ننظر في تلك الروايات ونباحثهم عليها ، على أساس كتبهم ورواياتهم وأقوال علمائهم.
وكما أشرتُ من قبل ، نكون في هذا الفصل أيضاً ملتزمين بآداب البحث ، ملتزمين بالمتانة في الكلام ، ملتزمين بعدم التعصب ، وكلّ استدلالاتنا ستكون على ضوء رواياتهم وكتبهم ، ليتّضح لهم عدم تماميّة أدلّتهم بحسب كلمات علمائهم ، فكيف لو أرادوا أن يلزمونا بمثل هذه الادلّة التي هم لا يقبلون بها ، وعلماؤهم لا يرتضون بصحّتها وجواز الاستدلال بها ؟
وعندما نريد أنْ ننقل تلك الادلّة ، نعتمد على أهم كتبهم ، نعتمد على أشهر كتبهم في علم العقائد.
وأهم كتبهم : كتاب المواقف في علم الكلام وشرح المواقف وأيضاً شرح المقاصد ، هذه أهم كتبهم الكلامية التي ألّفت في القرن الثامن والتاسع من الهجرة ، وكانت هذه الكتب تدرس في حوزاتهم العلمية ، ولاساتذتهم شروح وحواشي كثيرة على هذه الكتب ، فلو رجعتم إلى كشف الظنون وقرأتم ما يقوله صاحب كشف الظنون عن شرح المواقف وعن شرح المقاصد وعن المواقف (1) نفسها ، لرأيتم كثرة الكتب والشروح والحواشي المؤلفة عليها ، وإنّ هذه الكتب أصبحت محوراً لتلك الكثرة من الكتب الكلامية عندهم.
ولا خلاف بينهم في اعتبار هذه الكتب وأهميتها ، وكونها المعتمد والمستند عندهم في مباحث العقائد.
أهمّ أدلّة القوم على إمامة أبي بكر
إذن ، لننظر في أهمّ أدلّتهم على إمامة أبي بكر ، ولننظر ماذا يقولون هم في هذه الادلّة.
نصّ عبارة شرح المواقف (2) :
المقصد الرابع : في الامام الحق بعد رسول الله ، هو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة علي … لنا وجهان ـ أي دليلان ـ الاول : إنّ طريقه ـ طريق الامام ـ وتعيين الامام إمّا النص أو الاجماع … أمّا النص فلم يوجد (3) ، وأمّا الاجماع فلم يوجد على غير أبي بكر إتفاقاً من الاُمّة … الاجماع منعقد على حقيّة إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي والعباس [ أي الشبهة منحصرة ومحصورة بين هؤلاء الثلاثة ] ثمّ إنّهما [ أي علي والعباس ] لم ينازعا أبا بكر ، ولو لم يكن على الحق [ أبو بكر ] لنازعاه.
إذن يتم الدليل على إمامة أبي بكر عن طريق الاجماع ، ويعترف بعدم وجود النص.
فالدليل الاول على إمامة أبي بكر هو الاجماع والنص مفقود.
ويقول صاحب شرح المقاصد (4) في المبحث الثالث في طريق ثبوت الامامة :
إنّ الطريق إمّا النص وإمّا الاختيار (5) ، والنص منتف في حقّ أبي بكر ، مع كونه إماماً بالاجماع.
فظهر إلى الان أنْ لا نصّ على أبي بكر ، وأنّ الدليل هو الاجماع.
يبقى طريق ثالث ، هم أيضاً يتعرضون لذلك الطريق ، وهو طريق الافضلية ، فكما بحثنا نحن يبحثون هم أيضاً عن الافضلية ، كما أشرنا بالامس ، عندما يبحثون عن الافضلية يختلفون في اشتراطها في الامام ، كما أشرنا من قبل ، فمن أنكر اعتبار الافضليّة فلا داعي له للاصرار على أفضلية أبي بكر ، كالفضل ابن روزبهان ، وقد أشرنا أمس ، وأمّا الذي يعتبر الافضلية في الامام ، فلابدّ وأن يصرّ على أفضليّة أبي بكر ، لانّه قائل بإمامة أبي بكر ، ومن هؤلاء القائلين بالافضليّة ابن تيميّة ، ولذا يصرّ على أفضليّة أبي بكر ، ويكذّب كلّما يستدلّ به الاماميّة على أفضليّة علي ( عليه السلام ).
أدلّة القوم على أفضلية أبي بكر
حينئذ نرجع إلى بحث الافضليّة في كتاب المواقف وشرح المواقف (6) يقول :
المقصد الخامس : في أفضل الناس بعد رسول الله ، هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر ، وعند الشيعة وعند أكثر متأخّري المعتزلة علي.
فيظهر إلى هنا : إنّ الدليل عندهم على إمامة أبي بكر : الاجماع والافضليّة ، بناء على اعتبار الافضليّة في الامام ، والنصّ عندهم مفقود.
أمّا نحن ، فقد أقمنا الادلّة الثلاثة كلّها على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
هم يقولون بعدم النصّ على أبي بكر ويعترفون بهذا ، فتبقى دعوى الافضليّة ، ثمّ دعوى الاجماع على إمامة أبي بكر.
فلننظر إلى أدلّتهم في الافضليّة :
الدليل الاول :
قوله تعالى ( وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لاَِحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى ) (7).
يقول في شرح المواقف : قال أكثر المفسرين وقد اعتمد عليه العلماء : إنّها نزلت في أبي بكر ، فهو أتقى ، ومن هو أتقى فهو أكرم عند الله تعالى ، لقوله عزّوجلّ : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (8) ، فيكون أبو بكر هو الافضل عند الله سبحانه وتعالى.
ولا ريب أنّ من كان الافضل والاكرم عند الله ، فهو المتعيّن للامامة والخلافة بعد رسول الله ، وهذا لا إشكال فيه ، من كان الاكرم والافضل عند الله فهو المتعيّن للامامة والخلافة بعد رسول الله ، فيكون أبو بكر هو الافضل ، الافضل من الاُمّة كلّها بعد رسول الله ، فهو المتعيّن للخلافة بعده ( صلى الله عليه وسلم ).
الدليل الثاني :
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « إقتدوا باللَّذين من بعدي أبي بكر وعمر ».
فإنّ « اقتدوا » أمر ، والخطاب لعموم المسلمين ، وهذا الخطاب العام يشمل عليّاً ، فعلي أيضاً مأمور بالاقتداء بالشيخين ، فيجب على علي أنْ يكون مقتدياً بالشيخين ، والمقتدى هو الامام.
وهذا حديث نبوي يروونه في كتبهم ، فحينئذ يكون دليلاً على إمامة أبي بكر ، وخلافة عمر فرع خلافة أبي بكر ، فإذا ثبتت خلافة أبي بكر ثبتت خلافة عمر ، وليس البحث الان في خلافة عمر بن الخطّاب.
الدليل الثالث :
إنّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لابي الدرداء : « والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر ».
وهذا في الحقيقة يصلح أنْ يكون نصّاً على إمامة أبي بكر ، والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر ، فيكون أبو بكر أفضل من علي ، وتقديم المفضول على الفاضل أو تقديم الفاضل على الافضل قبيح ، فيكون أبو بكر هو المتعين للخلافة والامامة بعد رسول الله.
الدليل الرابع :
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لابي بكر وعمر : « هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيين والمرسلين ».
ومن كان سيّد القوم ، ومن كان كبير القوم ، فهو الامام بينهم ، هو المقتدى بينهم ، هو المتّبع لهم ، وعلي أيضاً من الناس ، فيكون علي من جملة من عليه أن يتّبع الشيخين وهما سيّدا كهول أهل الجنّة.
الدليل الخامس :
قوله ( عليه السلام ) : « ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أنْ يتقدم عليه غيره ».
إذن ، غير أبي بكر لا يجوز أنْ يتقدّم على أبي بكر ، وهذا يشمل عليّاً أيضاً ، فعلي لا يجوز له أنْ يتقدم على أبي بكر ، ولا يجوز لاحد أن يدّعي التقدم لعلي على أبي بكر ، لانّه سيخالف قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
الدليل السادس :
تقديمه ـ أي تقديم النبي أبا بكر ـ في الصلاة مع أنّها أفضل العبادات ، فأبو بكر صلّى في مكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مرض النبي ، وكانت صلاته تلك على ما يروون بأمر من النبي ، والصلاة أفضل العبادات ، فإذا صلّى أحد في مكان النبي وأمّ المسلمين بأمر من النبي ، فيكون هذا الشخص صالحاً لانْ يكون إماماً للمسلمين بعد النبي.
الدليل السابع :
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « خير أُمّتي أبو بكر ثمّ عمر ».
وهذا أيضاً حديث يروونه في كتبهم.
الدليل الثامن :
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربي لاتّخذت أبا بكر خليلاً ».
الدليل التاسع :
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ذكر عنده أبو بكر فقال رسول الله : « وأين مثل أبي بكر ، كذّبني الناس وصدّقني ، وآمن بي وزوّجني ابنته ، وجهّزني بماله ، وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف ».
الدليل العاشر :
قول علي ( عليه السلام ) : « خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ الله أعلم ».
هذه هي عمدة أدلّتهم على أفضليّة أبي بكر ، تجدون هذه الادلّة في : كتب الفخر الرازي ، وفي الصواعق المحرقة ، وفي شرح المواقف ، وفي شرح المقاصد ، وفي عامة كتبهم من المتقدمين والمتأخرين ، وحتى المعتزلة ، أي المعتزلة أيضاً يشاركون الاشاعرة في الاستدلال بمثل هذه الادلّة على إمامة أبي بكر ، إلاّ المعتزلة المتأخّرين الذين لا يقولون بأفضليّة أبي بكر ، وإنّما يقولون بأفضليّة علي ، لكن المصلحة اقتضت أن يتقدّم أبو بكر على علي في الامامة.
مناقشة أدلّة القوم على أفضلية أبي بكر
هذه عامّة أدلّتهم ، ولو سألتني عن أهمّ هذه الادلّة لذكرت لك : قضيّة الصلاة أوّلاً ، وحديث « إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » ، فهما أهم هذه الادلّة العشرة.
لكنّا نبحث عن كل هذه الادلّة واحداً واحداً ، على ضوء كتبهم ، وعلى أساس رواياتهم ، وأقوال علمائهم.
الدليل الاول :
قوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لاَِحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى ) .
هذه آية قرآنية ، وكما ذكرنا في مباحثنا حول الايات المستدل بها على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إنّ دلالة الاية على إمامة علي تتوقّف على ثبوت نزولها في علي وبدليل معتبر ، وإلاّ فالاية من القرآن ، وليس فيها اسم علي ولا اسم غير علي.
قوله تعالى : ( سَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى ) يتوقّف الاستدلال به على مقدمات ، حتّى تتمّ دلالة الاية على إمامة أبي بكر …
أوّلاً :
الاستدلال بهذه الاية على إمامة أبي بكر يتوقّف على سقوط جميع الادلّة التي أقامها الامامية على عصمة علي ( عليه السلام ) ، وإلاّ فالمعصوم أكرم عند الله سبحانه وتعالى ممّن يؤتي ماله يتزكّى ، فإذن ، يتوقّف الاستدلال بهذه الاية على إمامة أبي بكر ـ لو كانت نازلةً فيه ـ على عدم تماميّة تلك الادلّة التي أقامها الامامية على عصمة علي ( عليه السلام ) ، وإلاّ فلو تمّ شيء من تلك الادلّة لكان علي أكرم عند الله سبحانه وتعالى ، وحينئذ يبطل هذا الاستدلال.
وثانياً :
يتوقف الاستدلال بهذه الاية المباركة لاكرميّة أبي بكر ، على أنْ لا يتمّ ما استدلّ به لافضليّة علي ( عليه السلام ) ، وإلاّ لتعارضا بناء على صحة هذا الاستدلال وحجيّة هذا الحديث الوارد في ذيل هذه الاية المباركة ، ويكون الدليلان حجّتين متعارضتين ، ويتساقطان ، فلا تبقى في الاية هذه دلالة على امامته.
ولكنّ ممّا لا يحتاج إلى أدلّة إثبات هو : أنّ عليّاً ( عليه السلام ) لم يسجد لصنم قط ، وأبو بكر سجد ، ولذا يقولون ـ إذا ذكروا عليّاً ـ : كرّم الله وجهه ، وهذا يقتضي أن يكون علي أكرم عند الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً :
يتوقف الاستدلال بهذه الاية المباركة على نزول الاية في أبي بكر ، والحال أنّهم مختلفون في تفسير هذه الاية على ثلاثة أقوال :
القول الاول : إنّ الاية عامّة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم.
القول الثاني : إنّ الاية نازلة في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة ، راجعوا الدر المنثور في التفسير بالمأثور (9) ، يذكر لكم هذه القصة في ذيل هذه الاية ، وإنّ الاية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر.
القول الثالث : إنّ الاية نازلة في أبي بكر.
فالقول بنزول الاية المباركة في أبي بكر أحد الاقوال الثلاثة عندهم.
لكن هذا القول ـ أي القول بنزول الاية في أبي بكر ـ يتوقف على صحة سند الخبر به ، وإذا لم يتمّ الخبر الدال على نزول الاية في أبي بكر يبطل هذا القول.
وإليكم المصدر الذي ذكر فيه خبر نزول الاية في أبي بكر وتصريحه بضعف سند هذه الرواية :
الرواية يرويها الطبراني ، ويرويها عنه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ، ثمّ يقول : فيه ـ أي في سنده ـ مصعب بن ثابت ، وفيه ضعف (10).
فالقول الثالث الذي هو أحد الاقوال في المسألة يستند إلى هذه الرواية ، والرواية ضعيفة.
ومصعب بن ثابت هو حفيد عبدالله بن الزبير ، مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير ، وآل الزبير منحرفون عن أهل البيت كما هو مذكور في الكتب المفصلة المطولة ، ومصعب بن ثابت : ضعّفه يحيى بن معين ، ضعّفه أحمد بن حنبل ، ضعّفه أبو حاتم قال : لا يحتجّ به ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وهكذا قال غير هؤلاء (11).
فكيف يستدل بالاية المباركة على أكرميّة أبي بكر وأفضليّته ، وفي المسألة ثلاثة أقوال ، والقول بنزولها في أبي بكر يستند إلى رواية ، وتلك الرواية ضعيفة ؟
مضافاً : إلى أنّ هذا الاستدلال موقوف على عدم تماميّة أدلّة الاماميّة على أفضليّة أمير المؤمنين وإمامته.
الدليل الثاني :
الحديث : « إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ».
هذاالحديث من أحسن أدلّتهم على إمامة الشيخين … ، يستدلون بهذا الحديث في كتب الكلام ، وفي كتب الاُصول أيضاً ، واستناداً إلى هذا الحديث يجعلون اتفاق الشيخين حجة ، ويعتبرون سنّة الشيخين إستناداً إلى هذا الحديث حجة ، فالحديث مهمّ جدّاً ، لاسيّما وأنّه في مسند أحمد بن حنبل (12) ، وأيضاً في صحيح الترمذي (13) ، وأيضاً في مستدرك الحاكم (14) ، فهو حديث موجود في كتب معتبرة مشهورة ، ويستدلّون به في بحوث مختلفة.
ولكن بإمكانكم أن ترجعوا إلى أسانيد هذا الحديث ، وتدقّقوا النظر في حال تلك الاسانيد ، على ضوء أقوال علمائهم في الجرح والتعديل ، ولو فعلتم هذا ودقّقتم النظر وتتبعتم في الكتب ، لرأيتم جميع أسانيده ضعيفة ، وكبار علمائهم ينصّون على كثير من رجال هذا الحديث بالضعف ، ويجرحونهم بشتّى أنواع الجرح.
لكنّكم لابدّ وأنْ تطلبون منّي أن أذكر لكم خلاصة ما يقولونه بالنسبة إلى هذا الحديث ، وأُقرّب لكم الطريق ولا تحتاجون إلى مراجعة الكتب ، فأقول :
قال المنّاوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير في شرح الجامع الصغير (15) : أعلّه أبو حاتم [ أي قال : هذا الحديث عليل ]وقال البزّار كابن حزم لا يصح (16).
فهؤلاء ثلاثة من أئمّتهم يردّون هذا الحديث : أبو حاتم ، أبو بكر البزّار ، وابن حزم الاندلسي.
والترمذي حيث أورد هذا الحديث في كتابه بأحسن طرقه ، يضعّفه بصراحة ، فراجعوا كتاب الترمذي وهو موجود (17).
وإذا ما رجعتم إلى كتاب الضعفاء الكبير لابي جعفر العُقيلي لرأيتموه يقول : منكر لا أصل له (18).
وإذا رجعتم إلى ميزان الاعتدال يقول نقلاً عن أبي بكر النقّاش : وهذا الحديث واه (19).
ويقول الدارقطني ـ وهو أمير المؤمنين في الحديث عندهم في القرن الرابع الهجري ـ : هذا الحديث لا يثبت (20).
وإذا رجعتم إلى كتاب العلاّمة العبري الفرغاني المتوفّى سنة 743هـ ، يقول في شرحه على منهاج البيضاوي : إنّ هذا الحديث موضوع (21).
ولو رجعتم إلى ميزان الاعتدال لرأيتم الحافظ الذهبي يذكر هذا الحديث في مواضع عديدة من هذا الكتاب ، وهناك يردّ هذا الحديث ويكذّبه ويبطله ، فراجعوا (22).
وإذا رجعتم إلى تلخيص المستدرك ترونه يتعقّب الحاكم ويقول : سنده واه جدّاً (23).
وإذا رجعتم إلى مجمع الزوائد للهيثمي حيث يروي هذا الحديث عن طريق الطبراني يقول : وفيه من لم أعرفهم (24).
وإذا رجعتم إلى لسان الميزان لابن حجر العسقلاني الحافظ شيخ الاسلام لرأيتم يذكر هذا الحديث في أكثر من موضع وينصّ على سقوط هذا الحديث ، فراجعوا لسان الميزان (25).
وإذا رجعتم إلى أحد أعلام القرن العاشر من الهجرة ، وهو شيخ الاسلام الهروي ، له كتاب الدر النضيد من مجموعة الحفيد ـ وهذا الكتاب مطبوع موجود ـ يقول : هذا الحديث موضوع (26).
وابن درويش الحوت يورد هذا الحديث في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ، ويذكر الاقوال في ضعف هذا الحديث وسقوطه وبطلانه (27) (28).
فهذا الحديث ـ إذن ـ لا يليق أنْ يُستدلّ به على مبحث الامامة ، سواء كان يستدل به الشيعة الامامية أو السنّة ، حتّى لو أردنا أن نستدلّ عليهم بمثل هذا الحديث لامامة علي ( عليه السلام ) ، وهو حديث تبطله هذه الكثرة من الائمّة ، فلا يمكن الاحتجاج به على القوم لاثبات الامامة أصلاً ، ولا يمكن الاستدلال به في مورد من الموارد.
ولذا نرى بعضهم لمّا يرى سقوط هذا الحديث سنداً ، ومن ناحية أُخرى يراه حديثاً مفيداً لاثبات إمامة أبي بكر دلالة ومعنىً ، يضطر إلى أن ينسبه إلى الشيخين والصحيحين كذباً.
فالقاري ـ مثلاً ـ ينسب هذا الحديث في كتابه شرح الفقه الاكبر إلى صحيحي البخاري ومسلم ، وليس الحديث موجوداً في الصحيحين ، ممّا يدلّ على أنّهم يعترفون بسقوط هذا الحديث سنداً ، لكنّهم غافلون عن أنّ الناس سينظرون في كتبهم وسيراجعونها ، وسيحقّقون في المطالب التي يذكرونها.
ثمّ كيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاقتداء بالشيخين ، مع أنّ الشيخين اختلفا في كثير من الموارد ، فبمن يقتدي المسلمون ؟ وكيف يأمر رسول الله بالاقتداء بالشيخين ، مع أنّ الصحابة خالفوا الشيخين في كثير ممّا قالا وفعلا ؟ وهل بإمكانهم أن يفسّقوا أولئك الصحابة الذين خالفوا الشيخين في أقوالهما وأفعالهما ، وتلك الموارد كثيرة جدّاً ؟!
الدليل الثالث :
قول رسول الله لابي الدرداء : « ما طلعت شمس ولا غربت … » إلى آخره.
هذا الحديث ضعيف للغاية عندهم ، فقد رواه الطبراني في الاوسط بسند قال الهيثمي : فيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذّاب.
وفيه أيضاً ـ أي في مجمع الزوائد بسند آخر يرويه عن الطبراني ويقول : فيه بقيّة ـ بقيّة بن الوليد ـ وهو مدلّس وهو ضعيف (29).
وهو ساقط عند علماء الرجال.
الدليل الرابع :
« هما سيّدا كهول أهل الجنّة ».
هذا الحديث يرويه البزّار ، ويرويه الطبراني ، كلاهما عن أبي سعيد.
قال الهيثمي حيث رواه عنهما في مجمع الزوائد : فيه علي بن عابس وهو ضعيف.
ويرويه الهيثمي عن البزّار عن عبيدالله بن عمر ويقول في راويه عبد الرحمن بن ملك : هو متروك (30).
وليس لهذا الحديث سند غير هذين السندين.
الدليل الخامس :
« ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أنْ يتقدّم عليه غيره ».
ومن حسن الحظ أنّ الحافظ ابن الجوزي أورد هذا الحديث في كتاب الموضوعات وقال : هذا حديث موضوع على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (31).
وإذا كانت فتاوى ابن الجوزي معتبرة عند ابن تيميّة وأمثاله ، فليكنْ قوله وفتواه في هذا المورد أيضاً حجة.
الدليل السادس :
وأمّا صلاة أبي بكر ، وهي مسألة مهمة جدّاً لسببين :
السبب الاوّل :
إنّ خبر صلاة أبي بكر وارد في الصحيحين لا بسند بل أكثر ، ووارد في المسانيد والسنن ، وفي أكثر كتبهم المعتبرة المشهورة.
وثانياً :
الصلاة أفضل العبادات ، وإذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أرسل أبا بكر ليصلّي في مكانه في حال مرضه ودنوّ أجله ، فإنّه سيكون دليلاً على أنّه يريد أنْ يرشّحه للخلافة من بعده ، فيكون هذا الحديث ـ حديث صلاة أبي بكر في مكان رسول الله ـ من أحسن الادلّة على إمامة أبي بكر.
ولو راجعتم الكتب لرأيتم اهتمامهم بهذا الحديث ، واستدلالهم بهذا الخبر على رأس جميع الادلّه وفي أوّل ما يحتجّون به لامامة أبي بكر.
رووا هذا الحديث عن عدّة من الصحابة ، وعلى رأسهم عائشة بنت أبي بكر ، ولكنّك لو تأمّلت في الاسانيد لرأيت الصحابة يروون هذا الخبر مرسلاً ، أو يسمعون الخبر عن عائشة وتكون هي الواسطة في نقل هذا الخبر ، وحينئذ تنتهي جميع أسانيد هذا الخبر إلى عائشة ، وعائشة متّهمة في نقل مثل هذه القضايا لسببين :
الاوّل :
مخالفتها لعلي.
الثاني :
كونها بنت أبي بكر.
ولكنْ بغضّ النظر عن هذه الناحية ، لو نظرنا إلى ملابسات هذه القضية والقرائن الداخلية في ألفاظ الخبر ، وأيضاً القرائن الخارجية التي لها علاقة بهذا الخبر ، لرأيتم أن إرسال أبي بكر إلى الصلاة كان بإيعاز من عائشة نفسها ، ولم يكن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فمن جملة القرائن المهمة التي لها الاثر البالغ في فهم هذه القضية : قضية أمر رسول الله بخروج القوم مع أُسامة ، قضية بعث أُسامة ، وتأكيده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذا البعث إلى آخر لحظة من حياته المباركة.
أمّا أنّ النبي كان يؤكّد على بعث أُسامة ، وإلى آخر لحظة من حياته ، فلم يخالف فيه أحد ، ولا خلاف فيه أبداً ، وهو مذكور في كتبنا وفي كتبهم ، فلا خلاف في هذا.
وأمّا أنّ كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر كانا في هذا البعث ، فهذا أيضاً ثابت بالكتب المعتبرة التي نقلت هذا الخبر ، فكيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخروج أبي بكر في بعث أُسامة ، ويؤكّد على خروجه إلى آخر لحظة من حياته ، ومع ذلك يأمر أبا بكر أنْ يصلّي في مكانه ؟
وهنا يضطرّ مثل ابن تيميّة لان ينكر وجود أبي بكر في بعث أُسامة ، ويقول هذا كذب ، لانّه يعلم بأنّ وجود أبي بكر في بعث
أُسامة ، يعني كذب خبر إرسال أبي بكر إلى الصلاة ، ولكنّ مسألة الصلاة من أهمّ أدلّتهم على إمامة أبي بكر ، إذن ، لابدّ من الانكار والحال أنّ وجود أبي بكر في بعث اُسامة لا يقبل الانكار.
أنقل لكم عبارة واحدة فقط ، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب فتح الباري بشرح البخاري :
قد روى ذلك ـ أي كون أبي بكر في بعث أُسامة ـ الواقدي ، وابن سعد ، وابن إسحاق ، وابن الجوزي ، وابن عساكر ، وغيرهم (32). أي : وغيرهم من علماء المغازي والحديث.
ولذا لمّا توفّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان أُسامة بجيشه في خارج المدينة ، ولذا لمّا ولّي أبو بكر اعترض أُسامة ولم يبايع أبا بكر قال : أنا أمير على أبي بكر وكيف أُبايعه ؟ ولذا لمّا سيّر أبو بكر أُسامة بما أمره رسول الله به استأذن منه إبقاء عمر في المدينة المنورة ، ليكون معه في تطبيق الخطط المدبرة.
القرائن الداخلية والخارجية تقتضي كذب هذا الخبر ، أي خبر : أنّ النبي أرسل أبا بكر إلى الصلاة.
ولكن لا نكتفي بهذا القدر ، ونضيف أنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان يعتقد ، وكذا أهل البيت كانوا يعتقدون ، بأنّ خروج أبي بكر إلى الصلاة كان بأمر من عائشة لا من رسول الله.
قال ابن أبي الحديد : سألت الشيخ ـ أي شيخه وأُستاذه في كلام له في هذه القضية ـ أفتقول أنت أنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول الله لم يعيّنه ؟ فقال : أمّا أنا فلا أقول ذلك ، لكن عليّاً كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضراً ولم أكن حاضراً.
ولا نكتفي بهذا القدر فنقول :
سلّمنا بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي أمر أبا بكر بهذه الصلاة ، فكم من صحابي أمر رسول الله بأنْ يصلّي في مكانه في مسجده وفي محرابه ، ولم يدّع أحد ثبوت الامامة بتلك الصلاة لذلك الصحابي الذي صلّى في مكانه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
لكنْ لكم أن تقولوا : بأنّ الصلاة في أُخريات حياته تختلف عن الصلاة في الاوقات السابقة ، هذه الصلاة بهذه الخصوصية حيث كانت في أواخر حياته فيها إشعار بالنصب ، بنصب أبي بكر للامامة من بعده ، لك أنْ تقول هذا ، كما قالوا.
فاسمع لواقع القضية ، واستمع لما يأتي :
إنّه لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الامر ، فقد ذكرت تلك الاخبار أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج بنفسه الشريفة ـ معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان على الارض ـ ونحّى أبا بكر عن المحراب ، وصلّى تلك الصلاة بنفسه.
لكنّهم يعودون فيقولون : بأنّ صلاة أبي بكر كانت أيّاماً عديدة ، وهذا الذي وقع من رسول الله وقع مرّة واحدةً فقط.
قلت :
أوّلاً :
لم تكن الصلاة أيّاماً ، بل هي صلاة واحدة ، وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين ، فكانت صلاة واحدة.
وثانياً :
على فرض أنّه قد صلّى أيّاماً وصلوات عديدة ، ففعل رسول الله ذلك في آخر يوم من حياته ، وخروجه بهذا الشكل معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان على الارض ، دليل على أنّه عزله بعد أن نصبه لو صحّ هذا النصب.
فلو سلّمنا أنّ الامر بهذه الصلاة هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لو سلّمنا هذا ، فرسول الله ملتفت إلى أنّهم سيستدلّون بهذه الصلاة على إمامته من بعده ، وفي هذا الفعل إشعار بالامامة والخلافة العامة من بعده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فخرج بهذا الشكل ليرفع هذا التوهّم وليزيل هذا الاشعار ، وهذا مذكور وموجود في نفس الروايات التي اشتملت في أوّلها على أنّ رسول الله هو الامر بهذه الصلاة بزعهم.
وهنا نكات :
النكتة الاولى :
قالت الروايات : إنّه خرج معتمداً على رجلين ، والراوي عائشة ـ كما ذكرنا ، الاخبار كلّها تنتهي إلى عائشة ـ خرج رسول الله معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان الارض ، وتنحّى أبو بكر عن المحراب ، وصلّى تلك الصلاة بنفسه الشريفة.
وخروجه بهذه الصورة دليل على العزل لو كان هناك نصّ.
وعائشة ذكرت أحد الرجلين اللذين اعتمد عليهما رسول الله لدى خروجه ، ولم تذكر اسم الرجل الثاني ، والرجل الثاني كان علي ( عليه السلام ) ، ممّا يدلّ على انزعاجها من هذا الفعل.
يقول ابن عباس للراوي : أسمّتْ لك الرجل الثاني ؟ قال : لا ، قال : هو علي ، ولكنّها لا تطيب نفساً بأن تذكره بخير.
النكتة الثانية :
إنّه لمّا رأى بعض القوم أنّ خروج النبي بهذه الصورة وصلاته بنفسه وعزل أبي بكر سيهدم أساس استدلالهم بهذه الصّلاة على إمامة أبي بكر بعد رسول الله ، وضع حديثاً في أنّ رسول الله لم يعزل أبا بكر ، وإنّما جاء إلى الصلاة معتمداً على رجلين ، وصلّى خلف أبي بكر ، فثبتت القضية وقويت.
وبعبارة أُخرى : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينصب أبا بكر عملاً ، مضافاً إلى إرساله إلى الصلاة لفظاً وقولاً ، إذ يأتي معتمداً على رجلين حينئذ ورجلاه تخّطان الارض ويصلّي خلف أبي بكر.
ومن الذي يمكنه حينئذ من أنْ يناقش في إمامة أبي بكر وكونه خليفة لرسول الله ، مع اقتداء رسول الله به في الصلاة ، ألا يكفي هذا لان يكون دليلاً على إمامة أبي بكر لما عدا رسول الله ؟
نعم ، وضعوا هذه الاحاديث الدالّة على أنّ رسول الله اقتدى بأبي بكر.
لكن الشيخين لم يرويا هذا الحديث ، أي هذه القطعة من الحديث غير موجودة في الصحيحين ، الموجود في الصحيحين : إنّ رسول الله نحّاه أو تنحّى أو تأخّر أبو بكر ، وصلّى رسول الله بنفسه تلك الصلاة.
أمّا هذا الحديث فموجود في مسند أحمد ، وهو حديث كذب قطعاً ، وكذّبه غير واحد من كبار الائمّة من حفّاظ أهل السنّة ، وحتّى أنّ بعضهم كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي ألّف رسالة خاصة في بطلان حديث اقتداء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأبي بكر ، وهل من المعقول أن يقتدي النبي بأحد أفراد أُمّته ، فيكون ذلك الفرد إماماً للنبي ، هذا غير معقول أصلاً.
رسالة ابن الجوزي مطبوعة منذ عشرين سنة تقريباً لاوّل مرّة ، نشرتها أنا بتحقيق منّي والحمد لله (33).
النكتة الثالثة :
إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أن خرج إلى الصلاة وصلّى بنفسه الشريفة ، ونحّى أبا بكر ، لم يكتف بهذا المقدار ، وإنّما جلس على المنبر بعد تلك الصلاة ، وخطب ، وذكر القرآن والعترة ، وأمر الناس باتّباعهما والاقتداء بهما ، فأكّد رسول الله بخطبته هذه ما دلّ عليه فعله ، أي حضوره للصلاة وعزله لابي بكر عن المحراب ، ثمّ أضاف في هذه الخطبة بعد الصلاة إنّ على جميع المسلمين أن يخرجوا مع أُسامة ، وأكّد على وجوب هذا البعث وعلى الاسراع فيه.
وبعد هذا كلّه لا يبقى مجال للاستدلال بحديث تقديمه في الصلاة.
الدليل السابع :
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « خير أُمّتي أبو بكر وعمر ».
هذا الحديث بهذا المقدار ذكره القاضي الايجي وشارحه وغيرهما أيضاً.
لكن الحديث ليس هكذا ، للحديث ذيل ، وهم أسقطوا هذا الذيل ليتمّ لهم الاستدلال ، فاسمعوا إلى الحديث كاملاً :
عن عائشة ، قلت : يا رسول الله ، من خير الناس بعدك ؟ قال : « أبو بكر » ، قلت : ثمّ مَن ؟ قال : « عمر ».
هذا المقدار الذي استدلّ به هؤلاء.
لكن بالمجلس فاطمة سلام الله عليها ، قالت فاطمة : يا رسول الله ، لم تقل في علي شيئاً !
قال : « يا فاطمة ، علي نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً ؟ ».
فيستدلّون بصدر الحديث بقدر ما يتعلّق بالشيخين ، ويجعلونه دليلاً على إمامة الشيخين ، ويسقطون ذيله ، وكأنّهم لا يعلمون بأنّ هناك من يرجع إلى الحديث ويقرأه بلفظه الكامل ، ويعثر عليه في المصادر.
لكن الحديث ـ مع ذلك ـ ضعيف سنداً ، فراجعوا كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة (34).
الدليل الثامن :
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي لاتّخذت أبا بكر ».
ويكفي في الجواب عن هذا الحديث أن نقول : إذا كان رسول الله قال في حقّ أبي بكر : « لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر » إذا كان قال هكذا في حقّ أبي بكر ، فقد جاءت الرواية عندهم في حقّ عثمان : إنّه اتّخذه خليلاً ! فبالنسبة إلى أبي بكر يقول « لو » أمّا في حقّ عثمان يقول : « اتّخذته خليلاً » ، يقول : « إنّ لكلّ نبيّ خليلاً من أُمّته ، وإنّ خليلي عثمان بن عفّان » فيكون عثمان أفضل من أبي بكر.
وأنا أيضاً ـ كما ذكرت هذا مرّة في بعض الليالي الماضية اعتقادي على ضوء رواياتهم في مناقب المشايخ ـ أرى أنّ عثمان أفضل من أبي بكر وعمر ، لمناقبه الموجودة في كتبهم ، ومن جملتها هذا الحديث ، لكنه حديث باطل مثله (35).
الدليل التاسع :
قوله : وأين مثل أبي بكر فقد فعل كذا وكذا ، زوّجني واساني بنفسه كذا جهّزني بماله إلى آخره.
وهذا الحديث :
أمّا سنداً ، فقد أدرجه الحافظ السيوطي في كتابه اللالي المصنوعة بالاحاديث الموضوعة (36) ، وأيضاً أدرجه الحافظ ابن عرّاق صاحب كتاب تنزيه الشريعة (37) ، أدرجه في كتابه هذا المؤلف في خصوص الروايات الموضوعة.
أمّا دلالة ، فإنّه يدلّ على أنّ أبا بكر كان يعطي من ماله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان يصرف من أمواله الشخصية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان رسول الله بحاجة إلى مال أبي بكر وإنفاقه عليه ، وهذا من القضايا الكاذبة ، وقد وصل كذب هذا الخبر إلى حدٍّ التجأ مثل ابن تيميّة إلى التصريح عن كذبه ، مثل ابن تيميّة يصرّح بأنّ هذا غير صحيح (38) ورسول الله لم يكن محتاجاً إلى أموال أبي بكر.
وهكذا يضع الواضعون الفضائل والمناقب المستلزمة بالطعن في رسول الله ، فإنفاق أبي بكر على رسول الله كذب ، وابن تيميّة ممّن يعترف بهذا.
فهذا الحديث كذب سنداً ودلالة.
الدليل العاشر :
ما رووه عن علي ( عليه السلام ) في فضل الشيخين ، منها الرواية التي ذكرها هؤلاء أنّه قال : خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ الله أعلم.
ليس هذا اللفظ وحده ، لهم أحاديث أُخرى ، وألفاظ أُخرى أيضاً ينقلونها عن علي في فضل الشيخين ، لكن :
أوّلاً :
أبو بكر نفسه يعترف بأنّه لم يكن خير الناس ، ألم يقل : ولّيتكم ولست بخيركم؟ ، وهذا موجود في الطبقات لابن سعد (39) ، أو : أقيلوني فلست بخيركم ، كما في المصادر الكثيرة (40).
وثانياً :
ذكر صاحب الاستيعاب بترجمة أمير المؤمنين (41)
سلام الله عليه ، وذكر ابن حزم في كتاب الفصل (42) ، وذكر غيرهما من كبار الحفّاظ : إنّ جماعة كبيرة من الصحابة كانوا يفضّلون عليّاً على أبي بكر.
فإذا كان علي بنفسه يعترف بأفضليّة الشيخين منه ، كيف كان أولئك يفضّلون عليّاً عليهما ؟ لقد ذكروا أسماء عدّة من الصحابة كانوا يقولون بأفضليّة علي ، منهم أبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وعمّار ، و … ، وعلي يعترف بأفضليّة الشيخين منه !! هذه أخبار مكذوبة على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سلام الله عليه.
إذن ، لم نجد دليلاً من أدلّة القوم سالماً عن الطعن والجرح والاشكال ، إمّا سنداً ودلالة ، وإمّا سنداً ، على ضوء كتبهم وعلى ضوء كلمات علمائهم.
فتلك الاحاديث من الاحاديث الموضوعة التي لا أساس لها ، في اعترافهم ، لاسيّما حديث اقتدوا باللذين من بعدي.
والمهم قضيّة الصلاة ، فصلاة أبي بكر في حياة رسول الله قد تشعر بإمامته بعده ، لكن رسول الله عزله عن المحراب وصلّى تلك الصلاة بنفسه ، إن صحّ خبر إرساله أبا بكر إلى الصلاة.
مضافاً إلى أنّ إمامة الشيخين يجب أن تبحث من ناحية أُخرى ، وهي : أنّ هناك موانع ، أنّ هناك قضايا تمنع من أن يكونا إمامين للمسلمين ، تلك القضايا كثيرة ومذكورة في الكتب ، ولم يكن من منهجنا التعرض لتلك القضايا مناقشة الاجماع على خلافة أبي بكر
ويبقى الاجماع ، إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر ، وأنتم أعرف بحاله ، ولا أحبّ الدخول في هذا البحث ، لانّه سيجرّنا إلى قضايا قد لا يقتضي ذكرها في الوقت الحاضر.
وأيّ إجماع هذا الذي يدّعونه على إمامة أبي بكر ؟! وتلك قضايا السقيفة وملابسات بيعة أبي بكر وإمامته التي يقولون بها ، ولربّما نتعرّض إلى بعض النقاط المتعلّقة بهذا الامر في بحثنا عن الشورى التي خصّصنا لها ليلة.
ولكن الذي يكفي أن أقوله هنا هو : أنّ صاحب شرح المقاصد (43) وغيره من كبار علماء الكلام يقولون بأنّا عندما ندّعي الاجماع ، لا ندّعي وقوع الاجماع حقيقةً ، عندما نقول : قام الاجماع على خلافة أبي بكر ، ليس بمعنى أنّ القوم كلّهم كانوا مجمعين وموافقين على إمامته ، بل إنّ إمامته قد وقعت في الحقيقة ببيعة عمر فقط وفي السقيفة ، بعد النزاع بين المهاجرين والانصار ، وإلقاء النزاع بين الانصار الاوس والخزرج ، يكفي أنْ أُشير إلى هذا المطلب.
لكن مع ذلك عندما نراجع إلى هذه الكتب يقولون بأنّ الاولى أنْ نسكت عن مثل هذه القضايا ولا نتكلّم عنها ، فإنّ رسول الله قد أمر بالسكوت عمّا سيقع بين أصحابه ، لا داعي لطرح مثل هذه القضايا وللتعرض لمثل هذه الاُمور.
وإنّي أرى من المناسب أنْ أقرأ لكم نصّ عبارة السعد التفتازاني في شرح المقاصد ، لتروا كيف يضطربون ، وإنّهم إلى أين يلتجئون ، يقول السعد :
إنّ جمهور علماء الملّة وعلماء الاُمّة أطبقوا على ذلك ـ أي على إمامة أبي بكر ـ وحسن الظن بهم يقضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وإمارات لما أطبقوا عليه.
قلت :
إذا كان كذلك ، إذا كنّا مقلّدين للصحابة من باب حسن الظن بهم ، فلماذا أتعبنا أنفسنا ؟ ولماذا اجتهدنا فنظرنا في الادلّة وجئنا بالاية والحديث ، كنّا من الاوّل نقول : بأنّا في هذه المسألة مقلّدون للصحابة ، فعلوا كذا ونحن نقول كذا ، لاحظوا ، ثمّ يقول التفتازاني :
يجب تعظيم الصحابة والكفّ عن مطاعنهم ، وحمل ما يوجب بظاهره الطّعن فيهم على محامل وتأويلات ، سيّما المهاجرين والانصار.
خاتمة المطاف
وعندما ينقل السعد عن الاماميّة قولهم : إنّ بعد رسول الله إماماً ، وليس غير علي ، لانتفاء الشرائط من العصمة والنص والافضليّة عن غيره ـ وقد رأيتم كيف كان هذا الانتفاء في بحوثنا السابقة ـ يتهجّم ويشتم الشيخ المحقق نصير الدين الطوسي وسائر علماء الاماميّة ، لاحظوا كلامه ، أنقل نصّ عبارته ، لتقفوا على مقدار فهم هؤلاء ، وعلى حدّ أدبهم ، ثمّ تقارنوا بين كلام الاماميّة وكلام هؤلاء القوم ، يقول :
احتجّت الشيعة بوجوه لهم في إثبات إمامة علي بعد النبي من العقل والنقل ، والقدح فيما عداه من أصحاب رسول الله الذين قاموا بالامر ، ويدّعون في كثير من الاخبار الواردة في هذا الباب التواتر ، بناء على شهرته فيما بينهم ، وكثرة دورانه على ألسنتهم ، وجريانه في أنديتهم ، وموافقته لطباعهم ، ومقارعته لاسماعهم ، ولا يتأمّلون
كيف خفي على الكبار من الانصار والمهاجرين ، والثقات من الرواة والمحدّثين ، ولم يحتجّ البعض على البعض ، ولم يبرموا عليه الابرام والنقض ، ولم يظهر إلاّ بعد انقضاء دور الامامة وطول العهد بأمْر الرسالة ، وظهور التعصّبات الباردة ، والتعسّفات الفاسدة ، وإفضاء أمر الدين إلى علماء السوء ، والملك إلى أُمراء الجور ، ومن العجائب أنّ بعض المتأخرين من المتشغّبين ، الذين لم يروا أحداً من المحدّثين ولا رووا حديثاً في أمر الدين ، ملؤوا كتبهم من أمثال هذه الاخبار والمطاعن في الصحابة الاخيار ، وإن شئت فانظر في كتاب التجريد المنسوب إلى الحكيم نصير الدين الطوسي ، كيف نصر الاباطيل وقرّر الاكاذيب ….
قلت :
أمّا نصير الدين الطوسي ، فإنّا نشكر التفتازاني على قناعته بهذا المقدار من الشتم والسبّ له ! نشكره على اكتفائه بهذا المقدار !
فإنّ ابن تيميّة ذكر في الشيخ نصير الدين الطوسي بسبب تأليفه كتاب التجريد واستدلاله في هذا الكتاب على إمامة علي من كتب أهل السنّة ، ذكره بما لا يمكن أن يتفوّه به مسلم في حقّ أدنى الناس ، ذكره بما لا يقال ، ونسب إليه الكبائر والعثرات التي لا تقال ، وقد خصّصنا ليلةً للتحقيق حول هذا الموضوع ، وسنتعرض لكلامه
بعون الله.
هذا فيما يتعلق بالشيخ نصير الدين الطوسي.
وأمّا أصل المطلب ، فإنّا قد أقمنا الادلّة على إمامة علي من نفس كتبهم ، بيّنا صحّة تلك الادلّة من نفس كتبهم ، وقد ذكرنا احتجاجاتنا بكلّ أدب ومتانة ووقار ، لم نتعرض لاحد منهم بسبّ أو شتم ، فأثبتنا إمامة أمير المؤمنين بالنص ، وأثبتنا إمامته بالعصمة ، وأثبتنا إمامته بالافضليّة ، كلّ ذلك من كتبهم ، كلّ ذلك بناء على أقوال علمائهم ، واستشهدنا بأفضل الطرق والاسانيد ، واستندنا إلى أشهر الكتب والمؤلّفات ، لم يكن منّا سبّ ولا شتم ولا تعصّب ولا تعسّف ، ثمّ نظرنا إلى أدلّتهم في إمامة أبي بكر ، أمّا النص فقالوا هم : بعدم وجوده ، وأمّا الاجماع فلا إجماع حتّى اضطرّوا إلى الاعتراف بعدم انعقاده ، وربما نتعرض لذلك في ليلة خاصة ، وأمّا الافضليّة فتلك أفضل أدلّتهم ، وقد نظرنا إليها واحداً واحداً على ضوء كتبهم ، فما ذنبنا إنْ لم يتم دليل على إمامة أبي بكر ؟ وتمّ الدليل من كتبهم على إمامة علي.
لماذا لا يريدون البحث عن الحقيقة ؟ لماذا تكون الحقيقة مرّة ؟ لماذا يلجؤون إلى السبّ والشتم ؟ ولماذا هذا التهجّم ؟ ألا يكفي ما واجهه علماؤنا منذ العصور الاولى إلى يومنا هذا ، من سبّ وشتم وقتل وسجن وطرد وإلى آخره ؟ إلى متى ؟ ولماذا هذا ؟ نحن نريد البحث عن أمر حقيقي واقعي يتعلّق بمن نريد أن نقتدي به بعد رسول الله ، نريد أن نجعله واسطة بيننا وبين ربّنا ، في أُمورنا الاعتقادية وفي أُمورنا العملية ، أي في الاُصول والفروع وفي جميع الجهات ، نريد أن نبحث عن الحقيقة ونتوصّل إليها ، فإذا وصلنا إلى الحقيقة وعثرنا على الحق حينئذ نقول لربّنا : إنّا قد نظرنا في الادلّة وبحثنا عن الحقيقة ، فكان هذا ما توصّلنا إليه ، وهذا إمامنا ، وهذا منهجنا ومسلكنا ، ليكون لنا عذراً عند الله سبحانه وتعالى ، وكلّ هذا البحث لهذا ، وليس لحبّ أو بغض ، وليس لدينا أيّ غرض ، وما الداعي إلى الشتم ؟ وإلى متى تكون الحقيقة مرّة ؟ وإلى متى لا يريدون استماع الحق وأخذ الحق وقبول الحق ؟ والشتم لماذا ؟ وهل يتفوّه به إلاّ السوقه ؟ إلاّ الجهلة ؟
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لما يرضيه ، نسأله تعالى أن يهدينا إلى فهم الحقائق ، إلى أخذ الحقائق ، إلى العمل بالحق ، إلى اتّباع الحق ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبيّض وجوهنا عندما نرد عليه ونلقاه ، وعندما نواجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
****************
1 ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 2 / 1780 ، 1891.
2 ـ شرح المواقف 8 / 354.
3 ـ فيعترف على عدم وجود نص على أبي بكر ، وإنْ كان يدّعي عدم وجود نص على علي ، لكن كلامنا الان في أبي بكر.
4 ـ شرح المقاصد 5 / 255.
5 ـ لاحظوا : شارح المواقف يقول : الاجماع ، شارح المقاصد يقول : الاختيار ، وفرقٌ بين الاجماع والاختيار ، وكلّ هذا سيتّضح في محلّه بالتفصيل.
6 ـ شرح المواقف 8 / 365.
7 ـ سورة الليل : 17.
8 ـ سورة الحجرات : 13.
9 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6 / 358.
10 ـ مجمع الزوائد 9 / 50.
11 ـ تهذيب التهذيب 10 / 144.
12 ـ مسند أحمد 5 / 382 ، 385.
13 ـ صحيح الترمذي 5 / 572.
14 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 75.
15 ـ وقد ذكرت لكم من قبل إنّنا في فهم الاحاديث والدقّة في أسانيدها لابدّ وأن نرجع إلى ماقيل في شرحها والكتب المؤلّفة في شروح الاحاديث ، من قبيل المرقاة وفيض القدير وشروح الشفاء للقاضي عياض ، وأمثال ذلك.
16 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير 2 / 56.
17 ـ صحيح الترمذي 5 / 572.
18 ـ كتاب الضعفاء الكبير 4 / 95.
19 ـ ميزان الاعتدال 1 / 142.
20 ـ لسان الميزان 5 / 237.
21 ـ شرح المنهاج : مخطوط.
22 ـ ميزان الاعتدال 1/105 ، 141 و 43/610.
23 ـ تلخيص المستدرك ـ ط في ذيل المستدرك 3 / 75.
24 ـ مجمع الزوائد 9 / 53.
25 ـ لسان الميزان 1/188 ، 272 و 5/237.
26 ـ الدر النضيد من مجموعة الحفيد : 97.
27 ـ أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب : 48.
28 ـ هذا ، وللحافظ ابن حزم الاندلسي في الاستدلال بهذا الحديث كلمة مهمة جدّاً ، إنّه يقول ما هذا نصّه : ولو أننا نستجيز التدليس والامر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً لاحتججنا بما روي : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » ، ولكنّه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح. الفصل في الملل والنحل 4 / 88.
29 ـ مجمع الزوائد 9 / 44.
30 ـ مجمع الزوائد 9 / 53.
31 ـ كتاب الموضوعات 1 / 318.
32 ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 124.
33 ـ هذه الرّسالة ألّفها الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفى سنة 597 هـ ، ردّاً على معاصره الحافظ عبد المغيث الحنبلي ، ولذا أسماها بآفة أصحاب الحديث في الردّ على عبد المغيث ، طبعت لاوّل مرّة بتحقيقنا.
34 ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 367.
35 ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 392.
36 ـ اللالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة 1 / 295.
37 ـ تنزيه الشريعة المرفوعة في الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 344.
38 ـ منهاج السنة 4 / 289.
39 ـ الطبقات الكبرى 3 / 139.
40 ـ مجمع الزوائد 5 / 183 ، سيرة ابن هشام 2 / 661 ، تاريخ الخلفاء : 71.
41 ـ الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1090.
42 ـ الفصل في الملل والنحل 4 / 181.
43 ـ شرح المقاصد 5 / 254.