من أخطر الآفات على الإنسان آفة التسويف، ذلك أن التسويف آفة النجاح في الدنيا وعدم الفلاح في الآخرة، وأن المسوف يخسر الكثير من فرص التقدم والعطاء والإنجاز، فالمسوف – عادة – ما يكون ضعيف الإرادة، خائر العزيمة، وليس عنده همة عالية، ولا مثابرة أو مبادرة لإنجاز أي عمل.
والتسويف كلمة مأخوذة من (سوف)، وما أكثر الذين يعملون بنظام (سوف)!، ويبرمجون حياتهم وفق هذا النظام، ولا شك أنك قد سمعت بالكثير من الناس ممن يجيدون استخدام (نظام التسويف)!
فيومياً نسمع بمثل هذه الكلمات: سوف أقوم بذلك العمل، سوف أفكر في الموضوع، سوف أنتظر، سوف أهتم بالدراسة قريباً، وألف سوف، وسوف…!
والواقع أن من يعيش (التسويف) سيظل جامداً في مكانه، ولن يعمل في المستقبل شيئاً، لأن المستقبل سيتحول في وقته إلى حاضر، وسيفكر عندئذٍ في مستقبل جديد! وهكذا يبقى يدور في الدائرة المغلقة ذاتها!
وكثيرة هي النصوص التي تنهى عن التسويف، فقد حذر رسولُ اللَّهِ أبا ذر من مغبة التسويف إذ يقول له: «يا أبا ذَرٍّ، إيّاكَ والتَّسويفَ بِأمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ ولَستَ بما بَعدَهُ، فإن يَكُن غَدٌ لكَ فَكُن في الغَدِ كما كُنتَ في اليَومِ، وان لم يَكُن غَدٌ لكَ لَم تَندَمْ على ما فَرَّطتَ في اليَومِ»1 .
وروي عن الإمامُ عليٌّ - فيما كَتَبَهُ إلى بعضِ أصحابِهِ-:« فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَداً وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ»2.
وعنه أيضاً قال: «لا تَكُن مِمَّن يَرجُو الآخِرَةَ بغَيرِ العَمَلِ، ويُرَجِّي التَّوبَةَ بِطُولِ الأمَلِ، إن عَرَضَت لَهُ شَهوَةٌ أسلَفَ المَعصِيَةَ وسَوَّفَ التَّوبَةَ»3.
وفي مناجاة الإمام زين العابدينَ : «وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى نَفسي، فقد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ والآمالِ عُمرِي، وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسِينَ مِن خَيرِي»4.
وقال الإمامُ الباقرُ : «إيّاكَ والتَّسويفَ؛ فإنّهُ بَحرٌ يَغرَقُ فيهِ الهَلْكى»5.
إن التسويف لن يؤدي إلاّ إلى الخسران في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا لا مكان من الإعراب للمسوف، وفي الآخرة لن يدخل الجنة إلا المؤمن العامل الذي قام بأداء واجباته الدينية على خير وجه.
والمؤسف أن نرى في واقعنا الاجتماعي أن بعض الناس يسوفون في أداء أعمالهم في كل شيء سواء الدنيوية منها أم الأخروية، ولكن هناك صنف من الناس يؤدون أعمالهم الدنيوية بسرعة، وينجزون ما عليهم دون أي تأخير؛ أما الواجبات والتكاليف الدينية فتراهم لا يهتمون بأدائها في أوقاتها، ويسوفون إنجازها حتى تذهب أوقاتها، أو يأتيهم الموت بغتة قبل القيام بها.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك تأخير صلاة الفجر عن أدائها في وقتها حتى تطلع الشمس، ثم الاتيان بها قضاءً، أو مع صلاة الظهرين!
ومثال آخر عن التسويف في أداء الواجبات الدينية: وهو تسويف بعض الناس عن القيام بأداء فريضة الحج -مع توافر شروطه- سنة بعد أخرى تحت دواع وأعذار مختلفة، في حين أن عاقبة من يسوف الحج من دون عذر شرعي سيئة، فقد روي عن الرسول الأكرم قوله: «من سوّف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً»6. وقال الإمام الصادق : «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره اللَّه به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»7.
فالحج ركن من أركان الدين، ودعامة من دعائم الإسلام، ووجوبه على كل مستطيع من ضروريات الدين، وتركه أو التسويف في أدائه معصية كبيرة يأثم عليه صاحبها، إذ يجب الحج في أول سنة استطاعة المكلف، ولا يجوز له التأخير أو التسويف، وإذا أخر الحج عن السنة الأولى من دون عذر شرعي عصى وأثم، واستقر الحج في ذمته.
وإن من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان المؤمن أن يوفق للحج من أول سنه استطاعته، ليؤدي هذا الواجب بنص القرآن الكريم﴿ … وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ 8.
وأما الذين يسوفون ويؤجلون أداء فريضة الحج سنة بعد أخرى فقد لا يستطيعون أداء الحج فيما بعد لأسباب عديدة، فقد يمرض الإنسان، أو يصاب بعاهة، أو يفتقر، أو يموت، ولذلك قال الرسول الأكرم : «حجوا قبل أن لا تحجوا»9.
والأمثلة على تسويف أداء الواجبات الشرعية كثيرة: كالتسويف في أداء الحقوق الشرعية، والتسويف في أداء الدين، والتسويف في كتابة الوصية، والتسويف في قضاء الصوم …وغيرها من الواجبات والتكاليف الشرعية.
إن على الإنسان المؤمن أن يبادر إلى إنجاز وأداء جميع الواجبات والتكاليف الشرعية في أوقاتها المحددة من قبل الشارع المقدس من دون أي تسويف أو تأخير حتى ينال رضا الله تعالى ومغفرته ورضوانه، والمسارعة إلى أعمال الخير والبر قبل أن يأتي اليوم الذي يفقد فيه القدرة على إنجاز أي عمل.
وأفضل طريقة لمحاربة التسويف هو أن تتذكر محدودية عمرك، وأنك لا تدري متى ستموت؟ وأن الفلاح في الآخرة ونيل التقدم والنجاح في الدنيا لن تحوزه إلاّ بأداء الأعمال في أوقاتها، والجد والاجتهاد والنشاط واقتناص الفرص، وأن تهتم بمصادقة المجدين في حياتهم، وأن تنظر في أحوال الناجحين والعظماء؛ حيث لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالنشاط والفاعلية والجد والعمل الدائم وإنجاز الأعمال في أوقاتها.
وتذكر دائماً الحكمة البليغة القائلة: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد!
واحرص دائماً على الالتزام بأداء الفرائض والواجبات في أوقاتها، وعدم التساهل أو التسويف أو التأجيل عن أداء ما أوجبه الله تعالى على عباده، بل يجب المسارعة إلى أداء كل فريضة في وقتها المحدد لها 10.
- 1. مستدرك الوسائل: ج 2، ص 107، ح 1555. بحار الأنوار: ج 74، ص 75، ح 3.
- 2. بحار الأنوار: ج 70، ص 75، ح 39.
- 3. نهج البلاغة: الحكمة 150.
- 4. بحار الأنوار: ج 95، ص 88، ح 20.
- 5. بحار الأنوار: ج 75، ص 164، ح 1.
- 6. وسائل الشيعة: ج 11، ص 32، ح 14164. بحار الأنوار: ج 74، ص 58.
- 7. وسائل الشيعة: ج 11، ص 26، ح 14152.الوافي: الفيض الكاشاني، ج 12، ص 253، ح 11857.
- 8. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 97، الصفحة: 62.
- 9. مستدرك الوسائل: ج 8، ص 40، ح 9020. جامع أحاديث الشيعة: ج 10، ص 223، ح 648/10.
- 10. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف حفظه الله.