بسم الله الرحمن الرحيم
ـ الحلقةُ الثامنة ـ
بقلم الرَّاجي عفوَ ربِّه: زكريَّا بركات
تحدَّثنا في مقالاتٍ سابقة عن أسُس التقارُب ومُبرِّرات الوحدة بين الزيديَّة والإماميَّة، وأشرنا إلى أنَّ من تلك الأسُس والمبرِّرات: روايةَ أئمَّة الزيديَّة عن عُلماء الإماميَّة، ممَّا يكشف عن وجود التواصُل والثِّقة بين الطَّرَفين.. وأريد في هذه الحلقات أن أضرب أمثلةً لذلك من أسانيد روايات كتاب تيسير المطالب في أمالي أبي طالب، وهو من أهمِّ مصادر الزيديَّة في الحديث، وهو لإمام الزيديَّة: أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت 424 هـ) ، الملقَّب بـ (الإمام النَّاطق بالحقِّ) . فقد روى الإمامُ أبو طالبٍ الهارونيِّ في أماليه الكثيرَ من الأحاديث عن الكثير من علماء الإماميَّة، وقد استخرتُ الله في استخراج أسماء علماء الإماميَّة الذين اعتمد عليهم الإمام أبو طالب الهاروني في روايات كتابه الأمالي.. وهذه هي الحلقة الثامنة والَّتي نتناول فيها رواية الإمام أبي طالب الهاروني عن الفقيه المحدِّث الإماميِّ الاثناعشريِّ الثقة الجليل: أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري رضي الله عنه.
فقد تتبَّعتُ روايات الإمام أبي طالب الهارونيِّ الَّتي وقع في أسانيدها أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري، فوجدتها ثمانيَ رواياتٍ.
علماً أنَّ (أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري) قد وقع ـ أيضاً ـ شيخاً لإمام الزيدية الناصر الأطروش (304 هـ) بلا واسطة، روى عنه في كتاب البساط (ص75) بتحقيق جدبان، وقد ذكر المحقق في الهامش (5) أنه من علماء الإماميَّة. وقد ذكره مجد الدين المؤيَّدي في لوامع الأنوار ضمن الذين احتجَّ بهم الإمامُ الناصر الأطروش وصحَّح وحديثهم.
وقد كان (أبو جعفر أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري القُمي) من أجلَّاء فُقهاء الإماميَّة الاثناعشريَّة وثقاتِ محدِّثيهم ومُصنِّفيهم، ومن أصحاب الإئمَّة: الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام. ترجم له النَّجاشي في رجاله 1 : 83 ، برقم 198 ، فقال: وأبو جعفر ـ رحمه الله ـ شيخ القميِّين ووجهُهم وفقيهُهم غير مدافع. انتهى. وترجم له الشيخ الطوسي في في الفهرست (ص60) برقم 75 ، فقال: شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع. انتهى.
ومواضع روايات (أحمد بن محمَّد بن عيسى) في الكتب الأربعة عند الإماميَّة تتجاوز 9600 موضعاً، وفي غيرها يصعب حصرها، ولكنها لا تقل عن 1600 موضعاً.
وبمتابعة كتب الإماميَّة الاثناعشريَّة نجد أنَّهم رووا كثيراً من نصوص الإمامة عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، منها: النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر في كمال الدين للصدوق 1 : 270 برقم 15 ، وفيه أيضاً 1 : 304 ، وفيه 1 : 313 (حديث اللَّوح) ، وأنَّ المهدي المنتظر (ع) هو الحاديث عشر من ولد الإمام عليٍّ (ع) وأنَّ له غيبةً في كمال الدين للصدوق 1 : 288 برقم 1 ، والسند معتبر.
كما رووا عنه النصَّ على أنَّ الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) في أمالي الصدوق (ص401) والسند معتبر، وفي الكافي 1 : 348 برقم 5 ، والسند صحيح.
ورووا عنه نصوص وقوع الغيبة، كما في كمال الدين 1 : 287 برقم 4 ، والسند موثق، وفيه 2 : 339 برقم 17 ، والسند صحيح.
إلى غير ذلك من النصوص التي يصعب حصرها.
وقد ذكر المترجمون لأحمد بن محمد بن عيسى أنَّ من جملة مُصنَّفانه كتاباً في المتعة، ولذلك تجد جملةً من روايات المتعة وإباحتها وأحكامها مرويَّة عند الإمامية عنه. انظر ـ على سبيل المثال ـ : كتاب وسائل الشيعة: المجلد 21 ، الصفحات: 8 ، 15 ، 16 ، 21 ، 26 ، 33.. وغيرها.
إنَّ النَّظر بإنصاف إلى رواية أئمَّة الزيديَّة عن علماء الإماميَّة وفقهائهم، ممَّا يحمل البصير على القول بثقة أئمَّة الزيديَّة بعلماء الإماميَّة، خصوصاً حين يأخذ بعين الاعتبار أنَّ كتُب أئمَّة الزيديَّة متلقَّاة بالقبول عندهم، وهم يعتمدون عليها في العلم والفتيا؛ فإنَّ الكتاب الحديثيَّ لا يكون معتمداً إلَّا بعد سلامة طُرُق روايته واعتبارها، واعتبارُ طُرُق الرواية لا يتمُّ إلَّا بالثِّقة بمن يقع في أسانيدها من رُواة، وباتِّضاح هذه الفكرة يُمكن التوفيقُ بين الزيديَّة والإماميَّة بإزالة سوءِ الظنِّ، كخُطوة من خطوات التَّقريب والتَّوفيق بين هذين المذهبين العريقين على أساس مُعطيات علميَّة حقيقيَّة.
والحمدُ للّهِ ربِّ العالمين.
https://chat.whatsapp.com/G50zPMffZm8Hd7YHKt3mBR