في 31 مايو 2003م، صادق المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في دورته الثلاثين التي عقدت بالعاصمة الإيرانية طهران تحت شعار (الوحدة والعزة) على استراتيجية التقريب بين المذاهب الفقهية الإسلامية، وهي الاستراتيجية التي وضعتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ الإيسيسكو ـ وكلفت بتنفيذها وبالتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي والدول الأعضاء.
هذه الاستراتيجية على أهميتها وقيمتها، والضرورات الملحة إليها على مستوى العالم الإسلامي برمته، حاضراً ومستقبلاً، إلا أنها لم تعرف على نطاق واسع، ولم تبذل محاولات كبيرة من أجل التعريف بها، والحديث عنها، وإلفات النظر إليها وإدخالها في إطار التداول العام، وهكذا إشاعتها وتعميمها بالشكل الذي يحقق مقاصدها وغاياتها والأهداف المرجوة منها على المدى القريب والبعيد، وعلى المستوى الرسمي والأهلي.
وقد اطلعت على هذه الاستراتيجية في وقت سابق، وشاركت في مناقشتها، والتفكير فيها، وذلك في اجتماع دعت إليه الايسيسكو وعقد بالعاصمة الأردنية عمان على مدى يومين في شعبان1422هـ / نوفمبر2001م، وكان بعنوان (اجتماع خبراء لمناقشة مشروع استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية)، وقدمت في هذا الاجتماع مداخلة مكتوبة بعنوان (التقريب والنهضة والمستقبل)، حيث أكدت في هذه المداخلة على ضرورة أن يقترن التقريب بالنهضة، ليكون التقريب من مداخل النهضة في الأمة، وفي إطار التفكير بالمستقبل، وإدماج التقريب بمستقبليات الأمة، كما واعتبرت أنه لأول مرة في تاريخ التقريب بين المذاهب الإسلامية يتطور الحديث على مستوى صياغة استراتيجية مشتركة تنظم وتصحح وتطور العلاقات بين هذه المذاهب الإسلامية على قاعدة التضامن والتواصل والتكامل الذي يثري واقع الأمة، ويساهم في تجددها وتقدمها، وبناء مستقبلها الحضاري الجديد في هذا العالم المتغير، وفي هذا العصر المتسارع.
وقد أحاطت هذه الاستراتيجية بمختلف جوانب وأبعاد التقريب بحيث يصدق عليها وصف الاستراتيجية المتكاملة، فلم تكتف بالجوانب والأبعاد النظرية والمعرفية والفكرية فحسب، فقد أولت الاهتمام أيضاً بالجوانب والأبعاد التنفيذية والإدارية والإجرائية. كما تضمنت الحديث عن تحديد وضبط المفاهيم، وعن نشأة المذاهب الإسلامية وتطورها فقهياً وكلامياً وعلى مستوى أصول الفقه، وعن ميادين التقريب ومجالاته الفكرية والإعلامية والتربوية والاجتماعية، إلى جانب الحديث عن أهداف التقريب ومقاصده، وأخيراً عن سبل تنفيذ استراتيجية التقريب ووسائله، والحديث عن هذه الجوانب والأبعاد كان بصورة موسعة وشاملة.
وهذه الاستراتيجية تم إعدادها كما جاء فيها على أسس علمية وفكرية مجردة عن المؤثرات العاطفية، والتحيز المذهبي، وبأسلوب مرن محكم يجعلها ممكنة التحقيق، قابلة للبرمجة والتطبيق، إذ روعيت في هيكليتها شروط وضوابط متكاملة، وتم وضعها في إطار الممكن والمقبول.. وإنها إذا ما أعطيت حقها من التنفيذ والمتابعة فإن مسألة التقريب التي جسدتها في كامل بنيتها التنظيمية ـ مقدمة وأهدافا وأسساً ومضامين ووسائل ـ ليست بمستعصية الحل ولا صعبة المنال.
وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية تدعو إلى اتخاذ إجراءات متكاملة ومتماسكة على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وعلى المستوى الوطني تدعو هذه الاستراتيجية إلى وضع سياسة وطنية تستهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية، تتضمن خططاً عملية من شأنها أن تساعد المعنيين على إبراز حقيقة الاختلافات الفقهية من منظور إسلامي، باعتبارها ظاهرة فكرية، نابعة من منطلقات غير منافية للتشريع الإسلامي، وأن لها جذوراً إسلامية صحيحة مبررة، وبالذات منها ما كان في الوسائل والقضايا الاجتهادية المستنبطة من الأدلة الظنية، وإدماج مادة ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية في كل مناهج المراحل التعليمية وبصورة أخص في المعاهد والمدارس والجامعات الدينية ذات الطابع المتخصص في مواد التربية الإسلامية، ووفق أسس تربوية، والتركيز عليها في كل مسارات العملية التعليمية، والعناية بها كمادة تطبيقية. إلى جانب إجراءات أخرى تحدثت عنها الاستراتيجية.
ودعوتي أن هذه الاستراتيجية ينبغي أن تعرف وتعمم، وتتحول إلى إطار للتفكير في قضايا الأمة حاضرها ومستقبلها، وفي تقدمها وتمدنها1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 22 أكتوبر 2003م، العدد 13570.