نص الشبهة:
يقول الشيعة بأن «الإمامة واجبة لأن الإمام نائب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في حفظ الشرع الإسلامي، وتيسير المسلمين على طريقه القويم، وفي حفظ وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقصان» (الشيعة في التاريخ ص 44 ـ 45). ويقولون: بأنه «لا بد من إمام منصوب من الله تعالى، وحاجة العالم داعية إليه، ولا مفسدة فيه، فيجب نصبه..» (منهاج الكرامة ص 72 ـ 73). وأن الإمامة «إنما وجبت لأنها لطف.. وإنما كانت لطفاً؛ لأن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد، يردع الظالم عن ظلمه، ويحملهم على الخير، ويردعهم عن الشر، كانوا أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وهو اللطف» (أعيان الشيعة: 1 / 2 / ص 6). فيقال لهم: إن أئمتكم الاثني عشر ـ غير علي «رضي الله عنه» ـ لم يملكوا الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا، ولم يملكوا ردع الظالم عن ظلمه، وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر! فكيف تدعون لهم الدعاوى الخيالية التي لم تكن واقعاً أبداً؟! وهذا لو تأملتم ينقض كونهم أئمة ـ حسب مفهومكم ـ؛ لأنه لم يحصل منهم اللطف الذي تزعمون.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
تقدم ما يشبه هذا السؤال برقم 130 و 131 فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك، ونقول هنا:
أولاً: إن الإمامة إذا كانت بالنص الإلهي، وقد ثبت نصب الإمام لهذا المقام بالدليل، فإن الكلام في المهمات الموكلة إليه يصبح ثانوياً، وغير ذي أهمية، لأن ذلك تحسمه النصوص في دلالتها، وفي إمكانية الاعتماد عليها، والإستدلال بها.
ثانياً: إن الرئاسة والحاكمية إنما هي للأنبياء وللأئمة، لا للطواغيت والجبارين، فإذا تعدى الظالمون عليهم، وأزاحوهم عن مقاماتهم، فإن ذلك لا يبطل النصب الإلهي لهم، ولا يجعل الظالمين محقين في ذلك، بل هم معتدون وغاصبون ما ليس لهم بحق، وقد قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ … ﴾ 1.
مع أن هذه الغاية لم تتحقق بالنسبة للكثير من الأنبياء، بسبب تقصير الناس في معونتهم، فلم يوجب عدم تحقق هذه الغاية بطلان نبوتهم.
نعم.. لو كان هذا المقام انتخابياً، بمعنى أن البشر هم الذين يعطون النبي والإمام مقام الرئاسة، لصح ما ذكره السائل.. وتصبح دعوى أن للنبي وللإمام مقام الحاكمية والرئاسة دعوى خيالية لا واقع لها.
ولكن الأمر ليس كذلك..
ثالثاً: إن المقصود باللطف في نصب الإمام هو اللطف الإلهي بالبشر، بمعنى أنه تعالى هو الذي يختار لهم أفضل الناس لهدايتهم ورعايتهم، ويدلُّهم عليه، ويرشدهم إليه، وعليهم هم أن يرضوا بما اختاره الله تعالى لهم، وأن يطيعوا نبيهم وإمامهم، ويمكنوه من إدارة شؤونهم، ويعينوه على دفع الطامعين والظالمين، فإن لم يفعلوا فإنهم يكونون مقصرين وعاصين، وليس المقصود باللطف، لطف البشر أنفسهم، كما يوهمه كلام السائل.
رابعاً: إن مهمات الأئمة لا تنحصر بالرئاسة والحاكمية، حتى إذا سلبت منهم صاروا عاطلين عن العمل، ولم يعد لوجودهم فائدة. بل لهم مهمات عظيمة أخرى إلى جانب مهمة الرئاسة، منها أنهم هم المرجعية للأمة في كل ما ينوبها، وهم الهداة لها، وهم المرشدون والدعاة إلى الخير، والأعوان في الملمات والمربون، وهم الذين يحفظون الموازين التي يوزن بها الحق والباطل، خصوصاً في أمور الدين والعقيدة، وكل ما يتعلق بالمفاهيم والقيم، والأحكام والشريعة، وكل شيء. بالإضافة إلى مهمات أخرى بينتها الآيات والروايات.. ولأجل ذلك تجد الطغاة والجبارين لا يألون جهداً في ابتغاء الغوائل لهم، والتضييق عليهم، وإلحاق الأذى بهم.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 2.
- 1. القران الكريم: سورة الحديد (57)، الآية: 25، الصفحة: 541.
- 2. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (181).