الصداقة هي العلاقة الحميمة بين شخصين أو أكثر، و من ثمرات هذه العلاقة الحميمة هي التعاون على ما فيه الخير و المصلحة و الرقي و التكامل، و من الواضح أن الصداقة التي يُراد لها الاستمرار لا بُدَّ و أن تكون قائمة على أسس رصينة و قوية حتى لا تهزّها المصالح الشخصية و المادية الرخيصة.
الإسلام و إختيار الصديق
ينظر الإسلام إلى مسألة الصداقة أنها ليست علاقة عابرة، بل يرى أنها علاقة تنطوي على آثار ايجابية أو سلبية كبيرة، و للصداقة دلالات و تأثيرات مهمة على حياة الإنسان و سلوكه في حياته الدنيوية، كما و لها امتدادات واسعة تؤثر حتى على حياته الأخروية بعد مماته في عالم الآخرة، فلهذا نجد أن الإسلام قد أولى مسألة الصداقة إهتماماً كبيراً فحث الناس من جانب على إختيار الاصدقاء و الأصحاب بدقة عالية، كما و حذر من جانب آخر من سوء إختيار الصديق لما في ذلك من الأضرار الكبيرة التي قد لا تعوض.
ما هي أهم مواصفات الصديق الصالح ؟
إن من أهم مواصفات الصديق الذي يصلح لإختياره صديقاً هو صدقه مع من يصادقه و تطابقه في الفكر و المعتقد و الاخلاق بحيث يكون الصديق في علاقته و تعامله و صفاته و مختصاته و كأنه نسخة أخرى عن الإنسان بل كأنه هو، و هذا ما أشارت اليه الأحاديث الشريفة بألفاظ بليغة و موجزة:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: “الصَّدِيقُ أَقْرَبُ الْأَقَارِب” 1.
و قال عليه السلام: “الْأَصْدِقَاءُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فِي جُسُومٍ مُتَفَرِّقَةٍ” 2.
و قال عليه السلام: “الصَّدِيقُ إِنْسَانٌ هُوَ أَنْتَ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُك” 3.
الصداقة الناجحة
و لأن تكون الصداقة ناجحة و مستمرة فلا بُدَّ أن يكون الاصدقاء متقاربين في الأفكار و المستويات من جهات كثيرة، و كلما كان بينهما توافقاً و تطابقاً كلما كانت الصادقة أقرب إلى النجاح و أكثر عطاءً، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: ” …وَ النُّفُوسُ أَشْكَالٌ فَمَا تَشَاكَلَ مِنْهَا اتَّفَقَ، وَ النَّاسُ إِلَى أَشْكَالِهِمْ أَمْيَلُ” 4.
و قال عليه السلام: ” الصَّاحِبُ كَالرُّقْعَةِ فَاتَّخِذْهُ مُشَاكِلًا” 5.
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ رَوى عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنَّهُ قال: “أَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ خَالَطَ كِرَامَ النَّاس” 6.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “صَاحِبِ الْحُكَمَاءَ، وَ جَالِسِ الْحُلَمَاءَ، وَ أَعْرِضْ عَنِ الدُّنْيَا تَسْكُنْ جَنَّةَ الْمَأْوَى” 7.
و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: ” قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ وَ بَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ” 8.
و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “عَجِبْتُ لِمَنْ يَرْغَبُ فِي التَّكَثُّرِ مِنَ الْأَصْحَابِ كَيْفَ لَا يَصْحَبُ الْعُلَمَاءَ الْأَلِبَّاءَ الْأَتْقِيَاءَ، الَّذِينَ يَغْنَمُ فَضَائِلَهُمْ وَ تَهْدِيهِ عُلُومُهُمْ وَ تُزَيِّنُهُ صُحْبَتُهُمْ” 9.
من هو الصديق الشفيق ؟
الصديق المخلص و الشفيق هو الذي يريد للانسان الخير و السعادة الحقيقية، و ليس من يتماشى مع الانسان ليرضيه و ليكسب وده على حساب المصالح الحقيقية و المصيرية صديقاً شفيقاً.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “مَنْ دَعَاكَ إِلَى الدَّارِ الْبَاقِيَةِ وَ أَعَانَكَ عَلَى الْعَمَلِ لَهَا فَهُوَ الصَّدِيقُ الشَّفِيقُ” 10.
اختبار الصديق قبل اختياره
لا بُدَّ أن يتم إختيار الصديق بعد إختباره و التأكد من وجود المواصفات و الصفات اللازمة فيه، تلك المواصفات و الصفات التي تؤهله للصداقة.
قال أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام”من لم يُقدِّم في إختيار الإخوان الإختبارَ دفعه الإغترار إلى صحبة الأشرار” 11.
و قال أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام”قَدِّمِ الِاخْتِبَارَ وَ أَجِدِ الِاسْتِظْهَارَ فِي اخْتِيَارِ الْإِخْوَانِ، وَ إِ لَّا أَلْجَأَكَ الِاضْطِرَارُ إِلَى مُقَارَنَةِ الْأَشْرَارِ” 12.
و رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: “مَنْ غَضِبَ عَلَيْكَ مِنْ إِخْوَانِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقُلْ فِيكَ شَرّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ صَدِيقاً” 13.
و رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ: “لَا تُسَمِّ الرَّجُلَ صَدِيقاً سِمَةَ مَعْرِفَةٍ حَتَّى تَخْتَبِرَهُ بِثَلَاثٍ: تُغْضِبُهُ فَتَنْظُرُ غَضَبُهُ يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَ عِنْدَ الدِّينَارِ وَ الدِّرْهَمِ، وَ حَتَّى تُسَافِرَ مَعَهُ” 14.
- 1. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم: 42 ، حديث رقم: (725)، لعبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي ، المولود سنة : 510 هجرية ، و المتوفى سنة : 550 هجرية ، طبعة : مؤسسة الإعلام التابعة للحوزة العلمية بقم / إيران ، سنة : 1366 شمسية.
- 2. عيون الحكم و المواعظ: 63 ، حديث رقم: (1624) ، لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى، سنة 1418 هجرية، قم/إيران.
- 3. غرر الحكم و درر الكلم: 100، حديث رقم: 1879).
- 4. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)) : 75 / 92 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية.
- 5. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 63، حديث رقم : (1223).
- 6. من لا يحضره الفقيه : 4 / 395، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
- 7. عيون الحكم و المواعظ: 301 ، حديث رقم: (5345).
- 8. نهج البلاغة : 402، طبعة صبحي الصالح.
- 9. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 461 ، حديث رقم : ( 29 ).
- 10. عيون الحكم و المواعظ: 437، حديث رقم: (7569).
- 11. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 648، حديث رقم: (1269).
- 12. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 503، حديث رقم: (98).
- 13. الأمالي: 669، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، الطبعة السادسة، سنة : 1418 هجرية ، طهران / إيران .
- 14. الأمالي: 646، للشيخ محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة: 460 هجرية، الطبعة الأولى دار الثقافة، قم/إيران سنة: 1414 هجرية.