ورد عن الرسولِ الأعظم ﷺ أنَّه سُئِلَ: أينَ الله؟
فقال ﷺ: «عندَ المُنكسرةِ قلوبُهم» 1.
لا يسأل عن الله تعالى في وجود مادي وهو تعالى الذي لا يحويه مكان فهو معكم أينما كنتم، وإنما السؤال فيه حذف كلمة الرحمة واللطف، أي أي المواضع والأفعال التي نجد فيها لطفا إلهيا يخفف عنا أعباء ذنوبنا الثقال ونحظى من خلاله بالقرب منه سبحانه، وفي كل فعل يتقرب به المرء ويريد به وجهه الكريم ينال رضاه ولا يختص بأمر معين، ولكن هناك نفحات إلهية خاصة لا تعرف إلا من خلال لسان الوحي الناطق، ورسول الله ﷺ يدل السائل على موضع مهم تسكب عليه من خلال فعله الجوائز السنية، إنها القلوب المنكسرة والمفتقرة إلى سناد يقويها.
المشاعر الإنسانية تعبر عن الحالة الوجدانية للمرء ومصدر تفاعله مع مدركاته العقلية من جهة وما يحسه من مواقف وحالات يمر بها من جهة أخرى، وتتلون تلك الأحاسيس بحسب المواقف وتتقلب بينها ولا تجدها ثابتة تسير على وتيرة واحدة، فبينما تغمره الفرحة والانبساط لخبر أو موقف أو إنجاز حققه، تجده في حالة أخرى منقبض الفؤاد قد علاه الهم والحزن، وعدم الاستقرار في حالته الوجدانية بحد ذاته يدل على ضعف الإنسان وإن امتلك مقومات القوة والاقتدار في هذه الحياة، وهذا يدل على أنه في حالة احتياج وافتقار لما يقومه ويسنده.
انكسار القلب تارة ننظر له بنحو لا علاقة له بشيء آخر، وتارة أخرى ننظر له كتأثير بسبب عامل آخر، جعل من الانكسار نتيجة وردة فعل لما واجهه من إغضاب أو جرح عاطفي، والمعنى الأول هو الانكسار الوجودي أي يشعر الإنسان بضعفه وهشاشة بنيانه، فالإنسان أضعف موجود في هذا الكون ولكن طغيان النفس يمنعه عن إدراك هذه الحقيقة والتعامل الواقعي والفعال معها، وهذا التاريخ يحدثنا عن النمرود الطاغي والذي واجه نبي الله إبراهيم بالتمرد والتكذيب، قد هلك على يد مخلوق عجيب لا يكاد أن يرى، وهذه الأمراض والآفات تفتك به بسبب الميكروبات والفيروسات، فلا العمر مضمون مهما كانت حالته الصحية ولا أي شيء آخر في حياته، ومع هذه الحالة يتصور أن الإنسان يشعر بضعفه وافتقاره الوجودي للقوة المدبرة لشئون هذا الكون وهو الله عز وجل، والإحساس بالانكسار والضعف عامل إيجابي وحقيقة لا يمكن إنكارها وعلى أساسها ينبغي أن تنسج علاقته بالقوة المهيمنة، فانكسار القلب والإحساس بالفقر أمام الله عز وجل تحقيق لما ورد في الروايات الشريفة المتعلقة بمعرفة النفس، «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، والنتيجة الفعالة من انكسار القلب أمام العظمة الإلهية هي الخشية من الله تعالى والورع عن محارمه، فالإنسان يخشى من التدني إلى حريم الإنسان القوي مثله ويخاف مما يجره ذلك من عقوبة، فكيف بمن يقف أمام قدرة جبار الجبابرة ويتجاوز إلى خط السخط الإلهي؟
هذا الشعور الإيجابي طريق نحو نزاهة النفس من الرذائل والعيوب، ودافع قوي في ساحة العمل الصالح والاستزادة من الخيرات وصنع المعروف.
وتارة ينظر لانكسار القلب بسبب ما يتعرض له الفرد من تجاوز عليه أو تجاهل لوجوده أو توجيه كلمة مسيئة أو صدمة عاطفية تفقده الهدوء والطمأنينة، فيحتاج هذا الفرد الضعيف حينئذ إلى من يجبر خاطره ويخفف عنه عبء تلك الأزمة ويأخذ بيده حتى يتجاوزها ويعود إلى اتزانه الفكري والوجداني، فمن أعظم القربات إلى الله تعالى مواساة الآخرين في مصائبهم وآلامهم، إذ يرسل لهم رسالة إيجابية بأنه لا يعيش لوحده بل هناك من يسندونه ويساعدونه على النهوض مجددا، وبلا شك أن الهموم والمشاكل النفسية والضغوط الحياتية تشكل عامل انكسار للنفس، فيشعر المرء بعدم قدرته على العيش بسلام وأمان مع عدم القدرة على توفير مستلزمات الحياة الكريمة، فأصحاب القلوب البيضاء لا يقر لهم القرار مع قدرتهم على تغيير الواقع الصعب لأحد الضعفاء، فاليتيم من أبرز مصاديق الضعف في المجتمع فيحتاج إلى من يقف بجانبه ويوفر له بقدر الإمكان احتياجاته المالية الضرورية، ويمسح على رأسه ويخفف عنه آلام الفقد والحرمان العاطفي 2.
- 1. بحار الأنوار ج 73 ص 157.
- 2. المصدر: موقع الجهات الاخبارية.