نص الشبهة:
لماذا لم نجد عددا من الصحابة المخلصين مع الحسين مثل: جابر بن عبد الله و محمد بن الحنفية، عبد الله ابن جعفر، ابن عباس، وغيرهم؟
الجواب:
إذا كان المقصود أن يستدل على عدم صوابية خروج الحسين عليه السلام وثورته بعدم خروج أولئك الصحابة معه، فهذا يذكرنا بحوار أبان بن تغلب مع بعضهم، فعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ! فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي عليه السلام بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى عليه وآله ! فقال الرجل: هو ذاك، فقال أبان: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه 1.
وأما بالنسبة إلى الحادثة التاريخية
ـ فالذي يظهر أن الإمام الحسين عليه السلام لم يدع إلى الخروج معه من أول الأمر في المدينة، وإنما دعى أهل بيته، وبعض بني هاشم، وكانوا خارجين في وجهة أمرهم تلك إلى المدينة، ولذا فإن عددا كبيرا من الناس لم يدعهم الحسين عليه السلام إلى نصرته، مع إلتقائه بهم ورؤيتهم له خارجا من المدينة. خصوصا أن خروج الامام عليه السلام من المدينة كان أمرا سريعا، فبعد أن حصلت المواجهة الكلامية ليلا في قصر الامارة عند الوليد بن عتبة بين الامام الحسين وبين مروان بن الحكم، وأعلن الامام موقفه الصريح، لم يلبث إلا إلى نهار اليوم التالي حتى كان في طريق الخروج من المدينة إلى مكة، وهذا بلا شك لم يكن ليتيح له فرصة كافية للدعوة إلى النصرة بنحو عام 2.
بل إننا نجد أنه حتى حين خروج الحسين عليه السلام من مكة وقد تلاحقت الأحداث بنحو أكثر مما كانت في المدينة، لم يدع الإمام كل من لقيه لنصرته، وللالتحاق به.
وربما كان بعضهم لم يربطوا بين خروجه وبين ضرورة نصرتهم إياه، فقد مر عليه الفرزدق في التنعيم وسأله عن الناس هناك، وغادره الفرزدق ولا يظهر في الحوار بينهما أثر لدعوة الحسين إياه ولا في فهمه للزوم نصر الحسين. وهكذا بشر بن غالب الذي قيل إنه سأل الحسين عن قول الله (يوم ندعو كل أناس بإمامهم).. نعم في بعض الروايات نقل أنه دعا مثل عبد الله بن عمر فقال له في حواره إياه (فاتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي..). ومثل عبيد الله بن الحر الجعفي الذي قال له في جملة كلام (.. وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق).
وهكذا يظهر أن دعوة الامام الحسين عليه السلام العامة مقرونة بتوضيح أنه ليس ذاهبا لأجل الغنائم، وإنما للموت الذي (خط على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة..) فمن كان يتوسم فيه ـ بحسب حكم الظاهر ـ حرصه على السعادة والشهادة كان يدعوه. تلك الدعوة إنما كانت بعد أن عزم على الخروج من مكة. وتواصلت عند توقفه في منازل الطريق.
وبلغت ذروتها بالوصول إلى كربلاء. فكان يدعو الآخرين إلى نصرته، أو لا أقل الابتعاد عن الواقعة لو لم ينصروه، فإنهم لو تركوا نصرته، وهو يواجه القتل مع كونه الإمام المفروض طاعته على الناس، من يترك ذلك (أكبه الله على منخريه في نار جهنم) كما قال عليه السلام.
ثم إن بعض هؤلاء كانوا قد أبدوا صفحة عذرهم، فقد اعتذر مثلا صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي بزمانة (مرض مزمن مقعد) رجليه، وذلك عندما رجع الامام زين العابدين إلى المدينة مع عيال أبيه.
وقد قيل بالنسبة إلى محمد بن الحنفية أنه كان قد أبقاه الحسين عليه السلام ليكتب له ما يكون من أمر الحجاز، كما أنه قيل أنه أيضا كان قد أصيب في بدنه بحيث لم يكن يستطيع القتال. وابن عباس كف بصره في أواخر عمره ولعله كان كذلك حين خرج الامام إلى العراق 3.
- 1. رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب.
- 2. ذكر المحقق المقرم رحمه الله في كتابه مقتل الحسين أن الحسين دعا عبد الله بن عمر لما جاءه مودعا حين خروجه من المدينة، وقال له: اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ! ولكن الصحيح أن هذا الحوار لم يجر في المدينة وإنما حين عزم الحسين على الخروج من مكة إلى العراق.
- 3. من قضايا النهضة الحسينية، (أسئلة و حوارات): الجزء الثاني.