لقد وضع رسول الله صلى الله عليه و آله اللبنة الاولى للعزاء الحسيني ببكائه على مصائب الحسين عند ولادته و أيضاً بعد ذلك في مناسبات اخرى، ثم و بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام قام الامام السجاد بالدور البارز في مجال تأسيس المجالس الحسينية و إحياء الشعائر الحسينية.
الامام السجاد و اقامة مجالس العزاء
لقد بكى الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام اربعين سنة على أبيه الحسين عليه السلام، و جهد بكل ما في وسعه ليُبقي النهضة الحسينية حية نابضة، فكلما قدم اليه الماء و الطعام كان يبكي.
قال الامام الصادق عليه السلام: “أَمَّا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام فَبَكَى عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السَّلام عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلَّا بَكَى، حَتَّى قَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ!
قَالَ: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 1، إِنِّي لَمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلَّا خَنَقَتْنِي لِذَلِكَ عَبْرَةٌ” 2.
و عَنِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادِقِ عليه السَّلام: “أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، صَائِماً نَهَارُهُ، قَائِماً لَيْلُهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ جَاءَ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وَ شَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: كُلْ يَا مَوْلَايَ.
فَيَقُولُ: قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَائِعاً، قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً، فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَ يَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ بِدُمُوعِهِ، وَ يُمْزَجَ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ” 3.
وَ عَنْ عُمْرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السَّلام لَبِسَ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ السَّوَادَ وَ الْمُسُوحَ ، وَ كُنَّ لَا يَشْتَكِينَ مِنْ حَرٍّ وَ لَا بَرْدٍ ، وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام يَعْمَلُ لَهُنَّ الطَّعَامَ لِلْمَأْتَمِ ” 4.
الامام محمد الباقر و الدعوة إلى اقامة المجالس
الامام محمد الباقر عليه السلام يدعو الموالين لأهل البيت عليهم السلام إلى اقامة مجالس العزاء و البكاء على الحسين عليه السلام، فقد رَوَىَ عَلْقَمَة، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي حَدِيثِ زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ قُرْبٍ وَ بُعْدٍ، قَالَ: ” ثُمَّ لْيَنْدُبِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ يَبْكِيهِ وَ يَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ مِمَّنْ لَا يَتَّقِيهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، وَ يُقِيمُ فِي دَارِهِ الْمُصِيبَةَ بِإِظْهَارِ الْجَزَعِ عَلَيْهِ، وَ لْيُعَزِّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِهِمْ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام، وَ أَنَا ضَامِنٌ لَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جَمِيعَ ذَلِكَ، يَعْنِي ثَوَابَ أَلْفَيْ حَجَّةٍ، وَ أَلْفَيْ عُمْرَةٍ، وَ أَلْفَيْ غَزْوَةٍ “.
قُلْتُ: أَنْتَ الضَّامِنُ لَهُمْ ذَلِكَ وَ الزَّعِيمُ؟!
قَالَ: ” أَنَا الضَّامِنُ وَ الزَّعِيمُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ”.
قُلْتُ: وَ كَيْفَ يُعَزِّي بَعْضُنَا بَعْضاً؟
قَالَ: ” تَقُولُ: عَظَّمَ اللَّهُ أُجُورَنَا بِمُصَابِنَا بِالْحُسَيْنِ عليه السلام، وَ جَعَلَنَا وَ إِيَّاكُمْ مِنَ الطَّالِبِينَ بِثَأْرِهِ مَعَ وَلِيِّهِ وَ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَنْشُرَ يَوْمَكَ فِي حَاجَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّهُ يَوْمُ نَحْسٍ لَا تُقْضَى فِيهِ حَاجَةُ مُؤْمِنٍ، وَ إِنْ قُضِيَتْ لَمْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهَا وَ لَا يَرَى فِيهَا رُشْداً، وَ لَا يَدَّخِرَنَّ أَحَدُكُمْ لِمَنْزِلِهِ فِيهِ شَيْئاً فَمَنِ ادَّخَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِي أَهْلِهِ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ وَ أَلْفِ غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ كَانَ لَهُ كَثَوَابِ كُلِّ نَبِيِّ وَ رَسُولٍ وَ صِدِّيقٍ وَ شَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ” 5.
الامام الصادق و الدعوة إلى احياء الشعائر الحسينية
رَوى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمِصْبَاحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَلَى عَيْنَيْهِ كَاللُّؤْلُؤِ الْمُتَسَاقِطِ.
فَقُلْتُ: مِمَّ بُكَاؤُكَ؟
فَقَالَ: ” أَ فِي غَفْلَةٍ أَنْتَ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام أُصِيبَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ”؟!
فَقُلْتُ: مَا قَوْلُكَ فِي صَوْمِهِ؟
فَقَالَ لِي: ” صُمْهُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتٍ، وَ أَفْطِرْهُ مِنْ غَيْرِ تَشْمِيتٍ، وَ لَا تَجْعَلْهُ يَوْمَ صَوْمٍ كَمَلًا، وَ لْيَكُنْ إِفْطَارُكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِسَاعَةٍ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَجَلَّتِ الْهَيْجَاءُ عَنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله” 6.
الامامين الكاظم و الرضا و مجالس العزاء
رَوَى الشيخ الصدوق 7 رحمه الله عن ابْن مَسْرُورٍ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ الرِّضَا عليه السَّلام: “إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا.
إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ.
فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ “.
ثُمَّ قَالَ عليه السَّلام: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ” 8.
إلى غير ذلك من الاحاديث الدالة على دور أئمة أهل البيت عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء على سيد الشهداء عليه السلام و دعوة الناس لذلك، و ما أشرنا اليه ليس إلا القليل رعاية للاختصار.
- 1. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 86، الصفحة: 245.
- 2. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 3 / 280 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي، المعروف بالحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا (عليه السَّلام) و المدفون بها، طبعة : مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم/إيران.
- 3. وسائل الشيعة: 3 / 282 .
- 4. وسائل الشيعة: 3 / 238.
- 5. وسائل الشيعة: 14 / 509 .
- 6. وسائل الشيعة : 10 / 459 .
- 7. هو الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية.
- 8. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 44 / 283 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان، سنة: 1414 هجرية.