إنّ غيبة المهدي سلام الله عليه وظهوره كموت الخليقة وحشرها أمرٌ قدّره الله سبحانه وتعالى ـ حسب رأينا نحن الإمامية الاثنا عشريّة ـ ولم يستشر فيه أحداً ولم يوكّل أمره إلى أحّد غيره.
يعني أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق قدّر لهم النشأة الأولى هذه ، وقدّر لهم النشأة الأخرى ، شئنا أم أبينا ، كنّا في رضىً من ذلك أم كرهناه ، وذلك لحبنا لهذه العاجلة ، أو مع الأسف الشديد لأننا أسأنا العمل فنكره المواجهة مع آثام العمل وآثاره.
إنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للخلق أن تكون لهم نشأتان : نشأة في حياتهم الدنيا ، ونشأة أخرى في حياتهم الأخرى ، وهكذا أيضاً قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون عدد أوليائه إثني عشر ، لا يزيدون واحداً ولا ينقصون واحداً ، وقدّر لهذا الثاني عشر أن يغيب من بيننا وهو حي وأن يظهر في الزمن الذي اختاره الله سبحانه وتعالى بحكمته وقدّره بعلمه ، شئنا أم أبينا.
وأعني أنّنا لسنا مختارين ، ولم يجعل الله سبحانه خياراً لنا في أن نحيا ونحشر بعد أن نموت ، بحيث أنّنا إذا وجدنا في حياتنا الأخرى تلك منشأ لذّة أحببنا الحياة ، وإن وجدنا فيها آثاماً وسوء نتائج لسوء أعمالنا في هذه الحياة اخترنا أن يكون موتنا موتاً دائماً.
والذين قرأوا جداول أبي ماضي يعلمون بأن شبهة المعاد عنده أساسها هذه ، هذه الشبهة لو أردنا أن ننظر إليها من ناحية تندّر وظَرَفْ ، لابدّ وأنكم سمعتم أن هناك من يتندر فيقول : بأن الجوزة إن كان لابدّ لها من حامل ولا يكون إلّا شجرة باسقة سامقة كبيرة طويلة العمر ، فكيف بالبطيخة ، البطيخة لابدّ أن تكون شجرتها أكبر من شجرة الجوزة ، مع العلم بأن هذا تندّر أو تغفّل أو شيء آخر أسوء من هذين ، لماذا ؟ لأننا واجهنا في الحياة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للجوزة أن تكون ثمرة لشجرة باسقة ، وأن لا يكون للبطيخ إلّا هرش صغير.
فالعالم هو الذي يأخذ الحقائق كما هي ثم يستعين بها في حياته ، يعني بحيث أننا لو أردنا أن نستحصل الجوزة علينا أن نهيء أو نغرس شجرتها وننتظر وقد يكون انتظارنا يستمر سنين إلى أن نحصل على الثمرة ، وإذا أردنا أن نحصل على البطيخة ، فالبطيخة أهون بكثير في استحصالها من حيث الزمن ومن حيث الغرس ومن حيث العناية بالغرس ، وأسهل بكثير من الجوزة وشجرتها.
حقائق الحياة لا نملكها نحن ولا يملكها إلّا الله سبحانه وهو الذي قدّرها واستمرّ عليها ويستمر عليها لحكمته ، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
الإمام المهدي سلام الله عليه قدّر الله بحكمته أن يكون آخر الأئمة ، وأن يكون مهدي هذه الأمّة ، وأن يكون هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا فرق بين العبارتين ، إلّا ما يتخيّله الإنسان من أنّ كاف التشبيه قد تكون أهون من البعدية ، ولا فرق بين الأثنين بحسب الواقع ، وأنا أشير إلى مناقشات حصلت في الموضوع.
فالإمام المهدي سلام الله عليه إرادة الله في عالم الشريعة ، كما أنّ حشره سبحانه وتعالى لخلقه إرادته في عالم الخليقة والتكوين ، لا فرق بين الأثنين ، لم يستشر أحداً في الأولى أيّ في الحشر بعد الموت ، ولا يستشير أحداً في الثانية ، أيّ إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدّر أن يكون لهذه الأمّة مهدي يظهر في آخر الزمان ، وأن يكون من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومن ولد أمير المؤمنين عليه السلام والصديقة الكبرى سلام الله عليها ، وأن يكون من ولد الحسين عليه السلام ، « إنّ الله تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره … » (١).
وهذه حقيقة هامّة يجب أنْ لا نغفل عنها ، وهي أن إيماننا بالمهدي لا يرتبط بأنفسنا من ناحية ذاتية ، بحيث أني لو أحببت المهدي أؤمن به ، ولو لم أُحبّ لا أؤمن ، إيماني بالمهدي خضوع وتسليم لإرادة الله كإيماني بكلّ ما أراه من سنّة الله تبارك وتعالى في هذا الكون وسنّته في الخلق ، عليّ أن أنسجم وأن أجعل نفسي وحياتي ملائمة ومنسجمة مع سنّة الله ، سنن الله سبحانه وتعالى لا تكون بحيث يرضى بها أحد فتكون سنّة ويكرهها آخر فلا تكون سنّة بالنسبة إليه.
الهوامش
۱. الأمالي للطوسي ٣١٧ ج ٦٤٤.
مقتبس من كتاب الغيبة