الإنسان بدافع التكيف مع بيئته، والحفاظ على سمعته فإنه غالبا ما يتجنب الامور المستقبحة حتى لا يعيبه الناس، كما انه قد يتجنب المعايب خجلا من ربه وخالقه وهناك من يتركها حياء وخجلا من نفسه وهي الدرجة العليا، من هنا يمكننا أن نقسم الحياء الى ثلاثة اقسام:
أولا: الحياء من الناس: فقد يتحمل الانسان بعض ضغوط الحياة من اجل ان يبدو منسجما مع عادات مجتمعه وتقاليده، فعلى سبيل المثال قد يضطر للاقتراض ويجهد نفسه من أجل أن يقوم باللازم لعمل وليمة الزواج، تماشيا مع عادات مجتمعه حتى لا يكون عرضة لذمهم وانتقاصهم له، وقد تجد إنسانا فقيرا لا يملك قوت يومه لكنه يظهر في أفضل هيئة ممكنة حتى لا يبدي للناس ضعفه وفقره، وهذا النوع من الحياء هو الابرز والاكثر وضوحا وهو مطلوب في حدوده.
ثانيا: الحياء من الله تعالى: حينما يختلي الانسان بنفسه، وحيث لا يراه احد يخشى ان يؤنبه او يوبخه لكنه يترك القبيح لانه يخجل من خالقه الذي يطلع عليه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب اليه من حبل الوريد وفي بعض الاحيان يتركه ايضا امام الناس ولكن ليس خوفا من نقدهم وانما طاعة لخالقه، هذا النوع هو درجة من الحياء ارقى من سابقه، فاذا كان من الجميل ان يستحي الانسان من الناس فمن باب اولى واجمل ان يستحي الانسان من خالقه عز وجل.
ثالثا: الحياء من النفس: اذن ماذا يعني ان يستحي الانسان من نفسه؟ هل هناك ثنائية أي انه شيء ونفسه شيء اخر فيستحي منها؟ نعم حيث ان للانسان في شخصيته بعدين، بعد العقل والضمير وبعد الشهوات والاهواء ومن هذا البعد الاخير تأتي مشكلة الانسان فيتوجب عليه ان يجاهدها ببعده الاول بعقله وضميره، في نفس السياق يأتي معنى الحياء من النفس فشهواته واهواؤه تدفعه للقيام بعمل ما او التلفظ بكلمة ما، ولكن حين يستخدم عقله، ويحكم ضميره هل يقبل العقل هذا الامر؟ اذا كان الجواب لا، فكيف يمارس ما لا يرتضيه عقله؟ من هنا يتضح معنى الحياء من النفس، وهو الا يقوم الانسان بعمل يستقبحه العقل، ولا يرتضيه الضمير، وان يلتزم بالقيم حتى لو لم يكن هناك داع اجتماعي للالزام بها، فهو لا يتركها لان الناس ينتقدونه او يمدحونه، بل انها قد تتجاوز مسألة الرضا والسخط الالهي، فلا تبقى في حدود الحلال والحرام بل لان بعده الانساني لا يرتضي ذلك ويتسامى عليه.
ومن أبرز ثمرات هذا القسم الأخير ان الانسان يكون أقدر على مراعاة حق الاخرين البعيد منهم والقريب، من يستحق ومن لا يستحق، كما يكون ملتزما بالقيم والمبادئ في مختلف الظروف والاوضاع1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحةالشيخ حسن الصفار حفظه الله * نقلا عن جريدة الدار الكويتية 11 / 6 / 2011م.