نص الشبهة:
وقد ذكر أبو إسحاق السبيعي، وابن إسحاق، وغيرهما: أن الخمر قد حرمت سنة أربع من الهجرة (راجع تاريخ الخميس ج1 ص468، وج2 ص26 عن ابن إسحاق والمنتقى والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص200، وفتح الباري ج10 ص25 والسيرة الحلبية ج2 ص261، والغدير ج7 ص101 عن الإمتاع للمقريزي ص93 وغيره، وراجع: بهجة المحافل ج1 ص278.). وقال آخرون: إنها قد حرمت سنة ست، جزم به الحافظ الدمياطي، ورجحه القسطلاني (راجع تاريخ الخميس ج2 ص26، وفتح الباري ج10 ص25، والسيرة الحلبية ج2 ص261، والغدير ج7 ص101.). وقال آخرون: إنها قد حرمت سنة ثلاث (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص285 وراجع فتح القدير ج2 ص75، وتاريخ الخميس ج2 ص26 عن أسد الغابة، والسيرة الحلبية ج1 ص261.)، وآخرون: إنها حرمت سنة ثمان (فتح الباري ج8 ص209، وج10 ص25 .). قال أبو هريرة: لما نزل تحريم الخمر، كنا نعمد إلى الخلقانة الخ.. (الفائق للزمخشري ج1 ص310.). ومن المعلوم: أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر. ورأى آخرون: أن تحريمها كان في أول الهجرة، لقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا … ﴾ وهذا هو ما اختاره الجصاص والقرطبي فراجع: الغدير ج7 ص101 وج6 ص254 و 255.. قالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك (تاريخ بغداد ج8 ص358، والدر المنثور ج1 ص252، والغدير ج7 ص101 عنهما.).
الجواب:
تحريم الخمر قبل الهجرة
ونحن نقول: إن الخمر حرمت في مكة قبل الهجرة، ونستدل على ذلك بما يلي:
1 ـ عن معاذ بن جبل: إن أول ما نهى عنه النبي «صلى الله عليه وآله» حين بعث شرب الخمر، وملاحاة الرجال 1.<img alt=”” src=”http://islam4u.com/sites/all/modules/wysiwyg/plugins/break/images/spacer.gif”>
وعن أبي الدرداء، أو معاذ بن جبل، عن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان: شرب الخمر وملاحاة الرجال.
قال الأبشهي: إن هذا من أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» المتفق عليها 2.
وقريب من ذلك ما روي عن أم سلمة عنه «صلى الله عليه وآله»، وحسب نص البيهقي عن أم سلمة عنه «صلى الله عليه وآله»: كان أول ما نهاني عنه ربي، وعهد إلي بعد عبادة الأوثان، وشرب الخمر لملاحاة الرجال 3.
إلا أن يناقش في ذلك: بأن نهي الله له لا يستلزم أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد أبلغ ذلك للناس مباشرة، إذ لعل ذلك كان مختصاً به «صلى الله عليه وآله» لفترة من الزمن.
ويمكن الجواب، بأن جعله مقترناً بعبادة الأوثان يشعر بأنه على حده ومن قبيله، في التشريع وفي التبليغ..
هذا عدا عن أن رواية معاذ صريحة في أن الخمر كانت من أول ما نهى عنه النبي «صلى الله عليه وآله»، إلا أن تقرأ «نهي» بالبناء للمفعول.
قال العلامة الطباطبائي «رحمه الله»: «وقد تحقق بما قدمنا في تفسير آية الخمر والميسر: أن الخمر كانت محرمة من أول البعثة، وكان من المعروف من الدين: أنه يحرم الخمر والزنى» 4.
2 ـ وقد روى الكليني والشيخ الطوسي «رحمهما الله»: ما يدل على أن الله ما بعث نبياً إلا وفي علم الله عز وجل: أنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراماً الخ.. 5.
فالخمر إذاً قد كانت محرمة في الشرائع السابقة، وقد جاءت هذه الشريعة لتتميم ما سبق، ولم ينسخ هذا التحريم، بل قد جاء التأكيد عليه، كما هو معلوم.
3 ـ قال أبو حاتم: كان النبي «صلى الله عليه وآله» يدعو الخلق إلى الله وحده لا شريك له، وكان أبو جهل يقول للناس: «إنه كذاب يحرم الخمر، ويحرم الزنى» 6.
4 ـ قال تعالى في سورة الأعراف التي نزلت في مكة قبل الهجرة: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ … ﴾ 7.
وقد فسر أئمة أهل البيت «عليهم السلام»: «الإثم» في الآية بالخمر 8.
كما أن أهل اللغة قد قرروا: أن الإثم معناه الخمر، قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي *** كذاك الإثم يذهب بالعقول
وقال آخر:
نهانا رسول الله: أن نقرب الخنا *** وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا
وقال آخر:
يشرب الإثم بالصواع جهاراً *** ترى المسـك بيننا مستعارا 9
هذا كله، عدا عن أن كون الخمر من الفواحش ظاهر، فإن العرب كانوا يدركون سوءها كما يظهر من الحلبي 10.
ولذا نرى: أن عدداً كبيراً منهم ممن يحترم نفسه، وشرفه، وسؤدده، قد حرمها على نفسه، كأبي طالب «عليه السلام»، وعبد المطلب 11، وجعفر بن أبي طالب 12، وقيس بن عامر، وعامر بن الظرب، وصفوان بن أمية، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم عن قريب.
بل إن عبد الله بن جدعان، الذي كان مولعاً بها، قد صرح بأنهم كانوا يسمونها بالسفاه، وأنه آنس بسببها الهوان، فهو يقول:
شربت الخمر حتى قال قومي *** ألست عن السفاه بمستفـيق
وحتى ما أوسد في مبيت *** أبـيت بـه سوى الترب السحيق
وحتى أغلق الحانوت مالي *** وآنـست الهوان من الصديق
ثم حرمها على نفسه ؛ فلم يقربها 13.
وبعد نزول هذه الآية، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ فلا يعقل أن يعتبرها العرب إلا من الفواحش. ثم إن عطف الإثم الذي هو الخمر على الفواحش، من باب عطف الخاص على العام، لمزيد الاهتمام به، وحرصاً على الردع عنه، لأنه مما تألفه النفوس عادة وتميل إليه، فيحتاج إلى مزيد من التأكيد والتكرار.
5 ـ لقد روى جماعة من المؤرخين: أن أعشى قيس خرج إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يريد الإسلام، وقد مدحه بقصيدة أولها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا *** وبت كما بات السليم مسهدا
فلما كان بمكة أو قريباً منها، اعترضه بعض مشركي قريش ـ أبو جهل أو أبو سفيان كما سنرى ـ فسأله عن أمره ؛ فأخبره أنه جاء ليسلم، فقال له:
«يا أبا بصير، إن محمداً يحرم الزنى!
فقال الأعشى: والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب.
فقال: وإنه ليحرم الخمر!
فقال الأعشى: أما هذه ففي النفس منها لعلالات. ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا، ثم آتيه فأسلم، فانصرف راجعاً، ومات في عامه» 14.
وناقش البعض هذه الرواية: بأن الخمر إنما حرمت في سورة المائدة، وهي آخر ما نزل من القرآن. وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة والشارفين. فإن صح خبر الأعشى، وما ذكر له في الخمر، فلم يكن هذا بمكة، وإنما كان بالمدينة، ويكون القائل له: أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين، أو من اليهود، فالله أعلم. وفي القصيدة مما يدل على هذا قوله «فإن لها في أهل يثرب موعداً».
وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ـ وهو مقبل إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فذكر له: أنه يحرم الخمر، فرجع، فهذا أولى بالصواب 15.
وفي رواية أبي الفرج، وابن قتيبة: أن أبا سفيان هو الذي كلم الأعشى، وأن ذلك كان والمشركون مع الرسول «صلى الله عليه وآله» في هدنة 16. ولكن هذه المناقشات لا يمكن قبولها، فإن قصة الشارفين قد تقدم أنها لا يمكن أن تصح.
وكونها إنما حرمت في سورة المائدة أيضاً قد تقدم ما فيه، وأنها قد حرمت قبل ذلك في سورة مكية.
كما أن نزول القرآن بتحريمها لا ينافي تحريمها على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك.
وأما قولهم: إن عامر بن الطفيل هو الذي قال للأعشى ذلك. فلا يمكن قبوله، إذ قد صرح آخرون: بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو جهل، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة في مكة 17 وأبو جهل قتل في بدر قبل نزول سورة المائدة، وقبل هدنة الحديبية بسنوات.
أما رواية القتيبي، وأبي الفرج فقد صرحت بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو سفيان 18.
وبعد تحديد تلك الروايات: أن هذا قد جرى قرب مكة، بل وفي مكة نفسها، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة، فلا يمكن الالتفات إلى رواية أخرى ربما يكون الرواة قد تصرفوا فيها لتلائم ما يعتقدونه من أن الخمر قد حرمت بعد الهجرة.
ولربما يكون هذا هو السر في تبديلهم كلمة «يثرب» بكلمة «مكة» في الشعر المنسوب إليه، وهو الدالية المتقدمة. وإذا كان ذلك القول قد قيل في مكة أو بالقرب منها، فلا يعقل أن يكون ذلك بعد الهجرة، وذلك لأن الأعشى كان يسكن: «منفوحة» باليمامة، والطريق بينها وبين المدينة مستقيم لا يمر على مكة، والمرور على مكة لا يكون إلا بقصد مستقل لها، إذ لا يعقل سلوك طريق دائري كهذا لمن يريد المدينة. ولعل فيما ذكرناه كفاية.
لا تدرج في تحريم الخمر
وفي مجال آخر نقول:
إنه ليس ثمة تدرج في تحريم الخمر كما ادعاه بعضهم 19، وإنما حرمت بشكل نهائي وقاطع في مكة ؛ ثم صارت تحصل تعديات ومخالفات ؛ فكان يتكرر النهي عنها لأجل تلك المخالفات في الموارد الخاصة.
ويظهر ذلك من ملاحظة خصوصيات الآيات والموارد التي نزلت فيها.
والظاهر: أن إلف الناس للخمر، وحبهم لها، والتذاذهم بها ـ مع أنهم يدركون مساوئها ـ يدل على أن تركها كان صعباً عليهم ؛ لأنهم يرون أن ذلك لسوف يفقدهم لذة تحبها نفوسهم، وأليفاً تهفو إليه قلوبهم. ولذلك تراهم يسألون عنها، ويكررون السؤال، ويجيبهم القرآن ببيان مساوئها، وبالزجر عنها، ولكنهم عنها لا ينتهون، وغير معاقرتها لا يطلبون، وهم بذلك لأحكام الله يخالفون. حتى الكبار منهم، وحتى أبو بكر، وعمر، وابن عوف وغيرهم 20 كما سيأتي عن قريب.
بل يظهر: أن بعضهم لم يتركها حتى وفاة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» 21.
بل يروي ابن سعد: عن الشعبي: أنه مر على مسجد من مساجد جهينة فقال: «أشهد على كذا وكذا من أهل هذا المسجد من أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» ثلاثمائة يشربون نبيذ الدنان في العرائس» 22.
انتهينا! انتهينا
ويقولون: إنه بعد حرب بدر شرب عمر الخمر، وشج رأس عبد الرحمن بن عوف بلحى بعير، ثم قعد ينوح على قتلى بدر من المشركين في ضمن أبيات تقول:
وكائن بالقليب قليب بدر *** من الفتيان والعرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بـدر *** من الشيزى المكلل بالسنام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا *** وكيف حياة أصـداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني *** وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عنـي *** بأني تارك شهـر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي *** وقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك الرسول ؛ فخرج مغضباً، فرفع شيئاً كان في يده ؛ فضربه به، فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ 23.
فقال عمر: انتهينا، انتهينا 24.
وتعبير عمر ب «انتهينا انتهينا» موجود في عشرات المصادر، وإن كانت هذه القصة لم تذكر فيها 25.
وسورة المائدة من أواخر ما نزل، بل يقال: إنها نزلت في حجة الوداع.
وهذا يعني: أنهم ما كانوا يلتزمون كثيراً بالنواهي الواردة عن شرب الخمر، كما أشرنا إليه آنفاً.
وعلى كل حال، فإن روايات شرب عمر للخمر بعد الهجرة كثيرة جداً 26 وقد أتي في خلافته بأعرابي قد سكر فطلب له عذراً، فلما أعياه قال: إحبسوه فإن صحا فاجلدوه، ودعا عمر بفضله ودعا بماء فصبه عليه فكسره، ثم شرب وسقى أصحابه، ثم قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه.
قال: وكان يحب الشراب الشديد 27.
بل نجد: أن ركوة عمر كانت تسكر كل من يشرب منها، حتى بعد توليه الخلافة، وقضية إقامته الحد على من شرب من ركوته فسكر معروفة.
وقد اعترض عليه بقوله: «يا أمير المؤمنين إنما شربت من ركوتك» ؟! فكان اعتذار عمر عن ذلك بأنه إنما حده لسكره لا لشربه!! 28.
وهذا فقه جديد، ما عهدناه من غيره!! وقد أخذ به بعضهم، حين ذكر: أن السكر كان حراماً، لكن الشرب لم يكن محرماً، ثم ورد تحريم الشرب بعد الهجرة بسنوات 29.
والكلام حول هذا الموضوع طويل جداً لا مجال له هنا.
تحريف متعمد
والغريب في الأمر: أن الرواية الآنفة الذكر، قد ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار ناسباً لها إلى عمر بن الخطاب كما رواها غيره، واستدل بها الفقهاء الذين يرون في الصحابة مثالاً يحتذى في كل شيء. ولكن محمد بن قاسم الذي انتخب كتابه من ربيع الأبرار بالذات وسماه: «روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار» قد تعمد تحريف هذه القضية، فذكر اسم علي «عليه السلام» بدل اسم عمر 30. «فتبارك الله أحسن الخالقين».
وأما أبو بكر
فيقول الفاكهي: إن الذي أنشد الأبيات المتقدمة في رثاء قتلى بدر هو أبو بكر، ومطلع الأبيات هكذا:
تحيي أم بكر بالسـلام *** وهل لي بعد قومك من سلام 31
واعتمد نفطويه على هذه الرواية، فقال: شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم، ورثى قتلى بدر من المشركين 32.
ويؤيده رواية رواها أبو الجارود، عن أبي جعفر «عليه السلام» في هذا الشأن، فلتراجع 33.
وقد بلغ شيوع شرب أبي بكر للخمر حداً اضطرت معه عائشة إلى التصدي للدفاع عن أبيها: فكانت تقول: «ما قال أبو بكر شعراً قط في جاهلية ولا إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية» 34.
وعنها: «لقد حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية» 35.
ويظهر: أن أم المؤمنين قد فشلت في الدفاع عن أبيها، ولذلك نرى الزهري يروي عن عروة، عن عائشة: أنها كانت تدعو على من يقول: إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة، ثم تقول: «والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام» 36 ثم تنسب القضية إلى رجل آخر يُدَّعى أن اسمه أبو بكر بن شعوب.
ولكننا لا ندري ما تقول أم المؤمنين في قولهم المعروف: «كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة» 37.
بل ذكر البعض: أن الخلفاء الأربعة كانوا أشعر الصحابة، وكان أبو بكر أشعر الخلفاء، وقد جمع البعض له ديواناً تعجز عن تقريضه أفواه المحابر، وألسنة الأقلام، رتبه على حروف المعجم 38.
ويعلق العلامة الأميني على تعليق الحكيم الترمذي على حديث شرب أبي بكر للخمر بقوله: «هو مما تنكر القلوب» 39.
فيقول: «فكأن الترمذي وجد الحديث دائراً سائراً في الألسن، غير أنه رأى القلوب تنكره» 40.
كما أن العسقلاني قد حذا حذو الترمذي، فإنه بعد أن ذكر أن ابن مردويه يذكر أبا بكر وعمر في من شرب الخمر في بيت أبي طلحة قال: «وهو منكر، مع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطاً» 41.
ثم إنه بعد ذكره لقضية: «تحيي أم بكر بالسلام» قال: «وأبو بكر هذا يقال له: ابن شغوب، فظن بعضهم أنه أبو بكر الصديق، وليس كذلك.
ولكن قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق، فحصلنا على تسمية عشرة» 41.
فهو كما ترى قد عاد وأقر بأن أبا بكر كان فيمن شرب الخمر في بيت أبي طلحة 42.
الكذب على علي عليه السلام
بقي أن نشير إلى أننا نشهد لدى بعض الناس حرصاً شديداً على حشر علي أمير المؤمنين «عليه السلام» في أمر مشين كهذا.. فبذلوا محاولات عديدة ومتنوعة في هذا السبيل.
ولكنها كانت محاولات فاشلة وعقيمة، فإن الكل يعلم: أنه «عليه السلام» قد تربى في حجر النبوة، وتهذب وتأدب منذ نعومة أظفاره بأدب الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله»؛ ولم نعهد منه إلا الامتثال والخضوع المطلق لأوامر وتوجيهات معلمه وسيده ومربيه، حتى لقد أثر عنه قوله: «أنا عبد من عبيد محمد».
وسيرته عليه الصلاة والسلام خير شاهد ودليل على ما نقول، ولسوف نقرأ: أنه حينما قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم خيبر: «إذهب، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك»، مشى «عليه السلام» هنيهة، ثم قام، ولم يلتفت للعزمة. ثم قال: على ما أقاتل الناس ؟!
قال النبي «صلى الله عليه وآله»: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الخ..» 43.
ولعله لأجل هذا بالذات تقرأ أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يأمر رسوله إلى علي «عليه السلام»: أن لا يناديه من خلفه 44.
وهو بعد ذلك كله، من أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وإن رغمت أنوف الحاقدين والشانئين.
وأما بالنسبة للصحابة، فلو أردنا استقصاء مخالفاتهم في هذا المجال، لملأنا عشرات الصفحات من أحداث، ومن مصادر لها. والحر تكفيه الإشارة 45.
- 1. الغدير ج7 ص101 عن أوائل السيوطي ص90، والبحار ج2 ص127، وقصار الجمل ج1 ص183 وج2 ص23 و 12، وراجع ص22 عن الوسائل العشرة باب 126 ج8.
- 2. مجمع الزوائد ج5 ص53 عن البزار والطبراني، والبحار ج2 ص127 بسند صحيح، والمستطرف ج2 ص220.
- 3. راجع: مجمع الزوائد ج5 ص53 عن الطبراني، وليراجع: سيرة المصطفى ص369، والدر المنثور ج2 ص326 عن البيهقي.
- 4. تفسير الميزان ج16 ص163.
- 5. الكافي ج6 ص395، وليراجع باب: (أصل تحريم الخمر: والتهذيب للشيخ).
- 6. الثقات لابن حبان ج1 ص69.
- 7. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 33، الصفحة: 154.
- 8. الكافي للكليني ج6 ص406.
- 9. راجع في هذه الأشعار، كلا أو بعضاً: مجمع البيان في تفسير الآية في سورة الأعراف، ولسان العرب ج2 ص272، وتاج العروس ج8 ص179، وفتح القدير ج2 ص201، والغدير ج6 ص254.
- 10. راجع: السيرة الحلبية ج1 ص138.
- 11. السيرة الحلبية ج1 ص113.
- 12. قاموس الرجال ج2 ص369 عن الأمالي.
- 13. نسب قريش لمصعب الزبيري ص292.
- 14. سيرة ابن هشام ج2 ص25 ـ 28، والأغاني ط ساسي ج8 ص85 و 86، والبداية والنهاية ج3 ص101 و 102، والروض الأنف ج2 ص136، وسيرة مغلطاي ص25، وتفسير الميزان ج6 ص134، والسيرة الحلبية ج2 ص262، ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص418، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص135.
- 15. راجع: الروض الأنف ج2 ص136، والبداية والنهاية ج3 ص103، وسيرة مغلطاي ص25.
- 16. الأغاني ط ساسي ج8 ص86، والشعر والشعراء ص136.
- 17. الروض الأنف ج2 ص136، والسيرة الحلبية ج2 ص262، وليراجع البداية والنهاية ج3 ص103.
- 18. الأغاني ج8 ص86، والشعر والشعراء ص136.
- 19. راجع: بهجة المحافل ج1 ص278.
- 20. راجع: الدر المنثور وتفسير الطبري، وجميع التفاسير، في آيات الخمر في سورة البقرة، والأعراف والنساء والمائدة، وجميع كتب الحديث في أبواب الأشربة حين الكلام على تحريم الخمر.. والغدير للعلامة الأميني ج7 ص95 ـ 103 وج6 ص251 ـ 261.
- 21. راجع حول شرب الصحابة أو بعضهم للخمر: الدر المنثور ج2 ص321 و 322 و325، والكامل في التاريخ ج2 ص569.
- 22. الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج6 ص175.
- 23. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 91، الصفحة: 123.
- 24. المستطرف ج2 ص220، وتفسير البرهان ج1 ص370 و 498، والميزان ج1 ص136، والغدير ج6 ص251 عن الزمخشري في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات، والقصف واللعب. والرواية من دون تصريح بالاسم موجودة في تفسير جامع البيان ج2 ص211 ونقلت الرواية عن: مسند أحمد ج1 ص53، وسنن النسائي ج8 ص287، وتاريخ الأمم والملوك ج7 ص22، وسنن البيهقي ج8 ص285، وأحكام القرآن ج2 ص245، ومستدرك الحاكم ج2 ص278، والجامع لأحكام القرآن ج5 ص200، وتفسير الخازن ج1 ص513، وفتح الباري ج8 ص225، والدر المنثور ج1 ص252.
- 25. راجع في هذه المصادر الغدير ج6 ص252 و 253، وفتح الباري ج10 ص25.
- 26. راجع: الموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج3 ص89، والدر المنثور في تفسير الآيات المشار إليها، وأي كتاب تفسيري، أوحديثي آخر، ولا سيما كتاب الغدير للعلامة الأميني الجزء الخامس والسادس والسابع، والمبسوط ج24 ص7 و8، وكنز العمال ج2 ص109، وعن محاضرات الراغب ج1 ص319، والسنن الكبرى ج8 ص299، والغدير ج6 ص257، والطبقات الكبرى ج6 ص97، وإزالة الخفاء، والطبقات الكبرى ج3 ص341 و355 و354 و346 و351 و352، والإمامة والسياسة ج1 ص26، وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص13، والإستيعاب (هامش الإصابة) ج2 ص269، وأسد الغابة ج4 ص75 و76، وتاريخ الخميس ج2 ص249، وتاريخ الخلفاء ص134، والكامل في التاريخ ج3 ص51، والرياض النضرة ج2 ص91 و 93 و 95، وحياة الصحابة ج2 ص306.
- 27. جامع مسانيد أبي حنيفة ج2 ص192، والآثار للشيباني ص226، والسنن للنسائي ج8 ص326، وأحكام القرآن ج2 ص565، وراجع فتح الباري ج10 ص34.
- 28. راجع: فتح الباري ج10 ص34، ولسان الميزان ج3 ص27، وربيع الأبرار ج4 ص63، وراجع: مصنف الحافظ عبد الرزاق ج9 ص224، والعقد الفريد ط دار الكتاب ج6 ص369، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص464، وحاشية ابن التركماني على سنن البيهقي المطبوعة معه ج8 ص306، والغدير ج6 ص257 / 258 عنه، وعن كنز العمال ج8 ص110.
- 29. راجع: فتح الباري ج10 ص33.
- 30. راجع: روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص142.
- 31. الإصابة ج4 ص22، ونوادر الأصول ص66، وراجع: فتح القدير ج1 ص472 عن ابن المنذر، وذكر الطبري الرواية محرفة في تفسيره.
- 32. الإصابة ج4 ص22.
- 33. البحار ج63 ص487، وج76 ص131 ط مؤسسة الوفاء.
- 34. الصواعق المحرقة ص73 عن ابن عساكر بسند صحيح.
- 35. الصواعق المحرقة ص73 عن أبي نعيم بسند جيد، وفتح الباري ج10 ص31.
- 36. نوادر الأصول ص66، والمصنف ج11 ص266 و 267، والإصابة ج4 ص22، والصواعق المحرقة ص73.
- 37. كنز العمال ج15 ص97 عن ابن عساكر، وراجع: أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص152 و 114، وترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج3 ص242، وفي هامشه عن كتاب الرجال لأحمد بن حنبل ج1 ص313 ط1.
- 38. التراتيب الإدارية ج1 ص211.
- 39. نوادر الأصول ص66.
- 40. الغدير ج7 ص96.
- 41. a. b. فتح الباري ج10 ص31، والغدير ج7 ص97/98.
- 42. وراجع: ترجمة سعيد بن ذي لعوة في لسان الميزان، وغيره وراجع: الغدير ج6 ص251 ـ 261، وج7 ص95 ـ 103، وجميع كتب الحديث في أبواب الخمر، وجميع كتب التفسير في تفسير الآيات، وغير ذلك.
- 43. صحيح ابن حبان (مخطوط في مكتبة قبوسراي في إستانبول) ترجمة علي (عليه السلام)، وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص93، والغدير ج10 ص202، وج4 ص278، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، وترجمة علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص159.
- 44. المصنف للصنعاني ج5 ص217 وغيره، والبحار ج73 ص223 و325 عن قرب الإسناد ص76.
- 45. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء السادس.