الباحِث: سَلَام مَكيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أَشرف الأَنبياء والمُرسلين، أَبي القاسم مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين، والطَّيِّبين الطَّاهرين…
أمَّا بعد…
فإن الله جلّ وعلا، أعطى للإنسان العديد من النعم، التي لا تعد ولا تحصى، كيفية استيعابه لأمور المجتمع، والتدبير والتّعامل مع أفراد هذا المجتمع الذي يحتويه ويعيش فيه، بعقلٍ متزنٍ وجدّية، وله نظرة بعيدة في عواقب الأمور، ولا يأخذ الأمور بسفاهة عقلٍ واللامبالاة، وممكن أن نسمّي على من تتوفّر به هذه الصّفات بـ(أعقل النَّاس)، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، أنَّه قال: (أعقل النَّاس أنظرهم في العواقب)[1]، فإذن (أعقل النَّاس) ليس الذي يأخذ الأمور ويتصرّف بها على هواه، ولكن عليه أن يميّز بين الصَّح والخطأ، وبين الحقّ والباطل، ولا يتجاوز حدود الله تعالى، وهذا باستعماله بالنّعمة التي منَّ بها عليه خالقه سبحانه، وهي: نعمة العقل، التي أعطاه الله تعالى له، والذي أصبح بسببه (أعقل النَّاس)، فهنا يصبح هذا العبد قريبًا من الله تعالى، فتأكيدًا لقولنا هذا، ما روي عن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، من كلام في هذا الشَّأن، إذ إنَّه قال: (أعقل النَّاس أقربهم إلى الله سبحانه)[2].
وأيضًا إن (أعقل النَّاس)، هو من يكون بعيدًا عن الاشياء الدّنيَّة جميعها، التي تعكّر مساره الصَّحيح، ولا يقربها ويكون مترفّعًا عنها بقدر ما يمتلكه من قوّة إيمانيَّة وعقليَّة، فروي عن الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، إنَّه قال: (أعقل النَّاس أبعدهم عن كلّ دنيَّة)[3].
وإنَّ (أعقل الناس)، تكون لديه ميزة خاصَّة به وهي ميزة تحمّله ما يصدر من الآخرين تّجاهه من سلبيّات وسوء تصرّف، ولا يتعصَّب ممَّا لاقاه منهم، ويكون متزنًا ولم يصدر منه شيء تجاههم، ولا يسلك مسلكهم في التّعامل مع النَّاس، ويكون صامتًا، وممكن أن نقول بصمته هذا، قد قام بعقوبتهم عقوبة نفسيّة شديدة، فروي عن سيِّد الموحّدين (عليه السَّلَام)، إذ إنَّه قال: (أعقل الناس من لا يتجاوز الصمت في عقوبة الجهال)[4]، فنسأل الله تعالى في الختام، أن يجعلنا وإيّاكم من الذين يتصرَّفون في الأمور بأسلوب عقليّ متَّزن، وأن الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلق الله، أبي قاسم مُحَمَّد وآله الأطهار، واللّعن الدَّائم على أعدائهم من الأوَّلين والآخرين، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار…
الهوامش:
[1] غُرر الحكم ودُرر الكلِم، عبد الواحد الآمدي التّميمي: 39.
[2] المصدر نفسه: 39.
[3] موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام)، الشَّيخ هاديّ النَّجفيّ: 3/466.
[4] العقل والجهل في الكتاب والسُّنَّة، مُحمَّد الرّيشهري: 139.
المصدر: http://inahj.org