لماذا أنا مبتلى بقسوة القلب؟ لماذا لا أتفاعل مع دعاء ولا موعظه ولا مع ذكر؟ لماذا أصر على المعاصي من دون تراجع ومن دون ندم؟
ماهي الأسباب:
السبب الأول: ترادف الذنوب من دون توبه
الإنسان عندما يصنع الذنب ويبادر إلى التوبه ﴿ … تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا … ﴾ 1 عندما يبادر إلى الندم تأنيب النفس وتقريعها يسهل عليه أن يرجع، ولكن عندما تترادف الذنوب ذنبٌ وذنب، أكذب وأغتاب، أعقُ والديّ وأقيم علاقات غير مشروعه، أظلم الناس وأكل الحرام، لا أخرج الحقوق الشرعيه، ذنبٌ على ذنب، خطيئه على خطيئه ومعصيه تليها معصيه، عندما تترادف الذنوب ينجم عنها قسوة القلب، ورد عن الإمام الباقر : ”إذا أذنب الإنسان خرج في قلبه نُكتةٌ سوداء فإن تاب إنمحت وإن عاد عادت حتى تغلبَ على قلبه فلا يُفلح بعدها أبدا وذلك قوله تعالى ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ 2“ صار القلب مصبوغ بالرين وهو الصبغ الأسود، صار قلبي قطعة سوداء لا نور فيها ولا حياة فيها نتيجة ترادف الذنوب وأنا أحتاج أن يكون قلبي قطعة مشرقة بيضاء نتيجة الندم على الذنوب والحسرة عليها.
السبب الثاني: التعلق بالملذات
حياتنا كلها حياة ترف وملذات وحياة ماديه ليس فيها روح ولا نبضٌ أخروي كُلها من قرعها إلى قدمها منغمسه في الحياة الماديه، لماذا؟ لأننا مشغولون بأشكالها وبصورها ومشغول بشكلي بأن أتجمل وأتلطف وخصوصاً إذا كنتُ شاباً وعنفوان المراهقه أكون مشغولٌ بتحسين مظهري أو مشغولٌ ببطني بأن أفكر ماذا أأكل؟ بدل أن أفكر ماذا أذنبت وماذا أخطئت، فأنا أركز على الأكل اللذيذ ولا أركز على الذنب والمعصيه وماذا صنعت وماذا فعلت؟ أكون مشغول ببطني والسيارة الجميله والبيت، الأثاث الجميل أركز دائماً على جمال المظهر والشكل ولا أركز على جمال الروح وعلى جمال النفس ﴿ … وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ 3 وورد عن النبي : ”لا تميتُ القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلوب تموت كما يموت الزرع إذا كثر عليه الماء“ أنكم تركزون على الملذات.
السبب الثالث: صديق السوء
هل أسأل نفسي من هم أصدقائي؟ هل أصدقائي يذكرونني بالله وأنهم يذكرونني بالآخرة؟ أم أنهم لا يذكرونني إلا بالفلم الكوميدي ومباراة كرة القدم والأسهم وماذا صار ومالم يصر، ما سمعتُ من أصدقائي أنهم يذكرونني بالمسجد، ويقولون هل حضرت صلاة الجماعه؟ هل يذكرونني بالقبر وبالآخرة؟
صديق السوء هو المنغمس في العالم المادي يغمسُني معه ويجرني معه فأنا أعيشُ في أجوائاً الماديه كما يعيشها، لذلك ورد عن النبي : ”خمس خُصال يُقسين القلب: الإصرار على الذنب، ومجاراة الأحمق، وكثرة مناقشة النساء، والوحده، ومجالسة الموتى“ قيل يارسول الله منهم الموتى؟ قال: ”كل مترفٍ فهو ميت وكل من يُصر على معصية ربه فهو ميت“
مجاراة الأحمق: الأحمق الذي يستفزني ويُثيرني أنا أجاريه فأغضب وأستفز والغضبُ جمرة الشيطان توقد في قلب إبن آدم.
مناقشة النساء: عندما أدخل معها في اللجاج والشداد فهي تسيطر عليها عواطفها، المرأة قد تغضب وتنفعل وتحاسب زوجها عن الصغيرة والكبيرة بمنطق عاطفي فأنا بدل أن أدخل معها في مناقشات التي قد تبحر في العاطفه أغض النظر عن ذلك.
الوحده: بأنه لا يبالي بمشورة الآخرين ولا نصحهم
أنظر إلى صديقك ورفيقك؟ هل يفكر بالأمور الماديه أو يفكر بالمعصيه؟ إذن هو ميت، مجالسة الموتى تُقسي القلب.
السبب الرابع: عدم إغتنام الفرصه وعدم الإستعداد للآخرة
أمامنا مسيرة طويله نحنُ نفكر في الغد ماذا أفعل وماهو عملي بالوظيفة غداً؟ دائماً نظرُنا قصير نُفكر في اليوم الآتي ماذا نصنع فيه؟ علينا أن نفكر في السفر الطويل، الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، أمامنا سفرٌ غامض مبهم لا نعرف عن هذا السفر شيئاً، عندما أريد أن أسافر إلى أوروبا أو إيران أو أي دوله أعرف أسفري، لكن هناك سفراً لا أعرفُ عنه شيئاً، كيف يبدأ وكيف ينتهي؟ وكيف أكون فيه؟ أمامي مسيرةٌ طويله فهل أعددتُ لهذه المسيرة شيئاً، هل إغتنمتُ فرصة العمر في التوبه والإنابة؟
النبي يُخاطبُ أباذر: ”يا أباذر كن على عُمرك أشح منك على درهمك ودينارك“ كن بخيل على الوقت وإغتنم وقتك في التوبه والإنابه ”يا أباذر إن كل يومٍ يمر على إبن آدم يخاطبه أنا يومٌ جديد وأنا عليك شهيد فقل فيّ خيرا، وإعمل فيّ خيرا أشهدُ لك بذلك يوم القيامه“ هذه الدقائق التي تمرُ علينا ونحنُ ساهون لاهون وغارقون في أشياء أخرى، علينا أن نستيقظ من سباتنا ومن نومنا نستثمر الوقت في التوبة والإنابة لربنا ﴿ … وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ … ﴾ 4 والتقوى موطنها القلب إنه لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم والتقوى هي المدار، عدم إغتنام الفرصه يؤدي إلى مرض قساوة القلب والجفاف الروحي.
السبب الخامس: الغفلة عن ذكر الله
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا … ﴾ 5 يسمع الموعظه لكن لا يتأثر، يتأثر مادام في المسجد فإذا خرج إنتهى الأثر كله ﴿ … وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ 5 الغفلة عن ذكر الله، أنا غافل لا أقرأ قرآن ولا أحضر صلاة جماعه ولا أستمع موعظه بعيد عن مواطن ذكر الله كلها، خمسة دقائق لقراءة القرآن أبخل على نفسي بها، عشر دقائق أقرأ بها دعاء أبخل على نفسي بها، صلاة نافله. إذا كنت بعيداً عن ذكر الله فمن الذي يحل محل ذكر الله؟ تحل محله القسوة والجفاف وكذلك الشعور بالمعصيه وترادف الذنوب، إذن الغفلة عن ذكر الله سببٌ من أسباب هذا المرض 6.
- 1. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 8، الصفحة: 561.
- 2. القران الكريم: سورة المطففين (83)، الآية: 14، الصفحة: 588.
- 3. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 31، الصفحة: 154.
- 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 197، الصفحة: 31.
- 5. a. b. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 179، الصفحة: 174.
- 6. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة السيد منير الخباز حفظه الله.