الشكر ﻻ الشكوى (۱)
عن أبي هاشم الجعفري قال : أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمد عليه السّلام فأذن لي فلمّا جلست قال :
يا أبا هاشم أيّ نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدي شكرها ؟
قال أبو هاشم : فوجمت فلم أدر ما أقول له. فابتدأ عليه السّلام فقال : رزقك الإيمان فحرّم به بدنك على النّار ، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل ، يا أبا هاشم إنّما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنّك تريد أن تشكو إليّ من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها.
الاهتمام بحوائج الأخوان (۲)
إنّ أبا الحسن عليه السّلام كان يوماً قد خرج من سرّ من رآى إلى قرية لمهمّ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له : قد ذهب إلى الموضع الفلاني فقصده فلمّا وصل إليه قال له :
ما حاجتك.
فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وقد ركبني دين فادح أثقلني حمله ولم أر من أقصده لقضائه سواك.
فقال له أبو الحسن : طب نفساً وقرّ عيناً ، ثمّ أنزله فلمّا أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن عليه السّلام : أريد منك حاجة ، الله الله أن تخالفني فيها.
فقال الأعرابي : ﻻ أخالفك.
فكتب أبو الحسن عليه السّلام ورقة بخطه معترفاً فيها أنّ عليه للأعرابي مالاً عينّه فيها يرجح على دينه.
وقال : خذ هذا الخطّ فإذا وصلت إلى سرّ من رآى احضر إليّ وعندي جماعة ، فطالبني به وأغلظ القول عليّ في ترك إيفائك إيّاه ، الله الله في مخالفتي.
فقال : أفعل ، وأخذ الخطّ.
فلمّا وصل أبو الحسن إلى سرّ من رآى وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرّجل وأخرج الخطّ وطالبه وقال كما أوصاه فألان أبو الحسن عليه السّلام له القول ورفّقه ، وجعل يعتذر إليه ، ووعده بوفائه وطيبة نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه السّلام ثلاثون ألف درهم.
فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الرّجل.
فقال : خذ هذا المال فاقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا.
فقال له الأعرابي : يا بن رسول الله والله إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكنّ الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وأخذ المال وانصرف.
احذر الخصال التالية (۳)
جاء إبليس إلى نوح عليه السّلام فقال : إنّ لك عندي يداً عظيمة فانتصحني فإنّي ﻻ أخونك ، فتأثمّ نوح بكلامه ومساءلته. فأوحى الله إليه : أن كلّمه واسأله فإنّي سأنطقه بحجة عليه. فقال نوح عليه السّلام :
تكلّم.
فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً (٤) أو حريصاً ، أو حسوداً ، أو جبّاراً، أو عجولاً ، تلقّفناه تلقّف الكرة ، فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سميناه شيطاناً مريداً.
فقال نوح عليه السّلام : ما اليد العظيمة التي صنعت ؟
قال : إنك دعوت الله على أهل الأرض فألحقتهم في ساعة واحدة بالنار ، فصرت فارغاً ، ولولا دعوتك لشغلت بهم دهراً طويلاً.
الانقياد إلى الله (٥)
من اتقى الله يُتقى ، ومن أطاع الله يُطاع ، ومن أطاع الخالق لم يُبال سخط المخلوقين ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين.
ﻻ تكن متملقاً (٦)
قال أبو الحسن الثالث عليه السّلام لرجل وقد أكثر من إفراط الثناء عليه :
أقبل على شأنك ، فإنّ كثرة الملق يهجم على الظنّة ، وإذا حللت من أخيك من محلّ الثقة ، فاعدل عن الملق إلى حسن النيّة.
احذر هذه الخصال (۷)
الحسد ماحق الحسنات ، والزهوّ جالب المقت ، والعجب صارف عن طلب العلم داع إلى الغمط (۸) والجهل ، والبخل أذمّ الأخلاق ، والطمع سجية سيئة.
الراضي عن نفسه (۹)
من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.
إذا عوتبت (۱۰)
عاتب فلاناً وقل له : إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً إذا عوتب قبل.
الشكر والشاكر (۱۱)
الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر ، لأنّ النعم متاع ، والشكر نعم وعقبى.
الهوامش
۱. أمالي الصدوق : ٤۱۲ ، ح ۱۱ : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال : حدثنا أبي عن محمد بن أحمد العلوي ، قال حدثني أحمد بن القاسم.
۲. كشف الغمة ۳۷٤ / ۲ : قال كمال الدين بن طلحة.
۳. قصص الأنبياء ۸٥ ـ ۸٦ ، ب ۲ ، الفصل ٤ ، ذيل ح ۷۷ : بالإسناد ، عن الصدوق ، عن عليّ بن أحمد بن موسى ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن سهل بن زياد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن عليّ بن محمد العسكري عليه السّلام قال.
٤. الشحيح : البخيل.
٥. تحف العقول ٤۸۲ : أبي الحسن الثالث عليه السّلام قال.
٦. بحار الأنوار : ۲۹٥ / ۷۳ ، ح ٤ ، عن الدرة الباهرة.
۷. بحار الأنوار : ۱۹۹ / ۷۲ ، ح ۲۷ ، عن الدرة الباهرة قال أبو الحسن الثالث عليه السّلام.
۸. غمط الناس : استحقرهم وازدرى بهم.
۹. بحار الأنوار : ۳۱٦ / ۷۲ ، ح ۲٤ ، عن الدرة الباهرة ، قال أبو الحسن الثالث عليه السّلام.
۱۰. تحف العقول : ٤۸۱ ، عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام أنه قال لبعض مواليه.
۱۱. تحف العقول : ٤۸۳ ، قال أبو الحسن الثالث عليه السّلام.
مقتبس من كتاب كلمة الإمام الهادي عليه السلام