بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم
دراسة: زكريَّا بركات
20 أغسطس 2022
ابن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (ت 235 هـ) ، من ثقات حفَّاظ مدرسة الخلفاء، ومن رجال صحيحَي البخاري ومسلم، وكتابه المصنَّف مشهور مطبوع، وقد عقد فيه 1 : 25 ـ 26 ط: مكتبة الرُّشد ـ الرياض، باباً تحت عنوان: في المسح على القدمين، وذلك ضمن الأحاديث التي رواها في الوضوء.
وقد وفَّقني الله تعالى لدراسة أسانيد هذا الباب، وهي ثمانية أحاديث، فأحببت خدمة طلَّاب العلم بها، والله تعالى من وراء القصد، وهو وليُّ التوفيق.
تنبيه:
1 ـ الرقم الأول المذكور قبل الحديث هو رقم التسلسل في بحثنا هذا، والرقم الثاني هو ترقيم الحديث في مُصنَّف ابن أبي شيبة.
2 ـ اعتمدتُ في تراجم الرجال والحكم عليهم على أحكام الحافظ ابن حجر في كتابيه التهذيب وتقريب التهذيب والحافظ الذهبي في الكاشف.
والحمد لله أوَّلاً وآخراً.
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
1 ـ 178 ـ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن أيُّوبَ، قالَ: رأيتُ عِكرمةَ يَمسحُ على رجلَيهِ، وكان يقولُ به. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم.
عكرمة القرشي الهاشمي أبو عبد الله المدني، هو مولى عبد الله بن عباس، تابعي ثقة ثبت، عالم بالتفسير، من رجال الستة.
وأيوب بن أبي تميمة السختياني، إمام ثقة ثبت، من رجال الستة.
وابن عُليَّة هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ثقة حافظ إمام، من رجال الستة.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
2 ـ 179 ـ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن يونسَ، عن الحسن، أنَّه كان يقولُ: إنَّما هو المسحُ على القدمين، وكان يقول: يُمْسَحُ ظاهرهما وباطنهمَا. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله ثقات أئمة روى لهم الستَّة.
ابن عُليَّة تقدَّم.
ويونس بن عبيد بن دينار العبدي ثقة ثبت إمام، من رجال الستة.
والحسن بن أبي الحسن يسار البصري ثقة فقيه إمام، من رجال الستة.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
3 ـ 180 ـ حدَّثنا ابنُ عُيينةَ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عِكْرِمةَ، قال: غسلتانِ ومسحتانِ. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله رجال الستَّة.
عكرمة تقدم.
وعمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم، ثقة ثبت إمام، من رجال الستة.
وسفيان بن عيينة ثقة ثبت حافظ فقيه إمام، من رجال الستة.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
4 ـ 181 ـ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن دَاوُدَ، عن الشَّعبيِّ، قالَ: إنَّما هو المسحُ على القدمينِ، ألا ترى أنَّ ما كانَ عليه الغَسْلُ جُعِلَ عليه التَّيمُّمُ، وما كانَ عليهِ المسحُ أُهْمِلَ فلم يُجْعَلْ عليه التَّيمُّمُ. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله رجال الصحيح على الظاهر.
ابن عُليَّة تقدَّم.
والظاهر أنَّ داود هو ابن أبي هند بن عذافر، ثقة حافظ، من رجال الستَّة (روى له البخاري تعليقاً).
وإن كان هو داود بن نصير الطائي، فهو ثقة فقيه، من رجال النسائي.
وعامر بن شراحيل الشعبي ثقة فقيه من الأعلام، من رجال الستَّة.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
5 ـ 182 ـ حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، عن حُميدٍ، قال: كان أنسٌ، إذا مَسَحَ على قدميهِ بَلَّهُما. انتهى.
أقول: رجاله رجال الستَّة، إلَّا أن فيه تدليسَ حُميد عن أنس.
ابن عُليَّة تقدَّم.
وحُميد بن أبي حميد الطويل البصري، ثقة من رجال الستَّة. إلَّا أنه يدلِّس، ولم يصرِّح بالتحديث.
وأنس بن مالك صحابي، روى له الستَّة.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 25 :
6 ـ 183 ـ حدَّثنا وَكيعٌ، عن الأعمشِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خيرٍ، عن عليٍّ، قال: لو كانَ الدِّينُ برأيٍ كان باطنُ القدمينِ أحقَّ بالمسحِ من ظاهرهِما، ولكن رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه [وآله] وسلَّم مَسَحَ ظاهرَهُمَا. انتهى.
أقول: سنده صحيح وفاقاً لغير واحد من الأعلام. رجاله رجال الستَّة ظاهراً، إلاَّ عبد خير وهو ثقة ثبت عن عليٍّ (ع) من رجال السُّنَن.
ووكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، ثقة حافظ عابد من الأعلام، من رجال الستَّة.
وسليمان بن مهران الأعمش ثقة حافظ من الأعلام، من رجال الستَّة، لكنه رُمي بالتدليس.
والظاهر أنَّ أبا إسحاق هو: أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بن عبيد، ثقة عابد من الأعلام، من رجال الستَّة.
وعبد خير بن يزيد الهمداني، تابعيٌّ ثقة ثبت في عليٍّ عليه السلام، من رجال السُّنن.
والإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام صحابيٌّ، روى له الستَّة.
وقال شعيب الأرنؤوط في حاشيته على مسند أحمد 2 : 139 برقم (1) : حديث صحيح بمجموع طرقه. انتهى.
وهذا السند ـ أعني الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن عليٍّ ـ في سنن أبي داود برقم 162 ، وصححه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1 : 418 ، وصححه الألباني. هذا، إلَّا أنَّ الحديث الذي صححوه من سنن أبي داود لفظه هكذا: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ! وهذا مما لا ينقضي منه العجب لما فيه من التحريف والتغيير للفظ الرواية من قبل الرُّواة، وهو إن كان من رواية الحديث بالمعنى فلا ريب في قبحه لما فيه من تغيير للمعنى.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 26 :
7 ـ 184 ـ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن مالِكِ بن مِغْوَلٍ، عن زُبَيْدٍ الياميِّ، عن الشَّعبِيِّ، قالَ: نَزَلَ جبرائيلُ بالمسحِ على القدمينِ. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله ثقات أثبات، من رجال الستَّة.
ابنُ عُليَّة تقدم.
ومالك بن مغول بن عاصم البجلي ثقة ثبت حُجَّة، من رجال الستَّة.
وزبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي، ثقة ثبت حُجَّة عابد، من رجال الستَّة.
وعامر بن شراحيل الشعبي تقدَّم.
ـ ـ ـ
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 26 :
8 ـ 185 ـ حدَّثنا وَكِيعٌ، عن إسماعيلَ، عن الشَّعْبِيِّ، قالَ: نَزَلَ جبرائيلُ بالمسحِ. انتهى.
أقول: سنده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
والظاهر أن إسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي، ثقة ثبت حافظ، من رجال الستَّة.
وإذا كان هو إسماعيل بن سالم الأسدي، فهو ثقة ثبت، من رجال مسلم وبعض السنن.
ووكيع بن الجراح تقدَّم.
وعامر بن شراحيل الشعبي تقدَّم.
هذا تمام ما أردتُ دراسته من أحاديث الباب المذكور في مُصنَّف ابن أبي شيبة.
ـ ـ ـ
ثم إنَّ ابن أبي شيبة أورد في مُصنَّفه 1 : 27 في الباب التالي لهذا الباب حديثاً عن ابن عبَّاس يرتبط بالمسح، وإليك بيانه:
مُصنَّف ابن أبي شيبة 1 : 27 :
9 ـ 199 ـ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن رَوْحِ بن القاسمِ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمَّدِ بنِ عقيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ ابنةِ مُعَوِّذٍ ابنِ عفراءَ، قالت: أتاني ابنُ عبَّاسٍ فسأَلَني عن هذا الحديثِ، تعني حديثَها الَّذي ذكرَتْ أنَّها رأتِ النَّبيَّ صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم توضَّأ وأنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيه. قالت: فقال ابنُ عبَّاسٍ: أبى النَّاسُ إلَّا الغسلَ، ولا أجدُ في كتابِ اللهِ إلَّا المسحَ. انتهى.
أقول: سنده حسنٌ، رجاله رجال الصحيحين، إلَّا عبد الله بن محمد بن عقيل وهو صدوق حسن الحديث كما ستعرف من كلام العلماء في التتمَّة لاحقاً.
ابنُ عُليَّة تقدَّم.
وروح بن القاسم التميمي العنبري ثقة حافظ ثبت، من رجال البخاري ومسلم وبعض السُّنن.
وعبد الله بن محمَّد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، صدوق، من رجال السنن ما عدا النسائي.
والربيِّع بنت معوِّذ بن عفراء الأنصارية النجارية، صحابية، روى لها الستَّة.
ومن طريقه ابنُ ماجة في سننه (1 : 119 برقم 187 مصباح الزجاجة) ، وقال الحافظ البوصيري: هذا إسناد حسن. انتهى.
فائدة: في شرح السندي لسنن ابن ماجة ـ تعليقاً على هذا الحديث ـ أنَّ الدلالة على المسح هي الظاهرة من القرآن الكريم.
تتمَّة حول عبد الله بن محمد بن عقيل:
قال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق، وحسَّن حديثه الحافظُ البوصيري في مصباح الزجاجة كما عرفت، وحسَّن له محيي الدين النووي في المجموع 1 : 339 ، وقال: “احتجَّ به الأكثرون [و] حسَّن الترمذي أحاديث من روايته”. انتهى. وحُكي عن ابن القيم الجوزية أنه قال في تهذيب سنن أبي داود: “ثقةٌ صدوق، لم يُتكلَّم فيه بجرح أصلاً. وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق ابن راهويه يحتجُّون بحديثه، والترمذي يُصحِّح له”. انتهى. وحسَّن الألباني سند ابن ماجة برقم 458 ، كما حسَّن له حديثاً في سنن ابن ماجة برقم 390 وفي سنن الترمذي برقم 33 . وقال شعيب الأرنؤوط في هامش مسند أحمد 2 : 292 : “عبد الله بن محمد بن عقيل حسن الحديث”.
نكتفي بهذا القدر، وفيه كفاية إن شاء الله تعالى.
خاتمة نذكر فيها كلام ابن حزم (ت 456 هـ) في كتابه المحلى 2 : 56 ، قال:
“أما قولنا في الرِّجلين فإنَّ القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) ، وسواء قُرئ بخفض اللام أو بفتحها، هي على كلِّ حال عطفٌ على الرؤوس، إمَّا على اللَّفظ وإمَّا على الموضع، لا يجوز غير ذلك”. انتهى.
ثمَّ ذكر ابن حزم في الصفحة نفسها جماعةً من السلف الذين أفتوا بلزوم مسح الرجلين في الوضوء، فقال: “قد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف، منهم عليُّ بن أبى طالب وابنُ عباس والحسنُ وعكرمةُ والشعبيُّ وجماعة غيرهم، وهو قول الطبريِّ، ورُويت في ذلك آثار”. انتهى.
الخلاصة:
يتلخَّص من هذا البحث أنَّ جماعة من الصحابة والأئمَّة الأعلام قد ثبت عنهم أنَّهم يعتقدون بمسح الأرجل في الوضوء، بالبيان التالي:
1 ـ قال الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام: “رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه [وآله] وسلَّم مَسَحَ ظاهرَهما”.
2 ـ قال ابن عباس: “لا أجدُ في كتابِ اللهِ إلَّا المسحَ”.
3 ـ ورُوي عن أنس بن مالك أنه كان إذا مسح على قدميه بلَّهما.
4 ـ وكان التابعي الثقة العالم بالتفسير عكرمة مولى ابن عباس يمسح على الرجلين ويقول: غسلتان ومسحتان.
5 ـ وكان الثقة الفقيه الإمام الحسن البصري يقول: إنما هو المسح على القدمين.
6 ـ وقال الثقة الفقيه عامر الشعبي: إنما هو المسح على القدمين، وقال: نزل جبرائيل بالمسح على القدمين.
7 ـ واعترف السندي في شرحه لسنن ابن ماجة أنَّ القرآن ظاهرٌ في المسح، وقال ابن حزم في المحلَّى أنَّ القرآن نزل بالمسح ولا يجوز عطف الأرجل على غير الرؤوس في آية الوضوء، ونسب القول بالمسح إلى جماعة من الصحابة وأئمَّة التابعين.
والحمد لله ربِّ العالمين.