نص الشبهة:
ويقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» أخذ سيفاً، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فطلبه جماعة، منهم الزبير. وفي نصوص أخرى: أبو بكر، وعمر، وتضيف رواية الينابيع علياً «عليه السلام» أيضاً، فلم يعطهم إياه.
فسأله أبو دجانة: ما حقه؟
فقال: أن تضرب به العدو حتى ينحني.
فطلبه أبو دجانة؛ فأعطاه إياه، فجعل يتبختر بين الصفين، فقال «صلى الله عليه وآله»: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
فقاتل أبو دجانة قتالاً عظيماً، حتى حمل على مفرق رأس هند ـ التي كانت تحوش المسلمين بهجماتها ـ ثم عدل السيف عنها؛ لأنها صرخت، فلم يجبها أحد؛ فكره أن يضرب بسيف رسول الله امرأة لا ناصر لها (راجع نصوص هذه الرواية المختلفة في: لباب الآداب ص176، وتاريخ الخميس ج1 ص424 و 425، والسيرة الحلبية ج2 ص222 و 223 و 225، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص257، والبداية والنهاية ج4 ص16 و 17، وفيهما ذكر عمر والزبير، ومغازي الواقدي ج1 ص259، وحياة الصحابة ج1 ص575 ـ 577 عن غير واحد، وينابيع المودة، إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتعدادها.).
الجواب:
ملاحظات على هذه الرواية
ونقول:
1 ـ إن قضية عرضه السيف على أصحابه، ومنعه من البعض، وإعطائه لأبي دجانة قد تكون صحيحة.
ولكن ما تقدم عن الينابيع، من ذكر علي «عليه السلام» فيمن لم يعطه «صلى الله عليه وآله» السيف في غير محله.
إذ سيأتي: أنه لم يثبت أمام ذلك الجيش الهائل سوى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا يقرب: أنه «عليه السلام» كان يدرك: أنه لم يكن هو المقصود للنبي «صلى الله عليه وآله» في دعوته للمسلمين لأخذ السيف بحقه؛ لأنه كان يعرف موقعه ودوره في المعركة.
ولنا أن نحتمل هنا ـ بسبب ما عرفناه وما ألفناه من هؤلاء الرواة والمحدثين ـ:
أن إضافة اسم علي في الرواية، قد كانت من أجل الحفاظ على كرامة وشخصية الطالبين والممنوعين الحقيقيين عن السيف في هذا الموقف. فإنهم لم تكن مواقفهم الحربية تأبى عن مثل هذا، حيث لم تؤثر عنهم مواقف حربية شجاعة في ساحات الجهاد، بل أثر عنهم العكس من ذلك تماماً.
2 ـ إننا لا نفهم: لماذا يرفض رسول الله «صلى الله عليه وآله» إعطاء السيف للزبير، ولأبي بكر، وعمر، بعد طلبهم إياه، قبل أبي دجانة، ولماذا لا يجربهم، ليظهر مواهبهم ومواقفهم؟!
ولماذا يواجههم أمام الناس بهذا الرفض الفاضح والقاسي، حتى لقد وجدوا في أنفسهم من منعه لهم؟
ولربما يقال: إنه أراد أن يعطيه أنصارياً؛ ليقتدي به الأنصار.
وجوابه: أنه قد كان اللازم حينئذٍ: أن يوضح ذلك لهم بكلمة، أو بإشارة، حتى لا يتعرض الممنوعون لسوء ظن الناس بهم، أو حتى لا ينسبوا للفشل والعجز، وتصير كرامتهم في معرض الامتهان.
وإن كنا سنرى: أن هؤلاء الممنوعين لم يكونوا في المستوى المطلوب، وكان أبو دجانة أولى منهم بهذا التكريم، لأن هذه القضية قد جرت لو صحت بعد عودة المسلمين من الهزيمة.
وسيأتي بعض الكلام في ذلك إن شاء الله.
3 ـ إن ما ذكروه: من أن هنداً كانت تقاتل المسلمين وتحوشهم قد كذبته أم عمارة رحمها الله؛ فراجع 1.
ولا ندري من أين حصلت هند على هذه البسالة النادرة، التي تجعلها في عداد أعظم فرسان التاريخ؟
ولماذا لم يعدها المؤرخون من فرسان الدهر، وشجعان ذلك العصر؟!
كما أن من المعلوم: أنه «صلى الله عليه وآله» قد كان يوصي سراياه وبعوثه وصايا عديدة، منها: أن لا يقتلوا امرأة، ولا ولا الخ.
4 ـ إن من الواضح مدى التشابه بين ما تذكره هذه القضية عن تبختر أبي دجانة بين الصفين، وقول النبي «صلى الله عليه وآله» له، وبين ما كان من تبختر علي «عليه السلام» يوم الخندق، فاعترض عمر على ذلك، ونبه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مشيته «عليه السلام».
فأجابه النبي «صلى الله عليه وآله» بهذا الجواب بعينه.
وستأتي مصادر هذه القضية هناك، وأنها ثابتة بلا ريب.
ويبعد أن تتعدد الواقعة بكل خصوصياتها، كما أنه بعد قضية أبي دجانة في أحد لا يبقى مورد لاعتراض عمر في الخندق، إذ نستبعد عدم اطلاعه على ما جرى في أحد، إن لم يكن هو نفسه الذي اعترض آنئذٍ كما تعودنا منه في المواقف المختلفة، حتى ليندر أن تجد في التاريخ اعتراضاً على النبي لغيره!! ولا أقل من حضوره وشهوده الأحداث عن قرب، فإنه ممن طلب السيف، ورفض طلبه؛ فإذا كان ما جرى يوم الخندق هو الصحيح، وإذا كان ثمة تبديل وتغيير في الأسماء والأشخاص فقط؛ فلا عجب، فإنما هي شنشنة نعرفها من أخزم.
وعلى كل حال، فإن مشية علي «عليه السلام» يوم الخندق، كان الهدف منها هو الافتخار بعظمة وبعزة الإسلام، وذل أعدائه حتى في حال انتصارهم من جهة، ثم الحرب النفسية لأعدائه، والتأثير على معنوياتهم من جهة أخرى 2.
- 1. مغازي الواقدي ج1 ص272، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص268.
- 2. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.