أسعدني أحد أبنائي واسمه [أحمد المصري] بإرسال مقال عن أحد الباحثين واسمه الشيخ/نجاح الطائي ما يفيد أن الصحابي ابا بكر الصديق لم يكن مع النبي في الغار حال الهجرة للمدينة المنورة، واعتمد الباحث على أدلة أراها ضعيفة لأنها من البخاري مع تخريج قرءاني يمكن الرد عليه من المجادلين بالباطل…وما أكثرهم.
فرددت عليه بما يلي:
كتاب البخاري به كثير من التخاريف فلا تعتمد عليه في استخراج دليل….لكن دعني اقول لك ما عندي من دليل يصادق فكرة زيف أن ابا بكر الصديق هاجر مع الرسول وسأثبت لك أنه لم يكن معه بالغار حال الهجرة…لكن برهاني سيكون من القرءان وذلك على أوجه ثلاثة:
فالآية تقول: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة..40.
الوجه الأول: فتعبير [ثاني اثنين] لا يجوز تحميله على الرسول إن كان أبو بكر هو الذي معه…بل سيكون الرسول هو أول الاثنين.
لكن لأن الرسول معه الدليل الذي استأجره لتلك المهمة… وهو رجل مشرك…لذا تم تأخير الرسول لأنه تابع وليس متبوع…ودوما يكون التابع خلف المتبوع…لذا فمن المناسب القول تعبير [ثاني اثنين].
هذا فضلا عن ان القرءان تكلم عن شخص واحد تم إخراجه وهو الرسول [إذ أخرجه]…ولو كانا مهاجرين اثنين لقال القرءان [إذ أخرجهما]…فيكون لدينا اثنين من المسلمين تم إخراجهما فخرجا طلبا للهجرة…وهذا دليل على أن المهاجر كان واحدا وهو الرسول.
الوجه الثاني: من الطبيعي أن يصيب الخوف الدليل كافر …..وهنا تتبين ثبات الرسول حين قال له [لا تحزن إن الله معنا]…
تماما كما حدث لبني إسرائيل حين طاردهم فرعون وجنوده…..ولما كانت بنو إسرائيل ضعاف الإيمان فإنهم قالوا [إنا لمدركون]…وهنا يظهر ثبات نبي الله موسى رغم أن فرعون وجنوده على مرمى البصر فقال [كلا إن معي ربي سيهدين] …..
فهو ذات موقف النبي محمد حين قال [لا تحزن إن الله معنا]…..ووجه حزن الدليل يكمن في خوفه من فشل المهمة وخسارته باقي أجر العمل الذي كان سيتقاضاه من الرسول.
الوجه الثالث وهو الأهم: قوله تعالى: [فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا]….
وهذا يعني أن الله أنزل السكينة على نبينا محمد فقط ونزل التأييد لخاطره فقط……ولو كان أبو بكر هو الذي معه مهاجرا إلى الله لأنزل الله سكينته عليهما وايدهما لأنهما مؤمنين اثنين وقد هاجرا فرارا بدينهما فلا يمكن أن يضن الله بالسكينة على أبا بكر الصديق.
لكن لأن الدليل كافر فلم تتنزل عليه السكينة وظل خائفا حزينا يرتعد …وكان التاييد لخاطر النبي وحده [وأيده] ولم يؤيدهما.
ولو كان أبو بكر الصديق هو الذي مع الرسول لوقع اجره على الله ولأصابته السكينة لقوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء.100
ودوما يتنزل الله بسكينته على رسوله وعلى المؤمنين…فلو كان أبو بكر هو المهاجر مع رسول الله لأنزل الله سكينته على الرسول وعلى ابو بكر…..
وتأمل قوله تعالى: {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }التوبة26.
وتأمل……..فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الفتح26.
كان هذا يا صديقي هو تخريجي وأظنه أفضل من الاعتماد على البخاري وسقطاته والطاعنين فيه.
ولعل القارئ الكريم يود أن يطلع على ما جاء به البخاري مما يؤكد أن ابا بكر هاجر للمدينة قبل هجرة الرسول وأنه كان يصلي مأموما خلف الصحابي سالم مولى أبي حذيفة وهو الشهير بواقعة إرضاع الكبير، وإليك الحديثين في هذا الشأن:
روايتين الموجودتين في صحيح البخاري والتين ارصدمتا شراح البخاري والرواة حيث يذكر البخاري ما يلي:
: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أنس ابن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبى حذيفة وكان أكثرهم قرأناً
المرجع: صحيح البخاري ج 1 ص 170 كتاب الاذان / باب اهل العلم والفضل احق بالامامة.
وعندما نسأل البخاري ونقول له : من هم الذين كانوا يصلون خلف سالم مولى ابي حذيفة في هذه الفترة ( قبل قدوم النبي (ص) الى المدينة ) سيجيبنا البخاري ويقول :
أنّ ابن عمر روى انّ ابو بكر وعمر و… و…. كانوا يصلون خلف سالم في هذه الفترة حيث قال : حدثنا عثمان بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني ابن جريج ان نافعا أخبره ان ابن عمر رضي الله عنهما أخبره قال كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة.
. المرجع: صحيح البخاري ج 8 – ص 115 كتاب الأحكام / باب استقضاء الموالي واستعمالهم ومن البخاري
فنستنتج من جميع ما تقدم أن ابا بكر لم يكن في الغار مع النبي والذي كان معه هو الدليل عبد الله ابن أريقط أو أريقد…..ويمكننا إضافتهما للأسباب القرءانية السابقة ليتأكد القارئ عدم هجرة الصدبق أبو بكر مع رسول الله…..ودعونا نتساءل: أين علماء الأمة منذ أكثر من 1400 سنة….وهل لازلتم ترونهم متخصصين؟…..أين تدبرهم بالقرءان والسنة؟…..لا حول ولا قوة إلا بالله.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض وباحث إسلامي