قال سبحانه في محکم کتابه الکريم:﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1.
احتلت هذه الآية موقعا ً حساسا ً في المباحث الإسلامية، و أضحت محوراً لجدل و اسع مدلولها و مصداقها، و استنداليها علماء الإمامية في استدلالهم علی عصمة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، فيما يقف أهل السنّة مواقف متحفظة ازاء بعض تفاسيرها و ما ترمي إليه من معاني و دلالات. ولکي تسلّط الضوء أکثر فينعرض باختصار البحت التالي:
أسباب النزول
تضافرت الروايات و الأحاديث بشکل لا يدع مجالا ً للتشکيک في أن الآية نزلت في سيّدنا محمّد (صلی الله عليه و آله و سلم) غداة غد و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 2.
وعن ام سلمة ان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) جلل علی الحسن والحسين و علي و فاطمة کساء ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي و خاصّيتي أذهِب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً ً.فقالت أم سلمة: و أنا معهم يا رسول الله؟ قال قفي في مکانّک انّک إلي خير»3.
وعن عمربن أبي سلمة ربيب النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) قال: نزلت:﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1في بيت ام سلمة فدعا النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) عليّا و فاطمة و حسناً و حسيناً، وعلی خلف ظهره فجلّلهم بکساء ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت ام سلمة: و أنا معهم يانبي الله؟ قال: أنت علی مکانک و أنت إلي خير»4.
وعن زينب ان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) لما رأي الرحمة هابطة من السماء قال: من يدعو لي عليّاً و فاطمة و حسناً و حسينا ً؟ قالت زينب: أنايا رسول الله فدعتهم فجعلهم في کسائه فنزل جبرئيل بهذه الآية و دخل معهم في الکساء»5.
عن شداد أبي عمّار قال: دخلت علی وائلة بن الأسقع و عنده قوم فذکروا عليّا ً (رضي الله عنه) فلما قاموا قال: أخبرک بما رأيت من رسول الله قلت: بلي قال: أتيت فاطمة (رضي الله عنها) أسألها عن علي قالت: توجّه إلي رسول الله و معه و حسن و حسين فجلست أنتظره حتي جاء رسول الله (صلی الله عليه وآله و سلم) ومعه حسن و حسين آخذ کلّّ واحد منهما علی فخذ ثم لفّ عليهم ثوبه أو کساءه ثم تل اهذه الآية﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1وقال اللّهم هؤلاء أهل بيتي و أهل بيتي أحق»5.
عن أبي سعيد الخدري قال: «نزلت هذه الآية في خمسة: النبي(صلی الله عليه و آله و سلم) وعلي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)»6.
وعن الحسن بن علي ( عليه السلام) قال في خطبته: نحن أهل البيت الذين قال الله سبحانه فينا﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 7.
وعن وائلة بن الأسقع “«وأجلس النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)حسنا ً دعا عليّاً فجاء ثم أغدف عليهم کساء ً خيبريا ً ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. فقيل لوائلة: ما الرجس؟ قال: الشکّ في الله عزوجل»8.
وعنه أيضا ً قال: کنت في البيت يوم الشوري فسمعت عليّاً و هو يقول: استخلف الناس أبابکر وأنا والله أحقّ بالأمر وأولي به منه و استخلف عمر وأنا والله أحق بالأمر وأولي منه إلا ان عمر جعلني مع خمسة و أنا سادسهم لا يعرف عليّ لهم فضلاً و لو شاء لا حتججت عليهم ثم قال: نشدتکم بالله هل فيکم أحد أنزل الله فيه آية التطهير علی رسول الله﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1فأخذ رسول الله کساء ً خيبريا ً فضمني فيه و فاطمة والحسن و الحسين ثم قال: يا ربّّّ إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراًً، قالوا اللّهم لا9.
ولقد کان علي أحب الناس إلي رسول الله باعتراف عائشة.
عن العوام بن حوشب عن ابن عم له قال: دخلت مع أبي علي ام المؤمنين عائشة فسألتها عن علي فقالت: تسألني عن رجل کان أحبّ الناس الي رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) وکانت ابنته تحته، رأيت رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) دعا عليّاً و فاطمة و حسناً و حسينا ً فألقي عليهم ثوبا ً فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهِب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، قالت فدنوت منهم فقلت: يا رسول الله و أنا من أهل بيتک؟ فقال: تنحي انک علی خير»10.
عن ام سلمة: ان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) قال لفاطمة ائتني بزوجک و ابنيک فجاءت بهم فألقي عليهم کساء ً فدکيا ً ثم و ضع يده عليهم و قال: اللّهم إن هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتک و برکاتک علی محمّد وعلی آل محمّد انّک حميد مجيد. قالت ام سلمة: رفعت الکساء لأدخل معهم فجذبه (صلی الله عليه و آله و سلم) وقال: قفی مکانک إنک علی خیر11.
و کل هذا الحشد من الروایات تدل دلالة أکیدة علی أن سیدنا محمد (صلی الله عليه و آله و سلم) جمع من حوله سبطيه الحسن و الحسين و ابنته فاطمة و بعلها علي بن إبي طالب و ألقي عليهم کساءه، و تلا آية التطهير ثم دعا لهم بأن يشملهم الله برحمته و يطهّرهم من الرجس.
ويبقي الحديث باسانيده المتعددة واحداً من أهم الأحاديث المتواترة في کتب المسلمين جميعا.
الشهود
وحادثة الکساء لها شهود عديدون يتمتعون باحترام المسلمين و إجلالهم؛
وهم:
- ام سلمة زوج النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) التي تکاد الأحاديث أن تجمع نزول آية التطهير في منزلها.
- علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أحد أصحاب الکساء، و قد روي الحادثة في مناسبات متعددة.
- الحسن بن علي و هو أيضا ً أحد أصحاب الکساء.
- عائشة زوج الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم)، و قد روي عنها أنّها – کانت أحد الشهود.
- عمربن ام سلمة و هوربيب النبي (صلی الله عليه و آله و سلم).
- زينب بنت ام سلمة و ربيبة النبي (صلی الله عليه و آله و سلم)، و قد أمرها بدعوة علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام).
- ثوبان و هو مولي لرسول الله و کان ملازما ً له في الحضر والسفر.
- وائلة بن الاسقع و کان يخدم في بيت النبي.
- سيّدنا محمّد (صلی الله عليه و آله و سلم) وهو أصل الحادثة حيث روي لبعض أصحابه شأن نزول الآية.
إضافة الي رواة آخرين من بينهم: أبو الحمراء، أنس بن مالک، أبو سعيد الخدري، و ابن عباس، هؤلاء قد يکونون شهودا ً أو رواة لها فقط سمعوها فيما بعدعن رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)؛ وهم يروون أيضا ً بال و يشهدون علی ان سيّدنا محمّدا ً کان إذا مر بمنزل فاطمة تلا آية التطهير.
وقد يشير تکرار الأسانيد و الاختلاف في بعض جوانب الحادثة إلي احتمال تکرار الحادثة، الأمر الذي أراد رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) من و رائه التأکيد علی أهميتها و تجذيره في ذاکرة المسلمين حتي لا يبقي مجال للتشکيک و محأولة تجيير ها الي نساء حيث وردت الآية في السياق العام من السورة أو اعتبارها أمرا ً عاديا12.
تأکيد
إن حادثة الکساء وآية التطهير وقعت في منزل النبي (صلی الله عليه و آله وسلم) وقد شهدها جماعة، غير أن رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)ولکي لاتمر مرورا ً عابرا ً تنتفي من و رائه مداليلها المطلوبة، سعي إلي تأکيدها و منحها بُعدين هامّين؛ الأول: تعيين مصداق الآية بشکل لايبقي مجالا ً للشک و التأويل وسدّ الطريق علی محأولات تفسيرية غيرصحيحة. الثاني منحها الأهمّية الکافية لتکون محورا ً أساسيا ً يرتبط بمستقبل الرسالة الإلهية؛ فتخرج عن إطارها کشأن عائلي عابر لتکون همّاً إسلاميا ً کبيرا ً؛ ومن هنا فقد ضل سيّدنا محمّد (صلی الله عليه و آله و سلم) ولمدة طويلة يمرّ بمنزل فاطمة (عليهاالسلام) کلّّما ذهب الي الصلاة فجرا ً فيتلوا آية التطهير، فکان يدعو قائلاً: الصلاة يا أهل البيت، ثم يتلو قوله﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1.
وروي عن أنس بن مالک أنّ رسول الله ظلّّ مدّة ستة أشهريمرّ بمنزل فاطمة فجرا و يدعوهم قائلاً: الصّلاةيا أهل البيت ثم يتلو الآية الکريمة13.
وعن أبي الحمراء قال: رأيت رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم)يأتي باب فاطمة ستة أشهر فيقول﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 114.
وعن أبي برزة قال: صليت مع رسول الله (صلی الله عليه و آله و سلم) سبعة عشر شهرا ً فإذا خرج من بيته أتي باب فاطمة فقال السلام عليکم﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 115.
وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: کان رسول الله (صلی الله عليه وآله و سلم) يأتينا کلّّ غداة فيقول: الصلاة رحمکم الله الصلاة﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 116.
وعن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله تسعة أشهر يأتي کلّّ يوم باب علي (عليه السلام) عندوقت کلّّ صلاة فيقول: السلام عليکم أهل البيت﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1خمس مرات17.
وروي عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله ظل أربعين يوما ً يتلو الآية کلّّما مرّ بمنزل فاطمة لصلاة الفجر18.
وإذن فلقد کان النبي (صلی الله عليه و آله و سلم) يهدف من وراء هذا التأکيد منح المسألة أبعادها الحقّيقة حتي لا تبقي شأنا ً عائليا ً عابرا، هذا أوّلاً، و ثانيا ً تعيين المصداق الحقيقي لأهل البيت و تبديد الشکوک التي قد ترد إلي الأذهان مستقبلاً، و أخيراً أن يکون للحادثة شهود کثيرون يعززون الحقيقة و يشهدون بالحق، و ينقلونها إلي الأجيال19.
- 1. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 2. ينابيع الموة: ص124- الدر المنثور: ج 5 ص 198- جامع الاصول: ج 1 ص 101.
- 3. ينابيع الموة: ص125-جامع الاصول: ج10ص101.
- 4. ينابيع المودة: ص126-مجمع الزوائد: ج9ص167.
- 5. a. b. مجمع الزوائد: ج1ص167.
- 6. ينابيع المودة: ص 126.
- 7. ينابيع المودة: ص126- مجمع الزوائد: ج 9 ص 172.
- 8. غاية المرام: ص 287.
- 9. المصدر السابق: ص 294.
- 10. الامام الصادق و المذاهب الأربعة: ج1ص88.
- 11. ذخائر العقبي: ص21.
- 12. ورد حديث الکساء في مصادر متعبرة من کتب أهل السنة في طليعتها: صحيح مسلم، مسند أحمد، الدر المنثور، مستدرک الحاکم، جامع الاصول، ذخائر العقبي، الصواعق المحرقة، ينابيع المودّة، کفاية الطالب، سنن الترمذي، نور الأبصار، اسعاف الراغبين، مجمع الزوائد، مناقب الخوارمي، و کذا في کتب الشيعة من قبيل: اصول الکافي، بحار الأنوار، کشف الغمة، تفسير العياشي، تفسير نور الثقلين، غاية المرام.
- 13. جامع الاصول: ج1ص101.
- 14. مجمع الزوائد”ج9ص168.
- 15. مجمع الزوائد: ج9ص199.
- 16. عايي المرام: ص195.
- 17. الامام الصادق و المذاهب الأربّّّعة: ج1ص89.
- 18. مناقب الخوارزمي: ص23.
- 19. من کتاب دراسة عامة في الامامة.