الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩
أمير المؤمنين عليهالسلام سلمها إليه ، ثم قال : يا أخي إذا [ أنا ] مت فغسلني وحنطني و كفني واحملني إلى جدي صلىاللهعليهوآله حتى تلحدني إلى جانبه ، فان منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله وأبيك أمير المؤمنين وامك فاطمة الزهراء عليهمالسلام أن لا تخصام أحدا ، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتى تدفني مع امي عليهاالسلام.
فلما فرغ من شأنه وحمله ليدفنه مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ركب مروان بن الحكم طريد رسول الله صلىاللهعليهوآله بغلة وأتى عائشة فقال لها : يا ام المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله (ص) والله إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة قالت : فما أصنع يا مروان؟ قال : الحقي به وامنعيه من أن يدفن معه قال : وكيف الحقه؟ قال : اركبي بغلتي هذه.
فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تؤز الناس وبني امية على الحسين عليهالسلام وتحرضهم على منعه مما هم به فلما قربت من قبر رسول الله (ص) وكان قد وصلت جنازة الحسن فرمت بنفسها عن البغلة وقالت : والله لا يدفن الحسن ههنا أبدا أو تجز هذه وأومت بيدها إلى شعرها فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليهالسلام : الله الله لا تضيعوا وصية أخي ، واعدلوا به إلى البقيع فانه أقسم علي إن أنا منعت من دفنه مع جده (ص) أن لا اخاصم فيه أحدا وأن أدفنه بالبقيع مع امه عليهاالسلام فعدلوا به ودفنوه بالبقيع معها عليهاالسلام.
فقام ابن عباس رضياللهعنه وقال : يا حميراء ليس يومنا منك بواحد ، يوم على الجمل ويوم على البغلة ، أما كفاك أن يقال « يوم الجمل » حتى يقال « يوم البغل » يوم على هذا ويوم على هذا ، بارزة عن حجاب رسول الله (ص) تريدين إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره المشركون إنا لله وإنا إليه راجعون فقالت له : إليك عني واف لك ولقومك.
وروي أن الحسن عليهالسلام فارق الدنيا وله تسع وأربعون سنة وشهرا أقام مع رسول الله صلىاللهعليهوآله سبع سنين وستة أشهر ، وباقي عمره مع أمير المؤمنين (١).
____________________
(١) بل عاش مع أبيه ثلاثين وبعده أيام معاوية عشر سنين كما مر تحت الرقم ٢.
روي أنه دفن مع امه عليهاالسلام سيدة نساء العالمين في قبر واحد.
توضيح : « الاز » : التهييج والاغراء.
أقول : وقال ابن أبي الحديد : روى أبوالحسن المدائني أن مروان لما منع الحسن عليهالسلام أن يدفن عند جده فاجتمع بنو هاشم وبنو امية وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم ، وجاؤا بسلاح فقال أبوهريرة لمروان : أتمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
٨ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن ابن يزيد أو غيره ، عن سليمان كاتب علي ابن يقطين ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الاشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين ، وابنته جعدة سمت الحسن ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليهمالسلام (١).
٩ ـ كا : محمد بن الحسن ، وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : لما احتضر الحسن بن علي صلواة الله عليهما قال للحسين عليهالسلام : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله لاحدث به عهدا ثم اصرفني إلى امي فاطمة عليهاالسلام ثم ردني فادفني بالبقيع. واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعا وعداوتها لله ولرسوله صلىاللهعليهوآله وعداوتها لنا أهل البيت.
فلما قبض الحسن عليهالسلام وضع على سريره ، وانطلق به إلى مصلى رسول الله الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلي على الحسن عليهالسلام فلما أن صلي عليه حمل فادخل المسجد ، فلما اوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر وقيل لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهماالسلام ليدفن مع رسول الله (ص) ، فخرجت
____________________
(١) الكافى ( الروضة ) ج ٨ ص ١٦٧.
مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجا ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فانه لا يدفن فيه شئ ، ولا يهتك على رسول الله صلىاللهعليهوآله حجابه.
فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله (ص) قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إن أخي أمرني أن اقربه من أبيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ليحدث به عهدا.
واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله صلىاللهعليهوآله ستره لان الله تبارك وتعالى يقول : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » (١) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله الرجال بغير إذنه ، وقد قال الله عزوجل : « يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » (٢) ولعمري لقد ضربت أنت لابيك وفاروقه عند اذن رسول الله صلىاللهعليهوآله المعاول ، وقال الله عزوجل : « إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » (٣). ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلىاللهعليهوآله بقربهما منه الاذى ، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (ص) إن الله حرم على المؤمنين أمواتا ماحرم منهم أحياء.
وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله ، لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك.
قال : ثم تكلم محمد ابن الحنفية وقال يا عائشة : يوما على بغل ، ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الارض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين : وأنى تبعدين
____________________
(١) الاحزاب : ٥٣.
(٢ و ٣) الحجرات : ٢ و ٣.
محمدا من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الاصم بن رواحة بن حجر بن [ عبد ] معيص بن عامر ، قال : فقالت عائشة للحسين عليهالسلام : نحوا ابنكم واذهبنوا به فانكم قوم خصمون ، قال : فمضى الحسين عليهالسلام إلى قبر امه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع (١).
١٠ ـ كا : سعد بن عبدالله ، وعبدالله بن جعفر ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قبض الحسن بن علي وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين ، عاش بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله أربعين سنة (٢).
١١ ـ د : في تاريخ المفيد : في يوم النصف من شهر رمضان لثمانية عشر شهرا من الهجرة : سنة بدر ، كان مولد سيدنا أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام.
في كتاب دلائل الامامة : ولد عليهالسلام في يوم النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وكذا في كتاب تحفة الظرفا ، وكتاب الذخيرة.
في كتاب المجتبى في النسب : ولد عليهالسلام في شهر رمضان لثلاث من الهجرة بالمدينة قبل وقعة بدر بتسعة عشر يوما.
في كتاب التذكرة ولد عليهالسلام في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وفيها كانت غزاة أحد.
في كتاب مواليد الائمة : ولد عليهالسلام في شهر رمضان سنة اثنين من الهجرة وفي رواية سنة ثلاث وقيل : يوم الثلثا النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة بالمدينة في ملك يزدجرد بن شهريار.
١٢ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن
____________________
(١) الكافى ج ١ ص ٣٠٢ وقد روى شطرا من أول الحديث ص ٣٠٠ وبعض ألفاظه مختلف.
(٢) الكافى ج ١ ص ٤٦١.
سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : إن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمت الحسن بن علي عليهماالسلام وسمت مولاة له ، فأما مولاته فقاءت السم وأما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط به فمات (١).
بيان : نفطت الكف كفرح قرحت عملا أو مجلت وفي بعض النسخ انتقض.
١٣ ـ أقول : روي في بعض تأليفات أصحابنا أن الحسن عليهالسلام لما دنت وفاته ونفدت أيامه ، وجرى السم في بدنه ، تغير لونه واخضر ، فقال له الحسين عليهالسلام : ما لي أرى لونك مائلا إلى الخضرة؟ فبكى الحسن عليهالسلام وقال : يا أخي لقد صح حديث جدي في وفيك ، ثم اعتنقه طويلا وبكيا كثيرا.
فسئل عليهالسلام عن ذلك؟ فقال : أخبرني جدي قال : لما دخلت ليلة المعراج روضات الجنان ، ومررت على منازل أهل الايمان ، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلا أن أحدهما من الزبرجد الاخضر ، والآخر من الياقوت الاحمر ، فقلت : يا جبرئيل لمن هذان القصران؟ فقال : أحدهما للحسن ، والآخر للحسين عليهماالسلام.
فقلت : يا جبرئيل فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يرد جوابا فقلت : لم لا تتكلم؟ قال : حياء منك ، فقلت له : سألتك بالله إلا ما أخبرتني فقال : أما خضرة قصر الحسن فانه يموت بالسم ، ويخضر لونه عند موته ، وأما حمرة قصر الحسين ، فانه يقتل ويحمر وجهه بالدم.
فعند ذلك بكيا وضج الحاضرون بالكباء والنحيب.
وقال ابن أبي الحديد : روى أبوالحسن المدائني قال : سقي الحسن عليهالسلام السم أربع مرات ، فقال : لقد سقيته مرارا فما شق علي مثل مشقة هذه المرة.
وروى المدائني عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسن عليهالسلام أخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره ، فقال له الحسين عليهالسلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ؟ قال مروان : نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن
____________________
(١) الكافى باب مولد الحسن بن على عليهماالسلام الرقم ٤ ( ج ١ ص ٤٦٢ ).
حلمه الجبال (١).
ثم قال : اختلف في سن الحسن عليهالسلام وقت وفاته ، فقيل : ابن ثمان وأربعين وهو المروي عن جعفر بن محمد عليهماالسلام في رواية هشام بن سالم ، وقيل : ابن ست وأربعين وهو المروي أيضا عن جعفر عليهماالسلام في رواية أبي بصير ، انتهى.
وقال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين : اختلف في مبلغ سن الحسن عليهالسلام وقت وفاته ، فحدثني أحمد بن سعيد ، عن يحيى بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم بن حسن ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، وجميل بن دراج ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام : أنه توفي وهو ابن ثمان وأربعين سنة. وحدثني أحمد بن سعيد ، عن يحيى بن الحسن ، عن حسن بن حسين اللؤلؤي ، عن محمد بن سنان ، عن عبدالله ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام : أن الحسن توفي وهو ابن ست وأربعين سنة.
قال : وروى سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام : أن الحسين بن علي قتل وله ثمان وخمسون وأن الحسن كذلك كانت سنوه يوم مات ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وأبوجعفر محمد بن علي عليهمالسلام ، حدثني بذلك العباس بن علي ، عن أبي السائب سلم بن جنادة ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عليهماالسلام.
قال أبوالفرج : وهذا وهم لان الحسن عليهالسلام ولد في سنة ثلاث من الهجرة وتوفي سنة إحدى وخمسين ، ولا خلاف في ذلك ، وسنوه على هذا ثمان وأربعون أو نحوها (٢).
____________________
(١) ونقله في المقاتل ص ٥٣ أيضا عن المدائنى ، ونقله في تذكرة خواص الامة ص ١٢٢ عن ابن سعد.
(٢) راجع مقاتل الطالبيين ص ٥٣ و ٥٥. أقول : ونقل أبو الفرج في ص ٥١ عن أبى عبيد باسناده إلى اسماعيل بن عبدالرحمن انه أراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن على عليهالسلام وسعد بن أبى وقاص ، فدس اليهما سما فماتا منه.
١٤ ـ ج : عن الاعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : حدثني رجل منا قال : أتيت الحسن بن علي عليهماالسلام فقلت : يا ابن رسول الله (ص) أذللت رقابنا ، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا ما بقي [ معك ] رجل ، فقال : ومم ذاك؟ قال : قلت : بتسلميك الامر لهذا الطاغية ، قال : والله ما سلمت الامر إليه إلا أني لم أجد أنصارا ، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا ، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل ، إنهم لمختلفون ويقولون لنا : إن قلوبهم معنا ، وإن سيوفهم لمشهورة علينا.
قال : وهو يكلمني إذا تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم ، فقلت له : ما هذا يا ابن رسول الله إني لاراك وجعا قال : أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع علي كبدي ، فهو يخرج قطعا كما ترى ، قلت : أفلا تتداوى؟ قال : قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء.
ولقد رقي إلي أنه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة ، فكتب إليه ملك الروم : أنه لايصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا ، فكتب إليه : إن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه ، وأنا اريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك ، فاريح العباد والبلاد منه ، ووجه إليه بهدايا وألطاف ، فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس بها فسقيتها. واشترط عليه في ذلك شروطا.
وروي أن معاوية دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي عليهماالسلام جعدة بنت الاشعث
_______________
وروى عن أحمد بن عبيد الله بن عمار باسناده إلى مغيرة قال : أرسل معاوية إلى ابنة الاشعث : انى مزوجك بيزيد ابنى على أن تسم الحسن بن على ، وبعث اليها بمائة ألف درهم فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان اذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا يا بنى مسمة الازواج.
وروى مثل ذلك ابن عبدالبر المالكى في الاستيعاب راجع ج ١ ص ٣٧٤ بذيل الاصابة.
وقال لها : اسقيه ، فاذا مات هو زوجتك ابني يزيد ، فلما سقته السم ومات صلوات الله عليه ، جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت : زوجني يزيد ، فقال : اذهبي فان امرأة لا تصلح للحسن بن علي عليهماالسلام لا تصلح لابني يزيد (١).
١٥ ـ مروج الذهب : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين عليهمالسلام قال : دخل الحسين على عمي الحسن حدثان ما سقي السم فقام لحاجة الانسان ثم رجع فقال : سقيت السم عدة مرات ، وما سقيت مثل هذه ، لقد لفظت طائفة من كبدي ورأيتني أقلبه بعود في يدي ، فقال له الحسين عليهالسلام : يا أخي ومن سقاك؟ قال : وما تريد بذلك؟ فان كان الذي أظنه فالله حسيبه ، وإن كان غيره فما احب أن يؤخذ بي برئ ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى توفي صلوات الله عليه(٢).
١٦ ـ لى : ابن موسى ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليهالسلام فلما رآه بكى ثم قال : إلي إلي يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى وساق الحديث إلى أن قال :
قال النبي صلىاللهعليهوآله : وأما الحسن فانه ابني ، وولدي ، ومني ، وقرة عيني وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الامة أمره أمري ، وقوله قولي من تبعه فانه مني ، ومن عصاه فليس مني.
وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي ، فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو السماء ، والحيتان في جوف الماء
___________________
(١) الاحتجاج ص ١٤٩.
(٢) وروى مثله ابن عبدالبر في الاستيعاب عن عمير بن اسحاق وقال : فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال : يا عجبا من الحسن! شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه.
فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الاقدام (١).
١٧ ـ لى : ابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد العطار ، عن الاشعري عن أبي عبدالله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة عن محمد بن عتبة ، عن ممد بن عبدالرحمن ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا التفت إلينا فبكى فقلت : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : أبكي مما يصنع بكم بعدي ، فقلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدها ، وطعنة الحسن في الفخذ ، والسم ألذي يسقى ، وقتل الحسين.
قال : فبكى أهل البيت جميعا فقلت : يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء قال : أبشر يا علي فان الله عزوجل قد عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق (٢).
١٨ ـ د : في تاريخ المفيد : ليلتين بقيتا من صفر سنة سبع وأربعين من الهجرة كانت وفاة مولانا وسيدنا أبي محمد الحسن.
ومن كتاب الاستيعاب : اختلف في وقت وفاته فقيل : مات سنة تسع وأربعين وقيل [ بل مات ] في ربيع الاول سنة خمسين بعد ما مصى من خلافة معاوية عشر سنين ، وقيل : بل مات سنة إحدى وخمسين ، ودفن بدار أبيه ببقيع الغرقد وصلى عليه سعيد بن العاص أمير المدينة قدمه أخوه الحسين عليهالسلام وقال : لولا أنها سنة ما قمدتك ، سمته امرأته جعدة ابنة الاشعث بن قيس ، وقيل : جون بنت الاشعث ، وكان معاوية بن أبي سفيان قد ضمن لها مائة ألف درهم وأن يزوجها ابنه يزيد إذا قتلته ، فلما فعلت ذلك لم يف لها بما ضمن (٣).
____________________
(١) المصدر : المجلس ٢٤ الرقم ٢.
(٢) كتاب الامالى : ص ١٣٤ المجلس ٢٨ الرقم ٢.
(٣) راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج ١ ص ٣٧٦ وفيه : سمته امرأته بنت الاشعث بن
في الدر : عمره خمس وأربعون سنة ، وقيل : تسعة وأربعون وأربع شهور وتسعة عشر يوما ، وقيل : كان مقامه مع جده (ص) سبع سنين ، ومع أبيه عليهالسلام ثلاثة وثلاثين سنة ، وعاش بعده عشر سنين ، فكان جميع عمره خمسين سنة.
١٩ ـ لى ، ن : الطالقان ، ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : لما حضرت الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهالسلام الوفاة بكى فقيل : يا ابن رسول الله أتبكي ومكانك من رسول الله (ص) مكانك الذي أنت به ، وقد قال فيك رسول الله (ص) ما قال ، وقد حججت عشرين حجة ما شيا ، وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات ، حتى النعل والنعل؟ فقال عليهالسلام : إنما أبكي لخصلتين : لهول المطلع وفراق الاحبة (١).
٢٠ ـ ع : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الحسين ابن علي عليهماالسلام أراد أن يدفن الحسن بن علي عليهماالسلام مع رسول الله (ص) وجمع جمعا فقال رجل سمع الحسن بن علي عليهماالسلام [ يقول : ] قولوا للحسين أن لا يهرق في دما لولا ذلك ما انتهى الحسين عليهالسلام حتى يدفنه مع رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وقال أبوعبدالله عليهالسلام : أول امرأة ركبت البغل بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله عائشة جاءت إلى المسجد فمنعت أن يدفن الحسن بن علي عليهماالسلام مع رسول الله (ص) وسلم. (٢).
٢١ ـ ب : أبوالبختري ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام قال : إن الحسين بن علي عليهماالسلام كان يزور قبر الحسن عليهالسلام في كل عشية جمعة.
___________________
قيس الكندى وقالت طائفة : كان ذلك منها بتدليس معاوية اليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر ، فتأمل.
(١) الامالى : المجلس ٣٩ الرقم ٩. وروى مثله في كشف الغمة ج ٢ ص ١٦٧ ولم يخرجه المصنف رحمهالله وهكذا ذكره ابن الجوزى في التذكرة ص ١٢٢ فراجع.
(٢) المصدر ج ١ ص ٢١٥.
٢٢ ـ ما المفيد ، عن علي بن بلال ، عن مزاحم بن عبدالوارث بن عباد ، عن محمد بن زكريا الغلابي ، عن العباس بن بكار ، عن أبي بكر الهلالي ، عن عكرمة عن ابن عباس قال الغلابي : وحدثنا أحمد بن محمد الواسطي ، عن عمر بن يونس عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : قال : وحدثنا عبيد الله بن الفضل الطائي ، عن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، عن محمد بن سلام الكوفي ، عن أحمد بن محمد الواسطي عن محمد بن صالح ، ومحمد بن الصلت قالا : حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال :
دخل الحسين بن علي عليهماالسلام على أخيه الحسن بن علي عليهماالسلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف تجدك يا أخي؟ قال : أجدني في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا ، واعلم أني لا أسبق أجلي ، وأني وارد على أبي وجدي عليهماالسلام على كره مني لفراقك وفراق إخوتك ، وفراق الاحبة وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه ، بل على محبة مني للقاء رسول الله (ص) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وامي فاطمة ، وحمزة ، وجعفر : وفي الله عزوجل خلف من كل هالك ، وعزاء من كل مصيبة ، ودرك من كل مافات.
رأيت يا أخي كبدي في الطشت ، ولقد عرفت من دها بي ومن أين أتيت فما أنت صانع به يا أخي؟ فقال الحسين عليهالسلام : أقتله والله ، قال : فلا اخبرك به أبدا حتى نلقى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكن اكتب يا أخي :
هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي : أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنه يعبده حق عبادته ، لا شريك له في الملك ، ولا ولي له من الذل ، وإنه خلق كل شئ فقدره تقديرا ، وإنه أولى من عبد ، وأحق من حمد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه غوى ، ومن تاب إليه اهتدى.
فانهي اوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن
مسيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفا ووالدا ، وأن تدفنني مع رسول الله صلىاللهعليهوآله فاني أحق به وببيته ، ممن أدخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيه صلىاللهعليهوآله في كتابه : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » (١) فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الاذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.
فان أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عزوجل منك والرحم الماسة من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تهريق في محجمة من دم ، حتى نلقى رسول الله (ص) فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ، ثم قبض عليهالسلام.
قال ابن عباس : فدعاني الحسين بن علي عليهماالسلام وعبدالله بن جعفر وعلي بن عبدالله بن العباس فقال : اغسلوا ابن عمكم فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفانه ، ثم خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد ، وإن الحسين أمر أن يفتح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ، ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان وقالوا : يدفن أمير المؤمنين الشهيد القتيل ظلما بالبقيع بشر مكان ، ويدفن الحسن مع رسول الله؟ لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف بيننا ، وتنقصف الرماح وينفد النبل.
فقال الحسين عليهالسلام : أما والله الذي حرم مكة ، للحسن بن علي وابن فاطمة أحق برسول الله صلىاللهعليهوآله وببيته ممن ادخل بيته بغير إذنه وهو والله أحق به من حمال الخطايا مسير أبي ذر رحمهالله ، الفاعل بعمار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى ، المؤوي لطريد رسول الله صلىاللهعليهوآله لكنكم صرتم بعده الامراء ، وتابعكم على ذلك الاعداء ، وأبناء الاعداء.
قال : فحملناه فأتينا به قبر امه فاطمة عليهاالسلام فدفناه إلى جنبها رضياللهعنه وأرضاه.
____________________
(١) الاحزاب : ٥٣.
قال ابن عباس : وكنت أول من انصرف ، فسمعت اللغظ (١) وخفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل ، ورأيت شخصا علمت الشر فيه ، فأقبلت مبادرا فإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم وتأمرهم بالقتال.
فلما رأتني قالت : إلي إلي يا ابن عباس! لقد اجترأتم علي في الدنيا تؤذونني مرة بعد اخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا احب ، فقلت : واسوأتاه يوم على بغل ، ويوم على جمل ، تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن معه ، ارجعي فقد كفى الله عزوجل المؤنة ، ودفن الحسن عليهالسلام إلى جنب امه ، فلم يزدد من الله تعالى إلا قربا ، وما ازددتم منه والله إلا بعدا ، يا سوأتاه انصرفى فقد رأيت ما سرك.
قال : فقطبت في وجهي ، ونادت بأعلى صوتها : أوما نسيتم الجمل ، يا ابن عباس إنكم لذوو أحقاد ، فقلت : أم والله ما نسيته أهل السماء ، فكيف تنساه أهل الارض فانصرفت وهي تقول :
فألقت عصاها واستقرت بها النوى |
|
كما قر عينا بالاياب المسافر (٢) |
بيان : الرحل للبعير ، كالسرج للفرس ، ولعل المراد بالمرحل هنا المسرج ويحتمل أن يكون من الرحالة ككتابة وهي السرج ، والنوى الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد ، ويقال : استقرت نواهم أي أقاموا.
٢٣ ـ يج : روي عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام أن الحسن عليهالسلام قال لاهل بيته : إني أموت بالسم كما مات رسول الله (ص) قالوا : ومن يفعل ذلك؟ قال : امرأتي جعدة بنت الاشعث بن قيس ، فان معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك ، قالوا : أخرجها من منزلك ، وباعدها من نفسك ، قال : كيف اخرجها ولم تفعل بعد شيئا
____________________
(١) اللغط : الصوت والجلبة ، وقيل : أصوات مبهمة لا تفهم ، وقيل : الكلام الذى لا يبين ، وفى بعض النسخ « اللفظ » وهو تصحيف.
(٢) ذكر الامدى أن البيت لمعقر بن حمار البارقى ، وقوله « ألقت عصاها » أى اقام وترك الاسفار ، وهو مثل. راجع الصحاح ص ٢٤٢٨.
ولو أخرجتها ما قتلني غيرها ، وكان لها عذر عند الناس.
فما ذهبت الايام حتى بعث إليها معاوية مالا جسيما ، وجعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا ويزوجها من يزيد وحمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن عليهالسلام فانصرف إلى منزله وهو صائم فأخرجت وقت الافطار ، وكان يوما حارا شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السم ، فشربها وقال : عدوة الله! قتلتيني قتلك الله والله لا تصيبين مني خلفا ، ولقد غرك وسخر منك ، والله يخزيك ويخزيه.
فمكث عليهالسلام يومان ثم مضى ، فغدر بها معاوية ولم يف لها بما عاهد عليه.
٢٤ ـ يج : روي أن الصادق عليهالسلام قال : لما حضرت الحسن بن علي عليهالسلام الوفاة بكى بكاء شديدا وقال : إني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط ثم أوصى أن يدفنوه بالبقيع ، فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله لاجدد به عدهي : ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني فستعلم يا ابن ام أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله ، فيجلبون في منعكم ، وبالله اقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم.
فلما غسله وكفنه الحسين عليهالسلام وحمله على سريره وتوجه إلى قبر جده رسول الله صلىاللهعليهوآله ليجدد به عهدا ، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني امية فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي؟ لا يكون ذلك أبدا ولحقت عائشة على بغل وهي تقول : ما لي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا احب.
فقال ابن عباس لمروان بن الحكم ، لا نريد دفن صاحبنا فانه كان أعلم بحرمة قبر رسول الله من أن يطرق عليه هجما ، كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه ، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصى.
ثم قال لعائشة : واسوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل وفي رواية يوما تجملت ويوما تبغلت ، وإن عشت تفيلت ، فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :
يا بنت أبي بكر * لا كان ولا كنت |
|
لك التسع من الثمن * وبالكل تملكت |
تجملت تبلغت * وإن عشت تفيلت
بيان : قوله لك التسع من الثمن إنما كان في مناظرة فضال ابن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة فقال له الفضال قوله الله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » (١) منسوخ أو غير منسوخ؟ قال : هذه الآية غير منسوخة ، قال : ما تقول في خير الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله أبوبكر وعمر؟ أم علي بن أبي طالب عليهالسلام؟ فقال : أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله (ص) في قبره فأي حجة تريد في فضلهما أفضل من هذه؟ فقال له الفضال : لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (ص) لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما ، ونكتا عهدها ، وقد أقررت أن قوله تعالى « لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » غير منسوخة.
فأطرق أبوحنيفة ثم قال : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة ، فاستحقها الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما فقال له فضال : أنت تعلم أن النبي صلىاللهعليهوآله مات عن تسع حشايا ، وكا لهن الثمن لمكان ولده فاطمة فاذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبرو الحجرة كذا وكذا طولا وعرضا ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟
وبعد فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله وفاطمة بنته منعت الميراث فالمناقضة في ذلك ظاهرة من وجوه كثيرة.
فقال أبوحنيفة : نحوه عني فانه والله رافضي خبيث.
توضيح : الحشايا : الفرض كنى بها عن الزوجات.
٢٥ ـ شا : من الاخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن عليهالسلام ما رواه عيسى ابن مهران ، عن عبدالله بن الصباح ، عن حريز ، عن مغيرة قال : أرسل معاوية إلى جعدة بنت الاشعث أني مزوجك ابني يزيد على أن تسمي الحسن وبعث
____________________
(١) الاحزاب : ٥٣.
إليها مائة ألف درهم ، ففعلت وسمت الحسن فسوغها المال ، ولم يزوجها من يزيد فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها ، وكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم ، وقالوا : يا بني مسمة الازواج.
وروى عيسى بن مهران قال : حدثني عثمان بن عمر قال : حدثنا ابن عون عن عمر بن إسحاق قال : كنت مع الحسن والحسين عليهماالسلام في الدار فدخل الحسن عليهالسلام المخرج ثم خرج فقال : لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلبها بعود معي.
فقال له الحسين عليهالسلام : ومن سقاكه؟ قال : وما تريد منه؟ أتريد قتله إن يكن هو هو ، فالله أشد نقمة منك وإن لم يكن هو فما احب أن يؤخذ بي برئ.
وروى عبدالله بن إبراهيم عن زياد المخارقي قال : لما حضرت الحسن عليهالسلام الوفاة استدعى الحسين عليهالسلام وقال : يا أخي إني مفارقك ، ولا حق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست وإني لعارف بمن سقاني السم ومن أين دهيت ، وأنا اخاصمه إلى الله عزوجل : فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشئ ، وانتظر ما يحدث الله عزوجل في.
فإذا قضيت نحبي فغمضني وغسلني وكفني وأدخلني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله لاجدد به عهدا ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة [ بنت أسد ] رضياللهعنها فادفني هناك وستعلم يا ابن ام إن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله (ص) فيجلبون في ذلك ، ويمنعونكم منه ، بالله اقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم ، ثم وصى إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصى إليه أمير المؤمنين عليهالسلام حين استخلفه وأهله بمقامه ، ودل شيعته على استخلافه ، ونصبه لهم علما من بعده.
فلما مضى لسبيله غسله الحسين عليهالسلام وكفنه وحمله على سريره ، ولم يشك مروان ومن معه من بني امية أنهم سيدفنونه عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فتجمعوا ولبسوا السلاح ، فلما توجه به الحسين عليهالسلام إلى قبر جده رسول الله (ص) ليجدد به عهدا
أقبلوا إليه في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول : مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا احب ، وجعل مروان يقول : « يا رب هيجا هي خير من دعة » أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي؟ صلىاللهعليهوآله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف ، وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم ، وبين بني امية.
فبادر ابن عباس رحمهالله إلى مروان فقال له : إرجع يا مروان من حيث جئت فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (ص) لكنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبي (ص) لعلمت أنك أقصر باعا من ردنا عن ذلك ، لكنه كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.
ثم أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل؟ تريدين أن تطفئي نور الله وتقاتلي أولياء الله ، ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين ، والله منتصر لاهل هذا البيت ولو بعد حين.
وقال الحسين عليهالسلام : والله لولا عهد الحسن إلي بحقن الدماء وأن لا اهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مآخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لانفسنا. ومضوا بالحسن عليهالسلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضياللهعنها.
قب : مثله مع اختصار وزاد فيه : ورموا بالنبال جنازته حتى سل منها سبعون نبلا فقال ابن عباس بعد كلام : جملت وبغلت ولو عشت لفيلت (١).
٢٦ ـ شا : لما استقر الصلح بين الحسن عليهالسلام ومعاوية خرج الحسن عليهالسلام إلى المدينة ، فأقام بها كاظما غيظه ، لازما منزله ، منتظرا لامر ربه عزوجل إلى أن تم لمعاوية عشر سنين من إمارته ، وعزم على البيعة لابنه يزيد ، فدس إلى جعدة بنت الاشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن عليهالسلام من حملها على سمه ، وضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد ، فأرسل إليها مائة ألف درهم ، فسقته جعدة السم فبقي
___________________
(١) الارشاد ص ١٧٤ ١٧٦. مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٢٩ و ٤٢ ٤٤.
أربعين يوما مريضا ، ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله يومئذ ثمانية وأربعون سنة ، وكانت خلافته عشر سنين ، وتولى أخوه ووصيه الحسين عليهالسلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها بالبقيع (١).
٢٧ ـ قب : أبوطالب المكي في قوت القلوب : إن الحسن عليهالسلام تزوج مائتين وخمسين امرأة وقد قيل ثلاثمائة وكان علي يضجر من ذلك فكان يقول في خطبته : إن الحسن مطلاق ، فلا تنكحوه.
أبوعبدالله المحدث في رامش أفزاي : إن هذه النساء كلهن خرجن في خلف جنازته حافيات. (٢).
٢٨ ـ قب : كتاب الانوار أنه قال عليهالسلام : سقيت السم مرتين وهذه الثالثة وقيل : إنه سقي برادة الذهب.
روضة الواعظين ، : في حديث عمير بن إسحاق إن الحسن عليهالسلام قال : لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة ، لقد تقطعت قطعة قطعة من كبدي أقلبها بعود معي.
وفي رواية عبدالله [ عن ] المخارقي (٣) إنه قال : يا أخي إني مفارقك ولا حق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست وإنني لعارف بمن سقاني ومن أين دهيت وأنا اخاصمه إلى الله عزوجل ، فقال له الحسين عليهالسلام : ومن سقاكه؟ قال : ما تريد به؟ أتريد أن تقتله؟ إن يكن هو هو ، فالله أشد نقمة منك ، وإن لم يكن هو فما
____________________
(١) المصدر ص ١٧٤.
(٢) المناقب ج ٤ ص ٣٠ وسيجيئ في الباب الاتى تحت الرقم ٤. وفيه كلام يذب عن الحسن السبط عليهالسلام.
(٣) في المصدر ص ٤٢ عبدالله البخارى والصحيح ما جعلناه في الصلب : « عبدالله عن المخارقى » كما مر عن الارشاد الرقم ٢٥ حيث قال وروى عبدالله بن ابراهيم ، عن زياد المخارقى.
احب أن يؤخذ بي برئ.
وفي خبر : فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشئ وانتظر ما يحدث الله في.
وفي خبر : وبالله اقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة من دم.
ربيع الابرار ، عن الزمخشري ، والعقد عن ابن عبد ربه (١) أنه لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي عليهماالسلام سجد وسجد من حوله وكبر وكبروا معه ، فدخل عليه ابن عباس فقال له : يا ابن عباس أمات أبومحمد؟ قال : نعم رحمهالله وبلغني تكبيرك وسجودك ، أما والله ما يسد جثمانه حفرتك ، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك قال : حسبته ترك صبية صغارا ولم يترك عليهم كثير معاش ، فقال : إن الذي وكلهم إليه غيرك ، وفي رواية كنا صغارا فكبرنا ، قال : فأنت تكون سيد القوم ، قال : أما أبوعبدالله الحسين بن علي عليهماالسلام باق.
للفضل بن عباس :
أصبح اليوم ابن هند آمنا |
|
ظاهر النخوة إذ مات الحسن |
رحمة الله عليه إنما |
|
طالما أشجى ابن هند وأرن |
استراح اليوم منه بعده |
|
إذ ثوى رهنا لاحداث الزمن |
فارتع اليوم ابن هند آمنا |
|
إنما يقمص بالعير السمن (٢) |
بيان : أشجاه أحزنه ، والارن بالتحريك النشاط ، يقال أرن كفرح والانسب هنا الفتح ، وكونه بتشديد النون بأن يكون من الرنين بمعنى الصياح وفاعله ابن هند بعيد ، والعير الحمار الوحشي والاهلي أيضا ويقال قمص الفرس وغيره يقمص ويقمص وهو أن يرفع يديه ويطرحها معا ويعجن برجليه ، وقمص به أي وثب وطرحه ، والحاصل أن السمن آفة للعير يصرعه ويقتله.
____________________
(١) كثيرا ما يعبر ابن شهر آشوب عن الكتاب ومؤلفه هكذا : ربيع الابرار عن الزمخشرى ، والعقد عن ابن عبد ربه. وهكذا ، مع أن ربيع الابرار للزمخشرى نفسه والعقد الفريد لابن ربه الاندلسى ، ففيه تسامح.
(٢) المصدر ص ٤٢ و ٤٣.
٢٩ ـ قب : وحكي أن الحسن عليهالسلام لما أشرف على الموت ، قال له الحسين : أريد أن أعلم حالك يا أخي ، فقال له الحسن : سمعت النبي (ص) يقول : لا يفارق العقل منا أهل البيت مادام الروح فينا فضع يدك في يدي حتى إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك فوضع يده في يده فلما كان بعد ساعة غمزيده غمزا خفيفا فقرب الحسين اذنه إلى فمه فقال : قال لي ملك الموت : أبشر فان الله عنك راض وجدك شافع.
وقال الحسين عليهالسلام لما وضع الحسن في لحده (١).
ءأدهن رأسي أم تطيب مجالسي |
|
ورأسك معفور وأنت سليب |
أو استمتع الدنيا لشئ احبه |
|
إلى [ ألا ] ظ كل ما أدنا إليك حبيب |
فلا زلت أبكي ما تغنت حمامة |
|
عليك وما هبت صبا وجنوب |
وما هملت عيني من الدمع قطرة |
|
وما اخضر في دوح الحجاز قضيب |
بكائي طويل والدموع غزيرة |
|
وأنت بعيد والمزار قريب |
غريب وأطراف البيوت تحوطه |
|
ألاكل من تحت التراب غريب |
ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى |
|
وكل فتى للموت فيه نصيب |
فليس حريب من اصيب بماله |
|
ولكن من وارى أخاه حريب |
نسيبك من أمسى يناجيك طيفه |
|
وليس لمن تحت التراب نسيب (٢) |
____________________
(١) قال سبط ابن الجوزى في التذكرة ص ١٢٢ : ولما دفن قام أخوه محمد ابن الحنفية على قبره باكيا وقال : رحمك الله أبا محمد! لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح عمر به بدنك ، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك ، وكيف لا ، وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء.
ربيت في حجر الاسلام ، ورضعت ثدي الايمان ، ولك السوابق العظمى ، والغايات القصوى ، وبك أصلح الله بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، ولم بك شعث الدين ، فعليك السلام فلقد طبت حيا وميتا ، وأنشد :
ءأدهن رأسى ام تطيب محاسنى |
|
وخدك معفور وأنت سليب |
سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة |
|
وما اخضر في دوح الرياض قضيب |
غريب وأكناف الحجاز تحوطه |
|
ألا كل من تحت التراب غريب |
(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.