
و بالجملة فالتزكية لله سبحانه حق لا يشاركه فيه غيره إذ لا يصدر عن غيره إلا من ظلم و إلى ظلم، و لا يصدر عنه تعالى إلا حقا و عدلا يقدر بقدره لا يفرط و لا يفرط، و لذا ذيل قوله: بل الله يزكي من يشاء بقوله و هو في معنى التعليل : وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً .
و قد تبين مما مر أن تزكيته تعالى و إن كانت مطلقة تشمل التزكية العملية و التزكية القولية لكنها تنطبق بحسب مورد الكلام على التزكية القولية.
قوله تعالى: «وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» الفتيل فعيل بمعنى المفعول من الفتل و هو اللي قيل: المراد به ما يكون في شق النواة ، و قيل: هو ما في بطن النواة، و قد ورد في روايات عن أئمة أهل البيت (ع): أنه النقطة التي على النواة، و النقير ما في ظهرها، و القطمير قشرها ، و قيل: هو ما فتلته بين إصبعيك من الوسخ، و كيف كان هو كناية عن الشيء الحقير الذي لا يعتد به.
و قد بان بالآية الشريفة أمران: أحدهما: أن ليس لصاحب الفضل أن يعجبه فضله و يمدح نفسه بل هو مما يختص به تعالى فإن ظاهر الآية أن الله يختص به أن يزكي كل من جاز أن يتلبس بالتزكية فليس لغير صاحب الفضل أيضا أن يزكيه إلا بما زكاه الله به، و ينتج ذلك أن الفضائل هي التي مدحها الله و زكاها فلا قدر لفضل لا يعرفه الدين و لا يسميه فضلا، و لا يستلزم ذلك أن تبطل آثار الفضائل عند الناس فلا يعرفوا لصاحب الفضل فضله، و لا يعظموا قدره بل هي شعائر الله و علائمه، و قد قال تعالى: وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اَللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى اَلْقُلُوبِ : «الحج: ٣٢»، فعلى الجاهل أن يخضع للعالم و يعرف له قدره فإنه من اتباع الحق و قد قال تعالى: هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ : «الزمر: ٩»، و إن لم يكن للعالم أن يتبجح بعلمه و يمدح نفسه، و الأمر في جميع الفضائل الحقيقية الإنسانية على هذا الحال.
و ثانيهما: أن ما ذكره بعض باحثينا، و اتبعوا في ذلك ما ذكره المغاربة أن من الفضائل الإنسانية الاعتماد بالنفس أمر لا يعرفه الدين، و لا يوافق مذاق القرآن، و الذي يراه القرآن في ذلك هو الاعتماد بالله و التعزز بالله قال تعالى: اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ اَلنّٰاسُ إِنَّ اَلنّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزٰادَهُمْ إِيمٰاناً وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ : «آل عمران: ١٧٣»، و قال: أَنَّ اَلْقُوَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً : «البقرة: ١٦٥»، و قال: إِنَّ اَلْعِزَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً : «يونس: ٦٥»، إلى غير ذلك من الآيات.
الميزان في تفسير القرآن
ج٤ ص٣٧١.
__
مولد فاطمةالزهراء
مدرسة أهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام
للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT


