مقالات

لمحةٌ عن حديث “مَن رآني في منامه فقد رآني”

بسم الله الرحمن الرحيم

لمحةٌ عن حديث “مَن رآني في منامه فقد رآني”

بقلم: الشيخ زكريا بركات

روى الصدوق (رض) في “من لا يحضره الفقيه” 2 : 584 ، بسنده عن ابن فضال، عن الإمام الرضا (ع) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: “مَنْ رآني في منامِهِ فقد رآني؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة واحدةٍ [كذا] من شيعتهم، وإنَّ الرُّؤْيَا الصادقة جُزءٌ من سبعين جُزءاً من النُّبوَّة”. أقول: سند الصدوق في “المشيخة” إلى ابن فضال صحيح، وابن فضال ثقة جليلٌ، كان فطحياً ورجع عنها عند موته.

أقول: حول هذا الحديث الشريف (الموثَّق) نقاط مهمَّة نتناولها فيما يلي:

النقطة الأولى: أنَّ هذا الحديث الشريف، بالرغم من أنَّ سنده معتبر، فهو من الآحاد، أي لم يبلغ مرتبة التواتر، فهو ليس قطعيَّ الصدور، بل هو ظنِّي الصدور، وبناء عليه: يُشكل التمسُّك به في مجال العقيدة، فلو رأى شخصٌ النبيَّ (ص) في المنام، أو رأى أحد الأوصياء (ع) ، وتلقَّى في المنام حُكماً عقدياً، فإنه لن يتمكن أن يستند إلى رؤياه للعمل بهذا الحُكم؛ لأنَّ مستند حُجية الرؤيا هي هذه الرواية، وهي ظنية الصدور وليست قطعية.

ولعلَّ هذا هو مراد السيد المرتضى علم الهدى (رض) حيث حُكي عنه أنه قال عن هذه الرواية: “هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ولا معوَّل على مثل ذلك…” إلخ كلامه الذي نقله عنه العلامة المجلسي في البحار 58 : 216 .

النقطة الثانية: لو تنزَّلنا عمَّا ذُكر في النقطة الأولى، فإنَّ استنباط الأحكام الدينية ـ حتَّى الفرعيةَ منها ـ من الرؤيا قد ورد الردع عنه ـ أي التمسك ـ في الرواية الصحيحة، فقد قال العلامة المجلسي في “بحار الأنوار” 58 : 237 : “وَرَدَ بأسانيدَ صحيحةٍ عن الصَّادق (ع) في حديث الأذان أنَّ دين الله (تبارك وتعالى) أَعَزُّ من أَنْ يُرَى في النوم. ويمكن أن يقال المراد أنه لا يثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم بل إنما هي بالوحي الجلي…” إلخ كلامه رضوان الله عليه.

أقول: الرواية في الكافي الشريف 3 : 483 برقم 1 ، وسندها صحيح.

وبناء عليه: لو فُرض أنَّ رواية “من رآني في منامه فقد رآني” صالحة ـ في حد ذاتها ـ لإثبات حُجية المنامات في استنباط حُكم أصولي أو فروعي، فإنَّ رواية “دين الله أعز من أن يرى في النوم” مُعارِضةٌ لها ومانعة من تمامية حُجِّيَّتها.

النقطة الثالثة: أنَّ في دلالة رواية “من رآني في منامه فقد رآني” نكتةً تتطلب التدقيق، وبفهمها تنتفي شبهة القائلين بحُجِّية المنامات، والنكتة تكمن في الفرق بين كلمة “رآني” الأولى وكلمة “رآني” الثانية في الرواية نفسها، فإن المقصود بالأولى: رؤية صورة النبي أو أحد المعصومين بالشكل المطابق للواقع، فإن هذا هو الشرط الذي إذا تحقق فإنه تترتب عليه النتيجة التي تدل عليها الكلمة الثانية، فيكون المعنى هكذا: من رأى رسول الله (ص) في المنام بصورته المطابقة للواقع، فهو قد رآه حقيقة في المنام لأنَّ الشيطان لا يتمكَّن من تقمُّص صورته في الرؤيا.

وبناء عليه: حين يعتقد شخصٌ أنه رآى رسول الله (ص) في المنام فإننا نسأله: هل رأيته بصورته المطابقة للواقع؟ أم رأيته في صورة أخرى مُتخيِّلاً أنها صورته؟

من الواضح أنَّ الوحيد الذي يستطيع الجزم بأنه رأى رسول الله (ص) في صورته الحقيقية هو الشخص الذي يعرف صورة النبي الحقيقية.. ومن الواضح انتفاء هذه المعرفة في معظم الأزمان بالنسبة للذين لم يعاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروه في حياته وجهاً لوجه.

وبناء عليه نقول: إنَّ الشرط غير معلوم التحقُّق، وهو أن النائم رأى النبي في صورته الحقيقية، وبناء عليه لا يمكنه القول بأن الشيطان لم يتقمَّص صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. فمن المحتمل جداً أنَّ الشيطان استغل جهل ذلك الشخص بصورة النبي الحقيقية، فتقمَّصَ الشيطان صورةً أخرى وألقى في تصور الإنسان أن هذه الصورة هي صورة رسول الله..!

إنَّ الحديث لا يقول: إنَّ كلَّ ما تتخيلون في المنام أنه النبي فهو النبي، بل يقول: إن كنتم تعرفون صورة النبي الحقيقية، فرأيتم النبي في تلك الصورة، فيمكنكم القول بأنكم رأيتم النبي لأنَّ الشيطان لا يستطيع التمثُّل في صورة النبي أو صورة أحد أوصيائه أو صورة أحد شيعتهم.

فيتَّضح من ذلك أنَّنا حتى إذا لم نقل بما ذُكر في النقطتين الأولى والثانية، فما ذُكر في هذه النقطة كفيل بأن ينفي فائدة الرؤى التي يراها الناس مُتخيِّلين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الحقيقة هم لا يعرفون صورة النبي، ولذلك لا دليل عندهم على أنهم رأوه؛ لأن الشيطان يستطيع أن يتمثَّل صورة أخرى غير صورة النبي ويكذب على النائم بدعوى أنها صورة النبي.. فالشيطان لم يتقمَّص صورة النبي، بل هو تقمَّص صورة أخرى مدعياً أنها صورة النبي.

وفي المرويِّ عن أهل البيت (عليهم السلام) شاهد على صحَّة هذا الفهم للرواية الشريفة، ففي رجال الكشي (ص300) برقم 537 ، بسنده عن زرارة (رض) أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن رجل كان يزعم أن الإمام الباقر (عليه السلام) يأتيه، فقال الإمام الصادق عليه السلام: “كذب والله ما يأتيه إلاّ المتكوِّن، إنَّ إبليس سلَّط شيطاناً يقال له “المتكوِّن” يأتي الناس في أيِّ صورة شاء، إن شاء في صورة صغيرة وإن شاء في صورة كبيرة، ولا والله ما يستطيع أن يجي‏ء في صورة أبي عليه السلام”.

فهذه الرواية دالة على أنَّ الشيطان لا يأتي الناس بصورة المعصومين عليهم السلام، ولكنه يأتيهم في صورة أخرى مكذوبة يزعم أنها صورة الأئمة عليهم السلام.

وبهذه الحيلة الشيطانية يقع الكثير من الجهلة في فخ أصحاب الدعوات الكاذبة والمذاهب الباطلة لعنهم الله.. فكونوا على حذر..

والله وليُّ التوفيق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى