أسئلة وأجوبةاصول الفقةالتعليمالفقةالفقة2فقهمقالات

الحج…

الحج عبادة فريدة في الإسلام، عبادة غنية وثرية في حقلها الدلالي، وتثير الدهشة والعظمة، وتبعث على التأمل والنظر، وتتسم بالتأثير، بل بقوة التأثير النوعي والعميق نفسياً وفكرياً ودينياً.

ويفترق الحج عن باقي العبادات الأخرى، كالصلاة والصوم وغيرهما، من جهات عدة، فمن جهة، يفترق الحج عن باقي العبادات الأخرى، بتحديد عامل المكان، فهو يشترك مع الصوم من جهة عامل الزمان، فللحج أشهر معلومات لا يجوز فيها التقديم أو التأخير، والصوم له زمان واحد عند كافة المسلمين وهو شهر رمضان، ولكن ليس له مكان يقصده الناس للصيام كما هو حال الحج.
وهكذا الصلاة التي لها أوقات معلومة، لكن من دون أن يشترط فيها الاجتماع في مكان معين، أما الحج فله أشهر معلومات، وله أيضاً مكان خاص يقصده المسلمون كافة لأداء مناسك الحج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
ومن جهة ثانية، يفترق الحج عن باقي العبادات الأخرى، في أنه عبادة قائمة على عامل العمل والحركة، فهناك الطواف والسعي والصلاة في البيت الحرام، وهناك الوقوف والمبيت والرمي والذبح والحلق والنفرة في المشاعر المقدسة، في عرفات ومزدلفة ومنى.
هذا العامل يجعل من الحج تجربة عملية، وممارسة تطبيقية، وفريضة سلوكية، تكون مؤثرة بقوة، أثرت وتؤثر على كل من مر ويمر بها، وهذا ما يعرفه من خاض هذه التجربة، وهذا ما يذكره كذلك الذين كتبوا عن تجربتهم في الحج.
والإسلام بصورة عامة، يعتني في عباداته وفرائضه على عامل العمل والحركة، واقتران الأذكار بالأعمال، ويعتبر الإيمان عملا كله، بخلاف الديانات الأخرى التي تعتمد في عباداتها على التأملات الباطنية، والتجارب الروحية، والطقوس الصامتة.
ومن جهة ثالثة، يفترق الحج عن باقي العبادات الأخرى، في طبيعة المناسك والشعائر والأعمال، التي جعلت من الحج عبادة فريدة، تثير الدهشة، وتبعث على التأمل والنظر كما قلت سلفاً.
وطالما توقف عند هذه المناسك والشعائر، الباحثون والدارسون قديماً وحديثاً، وفي كل الأزمنة، طلباً لمعرفة مقاصدها وحكمها وفلسفتها، وكشفاً لأسرارها ورموزها وإشاراتها، والتي لا يدركها بطبيعة الحال، ولا يتبصر بها، ولا يتفطن لها، إلا من يعايشها ويكابدها عملاً وتطبيقاً، فالحج لا يعرف إلا بالحج، وهذه المناسك والشعائر لا تعرف، ولا تتكشف إلا بأدائها وتجربتها، وبالدارية والتبصر والتفقه فيها.
ومن وجه آخر، فإن هذه المناسك والشعائر عند من يجحد بها، هي موضع تشكيك وتعجب واستغراب، قد يصل إلى حد الاستنكار، وبشكل يكشف عن شدة المفارقة في منطق الفهم، بين من يؤمن بهذه المناسك، ويجد فيها كشفاً ثرياً بالحكم والمقاصد، والعبر والمواعظ، والأسرار والرموز، وبين من لا يؤمن بها، ويجد فيها طقوساً لا معنى لها، ومظاهر لا لب فيها، وتصرفات لا حكمة فيها1.

1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 26 أكتوبر 2011م، العدد 16496.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى