اللغة و الأدب و الشعرسادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

من معجزات كلامه عليه السلام وعلمه باللغات وبلاغته وفصاحته – الثاني

العلامة المجلسي (قدس سره)

٣٨ – قب : المحاضرات عن الراغب أنه قال عليه السلام : لا يموت ابن هند حتى يعلق الصليب في عنقه ، وقد رواه الاحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والاعثم الكوفي وأبوحيان التوحيدي وأبوالثلاج في جماعة ، فكان كما قال عليه السلام .

عمار [ و ] ابن عباس إنه لما صعد علي عليه السلام المنبر قال لنا : قوموا فتخللوا الصفوف ونادوا هل من مكاره فتصارخ الناس من كل جانب : اللهم قد رضينا وأسلمنا وأطعنا رسولك وابن عمه ، فقال : يا عمار قم إلى بيت المال فأعط الناس ثلاثة دنانير لكل إنسان وادفع لي ثلاثة دنانير ، فمضى عمار وأبوالهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال ، ومضى أمير المؤمنين عليه السلام إلى مسجد قبا يصلي فيه ، فوجدوا فيه ثلاثمائة ألف دينار ووجدوا الناس مائة ألف ، فقال عمار : جاء والله الحق من ربكم والله ما علم بالمال ولا بالناس ، وإن هذه الآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل فأبى طلحة والزبير وعقيل أن يقبلوها ، القصة .

ونقلت المرجئة والناصبة عن أبي الجهم العدوي – وكان معاديا لعلي عليه السلام – قال : خرجت بكتاب عثمان – والمصريون قد نزلوا بذي خشر ( خشب خ ل ) – إلى معاوية ، وقد طويته طيا لطيفا وجعلته في قراب [١] سيفي ، وقد تنكبت عن الطريق وتوخيت سواد الليل حتى كنت بجانب الجرف إذا رجل على حمار مستقبلي ومعه رجلان يمشيان أمامه ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام قد أتى من ناحية البدو فأثبتني ولم اثبته حتى سمعت كلامه ، فقال : أين تريد يا صخر ؟ قلت : البدو فأدفع الصحابة ، قال : فما هذا الذي في قراب سيفك ؟ قلت : لاتدع مزاحك أبدا ، ثم جزته [٢].

الاصبغ قال : صلينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداة ، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل ، فقال : من أين ؟ قال : من الشام ، قال ما اقدمك ؟ قال : لي حاجة ، قال : أخبرني وإلا أخبرتك بقضيتك ، قال : أخبرني بها يا أمير المؤمنين ، قال : نادى معاوية يوم كذا ، وكذا من شهر كذا وكذا ، من سنة كذا وكذا : من يقتل عليا فله عشرة آلاف دينار ، فوثب فلان وقال : أنا ، قال : أنت ، فلما انصرف إلى منزله ندم وقال : أسير إلى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي ولديه فأقتله ؟ ! ثم نادى مناديه اليوم الثاني : من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار ، فوثب آخر فقال : أنا فقال : أنت ، ثم إنه ندم واستقال معاوية فأقاله ، ثم نادى مناديه اليوم الثالث : من يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار ، فوثبت أنت – وأنت رجل من حمير – قال : صدقت قال : فما رأيك ؟ تمضي إلى ما امرت به أو ماذا ؟ قال : لا ولكن أنصرف ، قال : يا قنبر أصلح له راحلته وهيئ له زاده وأعطه نفقته[٣].

وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر أن الاشعث بن القيس الكندي بني في داره مئذنة ، فكان يرقى إليها إذا سمع الاذان في أوقات الصلاة في مسجد جامع الكوفة فيصيح من أعلى مئذنته : يا رجل إنك لكذاب ساحر ، وكان أبي يسميه عنق النار – وفي رواية عرف النار – فيسأل عن ذلك فقال : إن الاشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدوة ة من السماء فتحرقه ، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء ، فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور [٤].

بيان : المئذنة بالكسر : موضع الاذان والمنارة والصومعة .

٣٩ – قب : ابن بطة في الابانة وأبوداود في السنن عن أبي مخلد في خبر أنه قال عليه السلام في الخوارج مخاطبا لاصحابه : والله لا يقتل منكم عشرة ولا ينفلت منهم عشرة – وفي رواية : ولا ينفلت منهم عشرة ولا يهلك منا عشرة – فقتل من أصحابه تسعة وانفلت منهم تسعة ، اثنان إلى سجستان ، واثنان إلى عمان ، واثنان إلى بلاد الجزيرة ، واثنان إلى اليمن ، وواحد إلى تل موزن ، والخوارج في هذه المواضع منهم .

وقال الاعثم : المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام رويبة بن وبر العجلي وسعد بن خالد السبيعي ، وعبدالله بن حماد الارحبي ، والفياض بن خليل الازدي وكيسوم بن سلمة الجهني ، وعبيد بن عبيد الخولاني ، وجميع بن حشم الكندي وضب بن عاصم الاسدي .

قال أبوالجوائز الكاتب : حدثنا علي بن عثمان قال : حدثني المظفر بن الحسن الواسطي السلال قال : حدثني الحسن بن ذكردان – وكان ابن ثلاثمائة و خمس وعشرين سنة – قال : رأيت عليا عليه السلام في النوم وأنا في بلدي ، فخرجت إليه إلى المدينة فأسلمت على يده وسماني الحسن ، وسمعت منه أحاديث كثيرة وشهدت معه مشاهده كلها ، فقلت له يوما من الايام : يا أمير المؤمنين ادع الله لي ، فقال : يا فارسي إنك ستعمر وتحمل إلى مدينة يبنيها رجل من بني عمي العباس ، تسمى في ذلك الزمان بغداد ، ولا تصل إليها ، تموت بموضع يقال له المدائن ، فكان كما قال  عليه السلام ليلة دخل المدائن مات .

مسعدة بن اليسع عن الصادق عليه السلام في خبر أن أمير المؤمنين عليه السلام مر بأرض بغداد فقال : ما تدعى هذه الارض ؟ قالوا : بغداد ، قال : نعم تبنى ههنا مدينة ، و ذكر وصفها ويقال : إنه وقع من يده سوط فسأل عن أرضها ، فقالوا : بغداد ، فأخبر أنه يبنى ثم مسجد يقال له مسجد السوط [٥].

زاذان عن سلمان الفارسي في خبر طويل أن جاثليقا جاء في نفر من النصارى إلى أبي بكر وسأله مسائل عجز عنها أبوبكر ، فقال عمر : كف أيها النصراني عن هذا العنت وإلا أبحنادمك ، فقال الجاثليق : يا هذا اعدل على من جاء مسترشدا طالبا ، دلوني على من أسأله عما أحتاج إليه ، فجاء علي عليه السلام واستسأله ، فقال النصراني : أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك ؟ فقال عليه السلام : أنا مؤمن عندالله كما أنا مؤمن في عقيدتي ، قال : خبرني عن منزلتك في الجنة ما هي ؟ قال : منزلتي مع النبي الامي في الفردوس الاعلى ، لا أرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي ، قال : فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها ؟ قال : بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل ، قال : فبما عرفت صدق نبيك ؟ قال : بالآيات الباهرات والمعجزات البينات ، قال : فخبرني عن الله تعالى أين هو ؟ قال : إن الله تعالى يجل عن الاين ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم كذلك ، ولم يتغير من حال إلى حال ، قال : فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس فيسلك المسترشد في طلبه الحواس أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك ؟ قال : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار أو تدركه الحواس أو يقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول ، الدالة لذوي الاعتبار بما هو منها مشهور ومعقول ، قال : فخبرني عما قال نبيكم في المسيح : إنه مخلوق ، فقال : أثبت له الخلق بالتدبير الذي لزمه ، والتصوير والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد ، قال : فبما بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك ؟ قال : بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون ، قال : فهلم شيئا من ذلك أتحقق به دعواك ، قال عليه السلام : خرجت أيها النصارني من مستقرك مستنكرا لمن قصدت بسؤالك له ، مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد فاريت في منامك مقامي ، وحدثت فيه بكلامي ، وحذرت فيه من خلافي ، وامرت فيه باتباعي ، قال : صدقت والله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنك وصي رسول الله وأحق الناس بمقامه ، وأسلم الذين كانوا معه .

فقال عمر : الحمدلله الذي هداك أيها الرجل ، غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها والامر من بعده لمن خاطبته أولا برضى الامة ! قال : قد عرفت ما قلت وأنا على يقين من أمري [٦].

الاصبغ بن نباتة قال : أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : إني احبك في السر كما احبك في العلانية قال : فنكت أمير المؤمنين بعود كان في يده في الارض ساعة ثم رفع رأسه فقال : كذبت والله ، ثم أتاه رجل آخر فقال : إني احبك فنكت بعود في الارض طويلا ثم رفع رأسه فقال : صدقت ، إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق ، فلا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة [٧].

عبدالله بن أبي رافع قال : حضرت أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه أبا موسى الاشعري فقال له : احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ، فلما أدبر قال : كأني به وقد خدع ، قلت : يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت تعلم أنه مخدوع ؟ فقال يا بني : لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل .

مسند العشرة عن أحمد بن حنبل أنه قال إبو الوضى غياثا : كنا عامدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب عليه السلام فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء شذ منا اناس كثيرة ، فذكرنا ذلك لامير المؤمنين عليه السلام فقال : لا يهولنكم أمرهم فإنهم سيرجعون ، فكان كما قال عليه السلام .

وقال عليه السلام لطلحة والزبير وقد استأذناه في الخروج إلى العمرة : والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان البصرة ، وفي رواية : إنما تريدان الفتنة .

وقال عليه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر وخرحا بوجه غادر ، ولا ألقاهما إلا في كتيبة ، وأخلق بهما أن يقتلا .

وفي رواية أبي الهيثم بن التيهان وعبدالله بن [ أبي ] رافع : ولقد انبئت بأمر كما واريت مصارعكما ، فانطلقا ، وهو يقول وهما يسمعان : “فمن نكث فإنما ينكث على نفسه “.

وقالت صفية بنت الحارث الثقفية زوجة عبدالله بن خلف الخزاعي لعلي عليه السلام يوم الجمل بعد الوقعة : يا قاتل الاحبة يا مفرق الجماعة ، فقال عليه السلام : إني لا ألومك أن تبغضيني يا صفية ، وقد قتلت جدك يوم بدر وعمك يوم احد وزوجك الآن ، ولو كنت قاتل الاحبة لقلت من في هذه البيوت ، ففتش فكان فيها مروان وعبدالله بن الزبير .

الاعمش بروايته عن رجل من همدان قال : كنا مع علي عليه السلام بصفين ، فهزم أهل الشام ميمنة العراق ، فهتف بهم الاشتر ليتراجعوا ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول لاهل الشام : يا أبا مسلم خذهم – ثلاث مرات – فقال الاشتر – أو ليس أبومسلم معهم ؟ قال : لست اريد الخولاني وإنما اريد رجلا يخرج في آخر الزمان من المشرق ويهلك الله به أهل الشام ، ويسلب عن بني امية ملكهم [٨] وفي تاريخ بغداد أنه قال المفيد أبوبكر الجرجاني أنه قال : ولد أبوالدنيا في أيام أبي بكر ، وأنه قال : إني خرجت مع أبي إلى لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فلما صرنا قريبا من الكوفة عطشنا عطشا شديدا ، فقلت لوالدي : اجلس حتى أرودلك [٩] الصحراء فلعلي أقدر على ماء ، فقصدت إليه فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي ، فاغتسلت منه وشربت منه حتى رويت ، ثم جئت إلى أبي فقلت : قم فقد فرج الله عنا وهذه عين ماء قريب منا ، ومضينا فلم نر شيئا ، فلم يزل يضطرب حتى مات ، ودفنته وجئت إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو خارج إلى صفين ، وقد اخرج له البلغة ، فجئت وأمسكت به بالركاب ، والتفت إلي فانكببت اقبل الركاب فشجت في وجهي شجة [١٠] – قال أبوبكر المفيد : ورأيت الشجة في وجهه واضحة – ثم سألني عن خبري فأخبرته بقصتي ، فقال : عين لم يشرب منها أحد إلا وعمر عمرا طويلا ، فابشر فإنك ستعمر ، وسماني بالمعمر ، وهو الذي يدعى بالاشج .

وذكر الخطيب أنه قدم بغداد في سنة ثلاثمائة بها وكان معه شيوخ من بلده وسألوا عنه فقالوا : هو مشهور عندنا بطول العمر ، وقد بلغني أنه مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ونحو ذلك ذكر شيخنا في الامالي وفاته [١١] .

وقال له عليه السلام حذيفة بن اليمان في زمن عثمان : إني والله ما فهمت قولك ولا  عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت لي بالحرة وإني مقبل “كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيون العين “؟ والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا ولم أعرف تأويل كلامك إلا البارحة ، رأيت عتيقا ثم عمر تقدما عليك ، وأول اسمهما عين فقال يا حذيفة : نسيت عبدالرحمن حيث مال بها إلى عثمان .

وفي رواية : وسيضم إليهم عمرو بن العاص مع معاوية بن آكلة الاكباد ، فهؤلاء العيون المجتمعة على ظلمي .

وروى زيد وصعصعة ابنا صوحان والبراء بن سبرة والاصبغ بن نباتة وجابر ابن شرجيل ومحمود بن الكواء أنه ذكر بدير الديلم من أرض فارس لاسقف قد أتت عليه عشرون ومائة سنة أن رجلا قد فسر الناقوس – يعنون عليا عليه السلام – فقال : سيروابي إليه فإني أجده أنزعا بطينا ، فلما وافى أمير المؤمنين عليه السلام : قال : قد عرفت صفته في الانجيل ، وأنا أشهد أنه وصي ابن عمه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : جئت لتؤمن أزيدك رغبة في إيمانك ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : انزع مدرعتك فاري أصحابك الشامة التي بين كتفيك ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، و شهق شهقة فمات ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : عاش في الاسلام قليلا ونعم في جوار الله كثيرا .

ابن عباس أنه قال عليه السلام يوم الجمل : لنظهرن على هذه الفرقة ، ولنقتلن هذين الرجلين – وفي رواية : لنفتحن البصرة – وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلا ، فكان كما قال عليه السلام ، وفي رواية : ستة آلاف وخمسة وستون .

أصحاب السير عن جندب بن عبدالله الازدي : لما نزل أمير المؤمنين عليه السلام النهروان فانتهينا إلى عسكر القوم ، فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وفيهم أصحاب البرانس ، فلما أن رأيتهم دخلني من ذلك ، فتنحيت وقمت اصلي وأنا أقول : اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فآذن فيه ، وإن كان ذلك معصية فأرني ذلك ، فأنا في ذلك إذ أقبل علي عليه السلام فلما حاذاني قال : نعوذ بالله يا جندب من الشك ، ثم نزل يصلي إذ جاءه فارس فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم وقطعوا النهر ، فقال عليه السلام : كلا ما عبروا ، فجاء آخر فقال : قد عبر القوم ، فقال : كلا ما فعلوا ، قال : والله ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب والاثقال ، فقال عليه السلام : والله ما فعلوا ، وإنه لمصرعهم ومهراق دمائهم – وفي رواية : لا يبلغون إلى قصر بورى بنت كسرى – فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات والاثقال كما هي ، قال : فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال : يا أخا الازد ما تبين لك الامر ؟ فقلت : أجل يا أمير المؤمنين .

الاصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين إذا وقف الرجل بين يديه قال : يا فلان استعد وأعد لنفسك ما تريد ، فإنك تمرض في يوم كذا وكذا في شهر كذا و كذا في ساعة كذا وكذا ، فيكون كما قال .

وكان عليه السلام قد علم رشيد الهجري من ذلك ، فكانوا يلقبونه رشيد البلايا .

وأخبر عليه السلام عن قتل الحسين عليه السلام .

فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قال رجل : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ، قال عليه السلام : إن على كل طاقة في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كل طاقة من لحيتك شيطان يستفزك ، وإن في بيتك لسخلا [١٢] يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وآية ذلك مصداق ما خبرتك به ، ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لاخبرتك به ، وكان ابنه عمر يومئذ جابيا [١٣] ، وكان قتل الحسين عليه السلام على يده .

ومستفيض في أهل العلم عن الاعمش وابن محبوب عن الثمالي والسبيعي كلهم عن سويد بن غفلة وقد ذكره أبوالفرج الاصفهاني في أخبار الحسن أنه قيل لامير المؤمنين عليه السلام عن خالد بن عرفطة : قد مات ، فقال عليه السلام : إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن جماز ، فقام رجل من تحت  المنبر فقال : يا أمير المؤمنين والله إني لك شيعة ، وإني لك لمحب ، وأنا حبيب بن جماز ، قال : إياك أن تحملها ، ولتحملنها فتدخل بها من هذا الباب – وأومأ بيده إلى باب الفيل – فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان توجه عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى قتاله ، وكان خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن جماز صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .

أبو حفص عمر بن محمد الزيات في خبر أن أمير المؤمنين عليه السلام قال للمسيب بن نجية : يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها ، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه ، يريد بذلك الحسين عليه السلام [١٤].

بيان : الدغيلة : الدغل والمكر والفساد ، أي يركب مكر القوم ويأتي لما وعدوه خديعة ، ويحتمل أن يكون تصحيف الرعيلة ، وهي القطيعة من الخيل القليلة والوضين : بطان منسوج بعضه على بعض ، يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج .

وشد حقوها به كناية عن الاهتمام بالسير والاستعجال فيه ، وعدم قضاء التفث إشارة إلى أنه عليه السلام لم يتيسر له الحج بل أحل وخرج يوم التروية كما سيأتي ، وسيأتي هذا الخبر على وجه آخر في باب علامات ظهور القائم عليه السلام ، و فيه “وراكب الذعلبة مختلط جوفها بوضينها ، يخبرهم بخبر يقتلونه ، ثم الغضب عند ذلك “والذعلبة بالكسر [١٥] : الناقة السريعة .

٤٠ – قب : وقال عليه السلام يخاطب أهل الكوفة : كيف أنتم إذا نزل بكم ذرية نبيكم فعمدتم إليه فقتلتموه ؟ قالوا : معاذ الله لئن أتانا الله في ذلك لنبلون عذرا فقال عليه السلام : هم أوردوه في الغرور وغررا  أرادوا نجاة لا نجاة ولا عذر  .

إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور العابد عن إسماعيل بن زياد قال : إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب : يا براء يقتل ابني الحسين عليه السلام وأنت حي لا تنصره فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء يقول : صدق والله أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتلهف .

مسند الموصلي روى عبدالله بن يحيى عن أبيه أن أمير المؤمنين عليه السلام لما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين نادى : اصبر أبا عبدالله بشط الفرات ، فقلت : وماذا ؟ فذكر مصرع الحسين عليه السلام بالطف .

جويرية بن مسهر العبدي : لما دخل علي عليه السلام إلى صفين وقف بطفوف كربلاء ونظر يمينا وشمالا واستعبر ، ثم قال : والله ينزلون ههنا ، فلم يعرفوا تأويله إلا وقت قتل الحسين عليه السلام .

الشافي في الانساب : قال بعض أصحابه : فطلبت ما اعلم به الموضع فما وجدت غير عظم جمل قال فرميته في الموضع ، فلما قتل الحسين عليه السلام وجدت العظم في مصارع أصحابه .

وأخبر عليه السلام بقتل نفسه ، روى الشاذكوني عن حماد ، عن يحيى ، عن ابن عتيق ، عن ابن سيرين قال : إن كان أحد عرف أجله فعلي بن أبي طالب عليه السلام .

الصادق عليه السلام : إن عليا عليه السلام أمر أن يكتب له من يدخل الكوفة ، فكتب له اناس ورفعت أسماؤهم في صحيفة ، فقرأها فلما مر على اسم ابن ملجم وضع إصبعه على اسمه ثم قال : قاتلك الله قاتلك الله ، ولما قيل له ، فإذا علمت أنه يقتلك فلم لا تقتله ؟ فيقول : إن الله تعالى لايعذب العبد حتى يقع منه المعصية ، وتارة يقول : فمن يقتلني ؟ .

الاصبغ بن نباتة أنه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال : أتاكم شهر  رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة ، وفيه تدور رحى الشيطان ، ألا وإنكم حاجو – العام صفا واحدا ، وآية ذلك أني لست فيكم .

الصفواني في الاحن والمحن قال الاصبغ : سمعت عليا عليه السلام قبل أن يقتل بجمعة يقول : ألا من كان ههنا من بني عبدالمطلب فليدن مني ، لا تقتلوا غير قاتلي ألا لا ألفينكم غدا تحيطون الناس بأسيافكم تقولون : قتل أمير المؤمنين .

عثمان بن المغيرة أنه لما دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبدالله بن عباس – والاصح عند عبدالله بن جعفر – فكان لا يزيد على ثلاث لقم ، فقيل له في ذلك فقال : يأتيني أمر ربي وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فاصيب في تلك الليلة .

وكذلك أخبر عليه السلام بقتل جماعة منهم حجر بن عدي ورشيد الهجري و كميل بن زياد وميثم التمار ومحمد بن أكتم وخالد بن مسعود وحبيب بن المظاهر و جويرية وعمرو بن الحمق وقنبر ومزرع وغيرهم ، ووصف قاتليهم وكيفية قتلهم على ما يجئ بيانه إن شاء الله .

عبدالعزيز وصهيب بن أبي العالية قال : حدثني مزرع بن عبدالله قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أم والله ليقبلن جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم ، فقلت : هذا غيب ، قال : والله ليكونن ما خبرني به أمير المؤمنين وليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد ، فقلت : هذا ثاني ، قال : حدثني الثقة المأمون علي بن أبي طالب عليه السلام : قال أبوالعالية : فما أنت علينا جمعة حتى اخذ مزرع وصلب بين الشرفتين .

المعرفة والتاريخ عن النسوي قال رزين الفافقي : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء ، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود ، فقتل حجر وأصحابه  [١٦].

بيان : عذراء : موضع على بريد من دمشق ، أو قرية بالشام ، ذكره الفيروز آبادي [١٧].

٤١ – قب : وذكر عليه السلام من بعده الفتن ، خطب عليه السلام بالكوفة لما رأى عجزهم فقال : مع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ وأي دار بعد داركم تمنعون ؟ أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا قاطعا وأثره قبيحة ، يتخذها الظالمون عليكم سنة .

وقال لاهل الكوفة : أما إنه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم مندحق البطن [١٨]، يأكل ما يجد ويطلب مالا يجيد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني ، فأما السب فسبوني وأما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الاسلام والهجرة – يعني معاوية – .

وقال عليه السلام لاهل البصرة : إن كنت قد أديت لكم الامانة ونصحت لكم بالغيب واتهمتموني فكذبتموني فسلط الله عليكم فتى ثقيف ، قالوا : ومافتى ثقيف ؟ قال رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها – يعني الحجاج – .

وأخبر عليه السلام بخروج الترك والزنج ، رواه الرضي في نهج البلاغة .

وذكر محمود [١٩] في الفائق قوله عليه السلام : إن من ورائكم امورا متماحلة ردحا وبلاء مبلحا [٢٠].

بيان : قال الجزري في النهاية : في حديث علي عليه السلام : “إن من ورائكم فتنا وبلاء مكلحا مبلحا “أي معييا [٢١].

قال : ومنه حديث علي عليه السلام : “إن من ورائكم امورا متماحلة ردحا “المتماحلة : المتطاولة ، والردح : الثقيلة العظيمة واحدها راح يعني الفتن [٢٢].

٤٢ – قب : وذكر عليه السلام في خطبته اللؤلوئية : ألا وإني ظاعن عن قريب ، و منطلق للمغيب ، فاراهبوا الفتن الاموية ، والمملكة الكسروية .

ومنها : فكم من ملاحم وبلاء متراكم تقتل مملكة بني العباس بالروح واليأس ، وتبنى لهم مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل ، ثم وصفها ثم قال فتوالت فيها ملوك بني شيصبان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الكديد ، فأولهم السفاح والمقلاص والجموح والمجروح – وفي رواية المخدوع – والمظفر والمؤنث والنظار والكبش و المتهور والمستظلم والمستصعب – وفي رواية المستضعف – والعلام والمختطف و الغلام الزوايدي والمترف والكديد والاكدر – وفي رواية : والاكتب – و الاكلب والمشرف والوشيم والصلام والعثون – وفي رواية : والركاز – والعينوق ، ثم الفتنة الحمراء والقلادة الغبراء ، في عقبها قائم الحق .

وقوله عليه السلام في الخطبة الغراء : ويل لاهل الارض إذا دعي على منابرهم باسم الملتجي والمستكفي ، ولم يعرف الملتجي في ألقابهم ، ولكن لما بينا صفتهم وجدنا الملقب بالمتقي الذي التجأ إلى بني حمدان ، ثم يذكر الرجل من ربيعة الذي قال : في أول اسمه سين وميم ، ويعقب برجل في اسمه دال وقاف .

ثم يذكر صفته وصفة ملكه .

وقوله عليه السلام : وإن منهم الغلام الاصفر الساقين اسمه أحمد .

وقوله عليه السلام : و ينادي منادي الجرحى على القتلى ، ودفن الرجال ، وغلبة الهند على السند ، وغلبة القفص على السعير ، وغلبة القبط على أطراف مصر ، وغلبة اندلس على أطراف إفريقية ، وغلبة الحبشة على اليمن ، وغلبة الترك على خراسان ، وغلبة الروم على الشام ، وغلبة أهل أرمينية على أرمينية ، وصرخ الصارخ بالعراق : هتك الحجاب وافتضت العذراء وظهر علم اللعين الدجال ، ثم ذكر خروج القائم عليه السلام [٢٣].

بيان : قال الفيروز آبادي : قفصة : بلد بطرف إفريقية ، وموضع بديار العرب ، والقفص بالضم : جبل بكرمان وقرية بين بغداد وعكبراء [٢٤] والسعير لعله اسم موضع لم يذكر في اللغة ، أو هو تصحيف السعد موضع قرب المدينة وجبل بالحجاز وبلد يعمل فيه الدروع ، وبالضم موضع قرب اليمامة وجبل .

والسغد بالغين المعجمة موضع معروف بسمرقند .

٤٣ – قب : وذكر في خطبته الاقاليم فوصف ما يجري في كل إقليم ، ثم وصف ما يجري بعد كل عشر سنين من موت النبي صلى الله عليه وآله إلى تمام ثلاثمائة وعشر سنين ، من فتح قسطنطينية والصقالبة والاندلس والحبشة والنوبة والترك والكرك ومل وحسل وتاويل وتاريس والصين وأقاصي مدن الدنيا [٢٥].

 بيان : الكرك بالفتح : قرية بلحف جبل لبنان .

والمل : اسم موضع . والحسلات محركة : هضبات بديار الضباب ، ويقال : حسلة وحسيلة . وتاويل وتاريس غير معروفين . 

٤٤ – قب : وقوله عليه السلام في الخطبة القصية من قوله : العجب كل العجب بين الجمادى ورجب .

وقوله : وأي عجب أعجب من أموات يضربون هامات الاحياء .

وقوله عليه السلام في خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء : وإن من السنين سنون جواذع ، تجذع فيها ألف غطارفة وهراقلة ، يقتل فيها رجال وتسبى فيها نساء ، ويسلب فيها قوم أموالهم وأديانهم ، وتخرب وتحرق دورهم وقصورهم ، وتملك عليهم عبيدهم و أراذلهم وأبناء إمائهم ، يذهب فيها ملك ملوك الظلمة والقضاة الخونة .

ثم قال بعد كلام : تلك سنون عشر كوامل .

ثم قوله : إن ملك ولد العباس من خراسان يقبل ومن خراسان يذهب .

وقوله عليه السلام في المعتصم : يدعى له على المنابربالميم والعين والصاد ، فذلك رجل صاحب فتوح ونصر وظفر ، وهو الذي تخفق [٢٦] راياته بأرض الروم ، وسيفتح الحصينة من مدنها ، يعلو العقاب الخشن من عقابها بعقب هارون وجعفر ، ويتخذ المؤتكفة بيتا ودارا ، يبطل العرب وتتخذ العجم الترك أولياء ووزراء .

وقوله عليه السلام : ويبطل حدود ما أنزل الله في كتابه عليه نبيه محمد صلى الله عليه وآله ويقال : رأى فلان وزعم فلان – يعني أبا حنيفة والشافعي وغيرهما – ويتخذ الآراء والقياس ، وينبذ الآثار والقرآن وراء الظهور ، فعند ذلك تشرب الخمور وتسمى بغير اسمها ويضرب عليها بالعرطبة والكوبة والقينات والمعارف [٢٧] ، وتتخذ آنية الذهب والفضة .

وقوله عليه السلام : يشيدون القصور والدور ، ويلبس الديباج والحرير ، و تسفر الغلمان فيشنفونهم ويقرطقونهم ويمنطقونهم [٢٨].

بيان : تسفر الغلمان أي تكشف وجوههم ، كناية عن إخدامهم وإبرازهم في المجالس ، ولا يبعد أن يكون في الاصل “نسفد “من السفاد وهو الجماع .

قوله عليه السلام : “فيشنفونهم “هو من الشنف ، وهو ما يعلق في أعلى الاذن ، وقال الجزري : في حديث منصور “جاء الغلام وعليه قرطق أبيض “إي قباء ، وهو تعريب “كرته “وقد تضم طاؤه [٢٩].

وقال الفيروز آبادي : القرطق كجندب : معرب كرته ، وقرطقته فتقرطق : ألبسته إياه فلبسه [٣٠].

وفي بعض النسخ “يقرطونهم ” من القرط ، وهو حلي الاذن الذي يعلق في أسفله .

٤٥ – قب : وقوله عليه السلام : فيأخذ الروم ما اخذ منها وتزداد – يعني الساحل ونحوها – تأخذ الترك ما اخذ منها – يعني كاشقر وماوراء النهر – ويأخذ القفص ما اخذ منها – يعني تفليس ونحوها – ويأخذ القلقل ما اخذ منها ، ثم يورد فيها من العجائب ويسمى مدينة ، ويلغز ببعض ويصرح ببعض حتى يقول : الويل لاهل البصرة إذا كان كذا وكذا ، الويل لاهل الجبال إذا كان كذا وكذا ، و الويل لاهل الدينور ، والويل لاهل إصفهان من جالوت عبدالله الحجام ، و الويل لاهل العراق ، الويل لاهل الشام ، الويل لاهل مصر ، الويل لاهل فلانة .

ثم يقول : من فراعنة الجبال فلان ، فإذا ألغز قال : في اسمه حرف كذا حتى ذكر العساكر التي تقتل بين حلوان والدينور ، والعساكر التي تقتل بين أبهر وزنجان ويذكر الثائر من الديلم وطبرستان .

وروى ابن الاحنف عن ملوك بني امية فسماهم خمسة عشر .

ومن خطبة له عليه السلام : ويل هذه الامة من رجالهم الشجرة الملعونة التي ذكرها ربكم تعالى ، أولهم خضراء وآخرهم هزماء ، ثم يلي بعدهم أمر امة محمد رجال أولهم أرأفهم ، وثانيهم أفتكهم ، وخامسهم كبشهم .

وسابعهم أعلمهم ، وعاشرهم أكفرهم يقتله أخصهم به ، وخامس عشرهم كثير العناء قليل الغناء ، سادس عشرهم أقضاهم للذمم وأوصلهم للرحم ، كأني أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن يأخذ جنده بكظمه ، من ولده ثلاث رجلا ، سيرتهم سيرة الضلال ، الثاني والعشرون منهم الشيخ الهرم ، تطول أعوامه وتوافق الرعية أيامه ، السادس والعشرون منهم يشرد الملك منه شرود النقنق ، ويعضده الهزرة المتفيهق ، لكأني أراه على جسر الزوراء قتيلا “ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد “.

ومنها : سيخرب العراق بين رجلين يكثر بينهما الجريح والقتيل – يعني طرليك والدويلم – لكأني اشاهد به دماء ذوات الفروج بدماء أصحاب السروج ويل لاهل الزوراء من بني قنطورة .

ومنها : لكأني أرى منبت الشيح [٣١] على ظاهر الحضة ، قد وقعت به وقعتان يخسر فيها الفريقان – يعني وقعة الموصل – حتى سمي باب الاذان ، و ويل للطين من ملابسة الاشراك ، وويل للعرب من مخالطة الاتراك ، ويل لامة محمد إذا لم تحمل أهلا البلدان ، وعبر بنو قنطورة نهر جيحان ، وشربوا ماء دجلة ، هموا بقصد البصرة والايلة ، وأيم الله لتعرفن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى جامعها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة [٣٢].

بيان : قوله عليه السلام “أولهم خضراء “لما شبهوا في القرآن الكريم بالشجرة الملعونة شبههم أمير المؤمنين عليه السلام في بدو أمرهم لقوة ملكهم وطرواة عيشهم بالشجرة الخضراء ، وفي أواخر دولتهم لكونهم بعكس ذلك بالشجرة الهزماء من قولهم : “تهزمت العصا “أي تشققت ، والقربة : يبست وتكسرت ، أو من الهزيمة .

وأما بنو العباس فلا يخفى على من راجع التواريخ أن أولهم – وهو السفاح – كان أرأفهم ، وأن ثانيهم – وهو المنصور – كان أفتكهم أي أجرأهم وأشجعهم وأكثرهم قتلا للناس خدعة وغدار وأن خامسهم – وهو الرشيد – كان كبشهم إذ لم يستقر ملك أحد منهم كاستقرار ملكه ، وأن سابعهم – وهو المأمون – كان أعلمهم ، واشتهار وفور علمه من بينهم يغني عن البيان ، وأن عاشرهم – وهو المتوكل – أكفرهم بل أكفر الناس [ كلهم ] اجمعين ، لشدة نصبه وإيذائه لاهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وسائر الخلق ، وإن من قتله كان من غلمانه الخاصة ، وخامس عشرهم المعتمد على الله أحمد بن المتوكل ، وهو وإن كان زمان خلافته ثلاثا وعشرين سنة لكن كان في أكثر زمانه مشتغلا بحرب صاحب الزنج وغيره ، فذا وصفه عليه السلام بكثرة العناء وقلة الغناء .

وسادس عشرهم المعتضد بالله ، رأى في النوم رجلا أتى دجلة فمد يده إليها فاجتمع جميع مائها فيها ، ثم فتح كفه ففاض الماء ، فسأل المعتضد أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا علي بن أبي طالب ، فإذا جلست على سرير الخلافة فأحسن إلى أولادي فلما وصلت إليه الخلافة أحب العلويين وأحسن إليهم ، فلذا وصفه عليه السلام بقضاء العهد وصلة الرحم ، وثامن عشرهم هو جعفر الملقب بالمقتدر بالله ، وخرج مونس الخادم من جملة عسكره وأتى الموصل واستولى عليه ، وجمع عسكرا ورجع وحارب المقتدر في بغداد وانهزم عسكر المقتدر ، وقتل هو في المعركة ، واستولى على الخلافة من بعده ثلاثة من أولاده : الراضي بالله محمد بن المقتدر ، والمتقي بالله إبراهيم بن المقتدر ، والمطيع لله فضل بن المقتدر .

وأما الثاني والعشرون منهم فهو المكتفي بالله عبدالله ، وادعى الخلافة بعد مضي إحدى وأربعين من عمره في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، واستولى أحمد بن بويه في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة على بغداد ، وأخذ المكتفي وسمل عينه [٣٣] ، و توفي في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، ويقال : إنه كان أيام خلافته سنة وأربعة أشهر ، ويحتمل أن يكون من خطاء المؤرخين أورواة الحديث ، بأن يكون في الاصل الخامس والعشرون أو السادس والعشرون ، فالاول هو القادر بالله أحمد بن إسحاق وقد عمر ستا وثمانين سنة ، وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة ، والثاني القائم بأمر الله كان عمره ستا وسبعين سنة وخلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر ، ويحتمل أن يكون عليه السلام إنما عبر عن القائم بأمر الله بالثاني والعشرين ، لعدم اعتداده بخلافة القاهر بالله والراضي بالله والمقتدر بالله والمكتفي بالله ، لعدم استقلالهم وقلة أيام خلافتهم ، فعلى هذا يكون السادس والعشرون الراشد بالله ، فإنه هرب في حماية عماد الدين الزنجي ، ثم قتله بعض الفدائيين ، لكن فيه أنه قتل في إصفهان ويحتمل أن يكون المراد بالسادس والعشرين المستعصم ، فإنه قتل كذلك وهو آخرهم ، وإنما عبر عنه كذلك مع كونه السابع والثلاثين منهم لكون السادس و العشرين من عظمائهم ، لعدم استقلال كثير منهم وكونهم مغلوبين للملوك والاتراك ويحتمل أيضا أن يكون المراد السادس والعشرون من العباس وأولاده ، فإنهم اختلفوا في أنه هل هو الرابع والعشرون من أولاد العباس أو الخامس والعشرون منهم ، وعلى الاخير يكون بانضمام العباس السادس والعشرون ، وعلى الاخيرين يكون مكان “يعضده “يقصده “.

وقال الفيروز آبادي : النقنق كزبرج : الظليم أو النافر أو الخفيف [٣٤].

وقال : هزره بالعصا يهزره : ضربه بها على ظهره وجنبه شديدا ، وغمز غمزا شديدا وطرد ونفى ، فهو مهزور وهزير ، والهزرة ويحرك الارض الرقيقة [٣٥].

وقال : تفيهق في كلامه : تنطق وتوسع كأنه ملا به فمه [٣٦].

وقال الجزري : في حديث  حذيفة : “يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوا أهل العرق من عراقهم – ويروى أهل البصرة منها – كأني بهم خنس الانوف خزر العيون عراض الوجوه “قيل : إن قنطوراء كانت جارية لابراهيم الخليل عليه السلام ولدت له أولادا منهم الترك والصين ، و منه حديث عمرو بن العاص “يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض البصرة “و حديث أبي بكرة “إذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء [٣٧] “.

٤٦ – قب : وأخبر عليه السلام عن خراب البلدان ، روى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى : “وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها [٣٨] “فقال عليه السلام في خبر طويل انتخبنا منه : تخرب سمرقند وخاخ وخوارزم وإصفهان والكوفة من الترك ، وهمدان والري والديلم والطبرية والمدينة وفارس بالقحط والجوع ، ومكة من الحبشة ، والبصرة والبلخ بالغرق ، والسند من الهند والهند من تبت ، وتبت من الصين ، ويذشجان [٣٩] وصاغاني وكرمان وبعض الشام بسنابك الخيل والقتل ، واليمن من الجراد ، و السلطان وسجستان وبعض الشام بالريح ، وشامان بالطاعون ، ومرو بالرمل وهرات بالحيات ، ونيسابور من قبل انقطاع النيل ، وآذربيجان بسنابك الخيل والصواعق ، وبخارا بالغرق والجوع ، وحلم وبغداد يصير عاليها سافلها [٤٠].

توضيح : قال الفيروز آبادي : نجد الجاح موضع باليمن.

وقال : روضة خاخ بين مكة والمدينة [٤١].

وقال صغانيان : كورة عظيمة بماوراء النهر ، وصاغاني  معرب جغانيان [٤٢].

والنيل بالفتح العطاء والخير والنفع ، وبعض ألفاظه لم يبين معناها .

٤٧ – قب : وقيل للباقر عليه السلام : قد رضي أبوك إمامهما لما استحل من سبيهما ؟ فأشار عليه السلام إلى جابر الانصاري ، فقال جابر : رأيت الحنفية عدلت إلى تربة رسول الله صلى الله عليه وآله فرنت وزفرت ثم نادت : السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك من بعدك ، هذه امتك سبتناسبي الكفار وما كان لنا ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك ، ثم قالت : أيها الناس لم سبيتمونا وقد أقررنا بالشهادتين ؟ فقال الزبير : لحق الله في أديكم منعتموناه ، فقالت : هب الرجال منعوكم فما بال النسوان ؟ فطرح طلحة عليها ثوبا وخالد ثوبا .

فقالت : يا أيها الناس لست بعريانة فتكسوني ولا سائلة فتصدقون علي ، فقال الزبير : إنهما يريدانك ، فقالت : لا يكونان لي ببعل إلا من خبرني بالكلام الذي قتله ساعة خرجت من بطن امي ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وناداها : يا خولة اسمعي الكلام وعي الخطاب ، لما كانت امك حاملة بك وضربها الطلق واشتد بها الامر نادت : اللهم سلمني من هذا المولود سالما ، فسبقت الدعوة لك بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها : “لا إله إلا الله محمد رسول الله يا اماه لم تدعين علي وعما قليل سيملكني سيد يكون لي منه ولد “فكتبت ذلك الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه ، فلما كانت في الليلة التي قبضت امك فيها أوصت إليك بذلك ، فلما كان وقت سبيك لم يكن لك همة إلا أخذ ذلك اللوح ، فأخذتيه وشددتيه على عضدك ، هاتي اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح وأنا أمير المؤمنين ، وأنا أبوذلك الغلام الميمون ، واسمه محمد ، فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقرأه عثمان لابي بكر ، فوالله مازاد علي في اللوح  حرفا 

واحدا ولا نقص ، فقالوا بأجمعهم : صدق الله ورسوله إذ قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال أبوبكر : خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها ، فأنفذها علي عليه السلام إلى أسماء بنت عميس ، فقال : خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها ، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوجها منه وأمهرها أمير المؤمنين عليه السلام وتزوجها نكاحا [٤٣].

أمثال أبي عبدالله : أثنى عليه رجل منهم ، فقال عليه السلام : أنادون ما تقول وفوق ما تظن في نفسك [٤٤].

وهذه كلها إخبار بالغيب ، أفضى إليه النبي صلى الله عليه وآله بالسر مما أطلعه الله عز وجل عليه ، كما قال الله تعالى : “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا [٤٥] “ولم يشح النبي صلى الله عليه وآله على وصيه بذلك ، كما قال تعالى : “وما هو على الغيب بضنين [٤٦] “ولا ضن علي على الائمة من ولده عليهم السلام .

وأيضا لا يجوز أن يخبر بمثل هذا إلا من أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله مقامه من بعده [٤٧].

——————————————————————————————————–

[١] . بكسر القاف : الغمد .

[٢] . مناقب آل ابي طالب : ٤١٩ .

[٣] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢٠ .

[٤] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢٢ .

[٥] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢٢ .

[٦] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤١٧ و ٤١٨ .

[٧] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤١٩ .

[٨] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢١ .

[٩] . راد الارض : تفقد ما فيها من المرعى والمياه ليرى هل تصلح للنوزل فيها . وفي المصدر : أدور .

[١٠] . تنبيها منه عليه السلام بأن هذا المقدار من الخضوع والتذلل لا يجوز لغير الله تعالى وله يسجد من في السماوات والارض “.

[١١] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢٢ و ٤٢٣ .

[١٢] . السخل من القوم , رذيلهم .

[١٣] . هكذا في ( ك ) . وهو الذي يجمع الخراج . وفي غيره من النسخ “حابى “. وفي المصدر : “حابيا “ولعله من حبا الولد يحبو اي زحف على يديه وبطنه .

[١٤] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٢٥ – ٤٢٧ .

[١٥] . بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام .

[١٦] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٢٧ – ٤٢٩ .

[١٧] . القاموس ٢ : ٨٦ .

[١٨] . اي واسع ابطن .

[١٩] . يعني محمود بن عمر الزمخشري .

[٢٠] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٢٩ . وقال الزمخشري في الفائق ( ٣ : ١١ ) : المتماحل : البعيد الممتد والردح – بضم الاول والثاني – جمع رداح . وبفتحهما جمع رادحة ، وهي العظام الثقال التي لا تكاد تبرح . ومبلحا – من بلح – اذا انقطع من الاعياء وأبلحه السير . انتهى . وفيه : بلاءا مكلحا مبلحا .

[٢١] . النهاية ١ : ٩٢ .

[٢٢] . النهاية ٢ : ٧٥ .

[٢٣] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٢٩ و ٤٣٠ .

[٢٤] . القاموس ٢ : ٣١٤ .

[٢٥] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٣٠ .

[٢٦] . أي تضطرب .

[٢٧] . العرطبة : العود أو الطنبور أو الطبل . الكوبة : الطبل الصغير والنرد والشطرنج . والقينات لعله مصحف “القنينات “جمع القنين – كسكين – : الطنبور . أو “قيثار أو قيتار “وهو آلة للطرب ذات أو تار . والمعازف : آلات الطرب كالطنبور والعود والقيثارة .

[٢٨] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٣٠ .

[٢٩] . النهاية ٣ : ٢٤٣ .

[٣٠] . القاموس ٣ : ٢٧٩ .

[٣١] . الشيح : نبات انواعه كثيرة كله طيب الرائحة .

[٣٢] . مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٣٠ و ٤٣١ . وجثم الطائر : تلبد بالارض .

[٣٣] . أي فقأها .

[٣٤] . القاموس ٣ : ٢٨٦ .

[٣٥] . القاموس ٢ : ١٦٠ .

[٣٦] . القاموس ٣ : ٢٧٩ .

[٣٧] . النهاية ٣ : ٢٧٩ و ٢٨٠ .

[٣٨] . سورة بني اسرائيل : ٥٨ .

[٣٩] . في المصدر : بذشجان . ولعله مصحف “بذخشان “راجع المراصد ١ : ١٧٢ .

[٤٠] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٣١ .

[٤١] . القاموس ١ : ٢٥٨ .

[٤٢] . القاموس ٤ : ٢٤١ و ٢٤٢ . وفيه : والنسبة صغاني .

[٤٣] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٣٢ و ٤٣٣ .

[٤٤] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٢٦ و ٤٢٧ .

[٤٥] . سورة الجن : ٢٦ – ٢٨ .

[٤٦] . سورة التكوير : ٢٤ .

[٤٧] . مناقب آل ابي طالب ١ : ٤٣٣ .

يتبع ……

المصدر: http://arabic.balaghah.net

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى