إسئلنا

الحوار مع الآخر…

التطورات المتسارعة في السنوات الأخيرة على الساحة الدولية، لم تترك مجالاً للتأمل والتفكير فيما يُخرِج ويُنجِّي من الأزمات المتلاحقة والأحداث المتلاطمة، فخرجت دعواتٌ ارتجالية أو قُلْ غير ناضجة تُنظِّر بسهولة لمحيط فائق الصعوبة، ومصالح متضاربة، وأهداف متباينة، فتستَّر الجميع كالعادة وراء مفاهيم وعناوين مطَّاطة وقابلة لكل تأويل وتفسير.

في هذا الخِضم وجدت القيادات والحركات الإسلامية نفسها في وسط المعركة “المفروضة”، فبادرت لردِّ التُّهم عنها بتعابير مختلفة ظناً منها أنَّها تُنقذ رأسها أو تُبعد الشبهة عنها، فكثُر الحديث، وبشكل ملفت عن المبادرات والتراجعات ونبذ العنف وإدانة الإرهاب وأنَّ الإسلام دين سلام ومحبة ويحترم “الآخر”… متجاوزين بذلك الكثير من العناوين والمفاهيم التي كانت سائدة العقود، والتي تُعتبر حتى أمدٍ قريب أنَّها ثوابت ومسلَّمات، إلاَّ أنَّ التقيَّة أو الدبلوماسية أو “القراءة الجديدة” أَملْت إعلان ما لو أُعلن بالأمس القريب لكان تُهمة أو خيانة.‏

ومن أبرز ما طُرح، بل الدعوة إليه تتزايد، كل ما يُعبِّر عن الحوار، وقبول الآخر وحقِّ الاختلاف، كبالونات اختبار، يصعب على الناظر إليها إنكار جاذبيَّتها، وجمال حركتها، وصعودها وهبوطها، أمَّا التأمُّل في مسلكها وهدفها ومنتهاها ومصيرها وفعاليتها ودورها، فأمورٌ مسكوت عنها، حتى الآن على الأقل.‏

والملفت، تسليم الجميع بأنَّ “الشيطان يكمن في التفاصيل”، من هنا كانت “سياسة التجنُّب” في الخوض بوضوح وصراحة وشفافية، واقتصار كافة المواقف والتصريحات واللقاءات على العموميات والمسايرات والمجاملات والابتسامات والمدائح المتبادلة، إلى درجة التساؤل عن سبب هذه الاجتماعات والمبادرات والجهود، مادام الانسجام على هذا المستوى!‏

وهنا نتوجَّه للقيادات الإسلامية على وجه الخصوص، بصفتها معنيّة مباشرة وبصفتها “الشرقية” والعربية، وهي في الواجهة، وأصابع “التهمة” تتوجّه إليها، إلى ضرورة بل وجوب الثقة بالنفس أي المبادىء التي يحملونها، دون تكلُّف تفسير وتأويل وتحوير و”لَيِّ رقبة” وإعادة ” “قراءة” إلى ما هنالك من مصطلحات منثورة يكثر تدحرجها في أوساطنا، ومنها ما يُساير أو يستفيد أو يستعير أو يُحاكي المصطلحات اليسارية لفترة الخمسينات والسبعينات.‏

الأمر الذي لا شك فيه أنَّ المعركة فُرضت علينا، وأنَّ نهضة إسلامية ولو عاطفية نزلت إلى الشارع، وأنَّ الأنظمة القائمة مرتبطة بشكل أو بآخر بالأمريكيين إلى جملة مسلَّمات أخرى لا يُنكرها أحد.‏

إلاَّ أنَّ الحديث العام عن مهادنة الأنظمة، لا يُخرِج من الأزمة، كذلك عن عدم التصادم، والخطوط الحمر، والمهادنة، إلى ما هنالك من تعابير لا تُعرَف عن الأمريكيين، ولا الأنظمة، ولا الوكلاء، ولا المسلمين أنفسهم.‏

إنَّ رفع الشعارات العامة من قبل، ربَّما أجَّل الاستحقاق أو خدَّر الأتباع والمعجبين، لكنْ، هل مازالت هذه الشعارات المطاطة صالحة للاستعمال؟‏

هل يكفي الحديث عن الحوار والقبول والاحترام ليُسلِّم الآخرون وتنتهي المشكلة.‏

بل ربما ندَّعي أنَّ الأمور تتأزَّم أكثر مع دخول “جيش” من الطامحين والمفسِّرين والمتطوِّعين، خاصة المتأثرين بالمدارس الغربية، والذين ركبوا الموجة الإسلامية أو الذين خدموا “عسكريَّتهم” في الأحزاب اليسارية، ليزيدوا “باجتهاداتهم” الشرخ ولو عن حُسْن نيَّة.‏

لكنَّ حُسْنَ النِّية هنا لا يردُّ الإصابة القاتلة.‏

إنَّ التملُّص من بعض الثوابت أو النَّأيَ عنها يُخسِرُ الأنصار ولا يربح الأعداء، وعند الملمَّات وعندما تقع الواقعة التي يبدو في زماننا أنْ “ليس لوقعتها دافعة”، سنكون قد خسرنا مَنْ كان معنا، ولم نربح الآخرين.‏

ليس المهم أن نُعلن قبول الآخر، والحوار، المهم أن يقبل هو بذلك، وأن تكون هناك أُسس أقلها الاعتراف بنا وبما عندنا، حتى يكون للنقاش موضوع، وأن يُذعن أحدُنا للحق والبرهان، فلا يكون الحوار للحوار دون هدف يصل إليه، ولا معنى إطلاقاً لحوار بشرط عدم التسليم بالنتائج، بل هو هدر للوقت والعمر.‏

وكيف سيكون حوار و”الآخر” لا يقبلنا، فهذا المفكِّر الإسلامي المشهور الأستاذ فهمي هويدي ينشر في جريدة السفير تجربته “الطازجة” في ألمانيا مع جملة من مفكِّيريها عندما جالسهم فاشترطوا عليه “للحوار” الفصل بين الدين والسياسة، ورفض الجهاد، وإلغاء الفتوى، وترك ذبح الحيوانات لأنَّه مظهر وحشي، وإلغاء الحجاب في الشوارع والأماكن العامة لأنَّه تمييز عنصري(!) والسماح به في البيت فقط، وأن يكون التعليم مختلطاً، ومساواة المرأة بالرجل، والتسليم بحقوق الإنسان طبقاً للاتّفاقيات الدولية، وعدم تدخُّل “رجال الدين” في السياسة!‏

هل بَقِيَ شيءٌ للحوار؟!‏1

  • 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى