إسئلنا

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ…

نص الشبهة: 

قال تعالى :﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ .. فما هي العلاقة بين علم الله سبحانه ما في السماء والأرض، وبين جعله تعالى الكعبة البيت الحرام قياماً للناس؟!..

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن الله سبحانه قد وضع الكعبة المشرفة والبيت الحرام في تلك البقعة المباركة من لدن آدم (عليه السلام)..
وهو مكان يستحيل بحسب العادة أن يكون مهداً للحضارات، ومصدراً للرقي الإنساني، وموضعاً لنشوء المجتمعات المتحضرة والراقية.. لأنه يفقد أدنى المقومات المطلوبة لذلك..
ولكن الإرادة الإلهية، والهدى الرباني قد أعطى في هذا المجال نتائج مذهلة، وغير قابلة للتصور أو الإدراك والفهم لها، وفقاً لما يملكه البشر من معايير..
فقد أصبح هذا الموضع الذي يفترض فيه أن لا يكون فيه أي أثر للأمن، هو مصدر الأمن، بل إن الأمن يتجلى فيه بمستويات، لا يمكن أن ينتجها المحيط الذي وضع فيه ذلك البيت، قال تعالى :﴿ … أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا … ﴾ و ﴿ … آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ … ﴾..
وأصبح البلد الذي هو القلب للمجتمع الجاهلي، مصدراً للعلم والوعي والمعرفة، ليس للمحيط الذي هو فيه وحسب، بل للبشرية كلها، وعبر الأزمان والأحقاب!!
وأصبح البلد الذي هو نقطة الارتكاز للمحيط الجاهلي الغارق بالانحرافات، ويهيمن عليه طغيان الهوى، والشهوات، والتمرد على الخالق، وهو مصدر الظلم، والشر، والجريمة والرذيلة..
نعم ، لقد أصبح هذا البلد بالذات مصدراً للهدى، ومنارة للقيم، ومعدناً للطهر، وأسوة وقدوة في كل خلق كريم، ومدرسة في الزهد، والالتزام، وعَلماً وأنموذجاً في الاستسلام لإرادة الخالق، والعبودية له..
وأصبح أيضاً هذا البلد الفاقد لأي من مقومات أية حياة إقتصادية مهما كانت ضعيفة وهزيلة، مكاناً رغيداً سعيداً يجبى إليه ثمرات كل شيء، حسبما ورد في دعاء النبي إبراهيم (عليه السلام)..
وأصبح لهذا البلد الفاقد لأي مبرر لإنشاء علاقات ، وإيجاد روابط، أو دوافع للتواصل مع أهله.. أصبح مهوى للأفئدة، وتشد الرحال إليه، ويأتيه الناس من كل فج عميق، قال تعالى حكاية لدعاء النبي إبراهيم (عليه السلام): ﴿ … اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ .وقال تعالى :﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .

وقال تعالى حكاية لقول النبي إبراهيم (عليه السلام) أيضاً :﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ .

وبعدما تقدم نقول:
لو أننا عرضنا على أي إنسان يريد أن يقوم بحركة إصلاحية عامة وشاملة على مستوى العالم بأسره، متحدياً بها وبتعاليمها طواغيت الأرض، ويريد أن يغير الإنسان من خلالها بصورة جذرية وحقيقية، وتتدخل في عمق شخصيته الإنسانية، وفي أسلوب حياته، نعم . . لو أننا عرضنا عليه أن يتخذ بلداً يشبه مكة منطلقاً لحركته ولدعوته، ألا تراه يسخر منا، أو على الأقل سوف يعتبر ذلك مزحة ممجوجة وثقيلة!!
ولكن الله سبحانه قد اختار مكة بالذات والفاقدة لكل شيء ، لتكون مصدراً للعطاء في كل شيء..
فخلق من الموت حياة، وأنشأ من الضعف قوة ونشر الهدى من حيث كان ينتشر الضلال.. وأوجد الأمن في موضع الخوف، والرجاء في موقع اليأس.
أفلا يكفي ذلك لكي نعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض؟!
والحمد لله رب العالمين 1..

  • 1. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الرابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (197).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى