منوعات

العقل ودوره في الإدارة الناجحة والقيادة الحكيمة في منهج الإمام علي (عليه السلام)

الباحث: الشيخ سجاد عبدالحليم الربيعي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه الحبيب المصطفى محمد وآله وسلم، وبعد:

من الأمور المهمة التي تساعد المسؤول والمتصدي للقيادة والإدارة هو التعقل والتدبير والنظر في الامور وضرورة وضع كل آمر موضعه بلا استبطاء أو عجلة وعدم الانجرار وراء الرغبات والأهواء.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) واصفا ثمرات العقل وهو وضع الامور في مواضعها: (وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ)[1]

جاء في اللغة أن العقل: (نقيض الجهل، ، يقال عقل يعقل عقلا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله. وجمعه عقول. ورجل عاقل وقوم عقلاء. وعاقلون. ورجل عقول، إذا كان حسن الفهم وافر العقل [2](.

والعقل هو السور المانع والحصن, وهو من العقال أي عقال من الجهل, هذه هي فائدة العقل للإنسان الذي يستعمل عقله دائما في اتخاذ قراراته الصائبة ويسور مواقفه وأقواله وسلوكياته خشية الوقوع في الجهل، وقد ورد التأكيد عليه في كثير من النصوص الشرعية منها:

 ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في وصف العقل (إن العقل عقال من الجهل، والنفس مثل أخبث الدواب فإن لم تعقل حارت، فالعقل عقال من الجهل ، وإن الله خلق العقل فقال له : أقبل ، فأقبل وقال له : أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعظم منك ولا أطوع منك ، بك أبدأ وبك أعيد ، لك الثواب وعليك العقاب)[3]

فقد شبه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) النفس والهوى (بأخبث الدواب) أي الدابة التي لم تعقل , تهرب وتتيه كذلك النفس إذا لم تعقل فإنها تكون في تيه.

وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (العقل يوجب الحذر)[4], (الجهل يوجب  الغرر)[5]

وعنه (عليه السلام)  في وصيته لمالك الاشتر ( رضوان الله عليه ) قال (وَلَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَأَمْناً لِبِلَادِكَ وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَاتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ)[6] 

فالإنسان حينما يستعمل عقله يتعامل بحذر في أقواله وأفعاله.

وعنه (عليه السلام) (العقل أقوى أساس)[7], أقوى أساس يمكن أن يعتمده الإنسان في تفجير طاقاته وفق الرؤية الإسلامية الصحيحة, فيكون تفكيره منسجمًا مع الفطرة والمنطق. 

وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) (للحازم من عقله عن كل دنية زاجر)[8]، فالحزم هو تعبير ينبأ عن صدق وشعور الشخص اتجاه آرائه واحتياجاته ، وينم عن احترام الذات الإيجابي وعن رؤية الذات بصورة أفضل . ويرتبط  مفهوم الحزم بخاصيتين هامتين في الإنسان هما: العقل والتفكير. الإرادة والاختيار. 

والحزم هو ثمرة العقل, فالإنسان الذي يحتاط في قراراته يعمل ضمن إطار العقل  في تدبير الأمور, وله الإرادة في اختيار تنفيذ القرارات المنسجمة مع العقل والحكمة, فيكون محصنا لنفسه ويجد فيها مناعة من الوقوع في الخطأ والانحراف.

وورد عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قوله (اعلموا أن العقل حرز والحلم زينة )[9]، أي ان العقل يحفظ الانسان , فالمواقف الايجابية والعقلانية التي تصدر من الانسان دلالة على ان هذا الانسان متحفظا ومتحرزا بعقله

ثم ينسب الإمام علي (عليه السلام) العقل الى العفاف: يقول (إن أصل العقل العفاف، وثمرته البراءة من الآثام)[10].

ويمثل العقل العفة في اللسان والعين والاذن وفي جميع الجوارح, فأصل العقل هو العفة ومن يتصرف على أساس العقل لا يمكن أن يقع في الحرام والمعصية, فيجد نفسه أكبر من أن ينساق وراء المواقف المشبوهة والدنيئة التي لا تحفظ كرامة الإنسان وسموه ورفعته. 

وعنه (عليه السلام): (لا ترضين قول أحد حتى ترضى فعله، ولا ترض فعله حتى ترضى عقله، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه، فإن الانسان مطبوع على كرم ولؤم، فإن قوى الحياء عنده قوى الكرم، وإن ضعف الحياء قوى اللؤم)[11].

وعنه (عليه السلام): (لا يعد العاقل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا: إعطاء الحق من نفسه على حال الرضا والغضب، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، واستعمال الحلم عند العثرة)[12]، وعنه (عليه السلام): (إنما العقل التحذر من الإثم والنظر في العواقب والاخذ بالحزم)[13]. 

يريد الإمام (عليه السلام) أن يبين أهمية العقل, فالعقل هو التجنب والحذر من الوقوع في الآثام والمعاصي والرذيلة, والنظر في عواقب الأمور المستقبلية, فالإنسان حينما يستعمل عقله تكون نظرته بسيطة الى الأمور, والعقل هو الحزم والاحتياط في المواقف, وهو مجانبة التبذير وحسن التدبير, فمن العقل أن يحسن الانسان تدبيره في أموره.

فيتحصل: أن استحضار العقل في السلوك والأداء والمواقف, يترك آثارا في مساحات الحياة, فالعاقل يرفض كل ما يتنفر منه العقل كظلم الآخرين والعمل بالباطل، فينبغي للمسؤول والمتصدي أن يشح بنفسه ويقمع هواه بعقله ويمنع نفسه من الوقوع في المنزلقات كالشبهات والمواقف السيئة.

الهوامش: 

[1] نهج البلاغة : 53.

[2] معجم مقاييس اللغة , احمد ابن فارس: ج4/ 96.

[3] تحف العقول عن آل الرسول ( ص )  ابن شعبة الحراني ص15. 

[4] عيون الحكم والمواعظ علي بن محمد الليثي الواسطي ص24. 

[5] المصدر نفسة: ص24. 

[6] نهج البلاغة: 53. 

[7] عيون الحكم والمواعظ : علي بن محمد الليثي الواسطي ص35. 

[8] عيون الحكم والمواعظ : علي بن محمد الليثي الواسطي ص403.

[9] إرشاد القلوب : 199 . وينظر: العقل والجهل في الكتاب والسنة : محمد الري شهري ص63. 

[10]  الكافي : 8 / 241 / 331 وينظر العقل والجهل في الكتاب والسنة : محمد الري شهري ص104.

[11]  شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 20/ 310، والمواعظ العددية : للمشكيني ص 160. 

[12] إرشاد القلوب : 74. 

[13] عيون الحكم والمواعظ : علي بن محمد الليثي الواسطي ص178.

المصدر: http://inahj.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى